أطياف النص: دراسات في النقد الإسلامي المعاصر
فاعلية الحوار في كتاب
د. فارس عبد الله الرحاوي / الموصل
يمكن أن نعد فاعلية الحوار مع نص ما بداية أولية لحوارية نقدية لا تنتهي أسئلتها في ظل المعطيات المعرفية ، وطريفة تقديمها للمتلقي ، عندما تكمن هذه الفاعلية في مديات الكفاءة والوظيفة النقديتين ، لتجعل منها موضوعا يمارس من خلاله الإبداع سلطته ، ومسؤوليته في مشروعية النص ، خارج سلطة الأنا .
ولعل كتاب (أطياف النص: دراسات في النقد الإسلامي المعاصر، للباحث الدكتور محمد سالم سعدالله)* يطرح فاعلية جديدة في حوار النص ، من خلال ممارسة النقد والتحليل والتطبيق الذي لزم مباحث الكتاب لزوما شاملاً.
لقد كان إختيار الباحث للعنوان موفقاً ، حيث وزع أقسام الكتاب الثلاثة على( النقد والشعر والرواية والمسرح ) ، فكان مجموعة أطياف تشكل في كليتها منهجاً بحثياً شمولياًً في النقد والتطبيق ، وإن كانت لا تشكل موضوعاً واحداً ،أو ظاهرة واحدة.
بيد أن ما يؤخذ على الباحث إضافته للعنوان ، وهي ( دراسات في النقد الإسلامي المعاصر ) . فعند معاينة مباحث الكتاب في أقسامه أو ( أطيافه ) الثلاثة ، نجد ان القسمين الأول والثاني ، عدا المبحث الثالث من القسم الأول ( النقد المهجن ) مخصصان للنقد الإسلامي ، وبمعدل (104) صفحة ، أما القسم الثالث بكل مباحثه مع المبحث الثالث من القسم الأول ، وبمعدل أكثر من ( 150) صفحة ، فليس له أية علاقة بهذه الإضافة للعنوان.
لذا ، فإننا نرى لو كان الباحث قسم كتابه هذا إلى كتابين ، الأول ، بمباحثه الخمسة الأولى في كتاب وبذات العنوان ، والثاني ، بمباحثه الأربعة الأخرى في كتاب آخر ، وبعنوان آخر ، وإضافة أخرى ( دراسات في النقد العربي المعاصر) لكان في حالة افضل ، أو ان تكون الإضافة الأولى ( دراسات في النقدين الإسلامي والعربي المعاصرين ) ، ليكون الوصف مطابقاً للمحتوى .
بيد أن هذه الملاحظة لا يمكن لها أن تقلل من شأن وقيمة هذا الكتاب الجديد في كل طروحاته القيمة ، ومنهجه العام الجمعي والتحليلي ، فهو إضافة جديدة لعمل كبير سيبقى مشروعاً سبق أن قدمه عدد كبير من الأساتذة والمعنيين ( دعاة ونقاداً ) أخص منهم الدكتور عمادالدين خليل ومحمد قطب ونجيب كيلاني ومحمد إقبال عروي وآخرين جزاهم الله خير الجزاء.
يطرح الباحث كتابه هذا ، بمثابة مشروع لحل عدد من مشكلات يعاني منها الإبداع والنقد في الأدب الإسلامي المعاصر ، وذلك من خلال حتمية النقد والتنظير لمفهوم هذا النوع من الأدب، ، لذا ، إرتأينا عرض القسمين الخاصين بالأدب الإسلامي ، ومباحثهما الخمسة في هذا الموضوع ، إنسجاماً مع عنوان الكتاب ، ولأهميتهما.
وبداية يقدم لنا الباحث في القسم الأول من الكتاب (أطياف النص النقدي) ،وفي مواضيع ثلاثة ، هي ( الإشكالية المنهجية في دراسة الأدب الإسلامي :مقدمات ومقترحات) و(النقد الإسلامي المعاصر:أصالة الموروث وفاعلية الخطاب) و(النقد المهجن:دراسة في فاعلية النقد العربي المعاصر).
تناول الباحث في موضوعه الأول قضية الأدب العقدي من خلال أدب يصوغ أسئلته في ظل معطيات معرفية ، وقد وجد ( اللغة) صاحبة الحركة في هذا الأدب ،من خلال فعل الإنزياح الذي تقدمه ،ولكنها في ذات الوقت تعاني من إشكاليات أربع حصرت في:
1- إشكالية أسلمة المنهج . 2- إشكالية غياب المنهج .
3- إشكالية تحديد المصطلح . 4- إشكالية الدور الإعلامي .
ومع تصورنا بأن الباحث قد نجح في تحديد هذه الإشكاليات ، إلا أنه قد أوجز كثيراً في تناولها، وطرحها ، فجاءت عرضا بسيطاً لا يتناسب وحجم هذه الإشكالية ، وكأن الباحث أراد أن يستعجل مقترحاته حلاً للإشكالية بدلاً من الغوص والإفاضة في موضوعها . ومن هذه المقترحات ما جاء في ص/8 وفي عرضه للإشكالية الأولى التي تكمن في التساؤل (ما هي مهمة الأدب الإسلامي وأين تكمن ؟ هل تكون بمشروع أسلمة الأدب ، أم بمشروع تقديم الأدب الإسلامي ) .وبعد طرحه بإيجاز للمشروعين ، يقترح ( التوأمة ) بين المشروعين.
وكذا الحال بالنسبة للإشكالية الثالثة(إشكالية تحديد المصطلح) ، فبعد عرض الباحث ما يتنازع مصطلح الأدب الإسلامي من جهة المنتج ، إن كان مسلماً او غير مسلمٍ مع إلتقاء أدب الثاني مع تصور الإسلام للكون والحياة والإنسان ، يقترح التوسعة في تنوع المصطلح ليكون المصطلح المقترح(الأدب الإنساني) ، علماً بأن هذا المقترح وبذات التسمية سبق للباحث بسام الساعي أن طرحه ،من منطلق ما يوازي الأدب الإسلامي في المضمون ، مطبقا ذلك على قصيدة ( تأبط شراً) ، في كتابه (الواقعية الإسلامية في الأدب والنقد/39) .
وأرى هنا ، أن الباحث لم يوفق في إقتراحه ، لأن الأدب مهما كان نوعه وجنسه ،إنما هو إنتاج إنساني وأدب إنساني ، إلا إذا تم تحديد مفهوم آخر ل(الإنساني) ، وأظن ذلك غير ممكن ، لأن الإتفاق على هذا التصور لا يمكن أن يتم لكي يستقر المفهوم أولاً، ومن ثم المصطلح . فمفهوم (الإنساني) أعم وأشمل من (الإسلامي) ، فالإسلامي خاص والإنساني عام وإن كان الإسلام ديناً شمولياً في إنسانيته ، ولكن في مفهوم الآخر فإن الشمولية الإنسانية (تشمل المسلم وغير المسلم) . لذا ، فللآخر موقف يختلف من موقف الباحث ، في التخصيص والإعتبار.أما الإشكاليتان ، الثانية والرابعة ،فقد وجدتا حلولهما من خلال خصائص خمس كان الباحث موفقاً في إقتراحها للمنهج الإسلامي، على مستويين ، الفرد ، والمؤسسة الإعلامية .
أما المبحث الثاني ( النقد الإسلامي المعاصر: أصالة الموروث وفاعلية الخطاب ) ، فقد وجد الباحث أن ساحة النقد العربي المعاصر " يشوبها الكثير من الإشكاليات والأزمات التي لم يقدم لها الحلول بعد ،والفرصة سانحة أمام النقد الإسلامي لتقديم نتاجاته وأجوبته " ، في ظل هيمنة الآخر، وتبعيته له، وتحقق ثنائية(الدونية والفوقية) في الساحة النقدية العالمية.وقد شخص الباحث سبعة أسباب كانت وراء هذه الإشكاليات ، إتسمت بجدية الباحث وقدرته على التشخيص والوضوح ، فربط الحلول بالأسباب ، ورأى أن( مشروع النقد الإسلامي المعاصر)يمكن أن يتم الحديث عنه من خلال محورين أساسيين ، هما:
الأول: من إشكالية النقد العربي على إتزان النقد الإسلامي. محدداً ثلاثة عشر مساراً على مستوى الإبداع والنقد الإسلاميين للنهوض بهذه المهمة.
الثاني: من الإبتداء على الإنطلاق . وقد وجد الباحث ، أن المحاولات النقدية الإسلامية الأولى (المتواضعة) شكلت حاجزا كبيراً أمام إنتشار النقد الإسلامي ، بسبب سطحية التقديم والتنظير، وسوء التعامل مع النصوص في مجال التطبيق. في حين وجد إمكانية الإنطلاق تكمن من قدرة االمنهج المتزن الذي إستطاع من مقاربة النصوص الإبداعية الإسلامية ، بما إمتلكه من أسس جيدة إستطاعت أن تتكيف مع المتغيرات النقدية ،ومنها محاولات نجيب الكيلاني وعمادالدين خليل ومحمد عروي وحكمت صالح.
ويرى الباحث أن المنهج النقدي الإسلامي المعاصر مطالب اليوم ببناء إنسانية الإنسان ، ومحاولة ترميم الفكر العربي من خلال تقديم البديل الأمثل ، وإعادة إنشاء القيم كما أرادها الإسلام ، لا كما نريدها نحن.
أما القسم الثاني(أطياف النص الشعري) ، فقد إحتوى على ثلاثة مباحث ، تناول الباحث في مبحثه الأول( اللغة الإشارية:حضور النص وغياب المتلقي) مشكلة علاقة النص بالمتلقي ، فنسب هذه المشكلة إلى قدرة اللغة على الإنحراف ، وإنزياح المصطلح ، إلى جانب ثنائية الحضور والغياب ، منطلقاً من حضور النص بوصفه مدونة ،وغياب القارئ بوصفه المتلقي.
بيد أن حضور النص كمدونة ثابتة لم تمنع حركية دلالته ، ولعل هذا كان سبباً في نشأة التأويل ، فتمثل الباحث بالنص القرآني (مدونة ثابتة) ، وبسبب إنفتاحه على العالم وإنتشاره ، خارج زمكانية الموقف ، كان نصاً واسع الدلالة ، ولعل هذا ما جعل التأويل أهم العوامل التي حولت علوم المسلمين من علوم رواية إلى علوم دراية . وهذا ما جعل التأويل متشعباً بحسب الأفكار التي إستخدمته ، وهو على أنواع : ( التأويل الكلامي/ البياني ، والتأويل الصوفي/ العرفاني ، والتأويل الباطني/ الإشاري ، والتاويل الفلسفي/ العقلي) .
لقد دار التأويل حول أربع وحدات ، هي( اللغة والنطق والمعرفة والحقيقة) ، حيث إعتمدت اللغة على ثنائية اللفظ والمعنى فتشكل منها التأويل البياني ، كما إعتمد المنطق على اللفظ والمعقول فتشكل منهما التاويل العقلي ، في حين إعتمدت المعرفة على مقولة ( المعنى والباطن) ، فتشكل منها التأويل الباطني ، كما إعتمدت الحقيقة على ثنائية الظاهر والباطن ، فتشكل منهما التأويل الصوفي .
ولربما كان في إنحراف اللغة وإنزياح المصطلح لدى الصوفيين أهمية كبيرة من حيث إشارية اللغة وتجسيد المصطلح لثنائية المرئي واللامرئي ، إلى جانب المصطلحات الأخرى التي عالجها الباحث ، والتي لها علاقة بالتجربة الصوفية ، ومنها (وحدة الوجود ، والتواجد ، والوجد ، والفناء ، والشطح ، والسكر ، والتوحيد ) .
أما في المجال التطبيقي ، فقد أخذ الباحث ( الحلاج ) موضوعاً له ، إذ رأى أن إشتغال الحلاج في حقل التصوف يختلف عن إشتغال المتصوفة الآخرين ،وهذا ما دعاهم إلى إقصائه عن مجالسهم وحلقاتهم الصوفية ، فالحلاج أضاف مسائل جديدة لم تعهدها الصوفية ، ومنها مسالة ( الحب الإلهي ) ، الذي إستولى عليه ، وأسّر نفسه حتى فقد الحلاج قيادتها.
أما المبحث الثاني ( القناع ومعايشة التجربة- دراسة في الشعر الإسلامي المعاصر ) ، فقد عالج فيه الباحث القناع بإعتباره تقنية حديثة في الشعر لجأ إليها الشعراء ، عن طريق شخصية يحملونها آراءهم وآلامهم ، فيتحدثون عن ان انفسهم بوساطتها.
وقد وجد الباحث أن القناع قسمان ، يرجع أحدهما إلى الشخصية ، والثاني إلى المعنى. وله دلالتان ، دلالة ظاهرة تتمثل بالسمة الموضوعية ، والثانية باطنية تتمثل بالسمة التي ارادها الشاعر من تقنعه ، متمثلاً الباحث في معالجة تفصيلية (تحليلية وفنية) لقصيدة (إنطباع في مخيلة صقر قريش) ، للشاعر الإسلامي حكمت صالح ، ومن ديوانه (الحب للأرض والسماء) .
أما المبحث الثالث ،(القصيدة الإسلامية:أطياف النص وجماليات التأويل) ،فقد كشف الباحث الأستار عن دعوة الشاعر الإسلامي حكمت صالح إلى الحرية والمساواة ورفض العبودية إلا لله تعالى وحده ، متقارباً مع موقف الشاعر من قضية الفصل العنصري في العالم عموماً ، وفي أفريقيا خصوصاً كما أوحت بها قصيدة ( بلال ) ، التي تنتمي لديوانه ( على عتبات الجنة السمراء ) .
فمما جاء في مقاربة الباحث التحليلية ، أن قصيدة بلال صورت " المصير الإنساني ، من خلال بعدي : التاريخ والمعاصرة " ، متتبعاً ذلك في محاور ثلاثة ، (العرض التاريخي ، وإسقاط المعطيات التاريخية على الواقع المعاصر ، ومقارنة بين بلال الأمس وبلال اليوم) ، في حين وجد التحليل الفني للقصيدة مكانته من خلال مستويات ( إيقاعية وبلاغية وتركيبية ودلالية) مرفقاً ذلك بملحوظات تختص ب(بطل القصيدة ، والبناء الفني ، والتصوير الشعري والرموز المكانية ورموز الأشخاص.
إن ما جاء في هذه المباحث الخمسة ، تنبئ عن قدرة الباحث في ( الإنتماء الحقيقي) إلى المواصلة الجادة في مشروع الأدب الإسلامي ، منهجا نقدياً ، وإبداعياً في ساحة تكثر فيها إشكاليات الأسئلة والأجوبة معاً .
· أطياف النص : دراسات في النقد الإسلامي المعاصر ، د. محمد سالم سعد الله ، سلسلة النقد المعرفي (2) ، دار عالم الكتب الحديث ، إربد ـ الأردن ، 2007 م