وبليَ جمالُ شِيرين
في التاريخ رجالٌ ونساءٌ آتاهم اللهُ جمالًا ساحرًا ومنظرًا آسرًا، ومن هؤلاء "شِيرين" زوجة كسرى أبرويز...
وقد ورد اسمُها في مواعظ الإمام ابن الجوزي (ت: 597هـ)، وهو يُذكِّرُ بفناء الدنيا وما فيها، وبقاءِ الذكر الحسن والعمل الصالح...
قال في كتابه "اللطف"[1]:
(يا نفسُ:
ذهبَ عرشُ "بلقيس".
وبليَ جمالُ "شِيرين".
وتمزَّقَ فرشُ "بوران".
وبقيَ نسكُ "رابعة").
• • •
وهنا قال مُحقِّقُ الكتاب: (شيرين: لم أستطعْ تحديدها)!
• • •
أقول: يَذكرُ ابنُ الجوزي أربع نساء، منهن واحدة من قبل الإسلام، وأخرى في صدره، واثنتان من بعده، وشيرين من شهريات النساء في التاريخ، ولها في كتب الأدب والتاريخ والبُلدان ذكرٌ كثيرٌ، وذكرُها يتردَّدُ إلى الآن لوجود موضعٍ يحملُ اسمَها هو (قصر شيرين)[2].
وقد ذكر ياقوت الحموي هذا الموضع في حرف القاف من "معجم البلدان" فقال:
(قصر شِيرين - بكسر الشين المعجمة، والياء المثناة من تحت الساكنة، وراء مهملة، وياء أخرى ونون -.
وشيرين بالفارسية: الحلو، وهو اسم حظيّة كسرى أبرويز، وكانتْ مِنْ أجمل خلق الله.
والفرس يقولون: كان لكسرى أبرويز ثلاثة أشياء لم يكن لملكٍ قبله ولا بعده مثلُها: فرسه شبديز، وجاريته شِيرين، ومغنّيه وعوّاده بلهبذ.
وقصر شِيرين موضع قريب مِنْ قرميسين بين همذان وحلوان، في طريق بغداد إلى همذان، وفيه أبنية عظيمة شاهقة يكلُّ الطرفُ عن تحديدها، ويضيق الفكرُ عن الإحاطة بها، وهي إيواناتٌ كثيرة متصلة، وخلوات، وخزائن، وقصور، وعقود، ومُتنزهات، ومُستشرفات، وأروقة، وميادين، ومصايد، وحُجرات، تدلُّ على طَول وقوة).[3]
• • •
وشيرين هي المقصودة في الحكاية المشهورة: (شيرين وفرهاد) و(خسرو وشيرين).
• • •
وقد بليَ جمالُها الرائع، كما بليَ قصرُها الشاسع، وجاهُها الواسع...
وبقيَ - ويبقى - لرابعة عملُها الصالح، وذكرُها الحسن، وهداها وتقواها، في الدنيا والآخرة، وكذلك لكل تقيٍّ صالحٍ مخلصٍ.
[1] له أكثر من طبعة، منها طبعة بتحقيق عبدالله بدران، صدرت عن مكتبة دار المحبة بدمشق، (ولم يذكر التاريخ)، وقد جاء العنوان: (اللطائف) وهذا خطأ، فاللطائف كتابٌ لابن الجوزي آخر.
والكلام المنقول هو في الفصل 42، ص136.
[2] هو الآن قضاء في محافظة كرمنشاه في شمال غرب إيران.
[3]معجم البلدان (4/358).
وسوم: العدد 658