ظاهرة فن المفاخرات الأدبية في العصر العثماني دراسة مقارنة مع الفنون الأدبية الأخرى

بحوثٌ ودراسات

مستخلص البحث

مقدمة 

لعل المنطق الجدلي الذي امتاز به أسلوب الجاحظ والذي كان يُبرز فيه فضيلة الشيء ونقيضه، وظهورَ فن المقالات بقالبها القصصي الحواري الذي استهوى الأدباء فقلدوه بشكل أو بآخر، فضلا عن شعر الفخر الذي ألفه شعرنا العربي -  كان نواة لفن المفاخرات الذي ظهر في عصر الدول المتتابعة المملوكي ثم نضج واكتمل في العهد العثماني منه، وقد أخذ هذا الفن من الفنون الأدبية شيئا وامتاز عنها بأشياء أخر، فكان ظاهرة أدبية في هذا العصر تستحق الدراسة.

  وهذا البحث سيكشف عن معنى مصطلح المفاخرات الأدبية، وعن مدى علاقة هذا الفن  بالفنون الأدبية التي كانت في العهد العثماني كالرسالة والمقامة والمناظرة والقصيدة، ومدى استقلاله عنها في المضمون والبناء الفني، كما سيدرس الأسلوب اللغوي المتأنق والمتكلف  في مفاخرات العصر المدروس، وذلك من خلال استقراء النصوص للوصول إلى نتيجة ورؤية.

   تمهيـد

تعريـف المفـاخـرة

المفاخرة لغة: من الفخْر والفخَر، وهو التمدح بالخصال، والافتخار: عدُّ القديم، والتفاخر: التعاظم، وفاخره مفاخرة وفِخارا: عارضه بالفخر ففخَره، [1] ويقال في المفاخرة: التفخر والافتخار والفخر.[2]

وهي اصطلاحا كما يبدو لي من استقراء نصوص هذا اللون الأدبي: محاورة بين اثنين أو أكثر من غير العقلاء يُشَخَّص فيها المتحاورون، ويعارض أحدهم الآخر ليفحمه بحججه التي يراها مناسبة وذلك لتحقيق غاية ارتآها الأديب من مفاخرته.

وكأن الكاتب يجرد من نفسه شخصيتين خياليتين أو أكثر ويجعل هذه الشخصيات تتحاور وتتجادل وتتنافر في ذهنه وهو يسطر صراعها وخصامها في نص واحد، كما في مفاخرة الليل والنهار لمحمد المبارك، [3] والشمس والقمر لبهاء الدين البيطار.[4]

والمفاخرة بهذا التعريف مصطلح أدبي لفن جديد ظهر في عصر الدول المتتابعة ونضج واكتملت شخصيته في العهد العثماني منه، وكان ظهوره بتأثير الفكر الجدلي في العصر العباسي وروح التجديد التي سرت في أدبه، وظهور المقامات وتنوع الرسائل الأدبية وإن كانت غاية المفاخرات تختلف عن هذه الفنون.

وبناء على هذا التعريف لايعد من المفاخرة:

1-ماقيل من شعر الفخر الذاتي أو القبلي، إذ يختلف عنها في أمرين:

أ-المفاخرة محاورة خصامية ومجادلة بين طرفين في نص واحد، وليست قولا من طرف واحد

ب- المفاخرة - كما أراها - فن خيالي طريف لأنه يدور بين غير العقلاء كالنبات والشجر والماء والهواء  والأزمنة و...، وأما الفخر ففن يتعالى فيه الشاعر على غيره من الأفراد والجماعات...

2-ولا يعد من المفاخرة فن النقائض لأن هذا فن هجائي بل مقذع أحيانا، ويجري بين شاعرين من العقلاء، ويقول كل منهما قصيدته مستقلا عن الآخر.[5]

3-ولا تعد المناظرة من المفاخرة لأن هذه تدور بين العقلاء , وتبحث في قضية علمية واحدة يدور حولها النقاش، ويحاول كل من الطرفين أن يثبت فضل علمه في التخصص الذي يدور حوله النقاش دون غيره كإثبات عقيدة ما أو رأي نحوي أو صرفي مثلا، ولايتدخل الخيال فيها أبدا، بينما تقوم المفاخرة على الخيال المشخِّص للجمادات المتناحرة المتخاصمة

وأما المناظرات التي تدور بين غير العقلاء ويعمل فيها كل طرف على إبراز فضيلته على الآخر فهي برأيي مفاخرات لامناظرات، لأنها تجري بين غير العقلاء كالسيف والقلم والكلب والديك وإن سماها أصحابها مناظرات، لأن مصطلح المفاخرة كان ولايزال غائما يحتاج إلى الكشف عنه وتمييزه عن غيره، وهذه مهمة هذا البحث كما أرى.

4-  كما لا يعد من المفاخرة ما يذكر فيه الكاتب فضيلة أمرين معا في قصيدة واحدة دون إجراء منافسة ومنافرة بينهما وذم طرف وامتداح آخر بأسلوب التعاظم والتفاخر، كما في قصيدة صلاح الدين الكوراني[6] التي تحدث فيها في سبعة وثلاثين بيتا عن أهمية السيف والقلم، وكان يبين صفات هذا أو ذاك في كل شطر، وذلك على سبيل الوصف والثناء لا التفضيل والمنافسة، مثل:

السيف ما أصبحت أغمادَه القممُ      في حُكمـِه القلمُ الماضي له حَكَمُ

لافخرَ إلا إذا أبكى الفتـى قلما      وأشهرَ السيفَ في الهيجاء يبتسم

لاسيفَ يَقطع إلا بالدعاءِ لــه         وكم دعـا قلمٌ لبَّـت لـه الأمم[7]

   وانتهى من ذلك إلى الفخر بنفسه حين جعل نفسه كالسيف مضاء وعزيمة، وأثنى على براعته الأدبية. كما ذكر أنه لم يسبقه أحد من العرب إلى هذا الفن وقد حذا فيه حذو شعراء الفرس والروم.

5-ولا يعد من المفاخرة أيضا ما يذكر فيه كاتب أفضلية شيء ما كأفضلية القلم أو السيف في نصين منفصلين كما في الرسالة السيفية والرسالة القلمية، وكلاهما للخفاجي.[8]

6- ولا ما يأتي من تفضيل غير العقلاء على ألسن العقلاء كما في حديث الكيلاني[9]  والمرادي[10] عن الشعر والنثر لأن الغاية منه نقل رأي طرف عن الشعر ورد الآخر عليه وليس فيه تشخيص لغير العقلاء ولاتفاخر فيما بينها.

7- ولا يعد من المفاخرات ما يحاول فيه الكاتب أن يبين على لسانه فضيلة بعض العقلاء ونقيصة آخرين كما في المقامة الرومية[11] للخفاجي إذ نزل بقوم فأكرموه، وتخلى عن آخرين لبخلهم، وذلك لأنها جاءت في سياق المديح والذم، تماما كما فعل الحطيئة مع آل شماس حين أثنى عليهم وهجا الزبرقان، [12] ولم تأت في مجال المجادلة والمخاصمة والتعاظم على الآخرين ومعارضة الفخر بفخر آخر، ولأنها أيضا كانت بين العقلاء لاغيرهم.

ولعل أشهر كتاب المفاخرات في عصر الدول المتتابعة، وفي العهد المملوكي منه، هم القلقشندي[13]  في مفاخرته بين العلوم، والمقدسي[14] في كشف الأسرار عن حكم الطيور والأزهار، وابن نباتة[15] والسيوطي، [16] أما في العهد العثماني منه فنرى الشيرازي[17] في مفاخرته طيف الخيال وكانت بين العلم والمال، وأحمد شهاب الدين البربير[18] في مفاخرته بيم الماء والهواء، وبهاء الدين البيطار في مفاخرته بين الشمس والقمر، ومحمد المبارك المغربي في مفاخرته بين الليل والنهار، وأمين شميل[19]  في مفاخرة الأوهام والآمال، وعبد الغني النابلسي[20] في مفاخرة الماء والهواء...

وسأوضح بناء على هذا التعريف إشكالية تسمية المصطلح، ثم أعرج إلى تبيان الفرق بين المفاخرة والفنون الأدبية الأخرى التي احتضنتها، ثم أنتقل إلى بناء المفاخرة وأسلوبها الفني.

أولا: إشكالية تسمية المصطلح:  

تعددت أسماء المفاخرات لأنها نسبت إلى فنون أدبية مختلفة، إذ ألحقها بعض الكتاب والدارسين بالرسالة، وألحقها آخرون بالمقامة أو بالمناظرة، وسماها بعضهم محاورة، ففي العهد المملوكي نرى القلقشندي يسمى مفاخرته رسالة، بينما يسميها ابن نباتة والسيوطي مقامة، [21] واستمر هذا الخلط بين الرسالة والمقامة والمناظرة عند الكتاب  حتى أواخر العصر العثماني، بل حتى عند الدارسين من العصر الحديث

فالأديب العثماني أحمد البربير سمى مفاخرته بين الماء والهواء مقامة، وكذلك فعل عبد الرزاق البيطار[22] إذ أطلق على مفاخرة بين الشمس والقمر لبهاء الدين البيطار اسم مقامة وقال " ومن كلماته الرقيقة... مقامته التي أنشأها في المفاخرة بين الشمس والقمر، ولله درها من مقامة هي أرق من نسيم الصبا ".[23]

3- أما محمد بن محمد المبارك المغربي فقد سمى مفاخرته بين الليل والنهار مقامة تارة ومحاورة أخرى[24] دون أن يتعرض لذكر المفاخرة، مع أن شروطها الفنية قد توفرت فيها.

4- وكذلك الشيرازي في مفاخرته بين العلم والمال التي سماها طيف الخيال، إذ عدها رسالة مرة ومناظرة أخرى، وقال "رسالة بديعة في صورة مناظرة بين العلم والمال، وهيئة مشاجرة على ما ينطق لسان الحال".[25]

6- وحتى العصر الحديث لم يثبت معنى المصطلح في أذهان الدارسين، إذ سماه د. يوسف عوض مناظرة ومقامة ومفاخرة ومحاورة، يقول مثلا بعد عرض مفاخرة أحمد البربير التي أطلق عليها اسم مقامة تأسيا بكاتبها:" وليس في وسعنا أن نضيف شيئا لهذا النمط من المقامات الذي يقوم على المناظرة، فقد مر شبيه له في مقامة الشيرازي، ولكن المناظرة في هذه المرة تهدف إلى الإقرار بالفضل لأولي الفضل، وهو هدف أخلاقي ". ثم أورد من كلام المؤلف مايشير إلى تسميتها محاورة ومنافرة وذلك بقوله: " غير أننا كنا نسمع محاورة ضمنها منافرة "، ثم ذكر أنها مفاخرة[26]، فالمحاورة والمنافرة والمفاخرة بل والمقامة والمناظرة أيضا سواء عند هذا المؤلف الدارس.

وسماه د. محمد حسان الطيان مقامة ومفاخرة ومناظرة في كتابه " المفاخرات والمناظرات" الذي ضم خمسة نصوص أطلق عليها المؤلف اسم مقامات ثم عبر عنها باسم المفاخرات حينا والمناظرات حينا آخر كما في " مقامة في المفاخرة بين الماء والهواء ،ومفاخرة بين الشمس والقمر للشيخ بهاء الدين البيطار  ومناظرة بين العلم والجهل للشيخ محمد الديسي الهاملي الجزائري ( 1270-1340هـ) [27] "، وهذا يعني أن المصطلح لم يكن واضحا لديه إذ خلط كغيره بين المقامة والمفاخرة والمناظرة.

وهذا ما يدعو إلى القول بأن المصطلح لم يكن مستقرا في أذهان المبدعين والباحثين حتى عصرنا هذا، وكأنهم نظروا إلى المفاخرة من حيث المضمون لا من حيث فنية هذا العمل الأدبي التي تقوم على تشخيص المتخاصمين من غير العقلاء، وبروزهما في مشهدين في عمل أدبي واحد، يقوم على الحوار الجدلي والخصامي لا الودي. ولكن هذا الخلط أيضا إن دل على شيء فهو يدل على إحساس لدى الدارسين بوجود المفاخرة مع عدم اتضاح الرؤيا لديهم بشكل جلي، وهذا ماحاولت إبرازه في هذا البحث.    

ثانيا: بين المفاخرة والفنون الأدبية الأخرى:

ذكر الباحثون أن فن المقامة غدا بعد العصر العباسي يشابه بعض الفنون الأدبية كالرسالة والمناظرة، فالدكتور إحسان عباس يقول مثلا عن المقامة الأندلسية إنها انسلخت من قصة الكدية والحيلة وصارت صورة من رسالة يقدمها شخص بين يدي أمر يرجوه أوأمل يبتغي تحقيقه، [28] ود. زينب بيره جكلي قالت: " ومقامات عصر الدول المتتابعة حدث فيها تغيير وتجديد، إذ لم تلتزم بالمنهج الذي خطه مبدعو المقامات في العصر العباسي، فلم يحو بعضها راوية ولا بطلا، وإنما اكتفى بالحكاية، وقد تخلو من الرحلة والاغتراب والكدية، وقد تكتفي بالحوار فحسب بين شخصيتين من العقلاء أو من غيرهم... ولهذا اختلطت المقامات بالرسائل الأدبية حتى صعب التمييز بينهما أحيانا، فكأن المفاهيم لم تعد واضحة في أذهان الكتاب"[29]

وسأوضح هذا الاختلاط من خلال نماذج من مفاخرات العهد العثماني:

1- بين المفاخرة والرسالة:

الرسالة الأدبية نص أدبي يعبر فيه الكاتب عن قضية ما بأسلوب فني منمق يبدي فيه براعته في التعبير والتصوير، وتجمع بين النثر والشعر، وتجنح غالبا إلى أسلوب الصنعة ولا سيما السجع ليحقق به الكاتب نغمة موسيقية تعوضه عن موسيقى الشعر وقد يكون متكلفا.[30]

وتستهل الرسالة غالبا بحمد الله سبحانه والصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم تنطلق إلى موضوعها.

وقد شابهها بعض المفاخرات. فالأديب محمد المبارك المغربي في مفاخرته بين الليل والنهار يستهل بحمد الله سبحانه والصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم وذلك في قوله: "حمدا لمن فتح أبواب الخير في جميع الأوقات، ويسر أنواع البُر، وقدر أصناف الأقوات، وصلاة وسلاما على من واظب على بث الحكمة ودأب، وعلى آله الذين تنافسوا فيما جاء به من العلم والأدب... وبعد، فإني تفكرت ذات يوم في اختلاف الليل والنهار وما أودع الله فيهما من لطائف الحكم والأسرار".[31] 

فالمؤلف في استهلال مفاخرته التي سماها مقامة بدأ كما تبدأ الرسالة بحمد الله سبحانه والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم راح يسرد موضوعها وإذا هو مفاخرة بين الليل والنهار يشخص فيه الكاتب كلا منهما ليبدي براعته فيما يستدل به، وليعرض من خلاله قضايا علمية تتعلق بهذين الزمنين، ويكون الحديث عن منافرة ومخاصمة بين الطرفين.

وفي مفاخرة بين الماء والهواء لأحمد البربير نراه يستهل بالحمدلة لكنه ينتقل بعدها إلى الحديث عن تأملاته التي أوصلته إلى موضوعه، إذ يذكر أن فكره وخياله أدخلاه إلى رياض مزهرة، وهناك سمع محاورة ضمنها منافرة ومحاضرة فسأل الرياض عن جلية الأمر فقالت له: سل النسيم فعنده الخبر اليقين، فتوجه إليه سائلا فأخبره أن هناك منافسة بين الماء والهواء.

ولو رحنا نبحث عن مضمون هذه المنافسة الخيالية لرأيناها تختلف عن الرسائل اختلافا كبيرا فتلك وصف لأمور ما بأسلوب منمق، أما المفاخرة فجدال وخصام، وأخذ ورد، وتكرار للمواقف، وغالبا ما تنتهي إلى الحديث عن حكم يفصل بين المتخاصمين ويُثنَى عليه فتكون المفاخرة فنا يحوي في طياته المديح إلى جانب المفاخرة.

فالبربير مثلا يعرض علينا أحاديث الماء والهواء، ويبين أن الحديث كان منافسة بين الماء والهواء أوجبها حب انفراد كل منهما عن صاحبه بالرياسة، يقول مثلا: " فلما سمع الماء ماقلناه تموج وتأود ورغا وزبد " وراح يتطاول على الهواء فثارت ثائرة هذا وصعد على المنبر وراح يعرض فضائله ومنها أن الله سبحانه نصر به النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق، وأنه لولاه لما عاش ذو نفَس. فرد عليه الماء مبينا أن الله سبحانه جعل منه كل شيء حي وندد بالهواء لأنه سبيل إهلاك الأمم و... واحتدم الخصام بينهما ورد الماء على الهواء ثم طلب من الراوي وصحبه أن يحكموا بينهما فأرشدهم إلى العالم عبد الرحمن أفندي المرادي، فذهبا إليه فأكرمهما أيما إكرام، ومدح هذا العالم نثرا كما أثنى عليه  بقصيدة أنهى مفاخرته بها، يقول البربير مثلا مثنيا على العالم الحَكَم:

 "وليس لهذه المعضلة، غير إمام عصرنا، وعزة شامنا ومصرنا، المجتهد الذي قلد ببره أعناقنا تقليدا، أعظم الموالي قدرا، وأعلاهم نجرا، وأَرْحَبُهُم صدرا، وأكثرهم برا، ...خلاصة العبّاد من العباد، وثمرة دوحة روض الحقائق من آل مراد، جناب مولانا وسيدنا عين أعيان الموالي الكرام السيد عبد الرحمن أفندي، لا زال...، حامي الذمار والأطراف، منيفاً على آل عبد مناف، ملحوظاً بعين العناية والألطاف...  كما قلت فيه:

لا غَــرو لابن المرادي     وذاك شمس المواكب   أن فـاق كل الموالي     فالشمس بعض الكواكب الكواكب[32]  

وانتهاء المفاخرة بشعر مدحي أمر معهود في الرسائل الأدبية أيضا.[33]

2- بين المفاخرة والمقامة:      

المقامة لغة هي المجلس، والجماعة من الناس، والموضع الذي تقوم فيه.[34] وفي كنز اللغة أن من مترادفات المقامة التي تذكر معها: المحاورة والحوار والمجادلة والمناظرة والمفاوضة والخطبة والموعظة.[35] 

وهي اصطلاحا: قصة أو حكاية قصيرة ومثيرة، تدور حول مغامرة بطل طريف، ذلق اللسان، عالم باللغة ودقائقها، ويكتسب عيشه بالحيلة، وتأتي على لسان راوية، وبأسلوب يعتمد على وسائل التحسين اللفظي والمعنوي، وذلك لإمتاع السامع بالمضمون والأسلوب معا.[36]

والمقامة مع مرور الزمن بدأت تتحلل من شروطها التي جاءت بها في العصر العباسي إذ فقد كثير منها الراوي والبطل والعقدة، واقتربت من فن الرسالة وصارت أشبه بالمقالة الحديثة، حتى صار من الصعب أن نميز بين هذين اللونين (المقامة والرسالة) إذ نرى أحيانا نصا أقرب إلى الرسالة، ومع ذلك يطلق عليه اسم المقامة كما في مقامة " الكواكب الدرية في المناقب البدرية " للقلقشندي، فهي أشبه بالمقال العلمي المكتوب بأسلوب مصنوع لابالمقامة، ومع ذلك سماها مؤلفها مقامة وشرحها في كتابه صبح الأعشى في صناعة الإنشا.[37]

أما المفاخرة فقد اختلفت عن المقامة وإن سماها مؤلفوها مقامة أحيانا وذلك لأنها:

أ-تستهل المفاخرة بالحمدلة أحيانا.أو يجمع صاحبها إلى ذلك تأملا خياليا حين يذكر أن خياله أوصله إلى روضة فسمع منها محاورات بين الزهور ومنافرات، وكانت تتحدث بلسان حالها لابمقالها كما في مفاخرة بين الماء والهواء.

واختلاف المطالع ليس جديدا على الفن المقامي، فقد كتب الهمذاني مقاماته وأكثر من تنويع مطالعها ففتح المجال لمن شاء أن يبتكر منهجا وطريقة. ولكن التأملات الخيالية والمنافرات بين الطرفين أو الأطراف غير البشرية هما الجديدان في فن المفاخرات.

وبعض المفاخرات بدأت على غرار مابدأت به المقامات من ذكر راو وبطل وسند للحديث، ثم راحت تسرد مواقف الشخصيتين كما في مفاخرة الشمس والقمر لبهاء الدين البيطار، إذ قال في مطلعها:"حدثنا يسار بن حازم عن فتح الله أبي المكارم قال: رويت عن الورقاء بسندها عن العنقاء قال: نشرت جناح الهمة وطرت في فضاء الحكمة ثم عرجت على الرفارف إلى عالم اللطائف فلم أزل أخترق حجابا بعد حجاب وأستفتح بابا بعد باب إلى أن وصلت مواطئ الأنوار... فرأيت في مرايا العجائب ومزايا الغرائب مجلسا من مجالس السمر جمع الشمس والقمر، وهما متقابلان في النظر... ثم شرعا يتناجيان... إلى أن جرت بهما سوابح المحاورة وجرتهما سوانح المحاضرة فألقتهما من مسالك تلك المسامرة في مهاوي المهالك ومساوئ المفاخرة فصعد القمر على المنبر الأزهر وقال..."[38]

ب- منهج المقامة يقوم غالبا على قصة احتيال بين بطلين يبتغي كل منهما الرزق بطريقة غير شرعية.

أما موضوع المفاخرة فيعرض في صورة منافرة أو جدال أو مفاخرة بين بطلين خياليين كما بين الشمس والقمر للبيطار، والليل والنهار لمحمد المبارك المغربي، وبين العقل البشري وشيطانه لأمين بن شميل، ومع ذلك لاتخلو المفاخرة من روح قصصية تبدو من خلال الحوار بين الطرفين المتجادلين مما يضفي عليهما جوا حيويا واقعيا يجمع بين الجد والهزل.

ج-  غاية البطل أو الشخصيات التي تتحرك على مسرح النص الأدبي مختلفة، ففي المقامة يبرز البطل شطارته في الاحتيال، وفي المفاخرة يعمل  كل من البطلين جهده لإظهار فضيلته بما يقدمه من حجج تشير إلى نفعه للآخرين، أو بما وهبه الله من نعم تفوق ما عند الطرف الآخر، وفي كليهما تشويق للقارئ وإمتاع له بذكر علوم ومنافع قد لايعرفها من قبل.

د-  نتعرف من خلال مضامين المفاخرة على نماذج من أساليب الحياة وأخلاق العلماء الذين يلجأ إليهم للاحتكام في ذلك العصر كعادات الضيافة كما في مفاخرة الشمس والقمر للبيطار والماء والهواء للبربير، بينما المقامة تعرفنا على حياة سلبية في المجتمع فيها الاحتيال والغش والشح.

 هـ- ولا بد من الإشارة إلى أن فن المفاخرة غدا في عصر الدول المتتابعة عامة والعثماني خاصة أسلوبا من أساليب المديح إذ يحكم عالم ما بين المتخاصمين ويشاد بعلمه وفضله قبل الحكم وبعده وقد تقال فيه قصيدة مدحية تضاف إلى المديح النثري.

    فالبربير تحدث عن العالم الحكم السيد عبد الرحمن أفندي، فقرظه نثرا ثم قال فيه وفي صحبه شعرا:

لنا جلساء لا يُمَلُّ حديثُهم     ألِبّاءُ مأمونون غيباً ومشهداً     إذا ما خلونا كان حسن حديثهم     معيناً على نفي الهموم ومُسْعِداً   يفيدوننا من علمِهم علمَ مَنْ مضى مضى     وعقلاً وتهذيباً ورأيا مُسَدَّداً  

ثم تخلص إلى الثناء على الممدوح ووصف خلاله، وطرق معيشته، فقصره كالخورنق جمع محاسن الدنيا كما جمع صاحبه محاسن الناس، وقد أضافهم فأحسن ضيافتهم قدم لهم قهوة هي بنت اليَمن واليُمْنِ، التي تبدو وكأنها فتاة حسناء، وكان في المجلس كل نديم بهي الطلعة، لطيف المظهر، أديب ألمعي، وما زال الحاضرون يمزجون الجد بالمفاكهة حتى جاء الليل فناموا عنده ليلتهم فلما طلع الفجر صلوا وشربوا القهوة والتبغ ثم بادره الراوي بالدعاء، وعرض عليه مفاخرة الماء والهواء، وسأله الفصل بينهما، ؛ ثم فضل الماء على الهواء لأن الله سبحانه خلق آدم من الماء وخلق إبليس من الهواء، وطلب من الهواء أن يعترف لأخيه بالفضل عليه فترك هذا عنجهيته، واعتذر للماء، ودعا كل منهما للعالم المرادي لأنه سلك بهما طريق الحق، فطلبا من الراوي أن يمدح العالم فمدحه بقصيدة طويلة.[39]

 و- وفي المفاخرات تبدو القضايا العلمية أوضح مما هي عليه في المقامات فهي تعرفنا على أنواع العلوم السائدة كالهندسة والطب والفيزياء فندرك من خلالها المستوى الحضاري للأمة العربية والإسلامية في ذلك الحين، أما المقامات فتصور جوانب سلبية من حضارتنا.

فعلى سبيل المثال نرى في مفاخرة البربير علوما تتناثر خلال المجادلات ويتعلق بعضها بالدراسات العقلية وأخرى بالعلوم النقلية، فالهواء مثلا هامٌّ في حياة الإنسان فهو يؤلف بين السحاب، وينقل الروائح، وبه تجري السفن وتطير الطيور، ولولاه لما استطاع مخلوق أن ينطق أو يصوت، وقد أعان الله سبحانه به الأنبياء في دعوتهم فركبه سليمان على بساط الريح، ونصر الله به الرسول صلى الله عليه وسلم في يوم الخندق، وأهلك به عادا لما طغوا وتجبروا.

وهناك قضية تتعلق بعلم النحو والصرف في باب الإعلال وردت خلال المنافرة، فالهواء من (هوي) وحرف العلة إن كان عين الكلمة وكان متحركا وانفتح ماقبله قلب ألفا كما قلبت واو مَوَه (الماء) فصارت ألفا، لكن واو هَوَي (من الهواء) لم تقلب ففخر بذلك الهواء.[40]

   يقول عن الهواء لما ثار: " وصعد منبر الفخار، وقال الحمد لله الذي رفع فلك الهواء، على عنصر التراب والماء، ونفخ في آدم من روحه، وعلمه جميع الأسماء. أما بعد فمن عرَفني فقد اكتفى، ومن جهلني فأبدو له بعد الخفا. أنا الهواء الذي أؤلف بين السحاب، وأنقل ريح الأحباب، وأهب تارة بالرحمة وأخرى بالعذاب؛ نصر الله بي محمداً وصحبه الأمجاد، وأهلك الله بي قوم عاد، وأنا الذي تم بي ملك سليمان، وأجرى الماء في خدمتي بكل مكان، وسير بي الفلك في البحر كما تسير العيس في البطاح، وأطار بي في الجو كل ذات جناح، وأنا الذي يضطرب مني الماء. إذا صفوت صفا العالم وكان له نضرة وزهو، وإذا  تكدرت انكدرت النجوم وتكدر الجو، ؛ لا أتلون مثل الماء المتلون بلون الإناء. لولاي لما عاش كل ذي نفَس، ولولاي لما تكلم  آدمي ولا صوّت حيوان، ولا غرد طائر على غصن بان، ولولاي ما سُمِع قرآن ولا حديث، ولا عرف طيب المسموع والمشموم من الخبيث، فكيف يفاخر بي الماء الذي يشبّه الله به الدنيا البغيضة، التي لا تعدل عنده جناح بعوضة، وأنا الذي أطير بلا جناح إلى جميع الجهات، وهو الذي يخر على وجهه ويمشي  على بطنه كالحيات، وحسبي وحسبه هذا التفاوت العظيم  )أفمن يمشي مكباً على وجهه أهدى أم من يمشي سوياً على صراط مستقيم(، وحسب الماء ذمّاً خلوه من الحرارة المشتقة منها الحرية، وكون الرطوبة فيه طبيعية غريزية. وأنا الذي سلم قلبي من القلب وإن كان من أحرف العلة، وهو الذي قلّب الله قلبه، لتحركه وانفتاح ما قبله...  "

وهذه المعلومات العلمية والتاريخية والدينية والصرفية جاءت كلها بأسلوب مشوق، وإن التعليم بهذه الطريقة الجذابة هو أقصى ما ترغبه أساليب التعليم المعاصرة

ز- تحوي المقامات والمفاخرات مواعظ في طياتهما ففي مفاخرة الليل والنهار نقرأ مواعظ يقدمها العلماء وكأن المفاخرة غدت قصة للموعظة الحسنة أو للتذكير بدلائل قدرته تعالى يعرض فيها من كل لون وفن من خلال عرض المنافرات ومدائح المحكمين.

ففي مفاخرة الماء والهواء نرى الراوي يعظهما محذرا إياهما من الركون إلى أقوال النمامين الذين يرمون العداوة بين الناس، كما حذرهما من وساوس النفس الأمارة بالسوء التي يتخذها إبليس مطيته لنشر الشر، وبين لهما أن الدنيا زائلة فانية. يقول:

"فإنكما أعظم دعائم الجماد والنبات والحيوان والإنسان، وأنتما الشقيقان اللذان لم يوجد لهما ثالث في عالم الإمكان، فهل ولج بينكما ذو نفاق حتى صدر منكما هذا الشقاق، أو أن ذلك من دسائس النفس الأمارة، ووساوس تلك العدوة الغدارة الغرارة التي لاتأمر إلا بالشر، ولا تصبو إلا إلى الضر، كيف لا وهي عروس إبليس ومصدر أفعال التدليس والتلبيس... فالرأي العاقل أن يحذر مكرها ويخالف أمرها... على أن الدنيا دار زوال ومنزلة ارتحال..."[41]

أما الثاني العالم المرادي فقد دعاهما إلى شكر الله على نعمه وحذرهما من الفخر الذي أوقع إبليس في الغي والضلال، يقول لهما:

"إن كلاً منكما محق فيما ادعاه، وقد نفع الله بكما العالم فلا تشتغلا بالمفاخرة عن شكر النعم، لأن الفخر أنزل إبليس من الجنة"[42]

ح- كما نعرف في كل من المفاخرة والمقامة أساليب العصر وأذواق أدبائه الفنية، وذلك من دراسة الصور المتكاثفة والجمل الموسيقية المعتمدة على السجع والاقتباس من نصوص من القرآن الكريم والأحاديث الشريفة والأمثال والحكم والشعر، [43] وبعض الشعر لايلفى إلا في المقامات أو في المفاخرات ولولاهما لطوي في سجل النسيان.كما نطلع في المفاخرات على فن التأريخ الشعري الذي تنهى به بعض قصائد العصر كما في قول  البيطار في مفاخرته:

وإليـك في حلل البَها     مزفونـةٌ بكرُ القصيد

قد أرخَتْ سُدْ بالمنـى     يهنيـك بالعيد النضيدْ

3- بين المفاخرة والمناظرة:

المناظرة لغة: التقابل، والعرب يقولون دورنا تناظر، أي تقابل، والنظر: التفكر في الشيء تقدره وتقيسه منك، وناظرت فلانا: صرت نظيرا له في المخاطبة، والنظائر: جمع نظيرة وهي المثل والشبه في الأشكال والأخلاق والأفعال والأقوال[44]

واصطلاحا: هي النظر بالبصيرة من الجانبين في النسبة بين الشيئين إظهارا للصواب، وقد يكون الناظر مع نفسه، أوهي المجادلة والمخاصمة فيما وقع فيه خلاف بين النظيرين[45]

وتقع المناظرة بين علماء يتنافسون، وتنطوي على مساجلات ومجادلات يجرونها أمام المشاهدين الذين ينتظرون غلبة أحد الخصمين وانتصاره على منافسه، وفيها من الجو الدرامي مايثير فضول الجمهور، وقد شهر بها في العصر العباسي أبو حيان التوحيدي، وله مناظرة بين النحوي أبي سعيد السيرافي (ت 368هـ)، ومتى بن يونس العالم بالمنطق اليوناني.[46]

وعلى الرغم من أن غاية المناظرة قد تتشابه مع المفاخرة في محاولة كل منهما دحض آراء الخصم ليتفوق طرف منهما على الآخر، إلا أن المناظرة تختلف برأيي عن المفاخرة:

1- لأنها أولا تدور بين العقلاء.

2- ولأنها ثانيا يناقش فيها علماء متخصصون قضية علمية حقيقية لاخيالية، ويدور الحديث حولها دون أن يخرج عنها إلى شذرات هنا وهناك، ولهذا كانت تعرض في مجالس الخلفاء والعلماء الكبار ليرى الحاضرون أسبقية أحد الطرفين على الآخر في علمه.[47]

أما المفاخرة فلا تدور حول فكرة علمية يراد إثباتها أو دحضها، وإنما تتعدد فيها الفكر وتتناثر فيها العلوم ويؤخذ من كل بستان زهرة، وقد لايجمع بينها جامع إلا أن صاحبها  يفخر بها ويأتي بأدلة علمية أو غير علمية على ألسن غير العقلاء. وهذه قد يسميها بعضهم مناظرة وأرى أنها مفاخرة لأن المناظرة لاتكون إلا بين علماء يلتزمون قضية علمية واحدة في المجلس الواحد، أما المفاخرة فتكون بين مثقفين متعددي الرؤى، وقد ابتدعهم خيال الأديب وجاء بهم في هيئة مخلوقات نباتية أو حيوانية أو غيرها، ولذلك تتعدد الأوجه الثقافية التي ترد فيها بين دينية وتاريخية وفلسفية ونحوية واجتماعية، فضلا عن أنها بين غير العقلاء ولولا هذه الميزة لكانت المفاخرة حديث مثقفين لايرتبط بفكرة واحدة بل يتسلى كل منهما بما يشاء، فهي أشبه بشعر الفخر الذي يستعلي به واحد بصفات متعددة الجوانب والألوان، وهذا الحديث المتلون بألوان شتى فضلا عن التشخيص والتصوير البديع هو سبب الجمال الفني في المفاخرة، وهو ما يميزها عن غيرها من الفنون الأدبية.

    5- بين المفاخرة والقصيدة:

شرط النقاد أن تستهل القصيدة الرسمية بالغزل وإلا عدت بتراء، إلا في وصف الحروب والثورات إذ سمح لها أن تطرق موضوعها مباشرة[48] ولكن قصائد المفاخرات لم تلتزم هذا المطلع بل طرقت موضوعها مباشرة.

فعبد الغني النابلسي[49]  كانت أول كلمة في قصيدته بل مفاخرته الشعرية هي:

تفاخر الماءُ والهواء       وقد بدا منهما ادِّعاءُ[50]

فهو يحدد منذ البيت الأول اللون الأدبي الذي تنتمي إليه القصيدة، فالحديث مفاخرة، وهو ادعاء بين مخلوقين من غير البشر، جاء به على سبيل التخيل ليعرض من خلال المنافرة ثقافته أو ليسلي المتلقي بفنه الطريف.

ثالثا: البناء الفني للمفاخرة

تستهل المفاخرة عادة بحمد الله سبحانه والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ينتقل الأديب من ذلك إلى وصف تأملاته الخيالية في الطبيعة، وهذه التأملات توصله إلى الحديث عن التفاخر بين المخلوقات.[51]

أما الموضوع الرئيس فيكون بين غير العقلاء بحيث يشخص هؤلاء ويدلي كل منهم دلوه وقد تكون بين العقل البشري وشيطانه كما في مفاخرة أمين شميل.[52]

وقد تحتوي المفاخرة موضوعا واحدا، أويستطرد فيها بموضوعات لاتمت إلى الموضوع الرئيس إلا بخيط واه، كأحاديث المجون على لسان الجهل في مفاخرة "طيف الخيال " التي جرت بين العلم والمال للشيرازي [53]

ولا تخلو من روح قصصية تضفي على الجو واقعية فنية تجمع بين الجد والهزل، والحقيقة والخيال

وتنتهي غالبا بحَكَم يفصل بين المتخاصمين، وقد تقال قصيدة يثنى فيها على الحكم، أو ينهي الكاتب بتأريخ شعري كما في مفاخرة بين الشمس والقمر.

وإذا كانت المقامة تتمتع بالوحدة العضوية عن طريق الحكاية والحوار الذي يربط أجزاءها، فإن المفاخرة حوارية تترابط أجزاؤها أيضا لأنها تسجل أقوال طرف وردود الآخر، ثم يأتي الحكم بين المتنازعين، فكأنها قصة قضية في محكمة ما يقضي فيها قاض بين طرفيها بعد أن يرى الأدلة والبراهين.

أما مفاخرة أمين إبراهيم شميل التي سماها مقامات أيضا فجاءت مفككة في ظاهرها إذ تكونت من خمس مقامات جمعت في كتاب واحد سماه "مقامات الأوهام في الآمال والأحكام "، ولكن هذا التفكك الظاهري لايلبث أن يلتئم في وحدة موضوعية تلم شعث الأطراف لأن موضوعها الإنسان وما يطرأ عليه من شكوك ممتزجة بمواعظ وحكم وإفادات دينية وقصص عن آدم وأحفاده وأصدقائه الأخيار، وإبليس وأعوانه، وقد رمى الأديب من ورائها بث القيم الفاضلة والتحذير من وساوس إبليس.

وقد تكونت هذه المفاخرة من خمس مقامات رواها (الهادي) عن أبيه (العقل) وفيها نرى العقل يرحل إلى القمر بخياله فيسأله فيدله على الشمس لأنها أعرف منه، فترسله هذه إلى عوالم أخرى وهناك يسمع صوتا خفيا يقول له:" سأجعلك مديرا لعالم أوجدته جديدا، وفيه جعلت خلقا عديدا، وإني سأجعل إبليس والمادة عدوين لك ليظهر صدقك وفضل مسعاك، ثم رحل الراوي إلى الجنة ونام فيها فلما استيقظ وجد إبليس الضَّلال قد أغوى آدم بالأكل من الشجرة المحرمة فراح يندد به، ثم اتفق معه على أن يبحثا عن آدم، ويعرض الأديب خلال ذلك أعوان العقل وهم الصدق والمجد والإخاء وأعوان الضَّلال وهم الكذب والكفر والعجب، ثم يلتقيان بالإنسان حفيد آدم فيخبرهما أن جده مات بعد أن تاب، ويطلب الإنسان من الهادي أن يعينه على الضَّلال فيستشيط إبليس غضبا، ويحاول الهادي أن يوفق بينهما، ولكن الإنسان يخبر الهادي بأنه لايخاف من الضَّلال، فيرحل إبليس ويهدئ الهادي من روع الإنسان ويقنعه أن جده سيعود ثانية إلى مقام العز والشرف فيشكره الإنسان وهو لايزال محنقا راغبا في الانتقام من إبليس

وفي هذا القسم تظهر المنافرة بين الطرفين المتنازعين الهادي والضلال، ثم بين الأطراف الثلاثة عندما يلتقيان بالإنسان الرمز، وتنتهي بتدخل الهادي ليفض النزاع.

    وفي المقامة الثانية (الآدمية) يعيش البطل الهادي في صراع، وفي المقامة الثالثة يلتقي البطل مع الضلال إبليس، وفي الرابعة (الشكوكية) تبدأ منظرة بين الطرفين حول الوجود والمادة والأجناس، وفي الرابعة الطفلية تعود المنافرة بين الهادي والضلال، فالأول يربي إنسانا رشيدا، والثاني يربي أنثى ليجعلها تغويه، وتنتهي المنافرة بتبيان أهمية الذكاء في التمييز بين الخير والشر وينتصر الإنسان رمز الخير على الضّلال رمز الشر.[54]

وإذا كان من شروط المفاخرة أن يجري الحوار الجدلي بين شخصيتين خياليتين من غير العقلاء فإن الكاتب هنا أجراها بين العقل والضلال إبليس، وعندما دخل الإنسان إلى مسرح الخصام كان يرمز به إلى الخير ولهذا لم يطلق عليه اسم علم ما وإنما أبقاه بلفظ الإنسان. وكذلك حال الرجل الذي رباه الهادي والأنثى التي رباها الضلال، فهما رمز للخير والشر جاءا للدلالة على الصراع بينهما وهو ما أراده الكاتب من مقامته أو مفاخرته.

    وهنا نرى أن الشخصيات لم تعد اثنتين وراويا، أو يضاف إليهم حكم كما في مفاخرة الماء والهواء، وإنما تعددت لتكون الهادي والابن الذي رباه وأباه العقل والضلال والأنثى التي رباها، والإنسان حفيد آدم وهي رموز للصراع بين الخير والشر.  و- والمفاخرة لاحد لطولها فقد تكون جولة واحدة بين المتخاصمين، وقد تكثر الجولات ويكثر الأخذ والرد، والتعالي والتنديد حتى تصل إلى خمس لكل طرف كما في محاورة محمد المبارك بين الليل والنهار، وقد يحتويها كتاب كما في مفاخرة أمين شميل، ومفاخرة الشيرازي التي استغرقت أكثر من أربعمئة صفحة، أما المقامة فلم تصل واحدة إلى حد الكتاب.

أما قصائد المفاخرات فتتحقق فيها هذه الوحدة الموضوعية ومن ثم العضوية لأن كل كلمة وصورة فيها توظف لخدمة المجادلة، [55] يقول النابلسي مثلا:

   تفاخر المـاءُ والهواء     وقـد بدا منهمـا ادِّعـاءُ

    لسانُ حال وليس نطقٌ     ولا حــروفٌ ولا هجاءُ

   ثم يبدأ بعرض أقوال المتفاخرين فيقول:

   فابتـدأ الماءُ بافتخـارٍ      وقـال إني بيَ ارْتـواء

   وبي حيـاة لكل حـيٍّ      أيضا وبي يحصُل النَّماء

  وكان عـرشُ الإلهِ قدما     عليَّ يبـدو لـه ارتقاء

   والأرض تهتزُّ بي وتربو      فيخرج النبتُ والـدواء

                      وبالهـواء اشتعـالُ نار      ضرَّتْ وللنار بي انطفاء

                    وأحمـل الناسَ في بحـار       كأنني الأرضُ والسمـاء

                    وقال عني الإله رجس الـ        شيطـان بي ذاهب هباء

      فهنا نرى الماء يفخر بأن عرش الله سبحانه كان عليه، وأنه حياة كل حي، وهو يحيي النبات، ويشفي العليل ويروي العطش ويذهب الخبث، كما يندد بالهواء الذي تشتعل به النيران ولكن الماء يطفئها كما أنه وسيلة نقل هامة في البحر.

     أما الهواء:

   فقـام يعلو الهواءُ جهرا    وقال إني أنـا الهـواءُ

   فإن أنفـــاسَ كلِّ حيٍّ     تكونُ بي للحياة جاؤوا

   وإنني حامـلُ الأراضي     والمـاءُ فيها له استواءُ

   وأهلك الله قـــومَ عاد      بشدتي مالهـــم بقاء

  وأدفع الخبثَ حيث هب النـ    سيمُ يصفو بي الفضاء

    وهنا يتدخل الحَكَم (الشاعر) ليفصل بين المتنازعين فيقول:

وحاصـلُ الأمر أن كلاً     من ذا وذا للردى اندِراءُ

وكل مـاء لـه مزايا       يكون فيهـا لنـا الهنـاءُ

                     ولا هــوا إلا وفيـه     نفـعٌ كمـا ربُّنـا يشـاء

ثم يرى أن للماء مزية لأن آدم خلق من تراب ممزوج به، على حين خلق إبليس من نار، والنار مع الهواء ريح فيها عذاب أليم، يقول في ذلك:

                     ولكنِ المـاءُ معْ ترابٍ     يصيرُ طينـا هو ابتـداء[56]

                     وآدمٌ كان أصلـُـه من    طين وأضحى له اصطِفاء

                     والمارجُ النار معْ هواءٍ      سمـومُ ريـحٍ وذاك داءُ

                      ومنه إبليسُ كان خلقـا     لـه افتخـارٌ وكبـرياء

فكيف يعلو الهواءُ يوما     والماءُ فينـا له العـلاء

ثم يتبرأ من حكمه هذا ويقول إن الله سبحانه أعلم بما خلق وهو الذي يعرف الأفضل منهما:

وعـز ربي وجل عما    نقول أن يلحق به الخطاء

بخلقـه ربنـا عليـم      والعلـم عنـا له انتفـاء

والفضل منه يكون لامن    سـواه حقـا ولا امتراء

فالشاعر هنا طرق موضوعه مباشرة ثم انتقل ليعرض علينا الأسباب التي جعلت كلا من الماء والهواء يفخر أحدهما على الآخر، وقد جاء كل منهما بحجج متعددة، دينية، وعلمية، ثم جاء دور الشاعر ليفصل بين المتنازعين ويبين فضيلتيهمـا،  ثم فضل الماء على صاحبه لأن آدم الذي خلق من طين وماء يفضل إبليس الذي كان من ماء ونار، ثم أوكل الأمر إلى العليم الخبير.

 وقد تحققت في قصيدة النابلسي كما رأينا الوحدة العضوية لأنها تتحدث عن مجال واحد ومضمون واحد.

رابعا: أسلوب المفاخرة:

أسلوب المفاخرة هو أسلوب العصر المتصنع: تنميق في العبارة وتجويد موسيقي، وتصوير فني ورموز أحيانا، ولكن هذا الأسلوب قد يعلو ويروق حينا، ويتكلفه الأديب أخرى، ولذلك فإن اتهام العصر كله بجمود أساليبه ينجم عن تعجل في الدراسة، وهو أمر ينأى عن الصواب، فضلا عن أن لكل عصر أسلوبه وأذواقه الفنية.

وهذا ما سأوضحه بالشواهد المناسبة:

1_ الأسلوب الفني المتأنق:

وفيه تبدو العبارات محكمة السبك في تصوير بديع يرسم به الكاتب لوحة فنية أنيقة لحالة الجماد المشخص وهو يجادل ويخاصم ويرغو ويزبد، معتمدا على تراكيب منسجمة لاخلخلة فيها، وعلى موسيقى متناغمة تعتمد على السجع والتوازن والازدواج، وعلى آيات من القرآن الكريم وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلى الشعر والأمثال وسواها من عناصر الجمال التعبيري والتصويري.

هذا الماء في مفاخرته للهواء يكاد يتميز غيظا منه، والأديب يصور لنا حاله بقوله:" الحمد لله الذي جعل من الماء كل شيء حي. أما بعد، فقد سمعت جعجعة ظننتها صرير باب أو طنين ذباب، باطل في صورة حق  وسراب إذا تأملته زال وانمحق، فاسمع أيها الهواء ما أتلوه من آيات فخري الشامل وما أجلوه عليك من عقد فضلي الذي أنت منه عاطل، و(قل جاء الحق وزهق الباطل). اعلم أولا أن الدعوى قبيحة وإن كانت صحيحة فكيف إذا كانت بالزخارف مموهة... وقد سردتَ ما زعمتَه فيك من الخصوصيات على سبيل المفاخرة والمباهاة وأنا أقول ما منَّ الله به علي على سبيل التحدث بنعمة الله، فأقول: أنا مخلوق ولا فخر، وأنا لذة الدنيا والآخرة ويوم الحشر، وأنا الجوهر الشفاف المشبه بالسيف إذا سل من الغلاف، وقد خلق الله مني جميع العناصر حتى اللآلئ في الأصداف، أحيي الأرض بعد مماتها، وأخرج للعالم منها جميع أقواتها، ... ثم نزل والتمس منا أن نحكم له بالفضل على الفور، وأن نجانب في حكمنا الميل والجور. غير أن تكافؤ الأدلة غادر منا الأفكار مضمحلة... وليس لهذه المعضلة غير إمام عصرنا وعزة شامنا ومصرنا المجتهد الذي قلد ببره أعناقنا تقليدا، أعظم الموالي قدرا، وأعلاها نجْـرأ، وأرحبهم صدرا، وأكثرهم برا، وأنفذهم نهيا وأمرا... بحر الجود ونجم الهدى والسعود، حامي الذمار والأطراف، ملحوظا بعين العناية والألطاف:

لاغرو لابن المرادي     وذاك شمس المـواكب

أن فاق كل المـوالي    فالشمس بعض الكواكب

فلما سمع الماء والهواء بمعروف ذلك الحبيب السري والإمام الهمام العبقري تعشّقاه على السماع وطلبا المبادرة إلى جنابه ليبلغا منه حظ الاجتماع"[57]   

فالكاتب هنا نراه يعرض مشهدا يشخص فيه الماء والهواء وقد احتدم بينهما الخصام وكان الماء يتميز غيظا (كناية عن شدة غضبه) وصوت الهواء في نظر الماء جعجعة لاطائل وراءها، أو صرير باب، أو طنين ذباب، وهي تشابيه جاءت للتحقير، وهناك مشهد خيالي بين الماء والهواء وهما يدليان بحججهما، ومشهد الماء وهو يعلو بموجه ولولا الأرض تمسكه لسال وقد أقبل في صورة الغاضب المحنق.ومشهدهما مع العالم الممدوح والهواء يعتذر للماء، ومشهد آخر واقعي يمثل مجلس العمادي مع ضيوفه.

وقد زادت الحجج المنطقية التصوير المشوق جمالا، فالماء لذة الدنيا والآخرة، وهو الجوهر الشفاف الذي يشبه السيف المسلول، وهو يحيي الأرض بعد موتها فيخرج منها أقواتها بإذن ربها. أما الممدوح فكان وصفه يشير إلى جلال قدر إمام العصر.

وفي الطباق بين كلمة باطل وحق إيضاح للباطل، وفي كلمة سراب  مع السجعة بين حق وانمحق زيادة في التحقير اشترك في إيضاحها الصورة والصوت، وجاء الاقتباس من القرآن الكريم ليؤكد به المعنى. وكلمة الزخارف المموهة تشير إلى تفاهة ما ادعاه الهواء.  أما الازدواج في عبارات وصف العالِم فقد أضفى على النص جمالا موسيقيا أضيف إلى الجمال التعبيري، وجاء الشعر على عادة العصر في دمجه بالنثر وذلك لتقوية المعنى.

وفي النص عامة جمال تصويري وتعبيري فالنفس عروس إبليس، ومصدر أفعال التدليس والتلبيس، أعدى العدى، وسبب الردى، قال لها الحق أقبلي فأدبرت، وأعرضت عن جانبه واستكبرت، حتى ألقاها في الجوع، وألجأها إلى الذل والخضوع ".

فهنا نرى تصوير النفس بجعلها عروسا لإبليس فهما إذا سواء في خطرهما على قلب ابن آدم، والسجع في إبليس، تلبيس، والعدى والردى، وأدبرت واستكبرت أدى إلى نغمة موسيقية محببة. 

ولجأ الكاتب إلى الأسلوب الإنشائي في "أما رأيت ماحباني الله به من عظيم المنة، حيث جعلني الله نهراً من أنهار الجنة ؟" وذلك ليجذب الانتباه إلى الفكرة  بالاستفهام التقريري.

ومفاخرة الشمس والقمر لبهاء الدين البيطار نرى فيها جمالا تعبيريا وتصويريا أيضا، يقول القمر فيها أيضا: فلا غرو أني القمر المنير ذو الشأن الخطير، بسنائي تطيب القلوب وعلى ضيائي يجتمع المحب والمحبوب، فالأفراح لايتم سرورها إلا بحضرتي، والراح لايكمل حبورها إلا لدى طلعتي، وكم من ذي جفن ساهر وذهن حائر وطرف جائل ودمع سائل وقلب ذائب وكرب دائب يبث لي شكواه وينث لي بلواه كم من كلف يحن إلي لما يرى من شبهي بالحبيب ودنف يئن لدي كأني لدائه الطبيب، فأنا الشقيق لأهل الحسن والجمال، والشفيق على من صبا عشقا ومال، إن أنكر المحبوب وجه الحبيب أجابه سل أخاك فإنه علي رقيب وما أعذب ماقاله ابن سهل الهمام في هذا المقام:

سل في الظلام أخاك البدر عن سهري     تدري النجوم كما تدري الورى خبري[58]

فالكاتب هنا نراه يعتمد على شحنات عاطفية فطلعة القمر مجمع العشاق وبه تتم الأفراح، وكذا الحزين يبثه شكواه، والمريض يئن والدمع يسيل والقلب يذوب من الشوق والحنين.

وقد ساند هذه العواطف الشجية والمفرحة معا موسيقى الازدواج والسجع على نحو قوله " كم من جفن ساهر، وذهن حائر، وطرف جائل، ودمع سائل، وقلب ذائب، وكرب دائب... " وهذا الازدواج والسجع مما تستعذبه الأذن لجرسه العذب ووقعه اللطيف، كما تتملى العين صور الساهر يتقلب وهو يفكر ويذرف دمعه ويحار في أمره... وهذا التعبير والتصوير يكسبان النص حيوية وحركة.

وبهذا الأسلوب الذي أحكمت به العبارة وسلست، وتوفر لها النغم المطرب المنسجم كان التعبير ذا حلاوة وطلاوة وتأثير في النفس

ويقول د. عبد القادر الرباعي: إن أسباب الجمال ترتد إلى عنصرين أساسين هما الصورة والإيقاع، وما نسميه صنعة إنما هو عند القدامى موهبة تنم عن إبداع نبع من البيئة التي يعيشها الأديب ومنها يحصل ثقافته كما يتأثر بوضعه الاجتماعي والحضاري إضافة إلى إلهامه، ومن هنا كان تأثير ذوق العصر عليه وكان إبداعه الفني ضمن مفهوم الجمال في عصره.[59]

ولم يكتف كتاب المفاخرات بإيراد جمال تشخيص الجماد في عالم الحقيقة تارة بل تعدى ذلك إلى عالم الوهم، فالحديث الذي دار بين الهادي وإبليس الضلال نوع من الخيال الوهمي، وكذلك بين العلم والمال في طيف الخيال للشيرازي إذ جعل المواقف تبدو من خلال الحلم، ونراه فيه يسأل الهدى ليدله على الطريق إلى مدينة العلم فيبين أن محله القلب في مدينة الصدر التي هي أوسع مدائن الجسد، ثم يصف حاكم هذه المدينة فإذا هو مسيطر على العالم أجمع، " فأسنانه النجوم، وحاجباه الهلال، وأجفانه السحاب، ووزيره العقل، وقد خلع عليه أحسن الحلل "، وحينما يرى مدينة العلم يجدها " روضة زاهرة يجلس العلم فيها على سرير كأنه نور على نورن حوله حراسه... " وظل ينعم بهذه السعادة حتى جاءه الجهل " وعزم على تسخير ممالك النفس والعقل فجمع الأموال... وقاد الجنود والعساكر... وتسلط الجهل على الحواس الظاهرة ثم أرسل إلى العقل يدعوه إلى الدخول في طاعته وكان رسوله في ذلك المال." وهنا تعقد بينهما مناظرة بل مفاخرة يستوي فيها العقل على سرير العز كالقلب ويجلس العلم إلى يمينه والمال أمامهما، ويشرع المال ينذر ويهدد، فينبري له العلم ويفحمه بمثل قوله: " طاعة العقل للجهل عين العصيان، ولبئس الفسوق بعد الإيمان، وأنت الذي أغريت الجهل على الطغيان والخروج عن طاعة الرحمن بإغواء الشيطان ومساعدة الدهر الخوان، وخالفت قوله تعالى (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان). " ثم يبين أن الناس مالوا على اتباع الجهل طمعا في شهوات الدنيا العاجلة وأن العقل ترك للجهل سرير السلطة الدنيوية الزائلة.[60]

وهذا التصوير الممتزج بمعاني القرآن الكريم في اقتباسات متعددة والذي جاء في صورة منام ليس بجديد على أدبنا العربي فالوهراني كتب منامات كثيرة نقد فيها الأوضاع الاجتماعية في العصر العباسي، فقلده الشيرازي في هذه المفاخرة الوعظية ليبين أهمية العقل وخطر المال والجهل.

2- الأسلوب المتكلف:

اختلف كتاب المفاخرات في مدى تجويدهم لنصوصهم الأدبية فأحسن بعض وأساء آخرون، ذلك لأن الجمال التعبيري يتبع مقدرة الأديب وتمكنه ولذلك فإن أساليب بعضها يغلب عليها التكلف والتعمل ويبدو من خلالها عناية صاحبها بالزركشة اللفظية فغدت وفيها مسحة من الجمال الأدبي لكنها مشوبة بتكلف ممقوت، نلحظ هذا في مفاخرة الشعر والنثر للمرادي، يقول فيها:

فقلت رويدك يامولاي، فإني أملأ لعقد الكرب في المعارضة دلاي، فقال أما تقرأ في كتاب الله المكنون:" والشعراء يتبعهم الغاوون " ؟ فقلت: لعمري إن الله استخزن القرآن فؤادي، وطالما أحرزت قصب السبق في حلبة معانيه جيادي، ولو بلغ السيد في تصفحه الثنيا لصرفه تضلعه إلى الرعيا وعلى مولاي النظر في دلائل الإعجاز لعبد القادر، وفيما سرده من فخامة الشعر من البراهين الزواهر فإنها شمس الحق التي لم تترك للشبه غيهبا والجدد الذي من ظفر به لايعدل به مذهبا... وقد قال الجليس:

  انظـر إلى الشعراء أفنـوا دهرهم    في وصف كل حبيبة وحبيب

     ومضوا ولم يحظوا بوصل منهما    بتـأسـف وتلهـب ونحيـب[61]

في هذا النص نرى الكاتب يتأرجح بين السلاسة في التعبير والتكلف الذي أوصله إلى الضعف.وإذا كانت عناصر الجمال واحدة وهي العاطفة والتصوير والموسيقى فإن الأسلوب  تراوح بين القوة والضعف، ففيه عذوبة في مثل " شمس الحق التي لم تترك للشبه غيهبا " وفيه تكلف كما في " ولو بلغ السيد في تصفحه  الثنيا  لصرفه تضلعه إلى الرعيا "  فكأن الكاتب أراد التوشية بالسجع فجاء بالثانية لكنه أساء إلى التعبير.

إن الأدب تعبير فني عن تجربة شعورية يمتع العقل والروح بتصويره وموسيقاه لابزخارفه المتصنعة، فليس الجمال رنة موسيقية وصورا جديدة لارواء فيها ولا ماء، إنما الجمال في الانسجام التعبيري والتصويري وقد قال ابن حجة الحموي: " ميلوا إلى سهل الكلام فإنه من خاف مال إلى الطريق الوعر".[62]

الخاتمة

بعد هذا التطواف مع فن المفاخرات في العصر العثماني أرى أني توصلت إلى النتائج الآتية:

1- لم يعرف أحد فن المفاخرات لونا جديدا على أدبنا العربي قبل هذه الدراسة لأنها كانت ترد باسم المقامة أحيانا والرسالة أخرى أو باسم المناظرة أو المعارضة  دون أن يميز فيها بين متفاخرين من العقلاء أو من غيرهم حتى في الدراسات الحديثة إذ ألحقت المفاخرات بالمقامات.ولذلك قام هذا البحث بوضع تعريف جامع مانع للمفاخرة لتتميز به عن الفنون الأدبية الأخرى ولا سيما ما تشابه معها.

2- والمفاخرة كما عرفت فنها هي محاورة تجري بين اثنين أو أكثر أحيانا من غير العقلاء يُشَخَص فيها المتحاورون، ويعارض أحدهم الآخر بحججه التي يراها قاطعة ليفحمه، وذلك لتحقيق غاية ارتآها الأديب

3- ولا يدخل في هذا الفن شعر الفخر ولا النقائض ولا المناظرة، ولا ماجاء بين غير العقلاء مما كانت غايته الوصف لا المفاخرة، أو كان بلسان الأديب لا الشخصية الخيالية، أو ما كان في نصين مستقلين.

4- ميز البحث بين منهج كل من المفاخرة والرسالة والمقامة، وكذلك المناظرة وبناءها الفني، كما ميز بينها وبين القصيدة وكشف عن أن المفاخرة النثرية والشعرية  تتمتعان بوحدة عضوية مبنية على وحدة الموضوع.

5- طالت بعض المفاخرات حتى بلغت عشرين صفحة وكثرت جولاتها على مسرح المفاخرة حتى بلغت خمسا، وكان كل طرف يثبت أفضليته ويرد على الآخر ويبطل فضله، وقصر بعضها حتى كان جولة واحدة بين الطرفين المتخاصمين، وجاءت بعض المفاخرات في كتب مستقلة كمفاخرة طيف الخيال للشيرازي، ومفاخرة الهادي والضلال لأمين شميل، وذلك بسبب الاستطرادات أو كثرة الشخصيات المتفاخرة المتنافرة.

6- كشفت المفاخرات عن الأوضاع الدينية والاجتماعية السائدة في ذلك العهد، كما عرفتنا على العلوم العقلية والنقلية في حضارتنا في ذلك العصر من خلال ما ظهر فيها من قضايا دينية وعلمية واجتماعية وغيرها

7- بينت المفاخرات أن العلماء لم يكونوا بمعزل عن الثقافات العقلية والنقلية السائدة في ذلك العصر، فهم يطلعون على معطياته ولذلك فإنهم كانوا مثقفين بالمفهوم العصري لكلمة مثقف.

8- أثبتت الدراسة أن الفنون الأدبية تتطور ولذلك يجب البحث في العصر العثماني وفنونه لمعرفة خباياه الثمينة سواء أكانت في المضمون أم في المنهج والأسلوب. 

9- احتضنت المفاخرات كثيرا من القصائد الأدبية مما لم يعرف في غيرها لأن كتابها لم يخلفوا دواوين، وبذلك أغنت الدراسات الإنسانية بقصائد مدحية ممتزجة بالنثر وبمفاخرات شعرية طريفة.

10- مثلت المفاخرات أسلوب العصر في تأنقه حينا وتصنعه أخرى ويعد الإيقاع والصورة الفنية اللتين توفرتا في نثره خاصة من أسباب الجمال والإبداع الذي نبع من بيئة العصر وثقافته المتأثرتين بالوضع الحضاري في ذلك العهد

11- المفاخرات بما فيها من تشخيص الجماد ومن حوار أدبي طريف  تشحذ خيال القراء، ولو عرفها العرب من قبل لاستطاعوا أن يستنبطوا منها قصصا للأطفال تغذي الخيال بابتكارها الجديد.

12- وأهمية المفاخرات المضمونية والفنية تدعونا إلى عدم التأثر بما قيل عن انحطاط العصر بل تشجعنا على البحث المستمر عنه لكشف خباياه وكنوزه الفنية.

 References:   المراجع:

Abdul Karim, Khalil, al-NaÎÎ al-Mu’assis wa Mujtama‘uhË (Cairo: DÉr MiÎr al-MaÍrËsah, 1st edition, 2002).

AbË DÉwËd, SulaymÉn bin al-Ash‘ath, Sunan AbÊ DÉwËd (Beirut: DÉr al-KitÉb al-Irbid, no date).

Abu Zayd, Nasr Hamid, Naqd al-KhiÏÉb al-DÊnÊ (Cairo: SÊnÉ li al-Nashr, 2nd edition, 1994).

Abu Zayd, Nasr Hamid, Naqd al-KhiÏÉb al-DÊnÊ (Cairo: SÊnÉ li al-Nashr, 2nd edition, 1994).

‘Ódil, ‘Umar bin ‘AlÊ al-DimashqÊ, al-LubÉb fÊ ‘UlËm al-KitÉb, ed. ‘Ódil AÍmad ‘Abd al-MawjËd and ‘AlÊ MuÍammad Mu’awwaÌ (Beirut: DÉr al-Kutub al-‘Ilmiyyah, 1st edition, 1998).

Al-×alabÊ, ‘AlÊ bin BurhÉn al-DÊn, al-SÊrah al-×alabiyyah (Beirut: DÉr al-Ma’rifah, no date).

Al-BukhÉrÊ, MuÍammad bin IsmÉ‘Êl, al-JÉmi‘ al-ØaÍÊÍ (ØaÍÊÍ al- BukhÉrÊ), ed. MusÏafÉ DÊb al-BughÉ (Beirut: DÉr Ibnu KathÊr, 3rd edition, 1987).

Al-HÉ’im, AÍmad bin MuÍammad, al-TibyÉn fÊ TafsÊr GharÊb al-Qur’Én, ed. FatÍi Anwar al-DabËlÊ (Cairo: DÉr al-SaÍÉbah li al-TurÉth, 1992).

Abdulsalam, Ahmad Sheikh, “MunÏalaqÉt IslÉmiyyat al-Ma‘rifah fÊ al-Lughah al-Arabiyyah wa Adabiha”, unpublished paper in seminar - International Conference on IslÉmiyyat al-‘UlËm al-Insanyyah: al-Istiratijiyyat wa al-Turuq, IIUM, 2000.

 

*. د. زينب بيره جكلي سورية الجنسية حاصلة على الماجستير في الأدب العربي الحديث من جامعة القاهرة كلية دار العلوم، وعلى الدكتوراه في أدب الدول المتتابعة ( العهد العثماني) من جامعة بنجاب في لاهور بباكستان، عملت مدرسة جامعية في كلية الدراسات الإسلامية والعربية في دبي وفي جامعة الشارقة منذ 1988-2009 . لها أكثر من خمس وعشرين بحثا ومؤتمرا وندوات وأكثر من عشرة كتب أهمها الشعر العربي في عصر الدول المتتابعة والنثر العربي في عصر الدول المتتابعة وأدب الأطفال في العصر الحديث وفن القصة عند محمد سعيد العريان . البريد الإلكتروني:[email protected]  

[1] محمد بن مكرم المعروف بابن منظور، لسان العرب، 8أجزاء، دار صادر، ط1997م مادة فخر.

[2] حنا غالب، كنز اللغة العربية موسوعة في المترادفات والأضداد والتعابير، (بيروت :نشر مكتبة لبنان ناشرون  ط 2003م)، ص 471

[3] الشيخ محمد بن محمد المبارك المغربي الجزائري (1263-1330) كتب مقامته في 1295 في مديح عبد القادر الجزائري:  عبد الرزاق البيطار،  حلية البشر في أعيان القرن الثالث عشر، تح محمد بهجة البيطار،(بيروت: دار صادر 1993م) ج 3، ص 1354 ، والمفاخرة في ص 1355

[4] بهاء الدين بن البيطار (ولد 1265هـ) وهو من أدباء دمشق في القرن الثالث عشر الهجري: حلية البشر المرجع سابق ج1،ص380، والمفاخرة ص382

[5] محمد إبراهيم حور، آخرون، شرح نقائض جرير والفرزدق، 3 أجزاء، ( الإمارات العربية المتحدة ، طبع المجمع الثقافي في أبو ظبي 1414هـ 1994م)  ص 1-2

[6] صلاح الدين الكوراني شاعر من حلب ت 1049هـ، له مؤلفات وبديعية نبوية: محمد راغب الطباخ، إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء، تح محمد كمال، ( حلب : منشورات دار القلم العربي،  ط2 1988) ، ج6 ص 237

[7] إعلام النبلاء مرجع سابق ج6،ص 247، ويشبهه في ذلك حديث الحسن بن عمر المعروف بابن حبيب الحلبي عن الشمعة والكانون في كتابه نسيم الصبا في فنون الأدب القديم والمقامات الأدبية، تحقيق د. محمود فاخوري، (دمشق:مطبعة الصباح،  وحلب: دار القلم 1413هـ 1993م )ص 67-68، إذ كان الحديث عرضا للصفات لامفاخرة بين المذكورين.

[8] أحمد بن محمد بن عمر الخفاجي (977- 1069هـ)  قاض وشاعر من مصر له مؤلفات، ينظر له في: محمد أمين بن فضل الله المحبي، خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر، (القاهرة :المطبعة الوهبية بمصر 1284هـ 1869م ) ج1/133. وينظر للرسالة السيفية في: ريحانة الألبا وزهرة الحياة الدنيا  للمؤلف المحبي، تحقيق عبد الفتاح محمد الحلو، جزءان،( القاهرة : مطبعة عيسى البابي الحلبي ط 1967م)، ج1 ص 253 ، وللرسالة القلمية في المصدر نفسه في ج 1،ص 261.

[9] عبد الرحمن الكيلاني (1130- 1178هـ) شاعر من حماة له مدائح كثيرة، نزل دمشق وصار نقيب الأشراف فيها: محمد خليل المرادي، سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر،( القاهرة: ط 1306هـ تصوير بغداد 1966م ج  2/294 ، و: محمد مطيع الحافظ ونزار أباظة ، علماء دمشق وأعيانها في القرن الثاني عشر الهجري، ( بيروت : دار الفكر المعاصر، ودمشق :دار الفكر ، ط2000م )ج3 ص103.

[10] محمد خليل المرادي عالم من دمشق له مؤلفات منها سلك الدرر وقد ترجم في مقدمته لنفسه، تنظر ترجمته في: سلك الدرر مرجع سابق ج 2،ص29 

[11] ريحانة الألبا مرجع سابق ج2، ص 341

[12] كان الزبرقان أمير قومه فأوى إليه الشاعر الحطيئة ليكرمه، وذهب الزبرقان إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فاستمال آل شماس الحطيئة في غيبة الزبرقان ودسوا في الوقت نفسه إلى زوج الزبرقان ما أثار غيرتها من ابنة الحطيئة فأساءت معاملته، فتحول إلى آل شماس وهجا الزبرقان: ينظر ذلك في د. شوقي ضيف ، العصر الإسلامي،( القاهرة : دار المعارف بمصر، ط7 ،1994م) ص97.

[13] أحمد بن علي القلقشندي (ت821هـ) ، كاتب مصري له مؤلفات كثيرة في الأدب والتاريخ منها كتاب  صبح الأعشى في صناعة الإنشا :  خير الدين الزركلي ،الأعلام قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين ،(بيروت: دار العلم للملايين ط1998م)، ج1، ص177

[14] ابن غانم المقدسي هو عز الدين بن عبد السلام الأنصاري (ت 678 هـ) واعظ وشاعر وكاتب متصوف:  ينظر:  إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي، البداية والنهاية، ( القاهرة : دار ابن حيان، ط 1996م )، ج  13 ،ص 371

[15] جمال الدين بن نباتة (686-768هـ) شاعر من العصر المملوكي له ديوان ورسائل كثيرة: الأعلام 7/38  

[16] جلال الدين السيوطي (849-911هـ) أديب مؤرخ له حوالي ستمئة كتاب: المرجع السابق ج 3،ص301

[17] إبراهيم بن محمد الشيرازي كاتب من شيراز له تفسير العروة الوثقى: االمرجع السابق1/67

[18] أحمد شهاب الدين البربير (ت1260هـ) قاض وأديب من بيروت له مقامات عديدة: حلية البشرمرجع سابق ، ج1،ص217، ود. محمد مطيع الحافظ، ود. نزار أباظة، علماء دمشق وأعيانها في القرن الثالث عشر الهجري، (بيروت : دار الفكر المعاصر، ودمشق : ودار الفكر، ط 1412هـ 1991م) ج1 ،ص233

[19] أمين بن شميل كاتب مصري (1828هـ -1897م): د. يوسف نور عوض ،فن المقامات بين المشرق والمغرب ، (مكة المكرمة : مكتبة الطالب الجامعي ،ط2،1401هـ،1986م)  391

[20] عبد الغني النابلسي (1050-1143هـ) شاعر  متصوف من دمشق، له مؤلفات كثيرة منها الرحلة الحجازية  وديوان: سلك الدرر ، مرجع سابق ج3، ص30 

[21] ينظر: أحمد بن علي القلقشندي،  صبح الأعشى في صناعة الإنشا، تح محمد حسين شمس الدين وآخرون، دار الفكر للطباعة والنشر، ودار الكتب العلمية، بيروت، ط1997م  ج14 ص263، وكذلك ينظر لابن نباتة والسيوطي : فن المقامات بين المشرق والمغرب، مرجع سابق ، ص 254    

[22] عبد الرزاق البيطار (1253-1335هـ) شاعر ومؤرخ من دمشق له مؤلفات كثيرة منها حلية البشر، ينظر له في: مطيع الحافظ ونزار أباظة،  تاريخ علماء دمشق في القرن الرابع الهجري  (بيروت:  دار الفكر المعاصر ، ودمشق: ودار الفكر 2000م ) ،ج 1 ،ص 341

[23] حلية البشر مرجع سابق ج 1،ص341

[24] المرجع نفسه ج 3،ص 1355

[25] فن المقامات بين المشرق والمغرب مرجع سابق،ص 276

[26] المرجع نفسه ص 364-365

[27] د. محمد حسان الطيان ،المفاخرات والمناظرات،(بيروت: لبنان ،دار البشائر الإسلامية، ط1421هـ، 2000م) ص6 و11 و185

[28] د. قصي عدنان سعيد الحسيني، فن المقامات بالأندلس:نشأته وتطوره وسماته،( عمان، الأردن : دار الفكر ، ط1999م)  ص 137

[29] د. زينب بيره جكلي، النثر العربي في عصر الدول المتتابعة، (عمان، الأردن ، دار الضياء، ط2006م )ص 119-120

[30] النثر العربي في عصر الدول المتتابعة ، مرجع سابق ، ص 81

[31] حلية البشر ، مرجع سابق ج 3، ص 1355

[32] حلية البشر ، مرجع سابق ،ج 1 ،ص 221

[33] تنظر سمات الرسائل الفنية في: النثر العربي في عصر الدول المتتابعة / 119

[34] لسان العرب مرجع سابق ، مادة قوم

[35] حنا غالب، كنز اللغة العربية ، موسوعة في المترادفات والأضداد والتعابير( بيروت : نشر مكتبة لبنان ، ناشرون ،ط2003م)ص401

[36] علي عبد المنعم عبد الحميد، النموذج الإنساني في أدب المقاة، ( القاهرة : مكتبة لبنان ناشرون الشركة المصرية العالمية للنشر لونجمان ط 1994م)،  ص 16 ، والنثر العربي في عصر الدول ، مرجع سابق، ص 119

[37] ألف أحمد بن علي القلقشندي مقامته " الكواكب الدرية  في المناقب البدرية " في 791هـ في الثناء على رئيس ديوان الإنشاء القاضي علاء الدين بن محيي الدين بن فضل الله العمري عرف بها بكتابة الإنشاء، ثم اقترح عليه أن تفصل هذه المقامة في كتاب مستقل فكتب صبح الأعشى في صناعة الإنشا ليشرحها: صبح الأعشى مرجع سابق ج1، ص34

[38] حلية البشر، مرجع سابق ، ج 1، ص382

[39] حلية البشر ج1،ص218، وينظر مثلها في مديح البيطار لأحد علماء دمشق  في مفاخرته بين الشمس والقمر في المرجع نفسه ج 1، ص 391

[40] هواء أصله هوَيَ، وعلى وزن فعال تصير هواي، والياء المتطرفة بعد ألف زائدة تقلب همزة فتصير هواء، بينما قلب حرف العلة الأجوف في موه ألفا لتحركه وانفتاح ماقبله  فصار ماه ثم قلبت الهاء همزة 

[41] نفسه ج 1، ص221

[42] نفسه 1/ 223

[43] ينظر  أسلوب المفاخرة في ص25 من هذا البحث

[44] لسان العرب مرجع سابق ، مادة نظر

[45] أبو البقاء أيوب بن موسى الحسيني، الكليات، معجم في المصطلحات والفروق اللغوية، تح د. عدنان درويش ومحمد المصري، (دمشق ؛ مؤسسة الرسالة ط2 1413هـ 1993م) /849، وأبو هلال العسكري ، معجم الفروق اللغوية  ( قم، إيران:مؤسسة النشر الإسلامي، ط 1412هـ ) ص 488.

[46] عبد الرحمن ياغي، رأي في المقامات، ( عمان الأردن : دار الفكر للنشر والتوزيع ،ط 1985م )ص  42

[47] تنظر مناظرة مفتي القدس محمد التافلاني  (ت1191هـ) مع قس نصراني في سلك الدرر مرجع سابق، ج 4 ص 103-104، وترجمته في ص102

[48] الحسن بن رشيق القيرواني، العمدة في محاسن الشعر ونقده ، تح محمد محيي الدين عبد الحميد، ( بيروت :دار الجيل للنشر،ط5 1401هـ 1981م) ج2 ص117، و: نصر الله بن محمد ضياء الدين بن الأثير، المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر، تح أحمد محمد الحوفي، آخرون ،( القاهرة : دار نهضة مصر، ج2 ص 236

[49] عبد الغني النابلسي (1050-1143هـ)  شاعر متصوف  من دمشق له مؤلفات كثيرة منها الحقيقة والمجاز في الرحلة إلى أرض الحجاز: سلك الدرر، مرجع سابق ، ج3،ص 30، وعلماء دمشق وأعيانها في القرن الثاني عشر الهجري ، مرجع سابق ج 2،ص 77

[50] عبد الغني النابلسي، ديوان الحقائق ومجموع الرقائق، ( دمشق نشر عبد الوكيل الدروبي في دمشق 1953م) ص 29 - 31

[51] ينظر في هذا البحث  بين المفاخرة والرسالة ، مفاخرة المغربي بين الليل والنهار ص 9وهي في حلية البشر ، مرجع سابق ،ج3، ص1355

[52] فن المقامات بين المشرق والمغرب  ، مرجع سابق ، ص 391

[53] نفسه ص 279

[54] المرجع  السابق ، ص 391-395

[55] يرى بعض النقاد أن القصيدة العربية ذات وحدة عضوية إذ يجمع بين موضوعاتها الرابط النفسي الذي يشد أجزاء القصيدة بعضها إلى بعض فتصير كالجسد الواحد وإن اختلفت أعضاؤه، ينظر لذلك: يوسف حسين بكار، بناء القصيدة في النقد العربي القديم في ضوء النقد الحديث، ( بيروت :دار الأندلس، ط2  س1983م)، ص  283  و:  د. شوقي ضيف، في النقد الأدبي، ( القاهرة :دار المعارف  بمصـــر 1962م )ص 160، وعصام كمال السيوفي، الانفعالية والإبلاغية في البيان العربي، ( بيروت :دار الحداثة للنشر والتوزيع،1986م ) ص 178 .  بينما يرى آخرون أن القصيدة العربية مفككة الأوصال لاوحدة بين أجزائها إلا في الوزن والقافية، وهي وحدة مظهر خارجي فحسب، ومن هؤلاء د. محمد مندور ود. عبد المحسن طه بدر، ينظر لذلك بناء القصيدة ، مرجع سابق، ص283، و: في النقد الأدبي ، مرجع سابق ، ص 156

[56] سكنت مع للضرورة الشعرية

[57] حلية البشر، مرجع سابق ج  1 ، ص 218

[58] المرجع نفسه 1/ 386

[59] ينظر: عبد القادر الرباعي، الصورة الفنية في شعر أبي تمام، ( إربد: طبع على نفقة  جامعة اليرموك 1980)، ص18

[60] فن المقامات بين المشرق والمغرب، مرجع سابق 275-279

[61] سلك الدرر، مرجع سابق ج 4،ص 297

[62] النثر العربي في عصر الدول المتتابعة ، ص 2

وسوم: العدد 656