رسائل من أحمد الجدع (1)

أحمد الجدع

الأستاذ الفاضل محمد رشاد عبد الحميد مخلوف ، مصر

أتذكرك اليوم وأنا أعود لمطالعة الكتاب الذي أهديته لي بتاريخ 16/6/1382 ه ( 1962م) أي قبل خمسين عاماً .

الكتاب يا سيدي بعنوان " حملة لويس التاسع على مصر وهزيمته في المنصورة " ، من تأليف الأستاذ الدكتور محمد مصطفى زيادة ، هذا عنوان الكتاب ، وأضيف أنا إلى ذلك أن لويس التاسع ملك فرنسا قد هُزم وأُسر مع مجموعة من أمراء الفرنسيس ، وقد أكرموه وزوجته وأودعوهم في بيت القاضي خير الدين بن لقمان إكراماً لهم أن يزجوهم في السجن مع سائر الفرنسيين الذين وقعوا في الأسر وهم بالألوف .

وقد كنت قرأت الكتاب بعد أن أهديتموه لي ، وكان من نتيجة ذلك أن عصمني الله من اليأس الذي كاد يلفني وأنا أعيش هزيمة فلسطين وأرى الهوان الذي حط على بلاد العرب كما يحط الغراب على البلد اليباب ، لقد بعث فيّ هذا النصر الآمال العراض بنصر مثله ... وأفضل منه إن شاء الله .

وأحب أن أقول لك أيضاً أنني أحببت المنصورة بعد قراءة الكتاب ، وقد كان ذلك الحب يدفعني لزيارتها، وقد قدر الله وزرتها مع زوجتي ، وكان همنا الأول فيها أن نزور دار ابن لقمان أو "سجن لويس التاسع"، وقد زرتها، وفوجئت أنها دار متواضعة، ومتواضعة جداً، ولعلها بدت متواضعة بالقياس إلى زماننا هذا، فالمقارنة بين الدور  في زماننا ودور المسلمين قبل ثمانمائة سنة تبدو غير واقعية .

عندما وقفت أمام الدار تطلعت إلى بابها، فإذا بهم قد كتبوا فوقه : متحف المنصورة القومي – دار ابن لقمان .

لم يطل تجوالنا في هذه الدار ، فلم تكن بالكبيرة .... ولا بالمعتنى بها !

أذكر يا سيدي أنك سجلت لي عنوان منزلك مع إهدائك الجميل : 1 شارع موسى قطاوي بالعباسية، وطلبت مني أن أزورك إذا قدر لي أن أزور مصر، وقد قدر الله أن أزورها صيف عام 1967 م بعد الهزيمة الساحقة لأمة العرب التي زيفوا نتائجها وأسموها نكسة، كأنهم كانوا منتصرين ثم أصابتهم الهزيمة فانتكسوا !

وقد وفيت لك بما وعدت، وزرتك في منزلك ، وكانت لحظات جلستها إلى جانبك تذكرنا فيها أيامنا في بلدة الخرمة بالقرب من الطائف والتي رافقتك فيها سنة كاملة كانت أيامها عليّ خيراً وبركة .

لست أدري يا أخي أين أنت الآن بعد ما طال الزمان ، ولكني أقول لك بأنني اليوم تناولت كتابك لأعيد قراءته مرة أخرى لعلي أن أجدد شحنات الآمال بنصر نترقبه قريباً إن شاء الله .

وبعد : لقد أُوكل إلى الطواشي صبيح المعظمي حراسة لويس التاسع ومن معه ، والإشراف على شؤونهم .

وفي اعتقال لويس التاسع في دار فخر الدين بن لقمان وتوكيل الطوشي صبيح به قال جمال الدين يحيى بن مطروح أبياتاً جميلة ، لها قيمة تاريخية عظمى أحب أن أطلع عليها كل مسلم حتى تبعث في روحه الخالدة جذوة الحياة واليقين بالنصر :

قل للفرنسيس إذا جئته

آجرك الله على ما جرى

فساقك الحمق إلى موضع

وكل أصحابك أوردتهم

خمسون ألفاً لا يرى منهم

وفقك الله لأمثالها

إن كان بابابكم بذا راضياً

وقل لهم أن أضمروا عودة

دار ابن لقمان على حالها

 

مقال حقٍّ عن قؤول نصيح

من قتل عباد يسوع المسيح

ضاق له عن ناظريك الفسيح

بحسن تدبيرك بطن الضريح

إلا قتيل أو أسير جريح

لعلّ عيسى منكمو يستريح

فربّ غش قد أتى من نصيح

لأخذ ثأر أو لقصد صحيح

والقيد باقٍ والطواشي صبيح

عندما يهدي الرجل كتاباً فإنما يدل ذلك على علو همته وسلامة طبعه، أما إذا كان الكتاب من نوع الكتاب الذي أهديتني فإنما يدل أيضاً على اعتزاز بالتاريخ وحب لأمة الإسلام المنتصرة في المنصورة والتي تستعد الآن لمنصورة أخرى بإذن الله .

أخي محمد رشاد عبد الحميد مخلوف : سلام عليك أينما كنت ... وشكراً .