قراءة نقدية في رواية " الأرملة السوداء" للكاتب صبحي الفحماوي

د. حسن طاهر أبو الرب

رواية "الأرملة السوداء" هي للكاتب الأردنيّ صبحي فحماوي، وتتألف من مائتين وثمانٍ وخمسين صفحة، صفحتان منها خُصصتا للإهداء، وأقوال مشهورة، وخمس صفحات جاءت في آخر الرواية تحت عنوان توضيحات ومراجع. والرواية صادرة عن وزارة الثقافة الأردنية، في عمان عام 2015م.

جعل المؤلف الرواية في سبع وعشرين لوحة، كلّ لوحة انفردت بعنوان يخصهّا، والناظر المتأمل يجدُ أن عنوان الرواية يختفي إلاّ من اللوحة الأولى، ويتقاطع في المضمون مع بعض اللوحات الأخرى. في اللوحة الأولى التي بعنوان "هي" يتحدث الكاتب عن المرأة التي تبحث عن الرجل، فتتزين له، وتهتم بمظهرها الخارجي، حتى إذا وقعت على صيد من الرجال وقعت معه في الخطيئة، ويختم الكاتب هذه اللوحة بقوله:" كان هذا هو أحد الأفلام الوثائقية التي شاهدها المدّعي العام شهريار في مركز البحث الجنائي...وذلك في مجال بحثه لتقديم رسالة دكتوراه حول الجريمة النسوية بعنوان "الأرملة السوداء" فخرج هناك مبهوراً بتصرفات العناكب" ص13.

   لا شك أنّ الكاتب قد بذل جهداً كبيراً في العنوان، أكثر من المضمون؛ فالعنوان ملفت للنظر، يستفزّ الناظر بالقراءة، والقارئ بالمتابعة، حتى إذا غاص لم يعثر على شيء من هذا العنوان، إلاّ بضع أحداث عن نساء قمن بالغواية، وسقطن بالرذيلة، ولن يخطر ببال القارئ أن عنوان" الأرملة السوداء" عائدٌ في أصله إلى نوع من العناكب السامة للغاية وتتميز إناثها بأن لها لوناً مميزاً من الأسود والأحمر، وتأكل أحيانا شريكها بعد الإنجاب. وتستوطن هذه الأنواع في أمريكا الشمالية. لذا نجده في(ص143) يقول على لسان شهريار وهو يرد على سؤال الطبيب النفسي:" سواء كان إنساناً أو حيواناً، فعلاقة الأنثى بالذكر لا تختلف عن علاقة الأرملة السوداء بذكر العنكبوت". وقد اشتملت صفحة الغلاف على رسمٍ لرأسين باللونين الأحمر والأسود دلالة على العنوان أو هذا اللون من العناكب البشرية النسائية. ولا شك أن الكاتب أفاد من قصة ألف ليلة وليلة التراثية، ومن مصادر قديمة وحديثة، تدلّ على سعة ثقافته.

    لكنّ قراءة المتعة شيء، والقراءة الناقدة شيء آخر، فالمؤلف بعد أن ينهي عمله الأدبي فهو يتخلى تلقائياً عن سلطته على النصّ كما يرى البنيويون، إذ تنتقل سلطة الأدب من (الكاتب) و(النص) إلى (القارئ) بوصفه الرأس الثالث للمثلث الذهبي الأدبي. بعد أن أُعلن عن "موت الكاتب كما يرى الناقد الفرنسي رولان بارت. لذا تتحول القراءة من عملية ذهنية بقصد التسلية إلى عملية إبداعية جديدة يحسب المؤلف حسابها، لذا مع تعدد القراءات يصبح النص ثرّياً، وقابلاً للعيش في كلّ زمان ومكان، لأنه يتخلص من أسطورة المعنى الواحد الذي يفهمه المؤلف إلى رؤى ودلالات جديدة يُجليها القرّاء في نقداتهم.

  وبما أنّ أي نصّ إبداعي هو رسالة من المبدع إلى المتلقي، فلا بدّ أن تكون هذه الرسالة واضحة جليّة وملتزمة بأصول الفن الذي كُتِبتْ فيه. ولا ريب أن الرسالة التي اشتملت عليها هذه الرواية تنبثق من الواقع العربي وتخرج منه وتعود إليه لتوجهه! فهي تضع أصابعها فوق جرح عميق، وتُلحّ في علاجه بجرأة، وهو الفساد الاجتماعي الموجود في بلاد العرب، وصراع المرأة والرجل، وشعور أن كليهما مظلوم في المجتمع، فيُنْظَرُ إليها أنها رمز الفتنة والغواية نتيجة للجوئها إلى أنوثتها سلاحاً للحصول على الوظيفة والمال والجاه؛ فتتزين وتتجمل وتمارس الإغواء أحياناً، حتى إذا تزوجتْ أُثْقِل كاهلها بالمسؤوليات الجسام من رعاية البيت والأطفال، وتلبية حاجات زوجها، بينما يرى الرجل أنه المظلوم في كلّ شيء؛ فهو الذي يعمل ليل نهار ويتحمل أعباء البيت ومتطلبات الأولاد والمعيشة، وعليه أن يخطط للحاضر والمستقبل، حتى لو ركب حافلة مليئة بالركاب بقي واقفاً، بينما لو ركبت امرأة الحافلة نفسها لتطوع كثير من الركاب بالقيام ودعوتها للجلوس مكانهم.

 موضوع الرواية إذاً واقعي نسَجَهُ المؤلف من معايشته الخاصة وتجاربه المتعددة، ونجح في خاتمة الرواية أن يشير إلى أن علاج الصراع لا يتأتى بإقصاء الرجل أو الأنثى بل بالشراكة بينهما، وببناء الثقة وتوزيع المسؤوليات، كما نجد في علاقة شهريار وشهرزاد التي قامت على الاحترام المتبادل طوال أربع عشرة لوحة.

ونجد الكاتب يمارس دور المؤرخ للعاصمة الأردنية (عمّان) حين يتحدث عن أحيائها القديمة، وما طرأ عليها من تطور وازدهار، كإشارته عن مركز الحسين الثقافي الذي شُيّدَ حديثاً مكان نبع رأس العين التاريخي، وإشارته عن محكمة الجنايات الكبرى في وسط البلد بعمان التي كانت قصر العدل القديم، وغير ذلك من إشارات. ونجده يتحدث عن مشاكل هذه المدينة العامرة كزحام السير، وتكدّس المركبات أمام الشارات الضوئية، وضرورة البحث عن حلّ لذلك كتسيير خط قطار تحت الأرض من غرب العاصمة إلى شرقها.

ويلحظ القارئ وجود شخصيتين رئيسيتين هما شهريار وشهرزاد، وعدداً من الشخصيات الثانوية رغم تعدد اللوحات، فشهريار هو ابن لسراج البدر" المسكون بتقمص الأرواح التي تغير عليه كلّ ليلة "، وقد درس في مدرسة الإشرافية التابعة لوكالة الغوث في جبل النظيف. ثم التحق بالجامعة الأردنية ليدرس القانون، ليُعيّن بعدها في محكمة الجنايات، ليشاهد فيها شكايات متعددة عن ظلم النساء وظلم الرجال. ولشهريار هذا أخ اسمه " شهزمان" يعمل في بيع واستيراد قطع السيارات، ونتيجة لكثرة ما يرى ويسمع، يتفق ومجموعة أصحاب أن يؤسسوا لجمعية حماية الرجل. أما شهرزاد فهي طالبة جامعية في مرحلة الدكتوراه، تكتب بحثاً عن الاكتئاب الذي تعاني من النساء نتيجة لسلطة الرجال. ويتعرف شهريار هذه الفتاة في عيادة الطبيب النفسي " بديع الطاهر"، وينتج عن هذه المعرفة علاقة فكرية قوية، تعمل على أثرها شهرزاد في الجمعية التي ينشئها شهريار وأصدقاؤه، ونجد أنهما على اختلافهما في قضية من المظلوم: المرأة أم الرجل؟ غير أنهما يتفقان في نهاية الأمر، لذا يقوم شهريار بتغيير اسم الجمعية إلى جمعية حماية الإنسان.

   إنّ فصل أحداث الرواية عن بعضها من خلال نظام اللوحات المتفاوتة الطول، أوْقَع الكاتب في تفكك المضمون، حتى أنّ القارئ يستطيع أن يسقط بعض اللوحات أو جزء كبير منها، دون أن يختلّ بناء الرواية، كما هو الحال في اللوحة الأولى، والثالثة والرابعة والخامسة والسابعة والثامنة والعاشرة، والثالثة عشرة والخامسة عشرة. كان بوسع الكاتب أن يؤسس لعلاقة شهريار بشهرزاد منذ اللوحة الثانية، ثم يعرض قصص المرأة وتظلماتها أو حاجتها للرجل وحاجة الرجل إليها، وما تستعمله من وسائل في كل لوحة، مكان هذا التشتت الذي تتصف به كثير من اللوحات. كما نشاهد في اللوحة الثانية، واللوحتين السابعة والثامنة، والخامسة عشرة. ومن الأمور التي وقع بها الكاتب ولم يوفق بها هو سيطرته المطلقة على الأحداث والشخصيات سيطرة مكشوفة، بوساطة أسلوب السرد الذي جاء-على الأغلب- بضمير الغائب من أول الرواية إلى منتهاها، ولم يؤخذ أسلوب الحوار إلى مواضع معدودة ومحدودة، حتى حين نعثر عليه نجده جاء بالتصوير لا بالعفوية، ولعل هذا من أهمّ الأمور التي أرهقت الكاتب، وجعلته يعرض –في الغالب- لوحات مفككة، وكأنه كتبها في مراحل زمنية مختلفة جداً. ومن الأمثلة على ذلك قوله عن شهريار:" لا يعرف شهريار كيف تستطيع السيارات تسلق هذا الشارع" (ص15) و " ها هو الخريج الجامعي يدخل الحمام بقامته الطويلة " (ص17) و " يسأل شهريار نفسه وهو يستحم " (ص20)، و" كان وهو يدخل بيت صديقه ربحي البُرُم القريب من مقبرة عيشة.." (ص30)و " يراقب شهريار جسدها من فوق.." (ص50)و " ينتهي شهريار من تناول الطعام، فيمسح فمه.."(ص101)...الخ. فأنت تلحظ أنّ الكاتب قيّد حركة الشخوص، فلم نرها تتحرك حركة تلقائية عفوية محررة، تختفي بها شخصية المؤلف بعيداً، وتظهر سيطرة المؤلف في كثير من المواضع بشكل سافر وغير مبرر كما نجد في (ص43) في اللوحة الخامسة حين يتحدث عن شعور شهريار بالجوع يقول الكاتب:" قبل الساعة الثامنة يشعر بالجوع، يتربع داخل معدته ويتمطى داخل أمعائه، وقد وصل إلى مطعم الفوال شحيط، المكتظ بالرواد في قاع عمارة مقابلة للمحكمة...حيث يلتقي هناك كل صباح بعض موظفي المحكمة وزملاء المهنة، فيتحلقون حول إحدى الطاولات، ويأخذون بالمزاح وسرد حكايات طريفة ولو أن معظمها سخيف وغير طريف".  فانظر إلى ضمير الغائب كيف يسبق حركة الشخصية، قبل أن تشعر بالجوع، وكيف أن الجوع أصبح شيئاً يتربع في المعدة؟؟ وانظر إلى ذاكرة الكاتب التي تعرف أنّ هذا المكان يلتقي فيه موظفو المحكمة! وأن حديثهم سخيف ليس طريفاً! إنّ على الكاتب أن يبذل طاقته في جعل أحداث الرواية -كما يقول جاك بريفير -  تنمو كالعشبة البرّيّة، ولا يُقصَد بذلك  النموّ العشوائيّ، بل بمراقبة الكاتب وملائمته الحدث مع السياق ليبدو أكثر قبولا وإقناعاً.

لقد أبدع كثير من الروائيّين في التخفي الروائيّ، من دون أن يلغوا أنفسهم أو غيرهم، أو أن يستبدّوا برأيهم. فقد تمكّن نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس ويوسف السباعي وغيرهم من تقديم إنجازات رائعة ومهمّة؛ إذ إنّ الشخصيّة في كثير من أعمالهم، تتكلّم وفق ثقافتها، حتّى لَيظن القارئ أنّ الكاتب لا دخل له فيما يحصل، لأنّ ذلك كان وفق استراتيجيّة مدروسة، وتخطيط واعٍ. ومن الأمور التي لم يوفق بها الكاتب استعانته ببيان النسب الإحصائية التي تخصّ المرأة والرجل بشكل متكرر في بعض اللوحات الأمر الذي جعل تقنية السرد هذه تقلب اللوحات في أكثرها إلى تقارير صحفية بعيدة كلّ البعد عن سمات الرواية.

وإذا ما نظرنا إلى لغة الرواية، فإننا نجدها- على الأغلب- فصيحة قوية عميقة، وهو المستوى العام الذي يسير فيه السرد، غير أنّ هناك مواضع ظهرت اللغة فيها ركيكة وخاطئة، كقوله في (27) :" اتجه يبحلق هنا ويحدق هنا" ولسنا ندري ما الدلالة التي أرادها الكاتب من استعماله (يبحلق)العامية، ولا تشتمل عليها (يُحدّق) الفصيحة ؟ وقوله (ص27) :" فسأل نفسه بنزق: ولكن كيف تتصرف روح شهريار القادمة من بطن التاريخ..."، فالنزق هو الخفّةُ والطيش، فكيف يسأل إنسانٌ نفسه وهو يشعر أن سؤاله يدلّ على تلك صفة سلبية فيه؟ وقوله (ص29) في وصف أمّ شهريار وهي تعدّ الطعام:".. ثم تُشمّرُ عن ساعديها، لتعمل عليه طبيخ مغربية.." والصواب طعاماً مغربيّاً، وقوله (ص93) :" وهل الرجل مُستضعف أمام أحابيل المرأة.."، ولست أدري ما الذي جعل الكاتب ينصرف عن الجموع الموضوعة في المعاجم، ليأتي بجمع غريب خاطئ ويسنده إلى مفرد؟ فالحبلُ هو الرباط ويجمع على  أحْبُل وأحبال وحِبال، وحُبول، ولم يرد الجمع (أحابيل) وأظنه جمع الجمع من أحْبُل، وهذا لا يستقيم والدلالة التي أرادها الكاتب في السياق السابق. وقوله (ص103) :" يضحك شهريار على هذا التعبير متعاطفاً معه أبيه"، والصواب: مُتعاطفاً مع أبيه. وقوله (ص114):" واكتظّت القاعة بالبحارة الرماثنة " الزعبية والفلاحين"، والصواب بالبحارة الرمثاوية أو الرمّثية، أو الرمثوية، وذلك عند النسب إلى الرمّثا . وقوله (ص170) :" ضغوطات تكاليف الحياة"، ولم يرد للفعل (ضَغَطَ) جمعاً لا في المعاجم القديمة أو في المعجم الوسيط الحديث، ولو استعمل الكاتب المصدر لكان أفضل " ضغط تكاليف الحياة، أو ضغط الحياة وتكاليفها "، ومن الأخطاء اللغوية أيضاً أنه يأتي بالمبتدأ ويفصله عن خبره ما يزيد عن تسعة أسطر دون وضوح، كقوله(ص171) حين تحدث عن أعضاء الجمعية بقوله:" وأما شبيبُ الساحر....... وتبرع لها بستة كمبيوترات حديثة.."، وقوله (ص188) :" إذ تتحول إلى عبدة خادمة مذلولة خانعة.."، والصواب ذليلة، إذ لم ترد صيغة مذلولة من الفعل ذلّ. إلى غير ذلك من الأخطاء التي كان الكاتب يستطيع تجنبها بالمراجعة والتدقيق.

 ومن الأمور التي تلفتُ القارئ، كثرة الاقتباسات من الشعر والأغاني والروايات، في أثناء السرد، والحوار، وبعضها جاء محشوّاً بالإكراه من غير داعٍ، كقوله(ص11):" وبعد ذلك تقع عليه، ويقع عليها...لا انفصام للعروة الوثقى"، وكقوله(ص29) :" يشعر وكأنّ أمه تنتقم من أبيه بالانقضاض على الديك..في مشه مرعب شبيه، كان الشاعر إبراهيم طوقان قد صوّره في قصيدته (الحبشي الذبيح). وقوله(ص34):" معنى ذلك أنّ الجميلات النائمات ما يزلن في خدورهن في هذا الوقت وما يزال امرؤ القيس يعيش معنا في هذه الساحات إذ يقول:

             وتضحي فتيت المسك فوق فراشها    نؤوم الضحى لم تنتطق عن تفضل

وبيت امرئ القيس سياقه في النساء المُنعّمات اللواتي ينمن حتى طلوع الشمس ويستيقظن، ويتركن رائحة المسك في فراشهنّ، وليس فيمن ما يزلن نائمات كما وصف الكاتب. ومن العجيب أن نجد الكاتب في أثناء استحضاره التاريخ يفوته أنّ حرب البسوس وقعت بين قبيلتي بكر التي من جساس وتغلب التي منها كليب وأخوه الفارس الزير سالم وليس كما ورد في قوله (ص203) :" كلنا يعرف أنّ المرأة صاحبة الناقة البسوس التي منعها الملك كليب من الرعي بين إبله هي سبب إشعال نار الحروب المتلاحقة بين بني ربيعة وبني كليب.."، فأيّ حروب متلاحقة حدثت بين بني ربيعة وبني كليب ؟؟ فكُليبٌ كما ورد في كتب الأنساب هو وائل بن ربيعة بن زهير بن جُشَم بن بكر بن حُبّيْب بن عمرو بن غَنْم بن تغلب بن وائل، ولقبه كُليب. لذا كان الصواب أن يقول الكاتب: بين أبناء العمومة بكرٍ وتغلب. ومن الإنصاف أن نقول، إنّ لغة الرواية بعامة قوية ومتينة، ومُشوّقة، وتشتمل على جُملٍ وتراكيب بلاغية في غاية العمق وجمال التصوير، ومن ذلك قوله شاكياً على لسان والد شهريار الذي كان يعمل سائق أجرة (ص104):" الشغلُ المُهلكُ هذا يا بني يجعل أعصابي طوال النهار مجرورة على الشارع..." وهي صورة جميلة تصف بصدق ما يتعرض له السائق من ضغط نفسي طوال اليوم جرّاء تعامله مع شرائح بشرية متعددة، وانظر معي إلى صورة أخرى يصف بها الكاتب الأب وهو يعود منهكاً من تعبه ليجد طلبات الأولاد والزوجة في انتظاره، يقول الكاتب(ص65):" وكما كانت الحياة خارج المنزل قاسية عليه، كان يعود إلى البيت، فيكون قاسياً على زوجته! كان مثل طنجرة الضغط التي تصّفر وتُتفتفُ لاعنة شدة النار التي تشتعل تحتها"، وهذا تشبيه لا يخلو من طرافة، وروعة، إلى غير من الجمل الرائعة التي تتناثر في أرجاء الرواية.

وخلاصة القول، إنّ الرواية تحمل قيمة فنية جيدة، بما تطرحه من قضايا اجتماعية تهمّ الرجل والمرأة معاً، وبما تسجله في ثناياها من تغير وتطور على عدة مستويات، شهدته العاصمة عمّان من فترة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، وحتى عام 2015م، ولو أمعن الكاتب النظر في لوحات الرواية، وأعاد صياغتها، وألحقَ بعضها بما يناسبه من لوحات أخرى، واستغنى عن التكرار والحشو والاقتباسات والإلحاح على غواية المرأة، وسار في خط زماني واحد، لجاءت روايته موفقة أيّ توفيق، وستكون إضافة فنية مميزة، مع تمنياتي أن يفيد من قراءتي النقدية هذه، في أعماله القادمة، وهو قادر على ذلك، بما يمتلكه من ثقافة واسعة، وحسّ مرهف، وخيال خصب، وتجربة غنية، تبرقُ في ثنايا إبداعاته المتعددة..!!  

وسوم: العدد 689