تحقيق لغوي طريف جدا ازداد به الكتاب تهذيبا
آثَارُ صِحَّةِ الْوُجُودِ عَلَى الْوَاجِدِينَ
"وَأَمْطَرَ الْكَأْسَ مَاءً مِنْ أَبَارِقِهِ فَأَنْبَتَ الدُّرَّ فِي أَرْضٍ مِنَ الذَّهَبِ
-الذي فيه: "...الْكَأْسُ...أَبَارِقِهَا"، والصواب ما أثبتّ-
وَسَبَّحَ الْقَوْمُ لَمَّا أَنْ رَأَوْا عَجَبًا نُورًا مِنَ الْمَاءِ فِي نَارٍ مِنَ الْعِنَبِ
سُلَافَةٌ وَرِثَتْهَا عَادُ عَنْ إِرَمٍ كَانَتْ ذَخِيرَةَ كِسْرَى عَنْ أَبٍ فَأَبِ"!
وعلى تَجْهِيل القشيري للثلاثة الأبيات، نَسَبَها غيره للشبلي والبوصيري، وهي من أحد عشر بيتا لابن المعتز. ولا يَكْشِفُ وجهَ الصواب غيرُ سياق ابن المعتز:
يَا مَنْ يُفَنِّدُنِي فِي اللَّهْوِ وَالتَّرَبِ دَعْ مَا تَرَاهُ وَخُذْ رَأْيِي فَحَسْبُكَ بِي
أَفِي الْمُدَامَةِ تَلْحَانِي وَتَعْذُلُنِي لَقَدْ جَذَبْتَ جَمُوحًا غَيْرَ مُنْجَذِبِ
وَرُبَّ مِثْلِكَ قَدْ ضَاعَتْ نَصِيحَتُهُ وَلَمْ يُطِق وُدَّ ذِي رَأْيٍ وَلَا أَدَبِ
وَقَدْ يُبَاكِرُنِي السَّاقِي فَأَشْرَبُهَا رَاحًا تُرِيحُ مِنَ الْأَحْزَانِ وَالْكُرَبِ
مَا زَالَ يَقْبِضُ رُوحَ الدَّنِّ مِبزَلُهُ حَتَّى تَغَلْغَلَ سِلْكُ الدَّرِّ فِي الثُّقَبِ
وَأَمْطَرَ الكَأسَ مَاءً مِنْ أَبَارِقِهِ فَأَنْبَتَ الدُّرَّ فِي أَرْضٍ مِنَ الذَّهَبِ
وَسَبَّحَ الْقَوْمُ لَمَّا أَنْ رَأَوْا عَجَبًا نُورًا مِنَ الْمَاءِ فِي نَارٍ مِنَ الْعِنَبِ
لَمْ يُبقِ فِيهَا الْبِلَى شَيْئًا سِوَى شَبَحٍ يُقِيمُهُ الظَّنُّ بَيْنَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ
سُلَافَةٌ وَرِثَتْهَا عَادُ عَنْ إِرَمٍ كَانَتْ ذَخِيرَةَ كِسْرَى عَنْ أَبٍ وَأَبِ
فِي جَوْفِ أَكْلَفَ قَدْ طَالَ الْوُقوفُ بِهِ لَا يَشْتَكِي السَّاقَ مِنْ أَيْنٍ وَلَا تَعَبِ
يَتِيمَةٌ بَيْنَ أَهْلِ الدَّهْرِ قَدْ رُزِقَتْ جِدًّا مُزَاحًا وَجِدُّ النَّاسِ مِنْ لَعِبِ
فقد ذكر الساقي وصَبَّه الماء من أباريقه على الخمر في كؤوس الشَّرْب، فكانت الصورةُ البديعة التي انبهر بها نقاد الشعر، حتى ذكروها في عجائب التشبيهات.
وقد احْتَجَنَ منها الثلاثةَ الأبياتِ مَنِ احتجنها؛ فانتسبتْ غيرَ مُنتسَبِها، وافتقدت سياقها؛ فضلَّ من رواها، ولم يجد غير أن يرفع "الكأس" فاعلا لـ"أمطر"، وينصب له "الماء" مفعولا، ويضيف الأباريق إلى ضمير الكأس المؤنثة التي ذَكَّرَ لها الفعل من قبل -وتذكيرُ الفعل قبل الكأس جائزٌ، ولكن الاضطراب مريب- غيرَ مبال بفساد المعنى؛ إذ الكأس مُمطَرة لا مُمطِرة، والماء مفعول به ثان، فأما الفاعل فضميرُ الساقي أو سِلْك الدَّرِّ.
ولا يُظنَّ أن "مَاءً" تمييزُ نسبةِ "أَمْطَرَ"، إلى "الْكَأْس"، المحوَّل عن مفعول به، أي: أَمْطَرَ مَاءَ الْكَأْسِ؛ فهو ماء الأباريق، لا ماء كأس الخمر الصِّرْف، كيف وهو مُقْحَمٌ عليها وهي مظلومةً به!
وسوم: 635