كتاب "في بلاد العّم سام" في ندوة مقدسيّة

clip_image002_8de08.jpg

القدس: 11-8-2014 –من رنا القنبر: ناقشت ندوة اليوم السابع في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس كتاب "في بلاد العمّ سام، من أدب الرّحلات" للأديب المقدسيّ جميل السلحوت الصّادرأواخر عام 2015 عن مكتبة كلّ شيء الحيفاويّة، ويقع في 162 صفحة من الحجم المتوسط.

بدأ النّقاش مدير النّدوة ابراهيم جوهر فقال:

نتيجة رحلات الكاتب إلى البلاد الأمريكية على مدار سنوات متباعدة أقنعته بضرورة توثيق تلك الرّحلات ذاكرا ما لها وما عليها مستعرضا واقع الحياة في تلك البلاد ومتاعب السّفر عبر المطارات.

ولم يغفل الكاتب الإشارة إلى ثقافات متصارعة في بلاد العم سام ولا التفرقة العنصرية، وقد نقل حال الأميركيين الأصليين أهل البلاد ممن يطلق عليهم "الهنود الحمر" الذين أبادتهم "الحضارة" الأمريكية لتنشئ بلادها الحديثة.

وكم كان مؤثّرا قول تلك المرأة من هؤلاء القوم التي قالت للكاتب حين علمت بأنه من "فلسطين":

- أنتم هنود فلسطين الحمر!

في مقارنة موجعة بين حالي الهندي الأحمر والفلسطيني الأسمر. وشعورا منها بمعاناة الفلسطيني رفضت استلام ثمن من باعته للكاتب.

سيجد القارئ أجواء إنسانية أليفة بين أبناء العائلة الممتدة الواحدة ممن شتتتهم الغربة، كما سيجد وصفا للطبيعة وسحرها ولهندسة المدن وتنظيم السير والشوارع الواسعة والمطارات. وهذا كله بأسلوب سهل بسيط اعتمد القص والإخبار بهدف التعريف والتوثيق.

وفي تلك البلاد يقيم ابن الكاتب وعائلته التي أضافت مولودة جديدة أسمتها "لينا" فكتب لها الكاتب رواية لليافعين بعنوان "لنّوش" لتكبر "لينا" وتجد جديدا يرافقها للتّعلم منه.

 وقال عبدالله دعيس:

                تجتمع في كتاب (في بلاد العمّ سام خصلتان، أوّلهما أنّه يصف بلادا واسعة متنوّعة الثّقافات، وفيها من المتناقضات ما لا يمكن إحصاؤه، والأخرى أنّ الكاتب هو الشيخ جميل السلحوت، الذي يتميّز بسعة الاطّلاع والخيال، والقدرة على إدراك ما هو حوله وتحليله بطريقة رائعة، وربط الأحداث ببعضها ثمّ سردها بلغة الحكاية البسيطة التي تقرّبها إلى قلب القارئ وعقله. فالكاتب الذي ألّف العديد من الرّوايات التي ركّزت على عنصر المكان، وجعل مسرحها بلدة السّواحرة ومدينة القدس، ووصف الحياة الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسياسيّة فيها بدقّة متناهية وبأسلوب شيّق، لتغطي فترة زمنيّة تمتدّ لعشرات من السّنوات، كتب أيضا في أدب الأطفال وأدب الرّحلات، ووصف البلدان التي زارها بدقّة، وتحدّث عن الحياة الاجتماعيّة والثقافيّة فيها.

                في هذا الكتاب وصف شامل لرحلات المؤلّف إلى الولايات المتحدة الأمريكيّة على مدار ثلاثة عقود، ويعطي فيه صورة حيّة للحياة الاجتماعيّة، ويصف العديد من الأماكن الجغرافيّة في أنحاء الولايات المتّحدة، أو بلاد العمّ سام كما أحبّ أن يسمّيها. والقارئ لهذا الكتاب يرافق الكاتب في رحلاته ويتعامل مع شخصيّاته وكأنّه يعرفهم ويعيش معهم، ويرى المدن والقرى والغابات والسّهول والجبال في أمريكا، وكأنّه يعيش فيها، ويفوق شعوره بها وتصوّره لمعالمها الاطّلاع على أيّ فيلم مصوّر؛ فهو يشعر باللمسة الإنسانيّة في هذا الوصف، ويرى الأشخاص والأشياء وكأنّه يرقبها عن قرب بعينيّه المجرّدتين، وليس من خلال عدسة كاميرا.

                والكاتب في وصفه يشبه أولئك المغامرين الذين ذهبوا لاستكشاف البلدان لأوّل مرّة دون أن يعلموا أين وجهتهم، وإلى أين ستقودهم أقدامهم؛ فبخلاف السيّاح أو حتى كتّاب الرّحلات أو المستكشفين الذين يسافرون في رحلات منظّمة لها خطّة موضوعة قبل مغادرتهم، ومسار محدّد للأماكن التي سيرتادونها، فإننّا نجد الكاتب ينتقل في أمريكا بعفويّة من مكان إلى آخر حيث يوجد أقرباؤه أو أصدقاؤه، وحيث تسوقه عادات الكرم العربيّ الأصيل، فينتقل بصورة عشوائيّة وفي مدن وأحياء وبيئات مختلفة، وتتذبذب رحلاته في أمريكا بقدر شتات الشّعب الفلسطينيّ فيها، والذي يوجد في كلّ مكان، ويعمل في مختلف المجالات ويتواجد في كلّ البيئات: من أدنى درجات الفقر إلى أعلى درجات الغنى، ومن مزالق الجريمة والإدمان إلى المراكز المهمّة في المؤسّسات العلميّة والاقتصاديّة. لذلك فإنّ هذا الوصف يبدو كالفسيفساء التي تجمع الألوان المختلفة، ويخرج منها نسيجا ملوّنا متناسقا، يعطي فكرة متكاملة عن هذه البلاد المترامية الأطراف.

                والكاتب يعطينا صورة واضحة عن الحياة الثقافيّة في أمريكا، فهو يزور المتاحف والمسارح المختلفة والمكتبات، ويشاهد الحفلات الموسيقيّة وعروض الأوبرا. ويزور وكالة ناسا ويصف التقدّم العلميّ الذي وصل إليه الأمريكيّون في هذا المجال. فنلحظ الاكتظاظ في المسارح في أمريكا حتّى أن الشّخص المهتمّ بعرض ما عليه أن يحجز مقعدا قبل شهور أحيانا.

                والكاتب يحطّم كثيرا من الصّور النمطيّة التي تكوّنت في ذاكرة الشّعوب العربيّة للأمريكيّين، والتي مصدرها الأفلام الأمريكيّة التي لا تعطي الصّورة الحقيقيّة للحياة في أمريكا، وكذلك صورة الأمريكيّ العدوّ التي نشأت بسبب مواقف الولايات المتّحدة السّياسيّة الداعمة للصهاينة، ومناصرتها للحكومات الدكتاتورية في العالم العربي ضد إرادة الشعوب وسعيها للحريّة، وأيضا من خلال ما يقصّه كثير من المهاجرين الذين يعودون من أمريكا ولم يروا منها إلا جانبا واحدا وزاوية عاشوها لسنوات طويلة، دون أن يطّلعوا بشكل فعليّ على الثّقافة الأمريكيّة. ففي هذا الكتاب نلحظ البعد الاجتماعيّ والإنسانيّ للثّقافة الأمريكيّة، بعيدا عن مواقف أمريكا السّياسيّة. فهنا نرى الأمريكيّ الكريم المضياف، وذاك الذي يهتمّ بجاره وأصدقائه، ونرى الأمريكيّ المتواضع الذي يعامل طلابه معاملة الأبناء ويدعمهم ويساندهم، والأمريكيّ الذي يهتمّ بتربية أبنائه وتعليمهم، ويقرأ لهم منذ نعومة أظفارهم، وحرص الأمريكيّين على التعلّم حتّى ولو في سنّ متقدّمة، واحترام الأمريكيّ للآخرين وثقافاتهم مهما اختلف معها، والأمريكيّ الذي يعتني بالحيوانات والطيور يخصّص جزءا من أشجاره للطيور ولا يأكل منها، وثقافة الحرّيّة والنّظافة والنّظام حتّى في أكثر الأحياء فقرا، والحفاظ على الممتلكات العامّة. فهو يظهر هنا الثّقافة الأمريكيّة بشكل واقعيّ حقيقيّ، ويبيّن مدى الرقيّ الأخلاقيّ عند فئات من المجتمع الأمريكيّ وتفوّقه على كثير من الشّعوب، وخاصّة في البلدان العربيّة التي تعاني من التخلّف والجهل.

                وبالمقابل فإنّه يعرّج على بعض السلبيّات في المجتمع الأمريكيّ، مثل التمييز العنصريّ ضد السّود، واضطهاد السكّان الأصليّين الذين يسمّونهم هنودا حمرا، والذين يعيشون في محميّات مغلقة، وانتشار الفقر والجريمة والإدمان على الكحول والمخدّرات في بعض الأحياء، ووجود الشّعوذة وتقنينها.

                ولا يقتصر الكاتب على وصف الثّقافة الأمريكيّة، بل يتعداها إلى ثقافات الأقليّات التي تعيش في أمريكا، فهو يستغلّ كلّ حدث أو مشاهدة للتّعريف بهذا الثقافات التي تتعايش وتتفاعل فيما بينها، لتشكّل المجتمع الأمريكيّ. فيصف موسيقى البلوز التي هي جزء من تراث الأمريكيّين الأفارقة، ويستغل زيارته لمطعم أرجنتيني للحديث عن ثقافة الأرجنتينيّن، وكذلك المهاجرين من الصّومال وأثيوبيا  ونيجيريا ومن الرّيف الإيطالي، والحياة في بورتوريكو ذات الثّقافة الإسبانيّة.

                ويصف الكاتب الطبيعة بشكل جميل وتفصيليّ، ولا يقتصر على الأماكن السّياحيّة مثل شلالات نياجرا، بل يصف كلّ ما يشاهده حتّى الجزر التي تتوسط الشّوارع والمنطقة المحيطة بالمستشفى والسّاحات العامّة. وكذلك يعطي معلومات عن جغرافيّة ومناخ كلّ منطقة زارها.

                والكاتب يزور خلال رحلاته العديد من المهاجرين العرب من أقربائه وأصدقائه، والذين يعيشون في أماكن متعدّدة، ويعملون في مهن مختلفة، والذين يعطون صورة عن حياة الأقليّة العربيّة في أمريكا وتشرذمها وانغلاق الأقليّات العربيّة وابتعادها عن الحياة السياسيّة، ممّا أدّى إلى عدم قدرتها على التّأثير في السّياسة الأمريكيّة. فهناك من العرب من يتبوّأ مكانة علميّة عالية ويعمل في الجامعات والشركات ومراكز الأبحاث، ولكن بالمقابل فإنّ الأكثريّة يعيشون على هامش المجتمع الأمريكيّ منغلقين مبتعدين عن معين الثّقافة الأمريكيّة، منشغلين في مشاريع تجاريّة صغيرة غير مجدية في الأحياء الفقيرة، فهم بعيدون عن معترك الحياة ولا يعايشون الحضارة والتّقدم والازدهار في أمريكا. وكثير من العرب انخرط في المجتمع الأمريكيّ، ولكنّه لم يكتسب إلا القيم السلبيّة وتخلّى عن قيمه العربية الأصيلة، فلا هو لحق بركب المجتمع الأمريكيّ ولا حافظ على بقية كرامة وخلق من مجتمعه العربيّ.

                والكاتب يربط دائما بين العادات الموجودة في أمريكا ويقارن بينهما وبين ما يدور في المجتمعات العربيّة. وهو يقسو على المجتمع العربيّ أحيانا حين يرى مستوى النّظام والنّظافة واحترام الآخرين في أمريكا، ويقارنه بما يرى من انعدام هذه الأخلاق الحميدة في بلادنا، مع أنّنا لا نفتأ نتشدّق بها ونرمي الأمريكان بانعدام الخلق والحياء لديهم. ويستخدم أحيانا لغة تهكّميّة، مثل أن يصف العرب بِ (العربان) أو الذين (يشربون بول الأبل ويتعطّرون بها)، وأن يصف أمريكا بِ(بلاد الكفّار). أعتقد أنّ هذا الأسلوب كان إمعانا في جلد الذّات وتعريضا بالثّقافة العربيّة الإسلاميّة، ولا يمكن أن يؤدّي إلى النتيجة التي يريدها الكاتب، ألا وهي عودة المجتمعات العربيّة إلى ما يليق بها من الخلق النّابع من هذه الثّقافة الإسلاميّة المثلى.

                ولم ينفصل الكاتب خلال رحلاته عن الهمّ الفلسطينيّ والقضايا العربيّة، وقد استغلّ الكثير من الأحداث ليربطها بما يدور في فلسطين والعالم العربي، فتحدّث عن شتات الشّعب الفلسطيني وعن حرب عام 1967، حتّى أنّه استغلّ الحديث عن زيارته لمركزّ طبّيّ في هيوستن للحديث عن الشّاعر محمود درويش الذي توفي فيه.

                يبدو أنّ الكاتب كان يدوّن كلّ ما يرى على شكل مذكّرات ويصف ما يشاهده أولا بأوّل، لذلك نلحظ أن الكاتب كرّر بعض المعلومات أكثر من مرّة بطريقة غير مقصودة، مثل وصفه للشّوارع والجسور المركبة على بعضها، وذكره للحيوانات البريّة التي تعيش في المدن كالأرانب والسناجب، وغير ذلك.

                 كتاب (في بلاد العم سام) رحلة ممتعة في أرجاء أمريكا، بعين خبيرة ناقدة، لا ترى ظاهر الأمور فحسب، بل تتعمّق في الثّقافة والمجتمع، وتعطي صورة متكاملة لشعوب عديدة تعيش معا على أرض واحدة في تقدّم علميّ وحضاريّ فائق دون نزاع أو خصام. إنّها رحلة جميلة، يعيشها القارئ بكلّ تفاصيلها، وإضافة مهمّة إلى أدب الرّحلات.

وكتب محمود شقير:

ما يميّز كتابات الأديب جميل السلحوت في هذا الميدان، حرصه على كتابة نصوص أدبية، بحيث لا يكتفي بتسجيل المشاهدات والوقائع وتفاصيل الأمكنة على نحو تقريري جاف. وإنّما يكرس خبرته في السرد الروائي لكتابة أدب رحلات بأسلوب ممتع وبلغة سلسة، وبقدر من التشويق الذي يأخذ المتلقي إلى حيث يريده الكتاب أن يمضي معه.

وهو حين يكتب هذا اللون من الأدب يكون حريصًا على أن يُشرك المتلقي معه في ما يشاهد من أمكنة، وفي ما يقدمه له من ملاحظات وتعليقات على العادات والتقاليد وأنواع السلوك المختلفة،  وعلى التجليات الحضارية والإنجازات، لكي يخرج من ذلك بحكمة ما أو باستنتاج يضيف إلى وعي المتلقي الفلسطيني بخاصّة والعربي بعامّة خبرة جديدة ووعيًا جديدًا، باعتبار ذلك الوسيلة الأجدى لتفاعل الثقافات،ولما من شأنه الإسهام في بناء أوطاننا مقارنة بأوطان الشعوب الأخرى، ويجعله، أي المتلقي، مستعدًا للمشاركة الوجدانية تجاه ما يقترحه عليه الكاتب من قضايا وآراء.

نحن بحاجة إلى هذا اللون من الكتابة التي تستفيد من أدب السيرة الذاتية ومن أساليب السرد الروائي، لما فيها من قدرة على الإمتاع والمؤانسة، ومن تعبير عن الرحلة الواقعية بمنطق الأدب وما يشتمل عليه من أدوات فنية وتقنيات.

ربما كان في هذا الكتاب، وفي كتاب الرحلات السابق "كنت هناك" استرسالا لا ضرورة له في بعض المواقف وفي بعض التفاصيل، إلا أن ذلك لا يحجب عن العيون القيمة الفنية للكتابين المذكورين.

وتحدّثت رشا سيف الدين السرميطي فقالت:

يعتبر أدب الرِّحلات نوع من أنواع الأدب الذي يصوِّر فيه الكاتب ما جرى له من أحداث ومواقف ممَّا صادفه أثناء رحلة قام بها لأحد البلدان. ولا نغفل عن أهميَّة  كتب الرِّحلات التي تعدُّ من أهمِّ المصادر الجغرافيَّة والتّاريخيَّة والاجتماعيَّة، لأنّ الكاتب يستقي محتوى تلك الكتب من المشاهدة الحيّة، والتَّصوير المباشر، مما يجعل قراءتها غنيَّة، ممتعة ومسليَّة. الكاتب جميل السلحوت يطرق هذا الباب في رحلة إلى أمريكا، فيبدأ بسرد تفاصيل تلك الرّحلة التي ذهب بها وزوجته قاصدًا بيت ابنه قيس وزوجته اللذين ينتظران مولودتهما – لينا. وهناك تبدأ السّرديَّة ليحكي لنا عن ذلك المكان يصفه جغرافيّا، واجتماعيّا، يتطرق للمظاهر المجتمعيّة والظواهر الاجتماعيّة، كأنَّه يشارك القارئ برحلته على متن سطر وكتاب.

المعلومات التي قدَّمها الكاتب جميل السلحوت في كتابه"في بلاد الهمّ سام: غنيّة، وفيرة، تدعو للتّأمل، والمقارنة الحيَّة ما بين الحياة في المجتمع الأمريكيّ ومجتمعاتنا العربيّة ربما.. بدأ ذلك من خلال وصفه للمشفى التي ولدت به لينا، والرّعاية الصحيَّة التي تلقتها الأمّ الوالدة والبنت المولودة، ثمَّ الانتقال لبعض الجوانب التّربويّة التي لها الأثر، وتساهم في التَّنشئة خاصّة عندما تحدث عن رعاية أبويها وسماع الموسيقى منذ كانت جنينًا في رحم أمّها، واستمراريّتهما في قراءة القصص لها، ولا يغيب عن بال متابع البحوث الحديثة في وقتنا التي تدعو للاهتمام بالطفل في هذه المرحلة العمريّة المبكّرة التي تشكّل شخصيته المستقبليّة، كما تطرّق إلى مكتبة لينا التي جهزّت لها منذ أوّل يوم ولدت به، ودعا لأهميَّة تذويت قيمة المطالعة عند الأبناء منذ مراحل مبكّرة جدا وما همسته تلك إلا لأولياء الأمور: أن اعتنوا بالطفولة وحافظوا على أطفالكم منذ الولادة.

تطرّق لموضوع التعليم، طبيعة المدارس، النّظام التّعليميّ السّائد، وما كان غرض الكاتب سوى نقرة على الأبواب الصَّامتة، ليقول همسته لذوي الاختصاص بالقطاع التّعليميّ، لنطلِّع، لنبحث، ونتعلّم، لنبادر بالتّغيير للارتقاء بتعليمنا الفلسطينيّ، من ذاك الباب دخل أبوابا عديدة للمبادئ والأخلاق والانتماء، سواء كان بالنّظافة والمحافظة على الممتلكات العامّة والحدائق والشّوارع، لم يكن السلحوت ممجدا لالنِّظام الأمريكي، وموقفه منه واضح جدا، لكنّه رغب من مقارنته بتوسيع دائرة اطّلاع القارئ ليغنى بهذه الصّور المجتمعيّة التي توفّر للفرد الحياة بكرامة.

كانت للكاتب إضاءة على موضوع الهجرة، التي تخلق من الانسان الكادح والمكافح ملكا يسكن قصرا، ولم يهمل النَّقيض من ذاك الانسان الذي جرفته الغربة لدروب الرّذيلة والإدمان لينتهي به الأمر متسوّلا في شوارع أمريكا، فقير يجثوا على أبواب المساجد. وهنا همسته باعتقادي كانت موجهة للفئة الشَّابة التي تتلَّهف على مغادرة الأوطان، ويأخذها الحلم الأمريكي، وقد قدَّم تجربة ولده قيس كتجربة ناجحة سردها على لسان أب فخور بابنه وبتربيته، وقد تطرّق لاخوته ونجاحاتهم أيضا في تلك البلاد.

صوَّر لنا تجارب عديدة من شيكاغو، هيوستن، لاس فيجاس وكذلك شلالات نيجارا، وكيفيَّة استثمار هذه الأماكن لتصبح مراكز جذب سياحيّ، جعل من ذوي الأملاك فيها من الرّأسماليين الأقوياء، وكأنَّ همسته هنا كانت لرجال الأعمال في القدس، أن تحرّكوا واستثمروا ما يجعل وجودنا وصمودنا أقوى بعيد الإستغلال الذي تشهده المدينة من ارتفاع في العقارات والحياة عموما.

امتَّدت همسات الكاتب جميل السلحوت ليتطرق بها لأحداث تاريخيّة، واجتماعيّة، سياسيّة بعض الأحيان، وإنسانيَّة في حين آخر، واختتم تلك السرديَّة بسيادة القانون عندما حدّثنا عن ولاية أنديانا التي تمنع فتح " كازينوهات" القمار على أراضيها وهي دولة غير اسلاميّة، بينما تسجّل همسته الأخيرة لجميع قبور الفساد التي تنبش بأفضل شخصيّاتنا هنا لينتهي بهم الأمر في ملهى، كازينو، وبؤرة فاسدة تطيح بنا لأشدّ الأزمات الخانقة.

اللغة كانت بسيطة، سهلة، واضحة، رغم أنّني كنت أفضل لو صبغها الكاتب بألوانه الذَّاتية لغويّا وبلاغيّا، لتغدو تأمّلات الكاتب في المعلومات والمادّة أعمق وأشدّ تفاعلا، ويتخطى كون المادّة تقريريّة متواترة.

الأسلوب سلس لا يتصعّب القارئ الابحار في هذه الرّحلة والتّعرف على جوانب مكنوناتها الجغرافيّة، الإنسانيّة، والاجتماعيّة التّفاعلية النّاشئة من تلك العلاقات والرّوابط التي أثرت بالكاتب فرغب بتذويتها ودوّنها في كتاب.

أخيرًا بالنِّسبة للعنوان:" أبناء العمّ سام" من المتعارف عليه بأنَّ العمّ سام لقب ورمز شعبيّ يطلق على الولايات المتّحدة الأمريكيَّة، يعود اسم العمّ سام إلى القرن التاسع عشر إلى حرب سنة 1812 تحديدا. الاسم مأخوذ من اسم جزّار محليّ أميركيّ يدعى صموئيل ويلسون. كان هذا الجزّار يزوّد القوّات الأميركية المتواجدة بقاعدة عسكريّة بمدينة تروي الواقعة في ولاية نيويورك، بلحم البقر، وكان يطبع براميل هذا اللحم بحرفي (U.S) أي الولايات المتّحدة إشارة إلى أنّها ملك الدّولة. فأطلقوا لقب العمّ سام على التّاجر. فحرف U للرّمز إلى Uncle أي العمّ وS إلى Sam أي سام.

وقال نمر القدومي:

     من كثرة السّفر والرّحلات، امتلأ قلبه فيضا من الصّور الجميلة والكلمات، ونقل لنا بحواسّه جميعها أسعد اللحظات. لم تغب عن ذهنه وعينيه معلومة إلاّ ودوّنها في دفتر الملاحظات، وقدّمها للقرّاء على طبقٍ من ذهب، كتبتها أيدي مَن يتمتعون ومغرمون بأدب الرّحلات. إنَّ هذا النّوع من الأدب هو أجمله على الاطلاق، ويُعتبر مرجعا تاريخيّا وجغرافيّا وإجتماعيّا مهمّا، ولأنَّ الكاتب هنا يستقي المعلومات والحقائق من المُشاهدة الحيّة والتّصوير المباشر بالكلام العفويّ والعاطفيّ، الصّادق والشّاعريّ، هذا بالتّالي جعل قراءته غنيّة وممتعة ومسلّية.

     لن يتخلّى عن تعلّقه الحميم بأحفاده وأسباطه في إهداء كلّ ما يكتبه هذا الأديب لهم، ويبقى يشدّ الرّحال إلى حيث يتواجدون في هذا العالم الواسع مهما بعدت المسافة، ومهما بلغ شقاء وتعب الجسد لديه. إنّها الرّحلة الخامسة والعشرون من حياته، يجوب بها الأقطار المختلفة، وخاصّة الولايات المتّحدة، حيث الأقارب والأهل والأصدقاء. أمّا مناسبة رحلته الأخيرة فكانت إستقبال الحفيدة المولودة  لينا الابنة البكر لابنه الوحيد قيس في شيكاغو. لقد أمتعنا ابن الجبل بدقة الوصف وقوّة الشّغف لديه، وكذلك حُبّ المعرفة الذي جعل من كتابه حكاية ذات ثلاثة أبعاد، فقد أحسسنا بكلّ كلمة، وتخيّلنا الأماكن بوضوح وجليّة. لم ينسَ أديبنا العامل الانسانيّ في تجواله، بحيث امتلك ذلك الأسلوب الأدبيّ الشّيّق في الكتابة وسرد الأحداث. ولا يزال يذكر أسماء أهل قريته ووطنه، وأسماء من أثّروا في حياته منذ صغره، دلالة منه على قوّة التّرابط والتّعاضد وصلة الرّحم التي يتمتع بها أهل عشيرته من أقحاف العرب.

     إنَّ ابن الجبل حذا حذو الرّحالة إبن بطّوطة وآرنست همنچواي، ولا يسع القارئ إلاّ أن يتابع المغامرات وشرحه المُفصّل عن العادات والتّقاليد التي تتحلى بها الشَعوب. استطاع ومن بين السّطور أيضا أن يتجوّل بنا من خلال رحلاته المتعدّدة إلى بلاد العمّ سام، برّا وبحرا وجوّا، بين أجمل وأكبر الولايات. أحسن وصف جبالها ووديانها، بحارها وأنهارها، غاباتها وسواحلها، طيورها وحيواناتها، مطاعمها وطرقاتها، بيوتها وجسورها، ومتاحفها ومسارحها. أمّا شلاّلات نياچارا الخلاّبة الهائلة، فقد أصابنا نصيب من رذاذها. تكوّنت أمريكا من مجموعات من الجنسيّات والأعراق المختلفة، والألوان والأديان واللغات، واستطاعت حكومتها أن تجمعهم تحت طائلة القانون والإنضباط، وأيضا الاحترام والاهتمام لتصبح أقوى دولة تحكم العالم. ممّا يُثير الفضول أنَّ الكاتب حدّثنا وبإسهاب عن نظام التّعليم في المدارس والجامعات، ومدى إهتمام الحكومة بمراقبة الطّلاب منذ صغرهم، ويتمّ توجيههم في دراساتهم المستقبليّة، ناهيك عن المحفّزات التي ينعم بها المتفوّقون في علومهم. إنّها بلدان متطوّرة ومتقدّمة، يتنافسون فيما بينهم على احتلال مساحات شاسعة من الفضاء الخارجيّ، وهناك بلدان ما زالت تقتتل على حفنة من تراب أو عقيدة زائفة.

     تكلّم رحّالنا السّلحوت بصراحة كبيرة عن حال المهاجرين والمقيمين العرب في أمريكا، فمنهم مَن ركب مركب العلم وتفوّق وعمل فيها، ومنهم مَن تعلّم أفضل العلوم، وعاد إلى وطنه مُبجّلا، وهناك مَن انخرطوا في الرّذيلة بأنواعها المختلفة، فضاعوا وضاعت أعمارهم وأموالهم على أرصفتها وفي سجونها، ويستشعر القارئ في هذه الرّحلة مدى احترام الأجانب لأسلوب التّربية التي يتحلى بها أغلبيّة العرب، فالأخلاق تبقى تفرض هيبتها أمام الحضور. وقد كان لابن الجبل نصيب في نقل معاناة الشّعب الفلسطينيّ والمقدسيّ بشكل خاصّ، في محاضرة شرح خلالها حقائق الأمور الحاصلة على الأرض المُحتلّة من هدم وتشريد ومصادرة وتهويد. ويتساءل في داخله هل إستطاع أصحاب الفكر والمليارات والشّهادات من العرب التّأثير على الرّأي العام الأمريكي لصالح القضايا العربيّة؟ ولماذا لا يوجد لوبي عربي فاعل في أمريكا كالموجود لليهود مثلا، مع أنَّ العرب يفوقونهم بالعدد؟ ولا تستغرب إذا ما وجدتَ يوما على جدار منزلك عبارة إرحل من هنا يا خيّال الجَمَل!

     إنَّ هذا النّوع من الأدب وللأسف شهد تراجعا كبيرا على مستوى العالم، ويرجع ذلك بدرجة أساسيّة إلى أنَّ الرّحلات أصبحت جاهزة وكاملة وتامّة. فالسَفر مُتاح لجميع النّاس، وبدرجة كبيرة جدًا، ولا يوجد به أي ميّزة من ميّزات الابداع والفنون ، وبالتّالي هذا الأمر أضعف وبشكل كبير هذا النّوع من الأدب، عدا عن أنَّ ثقافة المسافرين ليست غنيّة، فهم يسافرون لتغيير الجوّ والتّسوّق.

وكتبت نزهة أبو غوش:

من خلال رحلاته المتكرّرة للولايات المتّحدة الأمريكيّة، رصد لنا الكاتب في هذا الكتاب بأسلوب مشوّق  وجذّاب عادات وتقاليد وأسلوب حياة بعض الشّعوب، الّتي تعيش في بعض الولايات والمدن والقرى الّتي زارها: نيويورك، شيكاغو،قرى الهنود الحمر الأصليّة، نيو مكسيكو، لوس أنجلوس...وغيرها.

عشنا مع الكتاب خيالا واسعا منفردا في المدن وأُسلوب حياة أهلها، وعادات تختلف عن عاداتنا، نحن العرب من  عدّة نواح مختلفة، منها الاجتماعيّة، والانسانيّة والاقتصاديّة ، والحضاريّة، والدّينيّة. حيث التّعامل مع الآخر، أدخلنا الكاتب في رحلته إِلى عالم جديد وغريب يلفت الأنظار ويثير التّفكير. أدخلنا الكاتب إِلى عالم ناسا الفضائي، حيث العلم والفضاء والمعرفة والعبقريّة العلميّة الّتي تتميّز بها هذه البلاد.

من خلال نصوص الكاتب السلحوت دخلنا إِلى عالم الموسيقى الرّاقية العذبة، إِلى المسارح الهادئة، وأُخرى صاخبة.  تعرّفنا على عادات غير مألوفة، وأطعمة وأذواق جديدة: طريقة ذبح  الأبقار والأغنام، طريقة  طهي اللحوم وجلودها، وووو الخ.

إِنّ لثقافة الطّعام  في البلاد المختلفة في الولايات المتّحدة عالم خاصّ بها. كما هي ثقافة الموسيقى ، واللباس، والتّعامل مع الحيوانات والرّفق  بها إِلى أبعد حدود، ثقافة المحافظة على الممتلكات العامة؛ حيث عقد الكاتب أحيانا مقارنة ما بين ثقافتنا كعرب في بلدنا، وبين هذه الشّعوب. ولم ينس الكاتب ثقافة القراءة، حيث لا مجال للمقارنة هنا ، كذلك الاهتمام بالزّراعة والزّينة، والنّظافة.

وضّح الكاتب عن أنواع المدارس الختلفة في الولايات، والّتي تستند على أساليب مختلفة، حسب مدارس مختلفة ينتمون إليها. والحديث يطول عن رحلة الكاتب، الّذي استغلّ فيها موهبته الكتابيّة ؛ ليعرّفنا على عالم جديد نصبو أن نحتذيه في مجالات مختلفة.

بصراحة وصدق عشنا أوقاتا ممتعة مع الكاتب  في نصوصه الّتي احترت  في تصنيفها.

ربّما تدخّل الكاتب في النصوص وإِضافة رأيه أحيانا على ما يدور، أو وصف انطباعاته الشّخصيّة ؛ هو الّذي سبّب لديّ  هذه الحيرة.  فاحترت بين أن يكون من أدب الرّحلات، أو أدب السّيرة الذّاتيّة، أو أدب  من علم الانتربولوجي الّذي  هو من النّوع الجديد في عالم الأدب عندنا؛ لذلك أودّ أن أُقدّم تعريفا لكلمة الانتربولوحي يمكّن القارئ الحكم على مدى التّقارب بين نصوص الكاتب، ومعنى المصطلح.

علم الإنسان أو الأنثروبولوجيا (بالإنجليزية: Anthropology) هي علمُ الإنسان.أي الدّراسة العلمية للإنسان، في الماضي والحاضر، الذي يُرسم ويُبنَى على المعرفة من العلوم الاجتماعية، وعلوم الحياة، والعلوم الإنسانية. وقد نُحتت الكلمة من كلمتين يونانيتين هما Anthropo ومعناها "الإنسان" و Logy" ومعناها "علم". وعليه فإن المعنى اللفظي لإصطلاح الأنثروبولوجيا (anthropology) هو علمُ الإنسان.

وتعُرّف الأنثروبولوجيا تعريفاتٍ عدة أشهرها:

•             علمُ الإنسان

•             علمُ الإنسان وأعماله وسلوكه.

•             علمُ الجماعات البشرية وسلوكها وإنتاجها.

•             علمُ الإنسان من حيث هو كائنٌ طبيعي واجتماعي وحضاري.

•             علمُ الحضارات والمجتمعات البشرية.

هذهِ التعريفات هي "للأنثروبولوجيا العامّة"، ويمكنُ من خلال التعريف الرابع أن نعرفَ " الأنثروبولوجيا الاجتماعية " على انها: علم الإنسان من حيث كونه انسان.

وكتبت وفاء بياري:

في هذا الكتاب تحدث الكاتب عن جزء من مشاهداته في الولايات المتّحدة الأمريكيّة، وعن أماكن جغرافية ومعلومات تاريخيّة واجتماعيّة وسياسيّة وغيرها وفق ما شاهدها وعاشها، من خلال سلسلة من رحلات تجوّل خلالها في العديد من الأقطار، وخصوصا الولايات المتّحدة الامريكيّة، وهو بذلك يكون قد أعاد لنا نبض ذلك النّوع من الأدب الذي غاب عنّا طويلا وهو ( أدب الرّحلات) الذي أبدع فيه كثيرون قديما من الرّحالة العرب والأجانب أمثال: ابن بطوطة، المقدسي وفاسكو دي جاما وغيرهم، وهذا التّغيب  لهذا النّوع من الأدب ربّما سببه التّطوّر السّريع في وسائل التّكنولوجيا، الأمر الذي أصبح فيه السّفر سهلا أمام الجميع، ممّا أدّى بدوره إلى التّراجع في الخوض في مجال أدب الرّحلات.

إلا أنّ الكاتب هنا كتب بأسلوب شيّق وممتع ومسلّ .. وغنيّ جدّا بالمعلومات التّاريخيّة والجغرافيّة والوصف المبدع وغيرها.

تحدّث الكاتب في كتابه هذا عن العديد من تجاربه كما شاهدها وعاشها متنقلا بين العديد من الولايات الأمريكيّة، فعلى سبيل المثال في ( مدينة شيكاغو-ولاية إلينوي) حيث يقطن فيها ابنه قيس، وزوجته ومولودتهما البكر ( لينا)، تحدّث عن مستشفيات الولادة فيها، مركّزا على عنصر النّظافة اللافتة والتّرتيب والنّظام، وشدّة الاهتمام بالأمّهات والمواليد.  ص٨

تحدّث أيضا عن ثقافة إهداء الكتب بين سكان الغرب حتّى للمواليد الجدد منذ يومهم الأوّل. وكذلك الاهتمام بالموسيقى وسماع الجنين لها وهو في رحم أمّه ص١٠، ومراسيم الاحتفال بالمواليد الجدد، مستذكرا بذلك تاريخ ميلاده الشّخصيّ في ٥/٦/١٩٤٩حيث لم يكن الاحتفال بذكرى الميلاد ثقافة معروفة عند الغالبيّة في بلادنا، خصوصا وأن ذكرى ميلاد الكاتب يصادف نفس اليوم والشّهر الذي شنّت فيه اسرائيل عدوانها المشؤوم على ما تبقى من أرض فلسطين عام ١٩٦٧، وخلال الاحتفال بميلاد حفيدته لينا قارن الكاتب من خلال قصص واقعيّة مدى اهتمام الغرب بالعلم بالرّغم من تقدّم العمر، مقارنة بما هو موجود بشكل عام في بلادنا  قائلا" حزنت على متقاعدينا الذين غالبيّتهم لا يعملون شيئا سوى انتظار حتفهم "...ص١٧

أمّا عن ولاية انديانا المجاورة لولاية إلينوي فقد ذكر فيها ( المسلخ الاسلاميّ ) مقارنا فيه طريقة ذبح الأبقار بينها وبين بعض الدّول العربيّة .. الأولى سهلة ولا يوجد فيها إيذاء جسدي للحيوان، أمّا الثانية فينهال فيها الجزّارون على رؤوس الأبقار بالضّرب بالمواسير الحديديّة حتى تنهار وتسقط فيذبحونها.

كما تحدّث لنا عن الرّقية من الحسد للذّكور دون الإناث، إيمانا بأنّ أحدا لا يحسد الإناث ص٨ وعن الشّعوذة والهبل والاستهبال، وكأنّه موجود عند كلّ شعوب الأرض ص22.

أبدع الكاتب في وصفه للعديد من الولايات الأمريكيّة التي زارها وتجول فيها .. حيث العمران والشّوارع العريضة والأرصفة المرتّبة وأنظمة السّير .. والحدائق الغنّاء والبرك والنّوافير الجميلة، والبط والسّناجب والأرانب البرّيّة التي تتجوّل بحرّيّة، وأشجار الفاكهة المخصّصة للزّينة وللطّيور، وأخري للبشر خصوصا في ( انديانا) وغيرها، وجمال الأحياء الرّاقية والنّظافة العامّة. ووصفه الجميل لشلالات نياجرا السّاحرة في جنوب ولاية نيويورك ص ٨٩-92.

أمّا عن تجواله في هيوستن في ولاية ( تكساس) فقد تحدّث عن أكبر مركز طبّيّ فيها في العالم وعن وكالة ناسا أكبر مركز للعلماء، وكان يتحدّث لنا بانبهار شديد عن ذلك التّقدّم العلميّ الهائل، مقارنا ذلك بأسى وحزن بحال أمّتنا العربيّة، التي تفوّقت للأسف على العالم بعدد هزائمها والاقتتال الدّاخليّ الذي يحدث على أرضها .. بعد أن كانت السّبّاقة في الحضارة والعلم والاكتشافات .. إلخ  ص32.

لم يغب عن بال الكاتب التّحدّث عن فلسطين التّاريخيّة تحت نير الاحتلال .. حيث قام بذلك في قاعة إحدى مطاعم هيوستن، مركزا على ملف القدس ومعاناتها من التّهويد والتّدمير والمصادرة اليوميّة من قبل المحتلين.

في هيوستن وصف الكاتب بإبداع المركز الطبّيّ العالميّ الذي توفّي في أحد غرفه أديبنا الكبير محمود درويش، ووصف متحفا للأطفال وجامعة هيوستن، وتحدّث عن العواصف الماطرة الغزيرة الفجائيّة المدمّرة هناك، كما أعطى وصفا دقيقا لمركز الجالية العربيّة في هيوستن وصالاتها وقاعاتها الواسعة، والتي تحمل إحداها اسم رجل الأعمال الفلسطينيّ الملياردير فاروق الشامي ... وفي هذا المجال ذكر الكاتب أنّ الكثير من العلماء العرب والمفكّرين المهاجرين الى أمريكا للأسف لم يتمكّنوا من التّأثير على هذه الجاليات العربيّة. ولم يتمكّنوا من التأثير على الرأي العامّ الأمريكيّ لصالح القضايا العربيّة وغيرها .. ومن هؤلاء المفكّر الكبير ادوارد سعيد، المفكّر هشام شرابي، . د. فاروق الباز وغيرهم.. وحتى رجال الأعمال العرب الأثرياء للأسف لم يستثمروا ثرواتهم في بلادنا .. مقارنة مع الجاليات اليهوديّة في الولايات الأمريكيّة.

تحدّث الكاتب بشكل عام عن الولايات المتّحدة الأمريكيّة وقوّتها وتقدّمها في كافة المجالات وسيطرتها على اقتصاديّات العالم، ذاكرا في نفس الوقت أنّها سبب تعاستنا وشقائنا كفلسطينيين وعرب .. فهي تدعم اسرائيل من جهة وتسيطر على منابع بترول العرب من جهة أخرى، وقد دمّرت العراق واحتلته عام ٢٠٠٣ وهي تقوم بتسليح وتمويل وتدريب جماعات الاٍرهاب المتأسلمة في سوريا والعراق وليبيا وغيرها .. لتطبيق مشروعها ( الشّرق الأوسط الجديد)لإعادة تقسيم المنطقة إلى دويلات طائفية متناحرة.

كما تحدّث أيضا في كتابه عن العرب في أمريكا، فمنهم من عمل وجدّ واجتهد وحقق طموحاته. ومنهم من ضاع وأضاع كلّ ما يملك على موائد القمار والمخدّرات.

أجرى الكاتب مقارنة بين ثقافة التّعدّدية في الولايات الأمريكيّة على كافّة أشكالها، إلا أنّ شعبها بالرّغم من هذا التّنوع والاختلاف الكبير يحترم بعضه ويحترم الآخر، على خلاف بلادنا العربيّة التي لا تزال لا تعرف كيف تحترم الآخر المختلف، ولا تزال لا تعرف أنّ الدّين لله والوطن للجميع .. الأمر الذي أدى بِنَا الى الاقتتال الدّاخلي، وتدمير الأوطان والخيرات على عكس أمريكا التي عرفت كيف تبني دولة القانون وتحافظ عليها.

عرض الكاتب العديد من المعلومات التّاريخيّة القيّمة، على سبيل المثال : حديثه عن تاريخ نشوء الولايات المتحدة ص٧١واكتشاف القارّة الأمريكية عام ١٤٩٢من قبل الرّحالة الإسباني كريستوفر كولومبوس.

 كما تحدّث عن حريق شيكاغو ١٨٧١وعن مطار أوهيرو وميد واي المقام فيها، والذي انطلقت منه الطائرة التي حملت القنبلتين النوويّتين اللتين ألقيتا على هيروشيما ونكازاكي اليابانيّة.

ولم يفت الكاتب الحديث عن المدارس وأصنافها في أمريكا، وطرق التّعليم التي تعتمد على الاقناع، وليس على التلقين.

تحدّث عن التّمييز العنصري بين السّود والبيض خصوصا في جنوب شيكاغو ص١٢٥/١٢٦

حديثه أيضا عن حادثة تفجير أيلول٢٠٠١ الذي حدث في برجي التّجارة العالميّة في نيويورك ص139.

حديثه عن الفلاسفة العرب أمثال الفارابي وعالم الكيمياء جابر بن حيّان وغيرهم،  مبيّنا اهتمام الغرب بالعلماء العرب، أكثر من اهتمام العرب أنفسهم بحضارتهم وتاريخ أمجادهم ص١٤٠/١٤١.

 الكتاب بشكل عام فيه عرض مشوّق لكثير من المعلومات التّاريخيّة والجغرافيّة والاجتماعيّة القيّمة ... وفيه العديد من المقارنات القيّمة بين الغرب وبلداننا العربيّة، والتي تحدث غصّة في الصّدر لدى القارئ العربيّ.

 يبقى أن نقول أنّ عنصر التّشويق يطغى على أسلوب السّرد الانسيابيّ، الذي روى فيه الكاتب مشاهداته في هذا الكتاب، الذي يشكل إضافة نوعيّة للمكتبة العربيّة.

وسوم: العدد 681