لويس شيخو شخصيَّة خبيثة وخطرة

د. محمد بن لطفي الصبَّاغ

أبدأ هذه الكلمة بترجمة هذا الرجل، وسأذكر ما أورده الزِّركلي عنه في كتابه "الأعلام"؛ قال:

((لويس شيخو اليسوعيُّ، مُنشئ مجلة المشرق في بيروت، ولد سنة 1275هـ (1859م)، وتوفِّي سنة 1346هـ (1927م)، كان اسمه قبل الرهبنة رزق الله بن يوسف.. شيخو.

 ولد في ماردين بالجزيرة الفراتية وانتقل إلى الشام يافعًا، فتعلم في مدرسة اليسوعيين في لبنان، وانتظم في سلك الرهبنة اليسوعية سنة 1874م، وتنقَّل في بلاد أوربا والشرق، واطَّلع على ما في الخزائن من كتب العرب، ونسخ كثيرًا منها وحمله إلى خزانة اليسوعيين في بيروت، ثم أنشأ مجلة المشرق سنة 1898م، فاستمر يكتب أكثر مقالاتها مدة 25 سنة، وكان همُّه في كل ما كتب أو في معظمه خدمة طائفته))، ثم ذكر عددًا من مؤلفاته.

إنَّ لويس شيخو شخصية خبيثة وخطرة جدًّا؛ لأنه عبِثَ في تراثنا اللغوي والأدبي عبثًا كبيرًا، وزوَّر الأفكار، ومن الواجب على القادرين كشفُ الدسِّ الذي وقَف حياته له، وفضحُ الافتراءات التي افتراها على المسلمين ودينهم، وكذب كذبًا مفضوحًا، وألَّف كتبًا كثيرة ملأها بالدسِّ والافتراء والتحريف، ونشر عددًا من الكتب حرَّف فيها ما حرف، وبدَّل ما بدَّل، مثل: "شُعراء النصرانية"، ومثل: "تاريخ الآداب العربية في القرن التاسع عشر"، ومثل "تاريخ فن الطباعة في المشرق"، ومثل "مجاني الأدب"، ومثل كتاب "فقه اللغة" للثعالبي، وغيرها من الكتب والمقالات التي كان يَنشرها في مجلته المشرق وغيرها.

• وقد أشار إلى خطره وتشويهه النصوص العلامة المحدِّث الأديب المحقِّق الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تعليقة له موجَزة ذكرها في "كتاب الشِّعر والشعراء" لابن قتيبة الذي حقَّقه، قالها عندما ذكر ديوان أبي العتاهية الذي نشره لويس شيخو، فقال: ((وديوانه معروف مطبوع طبعَه الآباء اليسوعيون بمطبعتهم في بيروت، وهم قوم لا يوثَق بنقلهم لتلاعبِهم وتعصُّبهم وتحريفهم)).

• وقد أجاد أستاذنا الدكتور شكري فيصل رحمه الله في الفصل القيِّم الذي كتبه في تقديمه لديوان أبي العتاهية الذي حقَّقه ونشره، ففضح عمله الإجرامي الخسيس.

قال أستاذنا الدكتور شكري رحمه الله (ص 6) من المقدمة تعليقًا على كلمة الشيخ شاكر: ((.. كيف يكون التلاعبُ والتعصُّب في نشر ديوان شعريٍّ قديم؟ ما طريق التعصب إلى هذا الشعر الذي يتحدث عن الحياة والموت والآخرة؟ وكيف يكون الأمر على هذا النحو الذي وُجدَ بين الناس ولا يكون في الناس خلال ثمانين سنة[1]، من يملك أن يضع بين أيديهم بعضًا من تراثهم على خير مِن الذي وقع لهم محرَّفًا عمَّا فيه)).

وقال في (ص 7) من المقدمة: ((ولكني حين أخذتُ أقابل بين الذي فيها والذي في مطبوعة الأب شيخو لفَتني في شيء مِن عنْف تَحريفات غريبة وقفتُ عليها، فلما مضيتُ أستقصي بدت لي هذه التحريفات كأنها عمل مقصود.. وتجاوز الأمر التحريف إلى بتر بعض الأبيات ذوات العدد من بعض القصائد.. وذكرت قولة الشيخ شاكر رحمه الله، وكنتُ أظنُّ فيه بعض الحدَّة، فإذا حديثه دون أن ينهض لهذا التضليل الذي انساقت إليه طبعة الأب شيخو)).

ثم ذكر التحريفات، فذكر أن شيخو عمَد إلى تحريف الكلمة إذا كانت قرآنية.

وقال: ((.. شيخو كان لا يطيق فيما يبدو أن يرى لفظة (محمد) الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في شعر أبي العتاهية))، فبيت أبي العتاهية:

يصير عند شيخو:

وذكر أن شيخو يحرِّف التركيب (لا شريك له) إلى (لا مثيل له)، ويحرِّف (رسول الله) إلى (نذير الخير)، وذكر أنه قد يَحذف البيت كله، بل قد يحذف أبياتًا عدَّة.

♦  ♦  ♦

• ومن عبثه بكتب السلف ما فعله في كتاب "فقه اللغة"؛ للثعالبي، وهو كتاب من كتب اللغة، وقد ذكرت ذلك في كتابي الذي ما يزال مخطوطًا عن المكتبة العربية.

• ومن تحريفاته ما فعل في كتابه "مجاني الأدب" وقد اشتركتُ مع أخي الدكتور عبدالرحمن الباشا رحمه الله مرة في كشف ذلك في برنامج إذاعي في إذاعة الرياض كان يعدُّه الأخ الباشا عنوانه (بيت من الشعر) وكانت الحلقة عن البحتري.

وذكرنا ما قال العلامة أحمد تيمور باشا تعليقًا على بيت البحتري في مدح الخليفة المتوكل:

قال رحمه الله:

((هذه القصيدة من أجود شعر البُحتري[2]، ولكن قضى عليها سوء الحظ أن يَختارها اليسوعيون لكتابهم "مجاني الأدب" (5 / 161 - طبع سنة 1884م)، فيغيِّروا فيها ما شاء لهم الهوى أن يغيروه، فإنهم لما ذكَروا قوله في وصف احتشاد الناس والجند وخروج الخليفة عليهم في ذهابه إلى المصلى:

عزَّ عليهم أن يُذكر سيِّد الخلق عليه الصلاة والسلام ويُذكَر معه خليفته وابن عمه، فجعلوا صدر هذا البيت:

ولما وصلوا إلى بيت البُردة جعلوه:

ووقفت في بُرد الخطيب مذكرًا.......

فلينتبه لذلك؛ فإن كثيرين من النشء يَثِقون بكتبهم ويقعون فيما حرفوه وبدَّلوه))[3].

• وكان لويس شيخو دائمَ الهجوم على الدولة العثمانية، يشوِّه سمعتها، ويلفِّق عليها الأكاذيب وكان يهجم على سلاطينها ويتَّهمهم اتهامات باطلة.

• وكان يصوِّر النصارى أنهم هم العناصر التقدمية التي طوَّرت البلاد وأنهم جاؤوا بالمطبعة، وأنهم نشروا العلم، وهو بهذا كاذب كبير.

• أقول: إن هذا الرجل الخبيث قام بعمله الهدَّام وأساء إلى الأمَّة وإلى رجالاتها من العلماء والشعراء، ولم تظهر دراسة حتى الآن تكشف إساءته وتدعو القادِرين إلى تلافي ما ترك من إساءة وهدم، وإنها لمسؤولية ما تزال قائمة.

وأودُّ أن أذكرَ أني سبَق لي أن كتبتُ رسالةً موجزة عنوانها "عدوان لويس شيخو على الأدب العربي" ونشرتها حديثًا في مجموع من الرسائل، والحمد لله رب العالمين.

ـــــــــــــــــــ

[1] أقول: هذا الكلام كتبه الدكتور شكري فيصل حوالي سنة 1384هـ (1965م)، فهذه سنة طبع الديوان المثبتة على غلاف الكتاب، فتأمل.

[2] انظر هذه القصيدة في ديوان البحتري تحقيق حسن كامل الصيرفي 2 / 1070 - 1074.

[3] من حاشية في الصفحتين 8 و9 من كتاب " الآثار النبوية " لأحمد تيمور باشا رحمه الله.

رابط الموضوع في شبكة الألوكة:

 http://www.alukah.net/culture/0/93281/#ixzz3p5vpbIu2

وسوم: 638