قراءة في يوميات كاتب يُدعى x
في لحظاتٍ معتمة من الحياة، نتوقّع منهنَّ أن يَسْنِدنَ أجسادنا حين يعتريك الإنتهاك، وأن يَصُدَّنَّ الحزن والوحشة عندما يتسلّل إلى أرواحنا كضربات ألم مفصليّة، تجعلنا في حاجة قصوى إلى كتفٍ نميل عليه، محاولين التّخفيف من وعثاء لحظةٍ مُثَخّنة بصنوف الجراح. الشّاعر الفلسطينيّ "فراس حجّ محمد" كالبحر والهواء يمرح في الدنيا بلا قيود تحكمه، ومفاتيح قلبه بيده، يُعطيها لمن يشاء ويستردّها بإرادته، واثقٌ بما يحمل في جعبته،. قلمه الرّصاص المدبّب فجّر قريحة الكتابة لديه، وكل ما يجول في ذهنه يخطّه على صفحاته. صنع لذاته هويّة ثقافيّة باتت جزءا من شخصيّته، فهي تراكمات معرفيّة وتجارب ذاتيّة خاضها برغبةٍ في حياته. مُؤلّفه "يوميات كاتب يُدعى x" الصادر عن دار الرّقميّة لعام 2016 والذي يقع في 134 صفحة من الحجم المتوسّط، عبارة عن نصوص متنوّعة في صورة أدبيّة متجدّدة، تواكب الفكر العصريّ، وتُحدث إنفتاحًا في الرغبة للقراءة. نجد أنَّ شاعرنا تفاعل بشكلٍ ناجحٍ مع المناخ الحضاريّ العالميّ، ونهج أسلوبًا يُمتّع به القرّاء من كافّة الشّرائح المجتمعيّة. كان ذلك من خلال ثلاثة أجزاء رئيسيّة صنّفت كتابه؛ منها يوميّات الكاتب x، ورسائل ونصوص إجتماعيّة. يوحي إلينا هنا أنَّ هذا العنصر المجهول x إنما هو كاتب نكرة يُعبّر عن كل شخص يتبنّى فِكرا أو معتقدا أو حلما، وقد تكون قصص وتجارب فيها من العبر ما يستطيع أن يدوّنها بحريّة ويفيد بها غيره. تحدّث عن آليّة يمكن أن يوظّفها المرء في التّفاعل مع حالة اللامعنى السّائدة في حياتنا، وإمكانيّة تطويع أكثر المفاهيم الفلسفيّة تعقيدًا في هيئة عبارات سهلة الوقع وبسيطة التركيب، ومغلّفة بإطار جميل فيه من المعرفة التي لا تخفى على أحد. يرى أنَّ الكتابة لحظة من نور، يصطاد فيها الكاتب فكرته، فيضعها على جمر الوعي كي تستقيم وليمة يرسلها على موائد الورق، ليختلف عليها ضيوف الإبداع، ويتذوّق وينتشي منها جليسها.
إستحوذت المرأة على حيّز كبير في كتابه، حيث يُقدّمها للعالم بصورتها الجميلة وعشقه المتميّز لها، رغم ما يعتريها من إضطهاد ونظرة التخلّف. يُقدّمها بحروفٍ أقرب للمصابيح التي تبحث في لحظات الظّلام الدّامس عن مفاتن جسد فيه حياة ومتعة أبديّة. اعتبرها عنصرًا مهمًا وفعّالاً في حياة الرجل على جميع الأصعدة، وأنَّ غيابها يؤثّر في إستكمال المعادلة الحياتيّة التي يؤمن بها. نراه في بعض النّصوص يستجديها ويتوسّل إليها مشاركته وعدم تجاهله، ويمكن إيعاز هذا السّلوك إلى الإحترام العظيم لشأنها وأنوثتها، أو فراغ عاطفيّ عانى منه الكاتب. كما أنّه تورّط حين استخدم مصطلحات مثيرة وجريئة، أحيانًا بشكلٍ واضحٍ ومباشر، وحينًا بشكلٍ ضمنيّ مما يخدش الحياء عند البعض. وإنطلاقًا من البيئة المحافظة على الدّين والعادات والتّقاليد، حضر النّص القرآنيّ في كتابه، بحيث خدم النّصوص والفكرة وأعطى العمل الأدبيّ سمة جماليّة وفنيّة. كما إمتاز الشّاعر بالحياديّة عن طريق الكاتب النّكرة، الذي فتح التساؤلات العميقة دون إجابات، وقد ظهرت لديه السّخرية في نصوصه، ولم يستثنِ أيضًا الأمثال الشّعبيّة. كانت كلماته ذات المعاني البسيطة ، وعَلَت على بعض النّصوص اللغة المحكيّة وذلك لضرورة الموقف ولإيصال المعلومة. ظهرت كذلك الصّراحة والخصوصيّة حين تحدّث عن أمّه المناضلة والمنتصرة على الفقر، والمحارِبة للقلم والكتاب وأدوات المعرفة.
قال الشّاعر:"أُحبُّ أن أقرأ ذاتي في كلِّ كتاب شِعر ورواية" .. ونحن نُحبُّ مَن يقرأ إحساسنا ونفسيّاتنا ويدوّنها بأجمل الصّور البلاغيّة، فيُدخل السّعادة إلى قلوبنا. لقد كتب الشّاعر "فراس حجّ محمد" من أجل الصّراخ، كما تعوّدتْ حياتنا أن تكون، وليس من أجل الشّهرة، فكان الكاتب النّكرة x، فلا خُلِق هو من نور ولا عاش في قصور، إنّها فرص سعيدة حطّت أمامه على طبقٍ من بلّور، فاستخدمها بما يُرضي النّفس والضّمير، وبالإيمان القوي أنار درب الأصدقاء والقرّاء من الجمهور. وإن ركبتَ مركب الكبرياء ومشيتَ على أمواج الكرامة والنّبلاء، حتمًا ستصل يا كاتبنا إلى قمة العظماء.
وسوم: العدد 658