لماذا أحب العربية؟
أكد المشاركون في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الذي نظمته كلية اللغة العربية بالتعاون مع رابطة الجامعات الإسلامية يوم الثلاثاء 23 فبراير بمقر الكلية بمدينة الزقازيق تحت عنوان "لماذا أحب العربية؟"، بمناسبة الاحتفال العالمي باللغة الأم الذي قررته الأمم المتحدة ليكون في الواحد والعشرين من شهر فبراير كل عام، وقوف المخلصون من أبناء اللسان العربي المبين بالدحض والتفنيد لكل الدعاوى الهدامة التي تنعق بها الغربان البائسة فتنادي حيناً بالعامية وحيناً بإسقاط النحو.
وأشاروا إلى أن لغة الإنسان هي ذاته وفكره وهويته، بل هي شرفه وعرضه، فالمرء مخبوء وراء لسانه، ولا عجب أن يقول سقراط لرجل يديم الصمت: "تكلم حتى أراك".
ولفتوا إلى أن الاحتفال بلغة القرآن وتبيين مكانتها في العالم تأثراً وتأثيراً والتعرف على تجارب الأمم في الدفاع عن لغاتها واجبات يفرضها الواقع المعاصر.
ذلك أن الله عز وجل قد احتفى بالعربية وكرمها وأعلى شأنها حينما أنزل القرآن الكريم بها (بلسان عربي مبين) وجعل إعجازه في تلك اللغة.
وقال الدكتور إبراهيم صلاح الهدهد رئيس جامعة الأزهر إن من المعالم التي تحبب العربي في لغته الأم؛ أصوات العربية، فلغة العرب أكثر لغات العالم من حيث عدد الأصوات، فبها 34 صوتاً".
وأشار إلى أن اللغات في الأصل أصوات وحكاية، وينتج عن كثرة أصوات اللغة العربية غزارة ما تمتلكه من ثروة لغوية يبدع بها العرب إبداعاتهم المختلفة شعراً ونثراً ورواية وقصة، وتلي العربية في غزارة الأصوات اللغة الفارسية الحديثة 32 صوتاً واللغة الإنجليزية 26 صوتاً.
المعلم الثاني: أن أصوات العربية أوسع أصوات اللغات العالمية من حيث المخرج الصوتي، إذ تبدأ من الحلق حتى الشفتين، بينما الفرنسية أغلب أصواتها تخرج من الشفتين، ومعنى هذا أن العربي الذي نشأ على العربية يستطيع تعلم أي لغة في العالم ولا يحدث العكس لأن جهازه التشريحي الصوتي تدرب منذ صغره على أن ينطق ويتحرك فيجيد اللغات الأجنبية ويتحدث بها كأهلها.
المعلم الثالث: أن لغة العرب هي أوجز لغات العالم، ولو أن كتاباً بالعربية يتكون من 100 صفحة وترجم إلى الإنجليزية فسيزداد 30 صفحة وفي هذا زيادة في وقت القارىء، وزيادة في الطباعة والورق والحبر والسعر.
المعلم الرابع: اللغة العربية تتساوى في الملفوظ والمكتوب وفي اللغات الأخرى تجد العكس، أي أن المكتوب أكثر من الملفوظ.
المعلم الخامس: اللغة العربية لغة عائلات لغوية وليست لغة كلمات، فمثلاً فعل كتب المتكون من الحروف الثلاثة (الكاف والتاء والباء) التي نعتبرها هنا أصل العائلة التي تتحرك مع اللفظة في كل الاشتقاقات، فنقول: كتب ـ يكتب ـ كتابة ـ كاتب ـ مكتوب ـ مكتبة.
وإذا أردت أن تعرف الفرق فخذ هذه الكلمات وابحث عن مقابلها في اللغة الإنجليزية فستجد أرحام مقطعة تماماً لا يعرف بعضهم بعضاً، وألفاظ مختلفة لا يجمع بينها رابط.
المعلم السادس: أن علم اللغة الكوني، الذي ظهر في أوروبا وهو علم تشريح اللغات الموازي لعلم التشريح في الطب، يقرر بقاء 600 لغة بعد فناء 400 لغة على مستوى العالم.
ويبحث علم اللغة الكوني لماذا ماتت هذه اللغات وما الذي سيموت من لغات العالم، وعندما نظروا الأسباب التي كان بها موت هذه اللغات وبحثوا في العربية فلم يجدوا سبباً واحداً متوفراً فقالوا إن لغة العرب هي آخر لغات العالم موتاً.
وأعطى العالم اللغوي د. إبراهيم صلاح الهدهد رئيس جامعة الأزهر مثالاً واحداً للموت اللغوي فقال: اللغة العربية تخلو من الأصوات الناسفة والصوت الناسف إذا وجد في لفظة يبتلع الحرف الذي يليه فلا يظهر في الكلام، مثل حرف o في اللغة الإنجليزية.
لكن حروف العربية كل حرف فيها يتنفس الحياة بسبب القرآن الكريم الذي أمرنا بتلاوته آناء الليل وأطراف النهار.
ولذلك يتوقع علماء علم اللغة الكوني موات اللغة الإنجليزية ويكتبون حالياً الأبحاث المهمة باللغة العربية ليقينهم أن لغة العرب خالية تماماً من أي صوت ناسف.
وسرد رئيس جامعة الأزهر بعض تجارب الأمم في حماية لغتها، مبتدئاً بتجربة اليهود، مشيراً إلى اليعيزر بن يهودا الذي هاجر إلى فلسطين عام 1881م ووضع هدفاً واحداً محدد الوسائل التي تجعل اللغة العبرية التي لا تنطق إلا في دور العبادة لغة أمة اليهود بعد موات استمر قرون وقرون.
هو يعد من أبرز العاملين من أجل ترويج التكلم باللغة العبرية لدى اليهود، ومن أبرز منشئي المسار الذي أدى إلى تطور اللغة العبرية العصرية.
فأقام صالوناً أسبوعياً يجتمع فيه اليهود ويتعاهدون فيما بينهم ألا يكون حديثهم إلا بالعبرية ثم انطلق وجمع مفردات العبرية وظل يعمل في خطته أربعين عاماً حتى أنتج قاموس العبرية في 9 مجلدات.
وربي مدرسة استمرت بعد موته فوصلت بالقاموس إلى 16 مجلداً ثم وصل الحال الآن إلى أن كل العلوم التطبيقية تدرس الآن في الأرض المحتلة باللغة العبرية.
وهذه دولة فرنسا تصدر عام 1994م قانوناً يعمل جاهداً ضد التلوث اللغوي الفرنسي، وفي بريطانيا توضع القوانين التي تحمي اللغة الإنجليزية من تغول الإنجليزية الأمريكية.
وفي السويد يتعاملون مع التلوث اللغوي تعاملهم مع التلوث البيئي، وشعارهم في ذلك "إذا لم أتحدث بلغتي فكيف أحمي وطني؟".
ذلك أن شخصية كل دولة تتكون من مكونات ثلاثة هي اللغة والدين والتاريخ، ولغتنا العربية هي لغة الدين والدنيا، وهي تكون ثلثي هوية الأمة، ويقيننا أن الإسلام رسالة عالمية ولذا فهذا أدعى لأن تكون العربية لغة عالمية.
وقال الدكتور جعفر عبد السلام الأمين العام لرابطة الجامعات الإسلامية إن نزول القرآن باللغة العربية هو مدح للغة وليس للقرآن لأن القرآن لا يمدح بأكثر من أنه كلام الله.
وأشار إلى أن العربية هي باعثة الحضارة الإسلامية وأن الاعتزاز بها اعتزاز بالأنفس لأنها حين تذل يُذل أهلها وحين تعز يعز أهلها.
وكل دولة تزهو بلغتها وتتيه بها على غيرها من الأمم، والحفاظ على اللغة العربية حفاظ على القومية العربية.
وقد أرسى الدكتور إبراهيم الهدهد رئيس جامعة الأزهر تقليداً طيباً بالاحتفال باللغة الأم في جامعة الأزهر نظراً وبحثاً وثناءً وتطويرا.
ذلك أن اللغة سمة للحضارة وللعلوم وكلية اللغة العربية فرع جامعة الأزهر بالزقازيق سباقة في هذه الزاوية فعقدت أكثر من احتفال وأكثر من مؤتمر دولي ولعلنا في رابطة الجامعات الإسلامية وقد اخترنا د. صابر عبد الدايم يونس مقرراً للغة العربية وراعياً لها من بين كل هذه الجامعات الأعضاء في الرابطة الذين يصلون إلى مئتي جامعة أقول إنه بالفعل تقدم باللغة العربية في جامعتنا العريقة
وهو أعطانا درساً في الهوية عندما اختار عنوان ندوة اليوم: لماذا نحب اللغة العربية؟
وهذا التساؤل ستتخذه الرابطة هذا العام شعاراً لها، وحب العربية والاقتناع بحب العربية مسألة نحتاج إليها بشدة، وهو ما ستتضمنه بإذن الله خطط الجامعات الأعضاء في الرابطة.
وقال الدكتور صابر عبد الدايم يونس مقرر اللغة العربية برابطة الجامعات الإسلامية إن كلية اللغة العربية وكليات فرع جامعة الأزهر بالزقازيق وتفهنا الأشراف يشرفها اليوم أن تستقبل ضيوف محافظة الشرقية للاحتفال بلغة القرآن فترحب بكل من، أستاذ القانون الدولي، الأمين العام لرابطة الجامعات الإسلامية د. جعفر عبد السلام، والعالم الأديب البلاغي الكبير د. إبراهيم الهدهد رئيس جامعة الأزهر، ود. رأفت الشيخ أستاذ التاريخ بجامعة الزقازيق، ود. أحمد سعيد شلبي مستشار وزير التربية والتعليم، ود. حامد أبو أحمد الأديب والناقد، ود. حسن أبو أحمد الكبير، ود. محمد عبد الحليم غنيم، ود. عبد المقصود باشا، ود. مجاهد الجندي، ود. عبد الغفار هلال، ود. محمد العدوي، ود. سعيد عرّام، ود. أحمد سالم. وأشار د. صابر عبد الدايم إلى أن احتفالية اليوم تضيف إلى رصيد كلية اللغة العربية بالزقازيق في الدفاع عن العربية، إذ أقامت ونظمت حتى يومنا هذا 4 مؤتمرات دولية وأكثر من 40 ندوة تناولت اللغة العربية تطويراً وإبداعاً وتأصيلاً.
وقدم د. صابر الشكر لرئيس جامعة الأزهر الذي أبدى موافقته في الحال على إسناد تطوير قاعة الشيخ محي الدين عبد الحليم إلى أقرب عملية بفرع الجامعة وجه بحري.
وقال إن اللغة العربية تستعصي على الزوال ومرد ذلك إلى بقاء النص القرآني المعجز.
ويكفي إشادة سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم بها والتأكيد على عالميتها فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه: "أيها الناس ألا إن الرب رب واحد والأب أب واحد والدين دين واحد وإن العربية ليست لأحدكم بأب ولا أم وإنما هي لسان فمن تكلم العربية فهو عربي".
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "تعلموا العربية فإنها من دينكم".
ولقد رصد العلماء في اللغة الإنجليزية قرابة 10 آلاف كلمة مأخوذة من العربية،
وفي اللغة الكوسوفية 3000 كلمة، وهكذا في عدد كبير من لغات الشعوب المعاصرة.
والآن ترصد الإدارة الأمريكية 14 مليون دولار من أجل تدريس اللغة العربية وتعلمها، كما أن برنامج الأمن القومي الأمريكي يحتاج إلى 40 ألف شخص يجيدون العربية نطقاً وكتابة، في مهمة يطلقون عليها اسم (المهمة الحرجة في فهم اللغة العربية).
ومؤتمرنا اليوم يبحث في تجديد شباب هذه اللغة حتى لا تظل سجينة في قاعات الدرس التعليمي والأكاديمي، وحتى تستعيد مكانتها فتصبح هي لغة الحياة والسياسة والاقتصاد والقانون والأدب وبقية العلوم الإنسانية والتطبيقية.
وقال الدكتور أحمد السعيد شلبي مستشار مادة اللغة العربية بوزارة التربية والتعليم إن حماية اللغة والحفاظ عليها واجب قومي بل ديني، فعلى الأمة أن تحافظ على لغتها كما تحافظ على أرضها وحدودها، وإذا كان حب الوطن من الإيمان، فالحفاظ على لغة هذا الوطن دليل هذا الحب.
وأشار د. شلبي إلى أن شرف اللغة ليس لذاتها كأصوات، وإنما لأنها كانت وعاء للقرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل بين يديه ولا من خلفه، فزادها جمالاً وإعجازا.
وأوضح أن وزارة التربية والتعليم تُولي اللغة العربية اهتماماً كبيراً في مناهجها؛ فهي الآن تتضمن نصوصاً نثرية وأخرى شعرية تنمي في أبنائنا الولاء والحب والتقدير للغتهم.
واجتزأ د. أحمد السعيد شلبي مستشار اللغة العربية بوزارة التربية والتعليم بعض مقتبسات مما ورد في المنهج، كقول مصطفى صادق الرافعي:
"إن علينا ـ أبناء اللغة العربية ـ توخي الحذر من محاولات إضعاف لغتنا العربية. فما ذلت لغة شعب إلا ذل، ولا انحطت إلا كان أمره في ذهاب وإدبار، ومن هنا يفرض الأجنبي لغته فرضاً على الأمة المستعمرة، ويشعرهم عظمته فيها؛ فيحكم عليهم أحكاماً ثلاثة في عمل واحد: أما الأول فحبس لغتهم في لغته سجناً مؤبدا، وأما الثاني فالحكم على ماضيهم بالقتل محواً ونسيانا، وأما الثالث فتقييد مستقبلهم في الأغلال التي يصنعها فأمرهم من بعدها لأمرها تبع".
وقال إنه تم تطوير مناهج المرحلة الأولى من التعليم الابتدائي فاحتوت على مهارات الاستماع والتحدث والقراءة والكتابة، كما تم وضع أناشيد في دليل المعلم يستمع إليها الأبناء من المعلمين تستهدف فيهم مهارة القراءة الجهرية لأن اللغة بنت المحاكاة.
وشمل التطوير حذف الحشو والتكرار في جميع المراحل وإفساح المجال للتدريبات اللغوية والأنشطة والمهارات.
وكذلك المشاركة في مسابقة "تحدي القراءة العربي" التي أطلقتها دولة الإمارات لتشجيع القراءة لدى الطلاب في العالم العربي عبر التزام أكثر من مليون طالب بالمشاركة بقراءة خمسين مليون كتاب خلال العام الدراسي الحالي.
كما يتم إجراء مسابقات في كتابة القصة والمقال والشعر، وإقامة مسابقة سنوية على مستوى الجمهورية والوطن العربي تحت عنوان "التحدث بالعربية الفصحى والخطابة والإلقاء الشعري وتعميق دراسة النحو" ويتم تكريم الفائزين على مستوى مصر والوطن العربي بجامعة الدول العربية في احتفالية تحت رعاية أمينها العام ووزير التربية والتعليم.
ونحن الآن نعمل جاهدين على تجديد وتجويد تعليم اللغة العربية في المناهج وطرق التدريس، وكذلك تدريب المعلمين وتأهيلهم لغوياً.
وتناول د. محمد الغرباوي دفاع الشعراء عن اللغة العربية، ومنهم مصطفى صادق الرافعي الذي أنشأ قصيدته في الدفاع عن العربية بعنوان "اللغة العربية والشرق"، وفيها يقول:
أمٌّ يكيد لها من نسلها العقب / ولا نقيصةُ إلا ما جنى النسبُ/ كانت لهم سبباً في كل مكرمة / وهم لنكبتها من دهرها سبب/ لاعيب في العرب العرباء إن نطقوا / بين الأعاجم إلا أنهم عرب/ والطير تصدح شتى كالأنام وما / عند الغراب يزكى البلبل الطرب/ أتى عليها طوال الدهر ناصعة / كطلعة الشمس لم تعلق بها الريب/ ثم استفاضت دياج في جوانبها / كالبدر قد طمست من نوره السحب/ ثم استضاءت فقالوا الفجر يعقبه / صبح فكان ولكن فجرها كذب/ ثم اختفت وعليها الشمس شاهدة / كأنها جمرة في الجو تلتهب/ سلوا الكواكب كم جيل تداولها / ولم تزل نيّراتٍ هذه الشهب/ وسائلوا الناس كم في الأرض من لغة / قديمة جددت من زهوها الحقب/ ونحن في عجب يلهو الزمان بنا / لم نعتبر ولبئس الشيمة العجب/ إن الأمور لمن قد بات يطلبها / فكيف تبقى إذا طلابها ذهبوا/ كان الزمان لها واللسنُ جامعة / فقد غدونا له والأمر ينقلب/ وكان من قبلنا يرجوننا خلفاً / فاليوم لو نظروا من بعدهم ندبوا/ أنترك الغرب يلهينا بزخرفه / ومشرق الشمس يبكينا وينتحب/ وعندنا نهر عذب لشاربه / فكيف نتركه في البحر ينسرب/ وأيما لغة تنسي امرأً لغةً / فإنها نكبةٌ من فيهِ تنسكب/ لكم بكى القول في ظل القصور على/ أيامِ كانت خيام البيد والطنب/ والشمس تلفحه والريح تنفحه / والظل يعوذه الماء والعشب/ أرى نفوس الورى شتى وقيمتها / عندي تأثّرها لا العزّ والطلب/ ألم تر الحطب استعلى فصار لظىً / لمّا تأثر من مس اللظى الحطب/ فهل نضيع ما أبقى الزمان لنا / وننفض الكف لا مجدٌ ولا حسب/ إنا إذاً سبّة في الشرق فاضحةٌ / والشرق وإن كنا به خرب/ هيهات ينفعنا هذا الصياح فما / يجدي الجبان إذا روّعته الصخَب/ ومن يكن عاجزاً عن دفع نائبة / فقصر ذلك أن تلقاه يحتسب/ إذا اللغات ازدهت فقد ضمنت / للعرب أي فخارٍ بينها الكتب/ وفي المعادنِ ما تمضي برونقه / يد الصدا غير أن لا يصدأ الذهب/
وأما شاعر النيل حافظ إبراهيم فقد أنشأ في عام 1903 قصيدة بعنوان "اللغة العربية تنعي حظها بين أهلها"، وفيها يقول:
رَجَعْتُ لنَفْسِي فاتَّهَمْتُ حَصاتِي/ ونادَيْتُ قَوْمِي فاحْتَسَبْتُ حَياتِي/ رَمَوْني بعُقْمٍ في الشَّبابِ وليْتَني / عَقِمْتُ فلَم أَجْزَعْ لقَوْلِ عُداتِي/ وَلَدْتُ ولمَّا لمَ أَجِدْ لعَرائِسِي / رِجالاً وأَكْفاءً وَأَدْتُ بَناتِي/ وسِعْتُ كِتابَ اللهِ لَفْظًا وغايًة/ وما ضِقْتُ عن آيٍ به وعِظاتِ/ فكيف أَضِيقُ اليومَ عن وَصْفِ آلَةٍ / وتَنْسِيقِ أسماءٍ لمُخْترَعاتِ/ أنا البَحْرُ في أَحْشائِه الدُّرُّ كامِنٌ/ فهل سَأَلوا الغَوَّاصَ عن صَدَفاتِي/ فيا وَيْحَكُمْ أَبْلَى وتَبْلَى مَحاسِني / ومنكم وإنْ عَزَّ الدّواءُ أساتِي/ فلا تَكِلُوني للزّمانِ فإنّني / أَخافُ عليكمْ أن تَحِينَ وَفَاتِي/ أَرَى لرِجالِ الغَرْبِ عِزًّا ومَنْعَةً / وكم عَزَّ أَقوامٌ بعِزِّ لُغاتِ/ أَتَوْا أَهْلَهُمْ بالمُعْجِزاتِ تَفَنُّنًا/ فيا لَيْتَكُمْ تأتونَ بالكَلِمَاتِ/ أَيُطْرِبُكُمْ مِنْ جانِبِ الغَرْبِ ناعِبٌ/ يُنادِي بِوَأدِي في رَبِيعِ حَياتِي/ ولول تَزْجُرونَ الطَّيْرَ يوما عَلِمْتُمُ/ بما تَحْتَه مِنْ عَثْرَةٍ وشَتاتِ/ سَقَى اللهُ في بَطْنِ الجَزِيرةِ أَعْظُمًا/ يَعِزُّ عليها أنْ تَلِينَ قَناتِي/ حَفِظْنَ وِدادِي في البِلى وحَفِظْتُه/ لهنّ بقَلْبٍ دائمٍ الحَسَراتِ/ وفَاخَرْتُ أَهلَ الغَرْبِ والشرقُ مُطْرِقٌ / حَياءً بتلكَ الأَعْظُمِ النَّخِراتِ/ أَرَى كلَّ يومٍ بالجَرائِدِ مَزْلَقًا / مِنَ القَبْر يُدْنِيني بغَيْرِ أَناةِ/ وأَسْمَعُ للكُتّابِ في مِصْرَ ضَجًّة/ فأَعْلَمُ أنّ الصّائحِين نُعاتِي/ أَيَهْجُرُني قَوْمِي – عفا اللهُ عَنْهُمُ - / إلى لُغَةٍ لَمْ تَتّصِلْ برُواةِ سَرَتْ لُوثَةُ الافْرَنْجِ فيها كما سَرَى / لُعابُ الأَفاعِي في مَسِيلِ فُراتِ/ فجاءَتْ كثَوْبٍ ضَمَّ سَبْعِين رُقْعَةً / مُشَكَّلَةَ الأَلْوانِ مُخْتَلِفاتِ/ إلى مَعْشَرِ الكُتّابِ والجَمْعُ حافِلٌ / بَسَطْتُ رَجائِي بَعْدَ بَسْطِ شَكاتِي/ فإمّا حَياةٌ تَبْعَثُ المَيْتَ في البِلى/ وتُنْبِتُ في تِلْكَ الرَّمُوسِ رُفاتِي وإمّا مَماتٌ لا قِيامةَ بَعْدَهُ / مَماتٌ لَعَمْرِي لَمْ يُقَسْ بمَماتِ/ ومن ناحيته أنشد الدكتور محمد الغرباوي قصيدة بعنوان (لغة القرآن)، وفيها:
لغة القران لأنت أم لغات/ منك العلوم تفجرت بفرات/ واستحفظ الرحمن عندك نوره/ شهدت بذلك باهر الآيات/ وقف البليغ أمام بابك عاجزا/ متحيرا،متعثر الخطوات/ فتقت من الألفاظ ما بهر العدى/ فحروفها كحروفهم شتان بين الآتي/ بلسانهم يحكي حروف لغاتهم/ عجزوا عن الإتيان في كلمات/ يا أيها المغرور حسبك إنها/ لغة القرآن يحوطها بثبات/.
وسوم: العدد 657