تَعْليقاتٌ عَلى مُتونِ الْكُتُبِ الْعَرَبيَّةِ = 75
تَعْليقاتٌ عَلى مُتونِ الْكُتُبِ الْعَرَبيَّةِ = 75
مَنْهَجٌ فِي التَّأْليفِ بَيْنَ كُتُبِ الْعِلْمِ وَبَيْنَ طُلّابِها ، بِوَصْلِ حَياتِهِمْ بِحَياتِها
[ تَعْليقَةٌ عَلى مَتْنِ " أَسْرارُ الْبَلاغَةِ " لِعَبْدِ الْقاهِرِ الْجُرْجانيِّ ]
د. محمد جمال صقر
قالَ |
قُلْتُ |
مِنْ هذَا الْبابِ ( أخذ الشبه من المعقول للمعقول ) قَوْلُهُمْ : فُلانٌ حَيٌّ ، وَحَيُّ الْقَلْبِ ، يُريدونَ أَنَّه ثاقِبُ الْفَهْمِ ، جَيِّدُ النَّظَرِ ، مُسْتَعِدٌّ لِتَمْييزِ الْحَقِّ مِنَ الْباطِلِ فيما يَرِدُ عَلَيْهِ ، بَعيدٌ مِنَ الْغَفْلَةِ الَّتي كَالْمَوْتِ - وَيذْهَبونَ بِه في وَجْهٍ آخَرَ ، وَهُوَ أَنَّه حَرِكٌ ، نافِذٌ فِي الْأُمورِ ، غَيْرُ بَطيءِ النُّهوضِ ؛ وَذلِكَ أَنَّ هذِهِ الْأَوْصافَ مِنْ أَماراتِ الصِّحَّةِ وَاعْتِدالِ الْمِزاجِ وَتَوَقُّدِ نارِ الْحَياةِ ، وَهذا يَصْلُحُ فِي الْإِنْسانِ وَالْبَهيمَةِ ، لِأَنَّه تَعْريضٌ بِالْقُدْرَةِ وَالْقوَّةِ . وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ إِشارَةٌ إِلَى الْعِلْمِ وَالْعَقْلِ ، وَكِلْتَا الصِّفَتَيْنِ - أَعْنِي الْقُدْرَةَ وَالْعِلْمَ - مِمّا يَشْرُفُ بِهِ الْحَيُّ ، وَمِمّا يُضادُّهُ الْمَوْتُ وَيُنافيه . |
ما زال المصريون يستعملون صفة " حَرِك " هذه ، ويكسرون حاءها على منهج عربي قديم ، ولكنهم يجعلونها في النشاط واللباقة ! |
الْْقَوْلُ الْجامِعُ في هذا ( أخذ الشبه من المعقول للمعقول ) ، أَنَّ تَنْزيلَ الْوُجودِ مَنْزِلَةَ الْعَدَمِ إِذا أُريدَ الْمُبالَغَةُ في حَطِّ الشَّيْءِ وَالْوَضْعِ مِنْهُ وَخُروجِه عَنْ أَنْ يُعْتَدَّ بِه ، كَقَوْلِهِمْ : هُوَ وَالْعَدَمُ سَواءٌ - مَعْروفٌ مُتَمَكِّنٌ فِي الْعاداتِ ، وَرُبَّما دَعاهُمُ الْإيغالُ وَحُبُّ السَّرَفِ ، إِلى أَنْ يَطْلُبوا بَعْدَ الْعَدَمِ مَنْزِلَةً هِيَ أَدْوَنُ مِنْهُ ، حَتّى يَقَعوا في ضَرْبٍ مِنَ التَّهَوُّسِ ! |
قال الزمخشري في " المستقصى " : " سَواءٌ هُوَ وَالْعَدَمُ - وَيُرْوى : وَالْفَقْرُ - يُضْرَبُ لِلْبَخيلِ الَّذي إِذا نَزَلْتَ بِه فَكَأَنَّكَ نازِلٌ بِالْبَلاءِ وَالْمَمْحَلَةِ ، أَوْ كَأَنَّكَ لَمْ تَنْزِلْ بِأَحَدٍ " ، ومن قبل ما رواه كذلك سيبويه ، ولكن لم ينشط لذكره أستاذنا في حاشيته . |
أَصَمُّ عَمّا ساءَه سَميع |
حذف من آخره ضد ما ذكره لأوله ، والتقدير : سميع ما سَرَّه ! ثم هو بيت مشطور من بحر الرجز : أَصَمُّ عَمْ / ما ساءَه / سَميع مُتَفْعِلن / مستفعلن / مُتَفْعِلْ مخبونة / سالمة / مخبونة مقطوعة جعله أستاذنا من بحر السريع ، وإن كان اسم الرجز أعمُّ قديما منه حديثا ! |
لَمّا كانَ الظّاهِرُ مِنْ حالِ الْكَثيرِ الْمالِ ، أَنَّه لا يَعْجِزُ عَنْ شَيْءٍ يُريدُه مِنْ لَذّاتِه وَسائِرِ مَطالِبِه - سُمِّيَ الْمالُ الْكَثيرُ غِنًى ، وَكَذلِكَ لَمّا مَنْ كانَ قَلَّ مالُه عَجَزَ عَنْ إِرادَتِه ، سُمِّيَ قِلَّةُ الْمالِ فَقْرًا ؛ فَهُوَ مِنْ جِنْسِ تَسْمِيَةِ السَّبَبِ بِالْمُسَبَّبِ . |
رأيتُ أن الصواب : ( لما كان من قل ماله عجز عن إرادته ) ، فذاكرتُ فيه أستاذنا ، فأباه ! |
كَما لا يُسَمّي أَحَدٌ نَحْوَ قَوْلِنا : لَيْسَ بِشَيْءٍ ، تَشْبيهًا - كَذلِكَ يَنْبَغي أَلّا يَكونَ قَوْلُكَ وَأَنْتَ تُقَلِّلُ الشَّيْءَ أَخْبَرْتَ عَنْهُ : مَعْدومٌ ، تَشْبيهًا . |
" أَخْبَرْتَ عَنْهُ " جملة حال من " الشَّيْءَ " ، افتقرت إلى اقتران أولها بـ" قد " - فذاكرتُ فيه أستاذنا فقال : كلامه فصيح لا أرده ! وما ذاكرته فيه لأرده ، بل لأشير إليه . |
اعْلَمْ أَنّي ذَكَرْتُ لَكَ في تَمْثيلِ هذِهِ الْأُصولِ ، الْواضِحَ ، الظّاهِرَ ، الْقَريبَ الْمُتَناوَلِ ، الْكائِنَ مِنْ قَبيلِ الْمُتَعارَفِ في كُلِّ لِسانٍ ، وَما تَجِدُ اعْتِرافًا بِه وَمُوافَقَةً عَلَيْهِ مِنْ كُلِّ إِنْسانٍ ، أَوْ ما يُشابِهُ هذَا الْحَدَّ وَيُشاكِلُه وَيُداخِلُ هذَا الضَّرْبَ وَيُشارِكُه - وَلَمْ أَذْكُرْ ما يَدِقُّ ، وَيَغْمُضُ ، وَيَلْطُفُ وَيَغْرُبُ ، وَما هُوَ مِنَ الْأَسْرارِ الَّتي أَثارَتْهَا الصَّنْعَةُ ، وَغاصَتْ عَلَيْها فِكْرَةُ الْأَفْرادِ مِنْ ذَوِي الْبَراعَةِ فِي الشِّعْرِ - لِأَنَّ الْقَصْدَ إِذا كانَ تَمْهيدَ الْأَساسِ وَوَضْعَ الْقِياسِ ، كانَ الْأَوْلى أَنْ يُعْمَدَ إِلى ما هُوَ أَظْهَرُ وَأَجْلى مِنَ الْأَمْثِلَةِ ، لِتَكونَ الْحُجَّةُ بِها عامَّةً لا يُصْرَفُ وَجْهُها بِحالٍ ، وَالشَّهادَةُ تامَّةً لا تَجِدُ مِنَ السّامِعينَ غَيْرَ قَبولٍ وَإِقْبالٍ ، حَتّى إِذا تَمَهَّدَتِ الْقَواعِدُ ، وَأُحْكِمَتِ الْعُرى وَالْمَعاقِدُ ، أُخِذَ حينَئِذٍ في تَتَبُّعِ مَا اخْتَرَعَتْهُ الْقَرائِحُ ، وَعُمِدَ إِلى حَلِّ الْمُشْكِلاتِ عَنْ ثِقَةٍ بِأَنْ هُيِّئَتِ الْمَفاتِحُ ! |
لقد كان كلام سيدنا هنا ، أولى بالدلالة على واضع العلم ، مما نبه عليه أستاذنا - رحمه الله ! - من قبل في مقدمته ! |
كَذلِكَ تَقولُ : ابْنُ الْمُعْتَزِّ حَسَنُ التَّشْبيهاتِ بَديعُها . |
قُتِلَ ابن المعتز قبل ولادة سيدنا النحوي بقليل ؛ فكان مملتئا به ! كما تعلق بالعقاد مثلا أستاذنا الدكتور محمد فرج عيد النحوي المشهور بكتابه " النحو المصفى " - رحمهما الله ! - وبينهما عمر لا يقيم للمعاصرة حجابا ، حتى لما حضرتُ له بعض محاضرات تمهيدية الماجستير ، ثم قابلت بعض إخواننا السابقين على الدرب ، قال لي : ألم يكثر لكم من شعر العقاد ! |
وَتَرومُ الثُّرَيّا فِي الْغُروبِ مَراما كَانْكِبابِ طِمِرٍّ كادَ يُلْقِي اللِّجاما |
هما بيتان مجزوءان من بحر الخفيف : وَتَرومُ الثْ / ثُرَيّا / فِي الْغُروبِ / مَراما فعِلاتن / مُتَفْعِلْ / فاعلاتُ / مُتَفْعِلْ مخبونة / مخبونة مقطوعة / مكفوفة / مخبونة مقطوعة كَانْكِبابِ / طِمِرٍّ / كادَ يُلْقِي الْ / لِجاما فاعلاتُ / مُتَفْعِلْ / فاعلاتن / مُتَفْعِلْ مكفوفة / مخبونة مقطوعة / سالمة / مخبونة مقطوعة جعلهما أستاذنا من بحر المضارع ، قائلا : " كَتَبَ رَيْتَرْ ( هلموت المستشرق ، محقق الكتاب قبله ) : مِنَ الْخَفيفِ ، وَهُوَ خَطَأٌ " ، ولكنني أُصَوِّبُ ما قال ريتر كارها هذا التصويب ! ولقد ذاكرت فيه أستاذنا من دون أن أنتبه إلى نقله في حاشيته ما نقل عن ريتر ، ومن دون أن أحدد له بحرهما ، فسبقني إلى تحديده أخي الحبيب الدكتور محمد أشرف مبروك ، صاحب غدواتي وروحاتي ، الذي صحبني آنذاك . ولا أقطع بأنه إنما استفاد من كلام ريتر ، فلقد رأيته يحاول تقطيعهما على الطريقة المتبعة في تعليم طلاب كليتنا علم العروض ، من مقابلة المتحركات بالألفات والسواكن بالدوائر - وهو عكس ما أثر عن السالفين - : ///O/O - //O/O - /O//O/ - //O/O /O//O/ - //O/O - /O//O/O - //O/O ثم مقابلة المتحركات والسواكن بالتفعيلة المناسبة ، ثم نسبة هذه التفعيلات المتوالية إلى بحرهن ! ولولا أن يُظَنَّ بي تَنَقُّصُ صاحبي الحبيب وهو أكمل وأجمل ، لذكرت من مسالب هذه الطريقة الصَّمّاء البَكْماء التي أُطْلِعْنا بها على علم العروض ، ما يمنعها صفتي الحياة الأصيلة والمنفعة الحقيقية ! ولكن لا بأس ؛ فقد ضَجَّتْ أعمالي العروضية المتاحةُ ، غضبًا عليها واستنكارًا لها ! |
لَمّا تَعَرّى أُفُقُ الضِّياء مِثْلَ ابْتِسامِ الشَّفَةِ اللَّمْياء وَشَمِطَتْ ذَوائِبُ الظَّلْماء قُدْنا لِعينِ الْوَحْشِ وَالظِّباء داهِيَةً مَحْذورَةَ اللِّقاء وَيَعْرِفُ الزَّجْرَ مِنَ الدُّعاء بِأُذُنٍ ساقِطَةِ الْأَرْجاء كَوَرْدَةِ السَّوْسَنَةِ الشَّهْباء ذا بُرْثُنٍ كَمِشْقَبِ الْحَذّاء وَمُقْلَةٍ قَليلَةِ الْأَقْذاء صافِيَةٍ كَقَطْرَةٍ مِنْ ماء |
هي أحد عشر بيتا شطورا ، من بحر الرجز : لَمّا تَعَرْ / رى أُفُقُ الضْ / ضِياء مستفعلن / مستَعِلن / مُتَفْعِلْ سالمة / مطوية / مخبونة مقطوعة جعلها أستاذنا خمسة أبيات ونصفا - ! - من بحر السريع ، على نحو ما جعل آنفا " أَصَمُّ عَمّا ساءَه سَميع " . أما مسألة التباس السريع بالرجز فقد نبهت عليها ، وأما مسألة جمع كل بيتين في بيت فمن آثار طباعة المنظومات توفيرا للورق ، وإلا فحق كل بيت أن ينفرد بسطر ، وحسب الاستدلال أن يجد للأبيات ذيلا ( نصفا ) لا رأس له ! وأوقن أنه خطأ طباعي كان على رغم أستاذنا ، رحمه الله ! |