الظاهر والباطن في الصور القديمة عند حسن الحلوجى
الظاهر والباطن في الصور القديمة
عند حسن الحلوجى
هشام الصباحي /مصر
يعتمد حسن الحلوجى في مجموعته القصصية صور قديمة الصادرة في القاهرة عام2007 عن دار توشكي للنشر والإعلان وضمن إصدارات جماعة تكعيبة الأدبية من اللحظة الأولى على إحداث المفارقة في مشاهد قصصية قصيرة جدا تشبه الومضة التي تخطفك وتأسرك داخلها ثم تلفظك خارجها بعد إحداث تغير ما في رؤيتك وإحساسك يجعلك تتعرف على ماهية الأشياء وتتكشفها من جديد وتتعرف على العلاقات الجديدة بينها ,كان ذلك واضحا تماما في مجموعة القصص القصيرة التي تصدرت بداية المجموعة تحت عنوان موحد هو مشاهد .
يمتلك الحلوجى –كما توحي مجموعته القصصية الأولى - قدرة جيدة على تقديم تفاصيل مشهديه لاتُرى بالعين المجردة ولكنها تُكتشف بالعين المدربة والخبيرة في اكتشاف التفاصيل المختبأه مثل عين قاص مدربة على هذا, ويظهر ذلك في قصة حداثة (ص 16) وقصة ولادة (ص 21) ولابد من الاهتمام بهذه الحاسه في المستقبل لدى القاص فهي واحده من مصادر القوة التي تساعده بقدر كبير في إنشاء نصه القصصي.
كانت السمة العامة للعناوين أنها مكونه من كلمة واحد إلا فيما عدا القصة التي أخذت اسم المجموعة القصصية وهى صور قديمة وهذا يوحى بوضوح العالم لدى القاص وقدرته على الاختزال والاختصار حيث يظهر هذا جليا في حجم المجموعة الذي يصل إلى 55 صفحة فقط .
لقد شكل العنوان في صياغته اللغوية وسمته التشكيلة قصدية الاعتماد على مرحلة الطفولة وخاصة في استخدام الفوتوغرافيا لصور أطفال وباللون الأبيض والأسود للصور داخل لون بنى يشكل فضاء غلاف الكتاب ,وقد أُجزم انه لابد من وجود صوره للقاص وهو صغير ضمن صور الغلاف.
دائما يعطى حسن الحلوجى بُعْدين لقصصه, الأول بُعْد ظاهري والآخر بُعْد باطني ,ففي قصة حداثة التي من عنوانها لها إحالات مختلفة وذات ارتباطات معروفة في مخيلتنا,إلا أنها تتكلم عن علاقة ارفف محل بقالة مع الزمن ورصد التغيرات الحادثة في هذه الأرفف وكيف كانت تحفه فنية والآن هي مجرد مسطحات بها العديد من القذرات التي تتكون كما يقول في ص 19" من بقع الزيت العتيقة,وحبات السكر الأثرية,وبقايا حفريات الحلوى التي توقفت المصانع عن إنتاجها" كما يتحدث على علاقتها بالكل المحيط حيث يقول في ص17"لم يكن التراب يزعجها لما نشأ بينها وبينه من ألفه كالمخدر" وفى موْضع آخر يرصد علاقتها بالعنكبوت حيث يقول"كان الضيف المزعج حقا هو العنكبوت البني الذي كان يزورها بين الحين والآخر" ومع كل هذه التفاصيل التي تعتبر في حد ذاتها كافية وتمثل البعد الأول ,إلا انه يعطينا القاص الذي يمسك مفاتيح تعدد الصراعات في القصة بمأزق جديد للبقال القديم عند افتتاح بقالة جديدة تأخذ من الأسماء الجديد والأجنبية اسما لها و الأصناف الجديد والوافدة على القرية,لتُحدث البُعد الثاني في القصة ,ويظهر هذا بقوة في قصة عزاء ص 29 حيث المشهديه الوصفية عالية جدا وعلى الرغم أن الحدث الظاهر هو موت احد أصدقاء البطل إلا أن الحدث الباطن هو إحساس البطل بالغربة التامة بعد عودته إلى قريته ليحضر عزاء صاحبه وكأنها خطوط متوازية حيث موت الصديق يساوى غربة البطل التي دفعته في نهاية القصة إلى الارتماء في أحضان والد صديقه الميت والبكاء ولابد أن يكون البكاء في شكله الظاهري على الميت ولكن مع بعض الإمعان تجد نفسك مدفوعا إلى إقرار أن البكاء في الأصل هو بكاء البطل على نفسه التي تشعر بالغربة الشديدة في وسط الأهل.
لقد كان الشكر والإهداء الذي زين الغلاف الأخير للكتاب والمقدم من جسن الحلوجى إلى دكتورة لطيفة عاشور التي قامت بالإنفاق على الكتاب من اجل أن يخرج إلى العالم لمسة وفاء من القاص ونقطة نور من لطيفة عاشور في واقع مظلم.