أحمد جلبي.. وعاشقة الليل

ناقش ملتقى السرد العربي الدائم بالقاهرة مجموعة "عاشقة الليل" القصصية للقاص أحمد محمد جلبي وذلك مساء السبت 7 مايو 2016م بمقر المنتدى الثقافي المصري بجاردن سيتي بالقاهرة.

أدار الملتقى د. حسام عقل، وحضره د. حسن مغازي، وسمير عبد المطلب، وعبير عبد الله، ومحمد نجيب مطر، وأحمد سراج، وسعيد فرغلي، وعبد السلام فاروق، وأحمد مرجان، وعدد من محبي الأدب.

وقال رئيس الملتقى د. حسام عقل إن الملتقى في مستهل عامه الرابع يُحسب له مناقشة الكثير من النصوص، إضافة إلى سلسلة الندوات النوعية كأزمة السينما المصرية، وسلسلة الليالي العربية، وقد بدأنا بالليلة العراقية، ثم الليلة المغربية، ثم الليلة الفلسطينية، وبصدد تناول ملف الدراما التليفزيونية خصوصاً بعد رحيل أسامة أنور عكاشة.

ونناقش اليوم مجموعة قصصية لأحمد محمد جلبي وقد بات واضحاً أن القصة القصيرة ليست الخيار الأسهل، لكنها على العكس تشبه ظاهرة الثقب الأسود في علم الفلك.. شيء حجمه صغير جداً، وطاقته ضخمة جداً..

ويلفت الأنظار رداءة كثير من المجموعات القصصية التي ظهرت في السنوات العشر الأخيرة ما جعل بعض النقاد العرب يتحدثون عن موت القصة القصيرة في مصر!

لكننا نحاول في ملتقى السرد العربي تنشيط النقد والخطاب الإعلامي معاً  من أجل تناول الفن القصصي بالتوجيه والرعاية المنشودة.

ونحث في الوقت نفسه من يقرأون النص على أن يأخذوا أنفسهم بأقصى درجات التجرد النقدي، وأن يُنّحوا المجاملات جانباً لأنها لن تفيد المبدع ونوصي المبدع بأن يكون صدره رحباً بالنقد.

ونحن بصدد عمل اتفاقيات توأمة مع بعض الدول العربية، وكانت الدولة الأسرع في التجاوب مع تجربة ملتقى السرد المغرب وفيها نشاط نقدي وأدبي ضخم.

وملتقانا يعقد مرتين في الشهر السبت الأول والأربعاء الأخير من كل شهر ميلادي ولنا صفحة فيسبوكية بعنوان (ملتقى السرد الدائم بالقاهرة).

وقال الأستاذ أحمد محمد جلبي إنه يدين بالفضل للأستاذ عبد السلام فاروق الصحفي بجريدة الأهرام المسائي فقد "نشر لي أول قصة في الأهرام المسائي بعنوان (مقاتل على جبل الخوف) وتابعت بعدها النشر، وصدرت لي أول مجموعة تحمل العنوان السابق عبر الهيئة العامة للكتاب، ومجموعتي الثانية التي بين أيديكم تحمل عنوان (عاشقة الليل) وبها 20 قصة ومسرحية، وأقصد بعاشقة الليل في الواقع الشاعرة العراقية نازك الملائكة التي توفيت عام 2008 بمستشفى الشرطة بالعجوزة".

وأشار جلبي إلى أن أحمد مرجان ودار سنابل للنشر تهتم بالحركة الأدبية وتحضر المناقشات وهذا ينعكس على اختياراتها للنصوص التي تطبعها وتبرزها للوجود.

وأكد الأديب والقاص محمد شلبي الصحفي بمؤسسة دار الهلال أن ما قاله أحمد جلبي عن عبد السلام فاروق حق، وقد "نشر لي أول قصة كذلك وتابع النشر لي في الأهرام المسائي قبل أن أعمل بالصحافة ونكون أصدقاء ويجمعنا رحم الأدب".

ودعا شلبى القاص أحمد جلبي إلى كتابة السرد التاريخي الذي اعتنقه جورجي زيدان وعلي أحمد باكثير.

وتناول د. حسام عقل المجموعة القصصية (عاشقة الليل) بالنقد فقال:

عندما أنقد نصاً أتعامل معه تعامل المتنسك الموحش، الذي لا يعترف بصداقات ولا عداوات، ولكن يعترف بنص لم يعد في حيازة المؤلف، بل أصبح في يد المتلقي ومن حق المتلقى أن يتناوله على الطريقة التي يراها.

وأوجه المبدعين أن يسمعوا للنقد ولا يعقبوا، كما يقول الفرزدق: "علينا أن نقول وعليكم أن تتأولوا".

 وأحمد جلبي يمتك ابتداءً أدوات القص ويستطيع اقتاص واصطياد المادة القصصية.. هذه المادة التي إذا ما أسيء اختيارها فإنها تفسد كل عناصر العملية القصصية، وكما يقول مصطفى عبد اللطيف السحرتي: "إن المادة القصصية بمثابة الخميرة فإذا ما كانت فاسدة فإنها تفسد العجين كله".

والمادة القصصية عند جلبي تتميز بالجدة والتنوع وعنده رصيد خبرات ميدانية في الحياة.. هذه الخبرات يصفها حنا مينا بأنها (دولاب المأكولات الفنية).

لكن المشكلة تكمن في كيفية تنظيم هذه المادة الكثيرة والمتنوعة.. لابد إذن من التنقيح وقص الزوائد فلا نضع إلا الجملة الضرورية والعبارة الضرورية كما يقول يحيى حقي في محاضرته التي ألقاها في دمشق بعنوان "حاجتنا إلى أسلوب جديد" وتحولت إلى دراسة مهمة بعد ذلك.

وكان بمقدور أحمد جلبي أن يستغنى عن كثير من التفاصيل وهو يستخدم الصورة القصصية الجزئية المقتضبة.

والإهداء الذي صدّر به مجموعته، نعتبره في النقد المعاصر من النص، لأنه يُعبر عن انشغالات الكاتبن وجلبي يختمر بداخله مشروع فانتازيا خالص.

ويحيى حقي، أحد أمراء هذا الفن، كان يُحذر من الجملة الأولى، والعبارة الأولى، والنص الأول، لان القاريء يختبر الكاتب في جميع ذلك.

هكذا اختبر نجيب محفوظ عقب اغتيال السادات، فتفاعل محفوظ وكتب (يوم قتل الزعيم)، ومع ذلك لم يلاحظ النقاد، لكن محفوظ قد استخدم تقنية تعدد الأصوات فجعل الراوي هو الجد والحفيد "محتشمي زايد علوان، وفواز محتشمي"، وهنا قفز نجيب من الجد إلى الحفيد مختزلاً الجيل الوسط، وكأنه يرمز إلى ان جرعة الانتقال كانت أكثر مما يتحمله المصريون.

وجلبي في نهاياته وخواتيمه يفتقد إلى الوهج، وهو يتعجل النهايات، ويصر على على جعلها نهايات مفتوحة، ومع ذلك فلغته آثرة، وجديدة، وهو لا يقلد أحداً بل نجح في اصطناع لغة خاصة به.

ونصوصه تحتاج إلى التدقيق اللغوي، والمراجعة اللغوية، ولا أدري كيف غاب ذلك على دار النشر التي طبعت له!

وأتذكر هنا مقولة طه حسين بعد أن عرضوا عليه نصوص الشبيبة والناشئة: "المهم قبل السماع أن تضمنوا لي أنني سأستمع إلى لغة عربية سليمة".

ولعل هذا هو السر في أن الأعمال المصرية رغم كثرتها لا تصل إلى القائمة القصيرة في البوكر بسبب أخطائها اللغوية.

وقد برع أحمد جلبي في الصورة القصصية قصيرة النفس، لكننا لم نجربه في الصورة القصصية طويلة النفس، فليُجرِب أسلحته في مساحات أخرى وكما قالت ميّ زيادة: "على الكاتب أن يُجّرب مزماره في كل ناحية".

وأرى إن إحباطات الحاضر جعلت جلبي يعود إلى الماضي يجتره تماماً مثل كثير من الناس الآن إذ هناك موجة العودة إلى أفلام الأبيض والأسود وموجة العودة إلى الطرب والغناء القديم ودراما أسامة أنور عكاشة التي يفصلها عن الحاضر ثلاثة عقود من الزمان.. وكتاب القصص تأثروا بهذه الموجات بلا شك.

ومما يعاب على نص جلبي: تداخل الكتل السردية بطريقة تشتت القاريء، فهو لا يفصل الحوار عن السرد، وعلاج ذلك استخدام علامات الترقيم.

وهو يُجيد تصوير الداخل وكشف خبيئته، وأنصحه ألا ينتقل إلى الخارج قبل تمكنه من سبر أغوار النفس ودواخلها، وهذا ليس سهلاً بالمرّة.

ونوّع في المادة القصصية وكتب قصة مخابراتية وأنا أقول إن الأدب المصري لم ينجح في تخليد اللحظات العسكرية في مصر لا انتصاراً ولا هزيمة، بخلاف النكتة التي خرج جمال عبد الناصر في خطاب مُسجل يعلن أنها قد بلغت بعد هزيمة 67 ثلاثة آلاف نكتة وقال كفاية نكت!

لكن نجيب محفوظ الذي لم ينتقد أحداً بصورة مباشرة طوال حياته لجأ إلى الرمز فقال: "إن الديناصورات التي استأثرت بالأرض ملايين السنين هلكت كلها في ساعة من الزمان"، وكان يقصد القابضين على أزِمّة المشهد!

كما غرّق أحمد جلبي نفسه في السياسة في قصة "المتسائل بنعم"، مستدعياً تجربة لجنة السياسات في الحزب الوطني المنحل، وهي ذات المساحة التي خاض فيها صاحب عمارة يعقوبيان أقصد علاء الأسواني.

وأسأل جلبي في النهاية: لماذا لم تقتصر على 20 قصة؟ ولماذا أقحمت المجموعة القصصية مسرحية وضعتها في آخر الكتاب؟ وما الداعي لذلك؟ إنها مسألة حار البرية فيها!!

ويبقى أحمد محمد جلبي اسم مهم في المشهد القصصي وحسابنا سيكون معه عسيراً في نصوصه المقبلة.  

وسوم: العدد 667