ديوان "اصعد إلى عليائك" في اليوم السابع

clip_image002_2ae48.jpg

clip_image004_04a6b.jpg

القدس: 21-12-2017 ناقشت ندوة اليوم السابع في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس ديوان"اصعد إلى عليائك فيّ" للشاعرة الفلسطينية فاطمة نزال. ويقع الدّيوان الصادر عام 2017 عن مكتبة كلّ شيء الحيفاويّة، وقدّم له الحبيب بالحاج سالم من تونس في 120 صفحة من الحجم المتوسط، ويحمل غلافه الأول لوحة للأديب الفنّان محمود شاهين.

بدأ النقاش جميل السلحوت:

أعترف أنّني لم أقرأ شيئا للشّاعرة الفلسطينيّة فاطمة نزّال من قبل، فأنا أتهيّب أو أحاذر من قراءة الدّواوين الشّعريّة التي تصدر لشواعر وشعراء شباب لكثرة الغثّ منها، خصوصا وأنّ هناك عشرات الكتب صدرت وعلى غلافها "ديوان شعر"، مع أنّ ما جاء فيها ليس شعرا ولا خاطرة ولا أقصوصة، بل لا علاقة له بالابداع، هذا مع التّأكيد أنّني أفرح فرحا طفوليّا كلّما مرّ بي كاتب أو شاعر شابّ مجيد.

وفاطمة نزّال شاعرة شابّة وأعتقد أنّ هذا الدّيوان هو اصدارها الأوّل، لذا فإنّني وضعت ديوانها "اصعد إلى عليائكّ فيّ" على رفّ المكتبة لأقرأه في وقت الفراغ الزّائد عندي. وها أنا أقرأه من باب الالتزام ببرنامج ندوة اليوم السّابع الثّقافيّة، والتي نعطي فيها الأولويّة لنقاش اصدارات محلّيّة للتّعريف بأدبنا وأدبائنا المحلّيّين، وذلك بسبب الحصار الثّقافيّ الجائر الذي فرضه المحتلون علينا قبل ظهور "الانترنت" في تسعينات القرن الماضي.

وما أن شرعت بقراءة ديوان فاطمة نزّال قافزا عن تقديم الكتاب، لأنّ غالبيّة من يقدّمون لكتاب يهيلون عليه وعلى كاتبه أطنانا من المدائح التي لم تحظ بها معلّقات الشّعر العربيّ، حتّى وجدت نفسي أمام شاعرة متميّزة قد تقلب ما اعتدت عليه في نظرتي للاصدارات الشّابّة. فقد وجدت نفسي أمام شاعرة حقيقيّة، تملك ناصية الكلمة، أدهشتني بجمال صورها الشّعريّة، وبجرأتها في قول ما تريد من خلال لغة انسيابيّة كأنّها تعزف سمفونيّة الحياة، يأخذ إيقاعها وموسيقاها لبّ قارئها والمستمع إليها. وهذه الجماليّات اللغويّة تأتي عفويّة لا تصنّع فيها، مّما يشي أنّنا أمام شاعرة موهوبة تبوح بما في دواخلها؛ لتقدّم لنا شعرا جميلا يعزف ألحان المشاعر الحقيقيّة للانسان. وهذه المشاعر الجيّاشة الصّادقة وجماليّة اللغة، في الدّيوان ليست حكرا على قصيدة واحدة في الدّيوان، بل هي دفق شعريّ يشي بتميّز واضح" وهذا يدفعني إلى مخاطبة صاحبة الدّيوان :"فاطمة نزّال : أنت شاعرة، وهذا يكفيك."

وكتب ابراهيم جوهر:

دعوة للصعود الإنساني الرّاقي على سلّم الكلمات والصور والإيحاءات الإنسانية المحمّلة بالتّوق لغد أفضل، يحمل بساتين للأطفال وخبزا للجوعى وانسجاما لإنسان يعاني من اغتراب الواقع وغربة الرّوح.

بثقة وموسيقى تحاور الشّاعرة آخرها الكامن فيها تارة، وذاك الموازي لها في تردّده تدعوه للصّعود، ولا صعود بغير إرادة وتوق للتّغيير.

توظّف الشّاعرة "فاطمة نزال" مفرداتها البسيطة لتنسج ثوبا للفرح والحياة موشّى بربيع لوحاته زهور القلوب وبلسم الفؤاد بما تحفل به نداءات طفلة بريئة، تعزف لحنا إنسانيا، يعلي من نشوة الرّوح التي اعتراها صدأ الجهل والضياع في براري البحث عن درب للخلاص.

بهذا الصّعود الذي ترسمه الشّاعرة في ديوانها الأول يعود للشّعر وقعه ولغته الأليفة غير المغرقة برموز متنافرة. إنها ببساطة تقول:

هذه الحياة أكثر بساطة مما نظن، فهيّا بنا نصعد إلى عليائها ولنغادر قاعها الملوّث ولنتسلّح بالحب والفرح والانسجام.

وكتب عبدالله دعيس:

كانت الشّاعرة فاطمة نزّال موفّقة باختيار عنوان ديوانها (اصعد إلى عليائك فيّ) والذي هو شطر من قصيدة بعنوان مدارج. هذا النّص الذي يخاطب المتلقّي بلغة إنثويّة صريحة، يشي بما ستفصح عنه القصائد، بلسان امرأة واضحة في مشاعرها حدّ البوح، وبصور شعريّة جميلة تستقيها من الطبيعة، فتكون الطبيعة مرآة تعكس دواخل نفسها ومكنونات عشقها، تخاطب بها الآخر عما يدور في نفسها دون مواربة. امرأة بامتياز، مشاعرها مميّزة وعواطفها جيّاشة، تعتزّ بالأنثى داخلها، ولا تخجل مما يجيش في خاطرها، تتعالى بكونها أنثى، لكنّها لا تترفّع عن الرجل ولا تنأى بنفسها بعيدا عنه، فهو محور عشقها وغاية مشاعرها، فهذا البوح الأنثويّ يتغنّى بسمفونيّة عشق بمشاعر جيّاشة واضحة لا تُخفي من خباياها شيئا.

اصعد إلى عليائك فيّ

فقد نذرت لك ما تكاثف في مزن الرّوح

وما يساقط من رطب

ما أنضجه قيظ الشوق

وما تخمّر من عنب

نهجت الشاعرة في ديوانها منهجين أعطياه التّميز والجمال: رسم صور حيّة من جمال الطبيعة بحركاتها وسكناتها، والتّناص مع القرآن الكريم بشكل واضح ومنهج قويم من أولى قصائدها إلى نهاياتها.

تأمل قولها:

ظِلي دثار الليل لجبين الشمس

ظِلي يعانق نور الله

حين يشقّ صدر العتمة بعسعسة ناعمة

يتنفّس انبلاج الصّبح من روحي

وأفيض على الكون.

يتساءل القارئ لقصائد الديوان عمّا تبحث عنه الشاعرة وعن أيّ عشق ترجو، فيجد الإجابة بوضوح لا يقبل التأويل في كلّ سطر من أسطر قصائدها، حيث ترسم طريق العشق بأشواكه ومخاطره وجماله ومتعته، وتراه في كلّ ما يحيط بها من مظاهر الطبيعة التي تستعيرها لترسم بها لوحات فنّية تعبّر عن حقيقة مشاعر المرأة، وعن نقائها الفطريّ الذي لا تلوّثه أدران الخطيئة.

فدرب المريد شائكة

غابة عذراء لم تمسسها سوى قبل الندى

وظل السحاب

وتبدو الشاعرة أحيانا حائرة في تصاريف الدهر ومرور جيل في إثر جيل، يحيا الإنسان حاملا الأمل والألم في ثناياه، ليندثر ويمهّد الطريق لغيره ليحيا. فسنابل نيسان الخضراء تجف لتصبح قمحا وتُطحن لتصبح خبزا. لكنها ترى الموت طريقا لحياة جديدة ولحاضر ينهض على رفات الماضي.

أيها الموت أسرع بخطاك

واحصد ما استطعت من أرواحنا

فالبيادر غلال من أجسادنا

الدماء جداول

والأرض باقية باقية

أمّا كلماتها فتخرج عفوية جميلة مفاجأة، فهي كالنرجس الذي ينبثق من أرض مقفرة مع أول أمطار كانون، والكمأة التي تبعثها شدّة الرعد.

كلماتي

ثورة النرجس في تقلبات كانون الأول

انبثاق الكمأة

في هزيم الرّعد...

وهي الطلع الذي يحمل

لقاح الفكرة المجنونة

لتختمر في اللاوعي

قصيدة وتراتيل...

وتصور الشاعرة شوق الأنثى ووصالها وحبها وإخلاصها، ثم التردّد الذي يعتريها عندما تريد أن تتصل بحبيبها، ثم استيائها من صمت الرجل وعدم الإفصاح عن حبه لها، وتُبرز قلق الأنثى من انقضاء زهرة شبابها، ولكنها تعود لتدرك أن الحب يعيش في الأنثى مهما تقدمت بها االأيام. أما الشك فيستحيل غولا ينغّص على المرأة حياتها، فتكون فريسة حمقاء له.

تعتريني رعشة ذكرى

كلما مرّت

كأنها الدهشة الأولى...

فأبتسم وعيني ترى المشهد

ما زلت على قيد الحبّ وما زال قلبي منتشيا

بخمرته....

وديدن الشاعرة الصراحة التامة، والبعد عن المغمغة في وصف توق الأنثى للرجل والرجل للمرأة، وتعتبر من يترفع عن هذه العلاقة كاذبا يتوارى خلف خداعه.

لا اعتراف أدلي به أيها الراهب

اخلع عنك هذا الثوب

وجهك عارٍ كما الحقيقة وإن توارى

خلف جدار

وتحاول أن تنفي عن المرأة ما يلحق بها من عار، وتدعوها إلى الجرأة في ملاحقة حبها كالفراشة التي تحوم حول النار، وأن تتعلم قول لا. وقد تصبح الأنثى شرسة، ولكن لا بد من يد الرجل لتنتشلها.

فراشة تركل طرف الضوء

تغازله وتمضي برقصتها

غير عابئة بالاحتراق...

بعض الموت حياة

إن كان البرزخ بينهما

قبلة...

وفي خضم حديثها عن العشق تبرز المرأة الأم أيضا واضحة في قصائدها.

حين كانت أمي ترتق الوقت بخيط صبرها

وتهيل على الوجع تراب قلبها

لم تكن تحب البكاء، لكنه كان يتفنّن في وخز

مآقيها...

والأمّ هي الأرض أيضا، تمنّ على أبنائها بخيراتها وتحزن لهجرانهم لها، فينقلب عليهم حزنها غربة وشقاء.

تستأنس الأرض

بساكنها

فتجري له لباء صدرها

جداولا تسقيه...

فإن هجر

جفّ منبعها

وتصحّرت

حتى لا تهبَ

من لا يستحقّ

وصالها

إلا غربةً وتيه

ولا تنسى الشاعرة ما يدور حولها من أحداث مفجعة، فتتدفّق شاعريتها بوصف رائع في قصيدة (إلى صديقتي) وبأسلوب مؤثر مفعم بالعاطفة.

ومن الفصد ما يُشفي

لا النزف مرعب يا صديقتي، ولا الجرح الدامي

يؤلم دائما

كثير من الوجع يخدّر الحواس

آخر مشهد

كان لرضيع متشبث بثدي كرزي متخثر

على ناصية رصيف...

أخر مشهد

كان لقبر شهيد قضى منذ عقد

يُفتح

ليعانق العم ابن أخيه...

طازجا الدّم والرائحة والجرح النازف

آخر مشهد

كان لطفلة تحتضن دميتها المحترقة

وهي شعثاء ممزقة الثياب

ترنو إلى أنقاض غرفتها المحطمة تحت جدار

نصفه انهار

والآخر ما زال مسرحا للريح...

آخر مشهد

كان لأمواج تلاطم قاربا

تصفع من فيه بكفّ الصقيع

وتُلقي بهم زبدا أحمر على شواطئ منسيّة

فهذا الديوان هو بحقّ بوح امرأة تهذي بما يجيش بخاطرها، مستلهمة كلماتها من روعة الطبيعة، وشفافيّة نفس شاعرة، ترى الجمال حولها فتعكسه على ما بداخلها من احتدام مشاعر وأفكار.

أمّا هدى عثمان أبو غوش فقد قالت:

إصعد إلى عليائك فيّ" عنوان مُميز، ملفت للنظر ،فيه أغراء للسّامع ،فيه صوت انثى تخاطب الذكر بجُرأة بصيغة الأمر ،وتطلب منه أن يصعد إلى مجده وذروته من خلالها.

قسّمت الشّاعرة ديوانها الشّعري إلى ثلاثة أقسام: ففي القسم الأول عبّرت عن علاقتهاومشاعرها بأُمِّهاوقضايا إنسانيّةأُخرى ،القسم الثاني يتطرق إلى وجدانيّة الشّاعرةوقلبها،أمّاالقسم الثالث فاحتوى على قصائد قصيرة جدا غير معنونّة تحمل صورا شعريّة جميلةأيضا ذات طابع وجدانيّ.

القسم الثاني من الدّيوان يجذب القارئ أكثر  من الأقسام الأُخرى لما فيه من جُرأة في التعبير عن العاطفة ،العشق والإشتياق.

تأتي الشّاعرة بصور شعريّة تمزج صور العشق بالإشارات الدّينية لتعبّر عن حنينها عشقها ولوعة اشتياقها للحبيب وأثر الفراق، وتمنيت لو أنّ الشّاعرة ابتعدت عن زجّها بتلك الإشارات لما فيها من قداسة .

تقول في قصيدة "أوّل الغيث":

تفقد كفيّ روحي

إنهما يرسمان

لوحة عشق على جسدي.

وتتابع الشاعرة فتقول:

"كيف أتلمّس دفأهما

كيف أُلاحق شبق عدوهما

على مرابع صباي

كيف بسعيهما بين صفاي ومرواي

قد فّجرا ينابيع حنيني

إلى قُبلة من شفتيك".

وفي قصيدة "غواية" تقول:

"طاف الكون بلفتها

أضحت بؤرة

أمست كعبة العشاق

وقِبلةَ نساك التماهي".

وأيضا فإنّها استخدمت إشارات من القرآن الكريم من "سورة يوسف" في قصيدة" نهاية".

تأثرت بالأساطير فذكرت( عنات، إنكي،ّ اينانا).

تتكرر كلمة القُبلة عدة مرات في هذا القسم من( 118، 106 ، 108)للتأكيد على الفقد ووجع الفراق.

تقول في قصيدة "قُبلة":

"وأحنُّ لذلك الوعد

على شفا قبلة

انتظرتك".

وفي قصيدة "صرتهم"تقول:

"....

تلفنا عتمة

شجرة

تستر قُبلتين مسروقتين".

وفي قصيدة وهم:

"حين قبلتك ذات عناق لمقلتينا

لم أدرِ أن تلك القبلة

ستفتح النار

من كل الجبهات".

استخدمت الشّاعرة في صورها الشّعريّة ايحاءات جنسيّة فاستخدمت عدة كلمات توحي بذلك.(فض بكارة، رعشة ،رجفة جسد ،ألعق ما ألعق على شفتيّك،شهد العناق،.....).

جاءت بعض القصائد مقيّدة أنفاسها منقطعة بحيث تحرم القارئ من التخيّل والتّأمل كما في قصيدة "مرايا" حين تسأل وتجيب دون أن تتيح للقارئء أن يقرأ المشهد الشعريّ.

تقول: "أتبحث عنّي في عيون العاشقين

إذن دخلت متاهة لن تخرج منها ".

نجحت الشّاعرة في استخدام الإستعارات الجميلة وأكثرت من المناداة والخطابة .

حسب رأيي الشّخصي، لم يكن هنالك حاجة لمقدمة الكتاب "شاعرة قلبها بألف باب". لأن القارئ يريد أن يكتشف فحوى الكتاب وقدرة الشّاعرة بمفرده.

بقي أن أقول أنّها شاعرة كانت حُبلى بالعواطف الجيّاشة فولدتها فوق مساحات الذكرى،الحنين والفراق.

وقالت رائدة أبو الصوي:

"اصعد إلى عليائك في" و (ادخل دهاليزك المعتمة لترى النور) و "لا مستور بين طيات الكلام" تدفق وتوهج بالمشاعر وابداع بالصور الشعرية .باقة من الأزهار الملونه بأجمل الألوان .سرب من الطيور المغردة بأعذب الألحان .حلقت بنا الشاعرة وصعدت الى الأعالي عبر صفحات ديوانها السهل الممتنع .وجدت نفسي محلقة بلا أجنحة عبر كلماتها المنتقاه بدقة فائقة .نظمت كلماتها كما ينظم الصائغ عقد من اللؤلؤ، نظمتها وجمعتها في خيط من حرير وأهدتها الى كل قاريء ذواق .القصائد تلامس الواقع بطريقة مختلفة، طريقة تحمل بصمة الشاعرة ،تحدثت عن الأم والأخ والوطن .

بعثت رسالة  إلى صديقتها، في ديوان الشعر جمعت الشاعرة بين القضايا الأنسانية، الاجتماعية، الوجدانية والوطنية وغلفتها بأنفاسها ومشاعرها وتجربة حياة غنية بالأحداث .

في ص (54) صورة في منتهى الجمال .

على شفا قبلة تفتحت كليلكة .

توشحت بالأبيض الزهري .

توسدت جفنيك .

وبحر يتوق لمد وجزر مقلتيك .

من أجمل الصور الشعرية .الشاعرة تربطها علاقة قوية جدا بوالدتها ويظهر هذا الارتباط من خلال قصيدة "دفء"

تمر يمينك على جبيني المحموم .

تضعين رأسي على حجرك .

تقرأين المعوذتين .

وبعض التراتيل .

في يدك الأخرى رشة الملح .

تنثرينها على جمر الكانون وتشهقين ثلاثا.

"ملحة بعين الي شافك وما صلى على النبي"

تأثر الشاعرة بوالدتها أعطاها تلك القوة في انتقاء الكلمات الجياشة العذبة .

قالت لها أمّها (سيدة هذا الكون أنت) ص15

اهداء الديوان الى روح والدتها البهية .مشاعر جياشة متوهجة صادقة تنطلق بتلقائية

تحدثت في ديوانها عن معاناة لم يتطرق لها من قبل مثل معاناة مرضى  الربو .

تحدثت عن الموت وعن الشهادة .

في هذا الديوان نشوة وفرحة وفلسفة وحكم ومشاعر رقيقة وموسيقى وطاقة ايجابية .

ديوان شعر يستحق الاقتناء .

ستفتش عنها يا ولدي في كل مكان .

وجدت ضالتي في ديوان الشاعرة الفلسطينية فاطمة نزال

استمتاع وراحة واسترخاء شعرت بهذه المشاعر وأنا ابحر في أمواج بحر هذا الديوان وأهيم في أعماقه .شعرت بالارتواء شعرت بالاكتفاء .

وكتبت هدى خوجا:

           لوحة الغلاف تتناسب مع المحتوى والعنوان، الغلاف يشمل على عدّة كائنات مع وجوه مختلفة في التّركيب والصّورة، وإنسان وهياكل عظمية متراكمة ومختلفة الأطوال، وكمجموعة من ظل الصّورة والمرايا المختلفة، بألوان أساسيّة منها الأخضر والأحمر والأبيض والأزرق.

تبدأ ديوانها بقصيدة فيء النرجس: 

    معطرة بالنّدى وبياض القلب وظمأ الحبّ، وشمس خجولة تقبّل النّافذة الحزينة لتهب للقلب ألف باب وباب، ويبقى الحنين.

أما في قصيدة إلى صديقتي 

فنجد التّكرار المحبّذ مثل" آخر مشهد"  

الّتي تعبّر عن الجرح والأسى والموت والألم.

وأيضا في قصيدة" براءة

ردّني طفلة

ردّني لسيرتي الأولى

ردّني خصلة غجريّة

ردّني...ردّني

ردّني إليّ..."

تأثرت الشّاعرة بنظرية التّحليل النّفسي" لسيجموند فرويد"حيث برزت الأنا والوعي واللاوعي مثال:من قصيدة ندى "على الرّمل

تجترّزبدا من أعماق الأنا"

"يصارع وجوده

يا أنا يا أنا"

" وليل عسعس

أوغل في اللاوعي"

وفي لامستور بين طيّات الكلام

"لتختمر في اللاوعي

قصيدة وتراتيل..."

ونجد في قصيدة نهاية

تناص مع سورة يوسف في القرآن الكريم

"ما أنا بامرأة العزيز

ولا أنت بيوسف...

وما إغواء حرفي

قدّ قميص كلماتك"

وتتناثر الحروف بين برد كانون؛ وأواق تشرين ثم يزهر لوز الرّبيع، وسنابل القمح تينع ولكن كيف ومتى وأين!

وفي قصيدة صدى

القمح الّذي"

أينع في سنابل نيسان"

أما في مواجهة

"الليلة بدر

تموز يلفظ أنفاسه

النّوافذ مشرعة"

أما في غواية

" وصوت هديل

يناجي فيّ الأنثى فتختال الغواية

غير عابئة بشرفات

شرعتها رياح تشرين"

"فكّت ضفائرها فتنتني

تلاكت لتشرين العبث

في خصلاتها"

وفي طيف

"كأنشودة للمطر

تتراقص الكلمات

على وقع

انهمار غيث مسافر"

وفي وهم

"وأذوي كزهرة

داهمها أيلول

ولا أدري يا رفيق الخيال

كيف سأحتمل رياح تشرين

دون أن تدثّرني بالوهم يداك!"ص70

وفي كلماتي ص87

"ثورة النّرجس في تقلبات كانون

انبثاق الكمأة

في هزيم رعد..."

"أشعلت الصّيف في الحديقة

وأطفأته بشتاء دافئ..."ص90

"أصابع قدمي هذا الشّتاء

تتدثّر بقبلة صيف مضى"ص106

وللألوان صدى في الديوان الشّعري الأبيض والأسود والأحمر والأزرق ، ويطغى الأسود تارة ثم الأبيض من جهة أخرى.

" ولي أن أكون

ألوان الطّيف

في الأبيض

كماسة حين التّجلي" ص120

أنظر في المرآة أتفحص

عينيّ الحمراوين"ص116" ويشق سحر السّواد ببياضه؟ هل يستوي الخيطان!

هيت لدواتك "

دعها تفيض على هامشي الأزرق"

لن تفسد البياض " ص103

"يلبد سماء عينيّ بمطر أسود

لا ينهمر"ص92

" توشّحت بالأبيض الزّهريّ

توسّدت جفنيك"ص54"بومضة برق ورعود غيمتين

سوادهما ينذر بالمطر" ص53

" الذي نام ساهد الجفن...

كحّله سواد الليل" ص52

" ما أجمل الخجل

يزينه الخال كحجر أسود"ص51

وأخيرا الكلمات ترقص على الوتر الخامس في شعر فاطمة نزال مع جمال الروح وعزف النّاي " وإنني عشقت الحرف

ودوزنت به على ذلك الوتر" ص82

ويستمر جمال الحرف والنوتة الموسيقية من خلال الحرف والكلمة والشّعر، كفراشة تحط على الأزهار في عليائها.

والنّظر في مرآة الرّوح للوصول والتّحليق في الأعالي.

وقالت آمال القاسم:

هل حقا سيدة هذه الارض انت ؟

فاطمة نزال الصعود الى العلياء من خلالك كان صعبا وقاسيا بل كاد أن يكون مستحيلا،

أعترف أنني وقعت في الخطا عندما بدأت تصفح الديوان، حيث بدأت بقراءة تقديم الأستاذ الحبيب بالحاج سالم من تونس، الذي صاغ قراءته بقالب فلسفي ولغة معقدة نسبيا، الأمر الذي جعلني أشعر أنني أمام كومة من الألغاز، ويفترض بي تفكيكها، فقلت ما شأني بذلك؟

بحثت عن فاطمة ذاتها في القصائد فتعثرت بالاهداء، وكان موجها الى الروح البهية روح الامّ وهنا بيت القصيد، بل كل القصيدة، بدوت مأخوذة بروح الأمّ التي ألقت بظلال فقدانها عليك.

الأمّ المرأة الأنثى هي الأصل في الحب والوفاء والعطاء، هي الأرض الوفية فيها كل الخير والسماء السخية، التي لا تبخل علينا بالأمطار وهي الإله على هذه الارض، فيها الجمال والروح والسكينة، نعم هي الأمّ الآلهة التي تعيد للأشياء قداستها (30):

"حين كانت أمّي ترتق الوقت بخيط صبرها

وتهيل من تراب قلبها

لم تكن تحب البكاء ..لكنه يتفنن في وخز مآقيها

حين كانت تستر عورة الجوع بكفيها المتشققتين

واللقمة مغمسة بملح العرق المتصبب من جبين الشمس "

لأجل هذه الأبيات المغمسة بالوفاء أعلنك سيدة هذه الأرض، فما خاب إنسان دعت له أمّه حين رفعت يديها المشققتين إلى السماء.

غياب الأمّ يغيب الحياة بجمالها وبهائها بحنانها وأحلامها، فلا أستهجن استجداءك العطف وسنوات الطفولة البريئة.

تنوع في العناوين التي يكتنف بعضها الغموض الذي لم يخدم عنصر التشويق عموما، الغموض يسيطر على المضمون ،استخدمت كل الوسائل وسخرت اللغة؛ لتكون طيعة لتشبيهاتها وللدلالة على تناقضاتها وتقلباتها النفسية، فأرسلت رسائل الحزن تارة وتارة أخرى التشاؤم، ولكن سرعان ما ينتشلها الأمل فتعود إليها نزعة التفاؤل.

تنوعت مواضيعها وتباينت العناوين، ولكن للطبيعة حضور الفصول الأربعة، إلا أن فصل الشتاء لا يغيب بأمطاره الغزيرة وسحبه السوداء، وليله الحالك الذي يأسرها، والربيع بفيء نرجسه والصيف بوروده، والأشجار ثرثارة تبوح بالأسرار لعابر السبيل، وتألق حضور الطبيعة في عذراء الغابات التي لم تمسسها سوى قبل الندى (18)رغم الحضور الجميل للطبيعة إلا أنه يخفي بين أزهاره وأشجاره حياة مليئة بالمعاناة قسوة وقهرا، وإلا لما تمنت الانعتاق وما طاقت روحها لطفولة بريئة لا تعرف معنى العذابات، ولا تتمنى الموت بديلا لقهر الزمان.

رغم تباين المواضيع والعناوين إلا أن شاعرتنا توقفت عن تبويب أبياتها الشعرية، فجاءت آخر مجموعة شعرية تحت مسمى واحد، فلماذا أطلقت تلك الأبيات التي لم تتجاوز السطرين مبكرا؟ لماذا لم تدعيها حتى تنضج فتولد قصيدة؟

الوفاء يكون من خلال الأرض، وحدها الأرض تجود على من لا يبخل عليها العطاء، فإذا ما هجرها الانسان (جفت منابعها وتصحرت حتى لا تهب من لا يستحق وصالها 36 )فأيّ وفاء أبلغ وأعمق من هذه العلاقة الفلسفية الجدلية؟

فقدان الشاعرة لأمّها تركها فقيرة للحب والحنان، استجدت العطف من هنا وهناك، ولكنها سرعان ما ابتليت بالحب، ولكنه حب معذب فيه التعالي والكبرياء، فكانت ذروته "اصعد إلى عليائك فيّ"، فهل عبرت الشاعرة عن كل ضعفها فلجأت إلى غوايتها؛ لتنال من محبوبها في ساحات الغواية؟

الصديق وقت الضيق، عندما ازدادت حلكة الليل عليها لجأت إلى صديقتها؛ لتفرغ شحنات التشاؤم واليأس وتسدل الستار على كل المشاهد، وطن متناثرة مشاهده، قبر الشهيد وطفولة على أنقاض حطام المنازل، وأمواج تلاطم الصقيع، وطن ضرب به زلزال إلا أن السلام آت مع الحمائم البيضاء المسمومة، غير واثقة أن السلام سيعم الوطن، فتركت أبواب الفردوس مشرعة في محاولة منها لبث روح الأمل من جديد.

في مواجهة الموت هل اعلنت عن ضعف امراة متشائمة تائهة ضاعت عن نفسها غير مدركة لمآربها؟ فاستعجلت الموت تحث خطاه مفرطة بكل الأرواح ما دامت الأرض باقية، أم انها أعلنت التمرد على ضعفها وخوفها، وأرادت أن تواجه الموت وجها لوجه بكل شجاعة، وفي وضح الليل عندما يكون البدر مكتملا بدرا في سماه؟

يا صاحبة الظل المتسكع بشوارع المدينة أيّ مدينة تلك التي أدميتها بخطاك؟ وأيّ اعجاب أثارت بي لغتك القوية وثراء مفرداتك وتشابيهك البليغة؟

بحثت عنك فاطمة فوجدتك وهما وسرابا غزلته خيوط الشمس الخجولة لولا قول أمّك لك أنك سيدة هذه الأرض.

أخيرا نضجت المرأة العذراء بك، لملمت أشلاء ذاتك المبعثرة، وخططت جوارح قلبك العاشق بحروف من سحر وشعر، ونظمت قصائد عذارى ونثرتها كالقطن المنفوش.

وشارك في النّقاش عدد من الحضور منهم: سامي قرّة، محمد عمريوسف القراعين، د. عزالدين أبو ميزر، طارق السيد وسوسن عابدين الحشيم.

وسوم: العدد 752