سلمان النّاطور مترجما
تنوّعت إبداعات الكاتب الرّاحل سلمان الناطور، فقد كان مفكّرا وأديبا ومؤرّخا وكاتبا مسرحيّا، وقام أيضا بترجمة العديد من الكتب، لكتّاب يهود، من اللغة العبريّة إلى العربيّة، منها كتب أدبيّة وكتب في التّاريخ والسّياسة. فهل كان النّاطور مطبّعا ومعزّزا لثقافة الآخر عندما ترجم كتبهم وقدّمها للقارئ العربيّ؟ وهل رأى النّاطور أنّ المكتبة العربيّة فقيرة إلى تلك الكتب، أو أنّ العبرية قد تفوق العربيّة مثلما تفوّق اليهود الذين يتّخذونها لغة رسميّة على العرب في حروبهم واستباحوا أرضهم؟ أم أنّ النّاطور كان يبحث عن المعرفة في مكامنها، ويستغلّ معرفته للغة الأعداء ليعرّف القارئ العربيّ عليهم وعلى نمط تفكيرهم، وربّما على سبب تفوّقهم العسكريّ والسّياسيّ على الأمّة العربيّة.
إنّ المتتبّع للكتب العبريّة التي ترجمها المرحوم سلمان الناطور، يرى أنّه كان ينتقى الكتب التي يترجمها بعناية، ويختار الكتّاب الذين يترجم لهم بعناية أيضا، فهو لم يترجم إلّا النّصوص التي كان يرى أنّ القارئ العربيّ لا بدّ له من معرفتها حتّى يستطيع فهم الآخر، والتي تهمّ الباحث العربيّ إذا أراد أن يدرس تاريخ الكيان الصهيونيّ بموضوعيّة ويفهم أسباب تفوقه ومكمن القوة فيه وعوامل ضعفه؛ فلا يمكن هزيمة هذا العدو إذا لم نفهم طريقة تفكيره وثقافته ونظرته إلى الأمور. وعلى لسان سلمان النّاطور يقول: "الترجمة هي المصدر الأهم لفهم الآخر، ولا يهم إن كان صديقا أو عدوا. عبر ترجمة النصوص الأدبية يمكن فهم الآخر بصورة أصدق، فتعرف ضعفه وقوته وكل العناصر التي تركّب شخصيته وبالتالي يمكن بناء عليه أن تجيد التعايش معه أو محاربته. أنت لا تترجم الآخر من أجله بل من أجلك أولا وآخرا."
لكنّ الرّاحل سلمان النّاطور لم يترجم إلا للكتّاب اليهود المناهضين للاحتلال والذين يعترفون بحقّ العودة للشّعب الفلسطينيّ، فقد كان ينتقى النّصوص التي يترجمها بعناية مع أنّ الترجمة كانت بالنسبة له مصدرا للرزق؛ فهو لم يترجم النّصوص الشّائنة التي لم يحبّها أو لم يحترم وجهة النّظر فيها على أقل تقدير، لأنّ قراءتها وترجمتها كانت ثقيلة جدّا على نفسه لا يستطيع أن يحتملها، فتتحوّل إلى معاناة شخصيّة بالنّسبة له. يقول سليمان النّاطور: "الترجمة بالنسبة لي هي عمل معيشيّ أي أنّني أترجم مرغما، لكن بحبّ واحترامٍ للنصّ ولا أترجم نصّا لا أحترمه أو أحبه ولذلك فإنني انتقائيّ جدّا في الترجمة كي لا تتحول إلى معاناة."
لذلك فإنّنا نجد النّاطور يجنح إلى ترجمة الأدب لكتّاب يهود نأوا بأنفسهم عن العنّصرية ومساندة الاحتلال، فكاتب معروف بمواقفه الوطنيّة وحسّه المرهف، مثل سلمان النّاطور، لا يستطيع أن يقرأ أو يترجم لكاتب صهيونيّ يتبجّح بعنصريّته ويزوّر التّاريخ بعنجهيّة.
فترجمة سلمان النّاطور كتبا لكتّاب يهود لا تدينه أبدا كفلسطينيّ وإنما هي تفضح تاريخا يقوم على التّزييف وإنكار الآخر لدى اليهود الصّهاينة، وتعطي صورة أوضح لما حدث في فلسطين ولمعاناة الشعب الفلسطينيّ في ظلّ الاحتلال والتّهجير.
وسوم: العدد 657