ثقافة الأسرة المعاصرة

ثقافة الأسرة المعاصرة

للأستاذ الدكتور: ماجد الكيلاني

دراسة نقديّة تحليليّة

د. ماجد عرسان الكيلاني

[email protected]

رائدة خالد نصيرات

طالبة دكتوراة في التربية الإسلامية

قسم الدراسات الإسلامية-جامعة اليرموك

المقدمة:

إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدهِ الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنّ محمداً رسول الله.

أمّا بعد:

فلمّا كانت الأسرة ثانيّ ميادين المسؤوليّة بعد مسؤوليّة الفرد عن نفسه، حيث إنّه إذا اعترضها سوء فهم وتشويه فإنّها تنقلب إلى تسلط واستبداد من الأب أو الزوج، وثورة أو استبداد أو حتى إذلال من الأمّ أو الزوجة، وتمرّد وعصيان من الأبناء أو البنات، فالكلّ مسؤول أمام الله عن تقصيره، ولذلك لا بدّ من تصحيح علاقة الزوجين فيما بينهما، بحيث تربطهما علاقة متميّزة.

والحقيقة أنّ هذا لا يتحقق إلا إذا أقيمت بينهم ثقافة مسؤولة، تساعد كل أفراد الأسرة على استخراج القدرة العقليّة والنفسيّة والإراديّة، وتنمية المهارات العمليّة التربويّة، وتربيّة الأسرة على أصول ثقافيّة علميّة إسلاميّة تساهم بشكل فعّال في إنشاء جيل صالح يصلح المجتمع بصلاحه، وتنتشر الفضيلة فيه، فلا أشّد على الأعداء في الداخل والخارج من جيل صالح يفهم الإسلام العالمي الشامل بصورة صحيحة، وينشره في مجتمع تملؤه المؤسسات التربوية الصاعدة الهادفة إلى تحقيق مستوى المكانة العاليّة في الدنيا والآخرة بتحقيق الشعور بالمسؤوليّة والبذل والعطاء، لا الأخذ والمطالبة بالحقوق.

وعلى المؤسسات ابتداءً من الأسرة أن تبدأ بمراجعة دوريّة للقيم السائدة وبلورتها لتتفق مع تعاليم الإسلام وتجاري متطلبات العصر الحاضر، من خلال نقدها نقداً ذاتياً لا تبريريّاً، وشاملاً لا جزئيّاً، وسننيّاً لا خوارقيّاً، للخروج بالجديد والابتعاد عن التقليد الآبائي.

وتبدأ هذه الدراسة النّقدية بالإطّلاع على الأسس العلميّة للتربيّة الأسريّة، ثم إجراء محاولة نقديّة لكتاب الدكتور: ماجد الكيلاني "ثقافة الأسرة المعاصرة"، بناءً على إرادة المؤلف نفسه، وذلك لتنميّة قدرة الطالب العقليّة، والإرادة النبيلة في نقد الثقافة الأسرية التي طرحها المؤلف ومنها ينتقل إلى مرحلة متقدّمة ومتطوّرة أكثر، وهي نقد ثقافة الأسر التي نعايشها في مجتمعنا الإسلامي العربي، دون الخوف من لومة أي لائم، (والله أعلم).

وبناء على ذلك ستتم دراسة الكتاب في محورين :

 المحور الأول: مناقشة المعايير العامة للكتاب:

أولا: لغة الكتاب وأسلوبه ومنهج المؤلف فيه:

أـ لغة الكتاب وأسلوبه:

والصفة الغالبة على مؤلفات المؤلف في لغتها وأسلوبها اتّصافها بالسهولة والوضوح ومناسبتها لجميع فئات العمر، ودرجات الثقافة لابتعادهما عن التعقيد والصعوبة.

فالمعاني وضعت في قوالب لفظية محددة المعالم، واضحة الأفكار والمقاصد، مبيّنة للأسباب، ومحددة للأهداف والغايات في معالجة الأحداث، وتلبيّة الحاجات ومواجهة التحديّات، ويتمّ هذا بأسلوب يُعرض فيه المحتوى، بحيث يجذب القارئ إلى عدم ترك الكتاب حتى ينتهي من قراءته كاملاً، لتسلسل الأفكار وتجددها.

وأهم ما امتّازت به اللغة والأسلوب في الكتاب ما يلي:

‌أ-  عدم وجود أخطاء مطبعيّة أو إملائيّة نحويّة.

‌ب-  استخدام علامات الترقيم بصورة سليمة.

‌ج-  وضوح اللغة وسهولتها –أشرت لها سابقاً- ويبدو لي أنّ هذا الكتاب أوضح مؤلفات المؤلف التي أطّعلت عليها حتّى الآن وأكثرها متعة في الأسلوب.

‌د-  واقعيّة اللغة بحيث يلاحظ أنّها تجاري الحاضر الذي نعيشه، فلا وجود للألفاظ الغريبة عن الواقع أو التي يستهجنها الواقع ولا يستصيغها.

والملاحظة الوحيدة على الكتاب هي::

تعريفه معنى الثقافة الأسرية([1])، حيث يلاحظ أنّ التعريف طويل جداً، وبحاجة إلى اختصار دون إخلال بالمعنى المقصود.

والمعلوم أنّ التعريف الاصطلاحي المتعارف عليه علمياً لا يكون طويلاً مسهباً أو مختصراً مخلاً للمعنى، وخير الأمور أوسطها بشرط أن يكون التعريف جامعاً مانعاً – جامعاً للأوصاف الداخلة في المصطلح، ومانعا لدخول أوصاف خارجة عنه ـ والله أعلم.

ب ـ ٍمنهج المؤلف في الكتاب:

وقد امتّاز منهج المؤلف بما يلي:

أولاً: الدقة في تحديد المشكلة الأساسية في الدراسة ثم جمع المعلومات وتحليلها ثم استخلاص الحلول الّلازمة لعلاج المشكلة التربويّة.

ثانياً: استخدام بعض المناهج الظاهرة المألوفة وهي: المنهج الوصفي والمنهج التحليلي، والمنهج الاستقرائي والاستنباطي.

ثالثاً: استخدام المناهج المتسترة الضرورية لتأصيل البحث في الأسرة ومنها: منهج التشخيص والمعالجة، والمنهج التّزكوي، والمنهج التّجديدي.

إلا أنّه يبدو لي عدم استعماله "منهج الرسوخ والإحاطة"، حيث إنّ المؤلف لم يدرس الموضوع من بعده الزماني ـ أي الدراسة الوافيّة العميقة لتاريخ الموضوع، والتّمكن من فهم تطوراته التي مرّ بها ابتداءً من نشأته حتى واقعه القائم، وهذا هو الرسوخ التّام في المعرفة ـ فالمؤلف لم يدرس التطور الزمني لموضوع الثّقافة الأسريّة المعاصرة وما تواجه من مشكلات وتحديّات معاصرة.

وأما الإحاطة بالموضوع فيبدو أنّها غير مكتملة الدراسة للأسباب التالية:

أولاً: أنّ الإحاطة الشاملة تعني: العلم بتفاصيل الموضوع وكليّاته المنتشرة عبر البعد المكاني ثم اكتساب المهارات العمليّة المتعلقة به([2])، وهذا ما لا نجده في هذه الدراسة، حيث إنّ منهج المؤلف خلا من الدراسات والمصادر الإسلامية التي تعالج قضيّة ثقافة الأسرة المعاصرة المسلمة، فهو لم يذكر في فهرس المصادر العربية إلا كتاب "الفتاوى الكبرى لابن تيمية"، وثلاثة كتب للمؤلف نفسه، وباقي المصادر أجنبية"([3]).

ويبدو للنّاقدة أنّه لا بدّ من وجود دراسات إسلاميّة عربيّة درست هذا الموضوع دراسة وافيّة، وقد تكون جزئيّة إلا أنّها تسهم في تقديم معرفة ولو بسيطة، وعدم ذكرها واللجوء إليّها في الدراسة نكران لعلم هؤلاء التربويين الإسلاميين وجحود لفضلهم، وأيضاً فيه اعتراف للتربويين الغربيين بالعلم والفضل والدراسة دون غيرهم، وإن ظهر في الكتاب اعتراض من االمؤلف عليهم في بعض الأحيان. إلإ أن دراسته تبدو مستمدة من الأفكار الغربيّة، والله أعلم.

ثانياً: إنّ الدراسة الإحصائيّة، والدراسات التربويّة أجريت على المجتمعات الغربيّة والأمريكيّة لا على المجتمعات الإسلاميّة، مع أنّها الأحوج للدراسة والتحليل ثم إفراز النتائج

 والحلول المناسبة بناءً على عيّنة الدراسة وهي "المجتمعات الإسلاميّة لا الأمريكيّة"، فلم تذكر المجتمعات الإسلاميّة إلا بشكل مجمل لا دراسة ولا إحصائيّة فيها([4])، والله أعلم.

ثالثاً: دور آيات الكتاب والسنة لم يكن واضحاً، بسبب قلّة الاستشهاد بالكتاب والسنّة وحتى سيرة السلف الصالح.

ومع أنّ آيات الكتاب أعظم منهج تربوي وُجد على الإطلاق، لما فيه من ترسيخ لإنسان التربية الإسلامية في فهم قوانين النفس والاجتماع الإنساني وخطورة الخروج عن هذه القوانين، بغيّة إقناع الإنسان بأنّ مخالفة قوانين الله في الأنفس والمجتمعات يؤدي إلى تخلّف المجتمع وانحطاطها ثم انهيارها، والقرآن والسنّة يحملان الشواهد الكثيرة على مخالفة أقوام لسنن الله في الاجتماع، فسلّط الله غضبه عليها سواء بالكوارث المادّّية أو المعنويّة، فدور القرآن والسنة في الحفاظ على الأمن والاستقرار في الأسرة يشهد له عصور الازدهار في الإسلام.

رابعاً: عدم اعتماد المؤلف على التّوثيق العلمي للاقتباسات والنقولات وتدوينها من باب الأمانة العلمية، وإن وثّق بعض الاقتباسات إلا أنّ ذلك نادراً، (والله أعلم).

ثانيا: الإضافة إلى المعرفة:

وتظهر الإضافة التي أرادها المؤلف في التّأليف، من خلال طرح فلسفة جديدة لبلورة مفهوم جديد للثقافة الأسريّة، بحيث تشيع ثقافة في الأسرة تحمل في روحها مشاعر المودة والرحمة والاستقامة البيتيّة، وعمق العلاقات بين أفرادها ونضجها، وتنميّة أفراد الأسرة فيما بينهم، بحيث تنبع من الأصول والمناهج التربويّة والقيم التي تتبناها الأسرة بحيث يتمّ الدوران حول فلك "نحن" الجماعة للانتقال من الاستقلال الفردي إلى تبادل التعاون والاعتماد بين أعضاء الأسرة([5]).

مؤصّلاً للثقافة الأسريّة بأصول تعمل على بقاء الأسرة، وتحافظ على روابطها بحيث تعمل على استثمار الفروق الفرديّة بين أفراد الأسرة الواحدة، ثم بلورة رؤية مستقبليّة للأسرة بحيث تُولد لدى جميع أفراد الأسرة طاقات إيجابية واتجاهات بنّاءة وحماساً لتنفيذ عناصر هذه الرؤيّة المستقبليّة من خلال المرور بثلاث خطوات لوضع الرسالة المستقبليّة، مع الدعوة إلى وعيّ القائمين على الأسرة بالأصول التربويّة التي توجهها التعاليم الدينيّة وتعززها الأبحاث التربويّة والنفسيّة لحل المشكلات الأسريّة والاتّصاف بالمؤهلات التي تهيّئ الوالدين وتؤهلهما للقيام بدوريهما الأسري.

والدعوة إلى تبادل الفهم بين رب الأسرة وأعضاءها، واتّباع سنة الله في التّلاحم الأسري حيث إنّه جهاز المناعة في الأسرة، ومصدر الإبداع والسعادة وروح الدعابة والتنوّع، واحترام كل عضو للآخرين ورعاية اهتماماتهم ورغباتهم النبيلة بأسس علمية تربويّة.

ثم إيجاد الطرق والحلول للوصول بالأسرة إلى أعلى درجات الفاعليّة والإنجاز، وبذلك يتحقق أعلى مستويات نمو الأسرة، وكلّ هذا لتنميّة الأفراد في الأسرة للصعود بهم إلى أعلى درجة في الإنجاز وتحقيق الذات والمكانة العاليّة، وذلك بتعزيز القوى الحافزة للنمو الأسري وتقييد القوى المعوّقة وشلّ حركتها، والعمل على تدريب الأسرة لتجديد روحها وثقافتها، وتزكيتها من الأنانيّة وتنميّة الإحساس بالمسؤوليّة الجماعيّة، والابتعاد عن الأسباب المؤديّة إلى اضطراب العلاقات الأسريّة.

ثم يتوجه في الخلاصة إلى توصيات للمؤسسات التربويّة للعمل على تثقيف الآباء والأمهات، بالأصول والقيم العقديّة والتربويّة والاجتماعيّة ودورها في تكوين الأسرة، وعقد الدورات والندوات والمؤتمرات واللقاءات لتأسس ذلك، وذلك لشدة خطورة المؤسسة الأولى وضرورتها في تكوين المجتمع.

وبذلك تظهر الإضافة بالدعوة إلى تكامل الجهود للأفراد والمؤسسات من أجل المحافظة على بقاء الوجود الإنساني وارتقائه ببقاء الأسرة وارتقائها، وهذا يؤدي إلى النضج الحضاري، والتقدم الاجتماعي للمجتمعات، (والله أعلم).

ثالثا: إمكانية التطبيق في الواقع:

ويبدو لي أنّ الأفكار الواردة التي تتحدث عن مشكلات الثقافة الأسريّة واقعيّة يتحدث عنها الواقع من خلال التطبيقات التي يمارسها أفراد الأسرة فيه.

وكذلك فإنّ الحلول التي ذكرها المؤلف التي تبدأ بتنميّة الأفراد في الأسرة، وتنتهي بدعوة المؤسسات لإقامة المشروعات التي تعمل على تطوير وتجديد مفهوم الثقافة الأسريّة وتحويلها إلى نظريّة قابلة للتطبيق، كلّها أفكار قابلة للتطبيق، وليست مثاليّة بعيدة التطبيق عن الواقع.

ويستحضرني قول المؤلف في كتابه "التربية والتّجديد"([6]):

"إن الأمم الواعيّة إن أحست بأزمتها وخللها في الأداء، ونقص في الفاعليّة والإنجاز، فإنّ أولّ شيء تفعله هو قيام الخبراء والمربين بتشخيص القيم السائدة والنظم التربويّة القائمة في المجتمعات باعتماد مبدأ المراجعة والتقييم الدوري لمبادئها وأفكارها"، وهو مبدأ "الانسحاب والعودة" ومفهوم التوبة في الإسلام وهي مراجعة وتقويم لكل ما هو قائم في ميدان الفكر والشعور والسلوك"، والله أعلم.

المحور الثاني: الملاحظات التفصيلية على هذا الكتاب:

أولا: مناقشة بعض الأفكار الواردة في الكتاب:

وبعد إجلالي للمؤلف لعلو منزلته ومكانته العلمّية، وبعد الاعتذار الشديد له أيضاً من ملاحظاتي التي قد تكون قاصرة لسوء فهمي أو سوء تعبيري أبدأ باسم الله بما يلي:

أولاً: يرى المؤلف أنّ الأب يقدّم نموذج العقل الحكيم الذي يدبّر ويخطط، بينما تقدّم الأم نموذج الإرادة النبيلة التي تحضّ الطفل على الممارسة والتنفيذ([7]).

ويبدو لي غير ذلك، فكلاً من الأب والأم يقدّمان نموذج العقل الحكيم، ونموذج الإرادة النبيلة بنسب متساوية إن أُقيمت الأصول الأسريّة في الأسرة.

حيث إنّ العقل والإرادة موجودان في كل إنسان بتكوينه وتصميمه الجسدي والنفسي –سواء أكان الإنسان رجلاً أو إمرأة".

ومن هنا يظهر العدل في خلق الله، وإلا لاتّهمنا المرأة بضعف العقل، ووصفنا الرجل برجاحة العقل وضعف الإرادة، ولكان هناك اعتبارات أخرى عند الحساب يوم القيامة، فكيف يحاسب كل من الرجل والمرأة على أساس تساوي الفرص وبالتالي بتساوي الأعمال دون اعتبار رجحان كل كفتي العقل أو الإرادة بحسب كل جنس؟

فهذه أسماء بنت أبي بكر عندما نصحت ولدها عبد الله بن الزبير "بنصيحة شهد لها العالم بأكمله برجحان عقلها وإرادتها معاً"، فظهر عندها العقل الحكيم والإرادة القوية بصورة متكاملة، وذلك عندما سألها عن رأيّها في محاربة الفتنة آنذاك ومخاوفه من صلبه بعد موته، فشجعته على رفع راية الجهاد ضد الظلم ثم قالت: "وهل يضر الشاة سلخها بعد موتها".

ولا أتحيّز للنّساء أبداً ولكن يبدو لي في مواقف ما أنّ بعض النّساء قد يبدونَّ أكثر رجاحة عقل من أزواجهنّ، وأكثر أهليّة منهم، وإلا لاتّهمنا كل من تربّى على أيدي الأرامل الصابرات، بأنّ الإرادة في تربيتهم طغت على العقل، وعدم تكامل كل منهما في ابن الأرملة، وأنّه قد تسير الإرادة دون عقل يوجهها فتتحول إلى انفعالات وطيش وحماقة.

ونحن لا ننكر دور الأب العظيم في الأسرة إلا أنّه ليس العقل المدبّر الوحيد في الأسرة، وخاصة أنّه قد يقضي ساعات العمل الطويلة خارج المنزل، وتبقى الأم المدبّرة والمخططة، والتي تحضّ على الممارسة والتنفيذ هي الموجودة في داخل البيت، (والله أعلم).

ثانياً: ويظهر للقارئ عند الحديث عن أصول الثقافة الأسرية، أنّ المؤلف يبرز فيها المرأة بصورة المنفعلة التي تتحكم بها عواطفها، وتفكر بقلبها أكثر من عقلها، وأنّ الذي يُحكّم عقله هو الرجل([8]).

ويبدو لي أنّ هذا القول ليس على إطلاقه، فقد تفكر المرأة بقلبها، وتتحكم بها عواطفها إلا أنّه ليس في كلّ النّساء، وليس في كل المواقف.

ويؤيّد هذا الرأي كتاب آخر للمؤلف وهو "رسالة إلى الفتاة المسلمة في عصر العولمة"؛ حيث إنّ المؤلف قسّم المرأة إلى أربعة نماذج: فمنها المرأة القوية الفاضلة التي تكامل عندها العقل والقلب، فاستحقت أن توصف بالقوية الفاضلة. "والمرأة القوية غير الفاضلة: وهي التي ضبطت عقلها بالضوابط المادية لا الشرعية، وتركت عواطفها تقع في الانحلال والانحراف فاستحقت أن تكون "قوية غير فاضلة، والمرأة الضعيفة الفاضلة التي لم تحرر عقلها من الأغلال الفكرية والاجتماعية، فوقعت ضحيّة التعصب الأسريّ والقبليّ أو المذهبيّ، والعادات والتقاليد المكبّلة للعقل، إلا أنّها حافظت على عفتها وعواطفها من الوقوع تحت أغواء الشهوات واللذات، والمرأة المستضعفة غير الفاضلة وهي المرأة التي لم تحرر عقلها من الأهواء، وأوقعت عواطفها في الإغواءات والشهوات التي أسقطتها إلى أسفل السافلين في الدنيا والآخرة، فاستضعفها من حولها من الذئاب والوحوش المفترسة من جنس البشر.

وهناك صورٌ ما زالت حيّة في عقولنا وقلوبنا وقد أوردها المؤلف في" رسالته المفتوحة إلى الفتاة المسلمة" تؤكد صحة ما ذهبت إليه من أنّ المرأة القوية الفاضلة من تكاملت عندها مقومات العمل الصالح.

حيث يقول: "فأولّ مسلم كان امرأة هي خديجة بنت خويلد، التي أظهرت من رجاحة العقل وسعة المعرفة، ورباطة الجأش وهي تسمع خبر أول وحي على رسول الله([9]).

وغيرها من الصحابيات اللاتي كنّ الأعلام الأوائل لهذه الدعوة، وحتى أنّ الشفاء بنت عبد الله تولّت منصب الحسبة في زمن عمر الخطاب، وهو منصب يوازي عدة وزارات في عصرنا الحاضر([10])، وهذا المنصب الذي وزّع على عدد من الرجال في الوزارات لا يسلّم لامرأة فكرت بقلبها وعواطفها فقط.

ويتابع المؤلف قوله: "واستمرت المرأة الصحابية سبّاقة في حمل مسؤوليتها، جريئة في أقوالها وأفعالها والتعبير عن حاجاتها، حتى عن حاجاتها إلى الزواج واختيار من فيه الأهليّة والتكافؤ، ولا يوقف إرادتها عن قول الحق وفعله سطوة خليفة أو مهابة قريب أو نفوذ مسؤول إلا ما كان من طاعتها لله وحشيته"([11])، ولا ننسى مشاركة المرأة في حركات التجديد والإصلاح([12]):

وقد يعترض المؤلف على رأيي فيقول: بأنّه يقصد علاقة المرأة مع زوجها وتعاملها معه بقلبها داخل الحياة الأسرية.

ويبدو لي أنّ فشل المرأة في تأمين حياة مستقرة آمنة عاقلة داخل بيتها باستعمالها الحكمة العقليّة والإرادة النبيلة، يعني فشلها خارج بيتها، فالمرأة القويّة الفاضلة هي التي تفكر بعقلها وقلبها داخل البيت وخارجه، وغير ذلك لا تستحق أن تتصف بهذا النموذج، وتحوّل إلى أحد النماذج الثلاثة المذكورة، (والله أعلم).

ثالثاً: وعند ذكره للاستبيان –درجة نمو المزايا الإنسانية([13]، فيبدو لي ملاحظة وهي:

إنّ هذا الاستبيان دراسة تربوية أمريكية جرى تطبيقها على آلاف الناس في المجتمع الأمريكي([14]).

ويبدو لي أنّ المجتمع الأمريكي مجتمع يختلف بعاداته وتقاليده وسياساته كلّها عن المجتمع الإسلامي العربي، فلماذا لم يقم المؤلف بدراسة هذا الاستبيان على عينات دراسة تتمثل بالمجتمعات الإسلامية بمساعدة طلابه في الجامعات الأردنية؟ وبذلك يستطيع الوالدين –من خلال معرفة النفس- التغلب على هذه المشكلة لأنّها مفتاح الحل لمشكلات الأسرة، ثم مقارنة نتائج الدراسة في المجتمع الإسلامي مع نتائج الدراسة في المجتمع الأمريكي وبذلك نستطيع معرفة مكانة الأسرة في المجتمع الإسلامي بمقارنته بالمجتمع الأمريكي، وقد تعود علينا بالفائدة العظيمة إن شاء الله، (والله أعلم).

رابعاً: يرى المؤلف أنّه إن اقترف أحد الوالدين إساءة أو جوراً أو قسوة، فلا بدّ من الاعتذار للأبناء والبنات، وهو المؤهل الرابع من مؤهلات الأبوّة والأمومة الصالحة([15]).

فاسترجعت ذاكرتي إلى الوراء في إحدى محاضرات المؤلف نفسه في مساق "التربيّة والتنميّة"، فقد حدثنا المؤلف في أنّه إن أخطأ أحد الوالدين في شأن الأبناء فإيّاه أن يعتذر لأنّ في الاعتذار للأبناء انكسار للنفس أمام الأبناء والبنات، وعليه فبدلاً من الاعتذار العفو عند المقدرة، كأن يقول الوالد للولد الذي أساء له: عفوتُ عنك وسامحتك.

ومع أنّني لا أوافق على هذا الرأي لأسباب ليس المقام مقام بسطها، إلا أنني أحببت معرفة سبب هذا التعارض بأسئلة، حبذا لو يجيب عنها المؤلف، وهي:

    ‌أ-         هل هذا تعارض حقيقي بين الرأيين أم أني أسأت فهم ما قاله المؤلف في المحاضرة، ولا وجود للتّعارض؟

 ‌ب-  هل يعتبر الرأي الثاني في المحاضرة عدولاً عن الرأي الأول في الكتاب؟ وخاصة أن الرأي الثاني كان في الفصل الدراسي الثاني من عام: 2008م، وطبعة الكتاب في عام: 2005م.

خامساً: يقول المؤلف: "ويغفل كثير من أرباب الأسر عن الممارسات أ، د، هـ، ويكتفون بـ، ب، ج، ولهذا أثاره السلبية لأنه يجعل صاحب هذا السلوك يقول ما لا يفعل"([16]).

فما المقصود بـ (أ، د، هـ) وممارسات (بـ ب ج)، فحيث أن الممارسة التي ذكرت خمس، ورقمت بأرقام لا حروف، فأرجو مزيد من التوضيح هنا. والله أعلم.

واكتفي بهذا القدر من الملاحظات التي لم أستطع استخراج غيرها من الكتاب، وهذا إن دلّ على شيء فإّنّه يدلّ على حصانة الكتاب من الأخطاء –على الأقل في تقديري- وإخراج الكتاب شكلاً ومضموناً يدلّ على قيمة الكتاب العلميّة والفنيّة، وأطلب من الله السداد في قول الحق، وهو وليّ المؤمنين.

ثانيا: اقتراح بعض الأفكار التي قد تكمّل الدراسة:

ويبدو لي أنّ هناك بعض الأفكار لو أنّها أضيفت إلى الدراسة لأدّى ذلك إلى تكامل الدراسة مع الرجاء من المؤلف أخذ هذا بعين الاعتبار إن لم يكن فيه أي جرأة من الناقدة وهي:

أولاً: اعتبار التوجيهات النبوية التربوية في سيرة الرسول، وجعلها موضعاً يستحق الدراسة، فسيرة الرسول(صلى الله عليه وسلم) مليئة بالمواقف التربويّة التي يجب أن تكون أساساً ينطلق منه أي باحث مسلم.

بالإضافة إلى خبرات العائلات المسلمة والشخصيات التربويّة التي حققت الفاعليّة في الإنجاز وتحقيق الذات حتى وقتنا الحاضر، (أمثال: عبد القادر الجيلاني، وحسن البنا، والغزالي وغيرهم كثير)، حيث إنّ طفولتهم مليئة بالمواقف التربوية التي قد يعتمد عليها المؤلف في شرح بعض القضايا التربويّة، بالإضافة إلى أنّها فعّالة في مجال التربيّة.

وبذلك تكتمل صفة الرسوخ –البعد التاريخي للموضوع- بالإضافة إلى التّوجيهات التي ذكرتها في البحث النّقدي المتعلقة بصفة الإحاطة بموضوع المعرفة، (والله أعلم).

ثانياً: وتقترح الناقدة على المؤلف أن يألّف كتاب بعنوان "فنّ تربية الأولاد من منظور إسلامي" بأسلوبه المعروف، ومنطقه العلمي، وسعة معرفته، وذلك حتى تكتمل الرسائل المفتوحة التي أرسلها المؤلف لكل قارئ، فتصبح بذلك ثلاثة رسائل:

الأولى: رسالة إلى المرأة المسلمة.

الثانية: رسالة إلى الأسرة المسلمة بشكل عام "أزواج وأبناء".

 الثالثة: رسالة إلى الوالدين المسلمين نحو الأبناء بشكل خاص، (والله أعلم).

الخاتمة: وقد تضمنت النتائج التاليّة:

أولا: امتّازت اللغة والأسلوب بالسهولة والقوة وتسلسل الأفكار وقلّة المآخذ عليها.

ثانيا: استخدم المؤلف المنهجيّة العلميّة في التدرج لحل المشكلة، الّإ أنّ دراسته لم يكن فيها دور واضح لآيات الكتاب والسنة وسيّر السلف.

ثالثا: الإضافة إلى المعرفة هي: تأصيل أصول الثّقافة الأسريّة، مع اقتراح حلول للمحافظة على النوع الإنساني وارتقائه، وهي مهمة الأسرة المسلمة.

رابعا: الكتاب يقدّم حلول واقعيّة التطبيق.

خامسا: هناك بعض الملاحظات التفصيليّة القليلة التي لا تأثّر في جودة الكتاب.

سادسا: تقترح الباحثة بعض الأفكار تعتقد أنّها قد تكمّل الدراسة تتمثّل باعتبار سيرة الرسول ـصلى الله عليه وسلّم ـوخبرات الشخصيّات التربويّة المسلمة، وتأليف رسالة للوالديّن في فنّ تربيّة الأولاد.

"سبحان ربك رب العزّة عمّا يصفون وسلام على المرسلين ،والحمد لله ربّ العالمين".

              

([1])   راجع الكتاب: ص2.span>

([([2])   راجع (ماجد الكيلاني – فلسفة التربية الإسلامية: ص299).

([3])   راجع الكتاب (فهرس المصادر: ص142-143).span>

([4])   راجع الكتاب، ص15: 71، 124، 128، 130، 133، 134، 135، 137)، وراجع ص132 إشارة المؤلف للمجتمعات العربية إشارات.

([([5])   راجع (الكتاب: ص27-28).

([8])   راجع الكتاب: ص30-40.span>

([([9])   راجع (ماجد الكيلاني – رسالة إلى الفتاة المسلمة: ص23).

([10])  راجع (نفسه: ص25-26).span>

([11])  نفسه: ص26-27.

([12])  راجع (المرجع نفسه: ص27).

([13])  راجع الكتاب: ص67-70.

([14])  راجع الكتاب: ص71.

([([15])  راجع الكتاب: ص75.

([16])  راجع الكتاب: ص113.