تقديم كتاب "علاقة الأمة بالنبي صلى الله عليه وسلم: مظاهر ومآثر" للدكتور عبدالحكيم الأنيس
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وآله وصحبه ومَنْ والاه.
وبعد:
فقد سُرِرتُ أيما سرور عندما وقعَ بصري على عنوان هذا الكتاب، وما انْ شرعتُ في قراءته حتى نما في داخلي السرور... فقلتُ في سعادةٍ غامرة وحبور:
أجل - أيها الأخ الفاضل - لقد أصبتَ الحق فيما صنعتَ، فنحن بأمسِّ الحاجة إلى ما سطَّرتَ من هذه المظاهر، وفقرُنا إليها بادٍ وظاهر.
وقد عدتُ بذاكرتي إلى زمن بعيد، يمتدُّ إلى عدة قرون حيثُ العلماء الربانيون مطلع القرن الثاني الهجري والثالث... الحسن البصري، وابن سيرين، وابن المبارك، والجنيد البغدادي، والسري السقطي، وأضرابهم - رحمهم الله تعالى ورضي عن أسلافهم - في سماء تلك الحياة، فعرفوا كيف يرشدون، وماذا يؤلِّفون، ولا غرابة فهم الفقهاء، وتلك سمة الفقيه.
وبحقٍّ أقول: ليس مثلي مؤهلاً لأنْ يصدِّر مثل هذا الكتاب، إذ التعبير عما في مضمونه يفتقرُ إلى مناسبة ظاهرة أو خفية، وليس عندي هذه ولا تلك، ولكن إذ أسديتَ إليَّ هذا الشرف فلأقدمنّ لكتابك بما في كتابك!! بعد أن أقولَ هذه الكلمات:
لقد تحققتْ رغبتي في تأليف هذا الكتاب، حيث كنتُ منذ الصغر أعلِّمُ على كل خبرٍ يهزّ قلبي أو يُجري عبرتي، رجاءَ أنْ أجمع ذلك في كتابٍ أذكِّر به نفسي، وأختبر بمحتواه قلبي، وهو ما وجدتُه في كتابك هذا.. فكم فيه مِنْ خبرٍ مؤثرٍ يضربُ على أوتار القلوب، وحكايةٍ صادقةٍ تُلهب الشوقَ إلى رياض المحبوب، وشعرٍ رقيقٍ يبعثُ الحنين، وأدبٍ رفيعٍ يحرِّك ساكن الحب الدفين إلى ذالك النبي المصطفى الأمين صلى الله عليه وسلم!!
وكيف لا؟ ونحن نقرأ فيه:
• هذا الخبر في البكاء والخشوع عند ذكره صلى الله عليه وسلم: أنّ عمر زار أبا الدرداء - رضي الله عنهما - فقال أبو الدرداء: أتذكرُ حديثاً حدَّثناه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أي حديث؟ قال: ليكن بلاغ أحدكم من الدنيا كزاد الراكب، قال: نعم، قال: فماذا فعلنا بعده يا عمر؟ قال: فما زالا يتجاوبان بالبكاء حتى أصبحا!!
• وهذا الخبر في الاتباع وتقصي طريقه وطريقته صلى الله عليه وسلم:
سمعت سفيان الثوري - رحمه الله تعالى - يقول: إن استطعتَ ألا تحك رأسك إلا بأثر فافعل!!
• وهذا الشعر الرقيق في شدة الشوق إليه صلى الله عليه وسلم:
دار الحبيب أحقُّ أنْ تهواها
وتحنَّ من طربٍ إلى ذكرها
وعلى الجفون متى هممتَ بزورة
يا ابن الكرام عليك أن تغشاها
وابشر ففي الخبر الصحيح مقرراً
أنَّ الإلهَ بطابة سمّاها
واختصها بالطبيبين لطيبها
واختارها ودعا إلى سكناها
• وهذه الحكاية في التبرُّك به وبآثاره صلى الله عليه وسلم:
قال محمد بن سيرين: قلتُ لعَبيدة: إن عندنا من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً من قِبل أنس بن مالك فقال: لأن يكون عندي منه شعرة أحب إليَّ من كل صفراء و بيضاء على ظهر الأرض!!
وقد كان ثابت البناني إذا رأى أنس بن مالك أخذ يده فقبلها، ويقول: يدٌ مسَّت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم!!
وقول الإمام الذهبي عن الحجر الأسود في تعليقه:
حجر معظم بمنزلة يمين الله في الأرض مسَّته شفتا نبينا صلى الله عليه وسلم لاثماً له، فإذا فاتك الحجُّ ولقيتَ الوفدَ فالتزم الحاج وقبِّلْ فمه وقل: فمٌ مسَّ بالتقبيل حجراً قبله خليلي صلى الله عليه وسلم!!
• ثم هذا الأدب الرفيع عن إمام دار الهجرة - رحمه الله تعالى - فقد اشتهر عنه أنه كان لا يركب في المدينة ويقول: أنا أستحي من الله عز وجل أن أطأ تربة - فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم - بحافر دابة!!
• كيف لا تهتزّ قلوبنا، ونحن نقرأ هذا - وغيره كثير - في هذا الكتاب!! اللهم إلا أن تكون كالحجارة أو أشد قسوة، ونرجو أن لا تكون كذلك، إذ القلب القاسي أبعد ما يكون من الله - والعياذ بالله -.
فهنيئاً لك - أخي الفاضل - هذا التوفيق، وإنك بالمزيد مِنْ مثل هذا العمل لخليق، وأتوجه في الختام إلى العموم الفضلاء من القراء... بما فيهم الشعراء والأدباء والخطباء، بأنْ يتحفونا بألوان المديح للنبي المصطفى المليح صلى الله عليه وسلم، مديحاً يحرِّك كامنَ الشوق في القلوب، ويصلُ خلف الأمة بسلفها في معانٍ متألقة من الحُبِّ والتعلق بنبينا صلى الله عليه وسلم، وبعد أن كاد تعلقها بمظاهر الحياة يُفقدها ذلك أو ينقصه إلى حد كبير!!
ولا ريب أنَّ الحبَّ الصادق لسيِّد الصادقين صلى الله عليه وسلم من أكبر العوامل الدافعة إلى صدق الاتباع له صلى الله عليه وسلم، ولا ننس أنَّ قصائد مدحه صلى الله عليه وسلم كانتْ في يوم من الأيام عاملاً مهما في إيقاد جذوة الجهاد في نفوس المسلمين لدحر المعتدين من أعداء الدين.
اللهم صلِّ وسلمْ وباركْ على هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وأصحابه، وأنصاره وأحبابه والتابعين، ومَنْ تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وأكرمنا اللهم بصدق محبته واتباعه صلى الله عليه وسلم، حتى نلقاه على الرضا والمحبة آمين، وآخر دعوانا أن الحمد الله رب العالمين.
وسوم: العدد 669