علم الدلالة: النشوء والتطور
2- علم الدلالة: النشوء والتطور
د. محمد دخيسي - وجدة المغرب
لعلنا سنطيل الحديث في هذا المجال لأسباب نخص بالذكر منها:
أولا: اعتبار هذا العلم يهتم بالجانب الدلالي في النص الإبداعي وهو ما سيخدم طريقتنا في البحث عن التحولات الدلالية في الشعر المغربي المعاصر، (نموذج محمد بنعمارة)، وقد:" ارتبط هذا النوع من التعبير بالانزياح الذي يتجلى في استعمال الشاعر لألفاظ اللغة وتعابيرها، في غير سياقها المعتاد المتعارف عليه، به يتجاوز المعاني والصور المألوفة." [1]
ثانيا: إبراز بعض الخصوصيات التي بإمكانها مساعدتنا في تحقيق هذا الغرض، وتمتيع النص الإبداعي بالقدرة على تحمل الصعاب الناجمة عن عدم الإدراك، لأن مهمة القراءة النقدية الوحيدة كما صرح بذلك صلاح فضل:" هي تتبع كيفية إنتاج الدلالة الشعرية وعوامل تولدها بالتعرف على هذه البنية وتحديد رموزها لإدراك كيفية قيامها بوظائفها السيميولوجية. وهي قراءة توصف أحيانا بأنها ألسنية أو لغوية لكنها في حقيقة الأمر تتجاوز المدى اللغوي؛ إذ تحاول احتضان النص بالنفاذ إلى بعض أبعاده الإشارية والرمزية في مستوى خاص، وهي لا تستنفذ كل إجراءاتها في نص واحد ولا تكرر معالجتها له، بل هي قادرة على أن تجرب كل مستوى الإجراء الذي يبرز خواصه ويبوح بسر تركيبه مما يبرز جانبا من الدلالة قابلا للتكاثر والتعدد." [2] . لذلك فالشعر لا يسلم من التحرشات، حين يلجأ الشاعر إلى استبطان الذات لاكتشاف ما هو خارج عنها بالقول المستعصي على الفهم على القارئ العادي، وباكتشاف جملة من الأمور التي تساعد على إدراك المسوغات المساهمة في حل إشكال التحول في المعنى.
جاء في كتاب ( نظرية الأدب) لمؤلفيه رينيه ويلك Rene Wellek و أوستن وارين Austin Warren القول إن الشعر مع ما يحمل من معاني يُلجأ غالبا إلى امتهان المتغيرات الدلالية سبيلا لخلق المعاني الجديدة:" تغدو دراسة اللغة ذات أهمية غير عادية من أجل دراسة الشعر، غير أننا نعني طبعا بدراسة اللغة متابعات يهملها عادة علماء اللغة، المحترفون أو يخففون من شأنها، إن الدارس الحديث للأدب لن يحتاج كثيرا إلى المصادفات التاريخية أو علم اللغة أو حتى اللغويات التجريبية إلا من أجل المسائل النادرة في اللفظ، المطلوبة في تاريخ الوزن والقافية، على أنه سوف يحتاج إلى لغويات من نوع خاص، سيحتاج قبل كل شيء إلى دراسة معاني الألفاظ وما يطرأ عليها من تغيرات." [3]
إن مثل هذا الاصطلاح يجلي مجموعة من الالتباسات حول طريقتنا التي نتبعها من أجل الوصول إلى الدلالات المتحولة عن أصولها، لذلك لـجوءنا إلى علم الدلالة لم يكن اعتباطيا بقدر ما أوحى به المتن المدروس. ولنقل على سبيل المثال إذا كان الشاعر يتحول من معنى إلى آخر من أجل تحقيق أهداف جمالية فحسب، فما السبيل إلى الوصول إليها؟
لعل دلالة الأطر كما حددها جون لايكوف ومارك جونسن في كتابهما (الاستعارات التي نحيا بها)، وكما استخلصها من بعدهما د- محمد مفتاح في مؤلَّفه (مجهول البيان) تنم عن قدرة في الوصول إلى بعض المعاني. لكن قبل الوصول إلى الآليات نعرج على بعض النظريات في هذا المجال.
تم لنا في المبحث الأول استكناه التحولات الدلالية في القرآن الكريم ووجدناها لغة ذات طابع دلالي خاص تستمد أسسها من المقومات البيانية استنادا إلى التعدد في المعنى أو احتمال المعنى الثانوي المتحول عن المعنى الأساس:" وهذه النصوص يجب تأويلها بنقلها من الدلالة الحقيقية إلى الدلالة المجازية تبعا لعادة العرب في التجوز ، لأن كل ما أدى إليه البرهان وخالفه ظاهر الشرع فإن ذلك الظاهر يجب أن يؤول على قانون التأويل العربي."[4]
حين نلجأ إلى مثل هذه التنظيرات الأولية نكون أمام تخط للأولية التعريفية، بمعنى أن نعرف بمجال العلم الذي نحن بصدد الحديث عنه أولى وأهم، لذلك فالقول بأحقية التعاريف الغربية تبقى هي المسوغ لتحليلنا. فمن الأحكام المسبقة التي طرحا أصحابها مجالا للتعريف بالنظرية نتلمس بعض الأسس النظرية.
[1] - عباس الجراري، تطور الشعر العربي الحديث والمعاصر في المغرب، من 1930 إلى 1990، مطبعة الأمنية الرباط، منشورات النادي الجراري، -11-، ط- 1، 1997.ص- 499.
[2]span> - د- صلاح فضل: إنتاج الدلالة الأدبية،مؤسسة مختار للنشر والتوزيع، القاهرة،ط 1-،1987، ص- 34.<..
[3] - رينيه ويلك، أوستن وارين: نظرية الأدب، ترجمة محيي الدين صبحي