وقال صاحبه في السجن(3)
وقال صاحبه في السجن
(من ذكريات سجين غُيِّب في سجن تدمر عشرين سنة)
(3)
جمال خرّاط
فاطمة محمد أديب الصالح
في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي،كان النقيب فيصل الغانم(1)،من قرية هنّادي من قرى اللاذقية،رئيس سجن تدمر في سورية،كانت حملة الاعتقالات على أشدها،وكانت رؤية سجين لأهله أمراً شبه مستحيل في تلك الآونة،فقامت أم الغانم بالتنسيق معه بابتزاز عائلات السجناء لتأمين زيارة أو خبر لهم عن أبنائهم،مقابل مبالغ من المال أو حلية ذهبية ثمينة(2)
وكان جمال خراط من أولئك الذين ظفروا بزيارة في ذلك الوقت.
وقال صاحبه في السجن سنة ونصف السنة:
التقيت به في المهجع(5،6) سنة اثنتين وثمانين، عرفت أنه اعتقل سنة إحدى وثمانين.
من حلب، كان طالب هندسة كهرباء سنة ثالثة، وكان خطب بنتاً ملتزمة ولم يعقد عليها بعد، جاءته زيارة عام 1984، وكان قد حوكم ويعرف أن إعدامه محتمل، حضرت الخطيبة (ربما بواسطة، لأنه لم يكن يسمح إلا للأهل من الدرجة الأولى) في الفترة المعروفة التي قامت خلالها أم فيصل غانم، مدير السجن آنذاك، بتأمين الزيارات لمن يقدم لها مبلغاً من المال، وقيل لم تكن ترضى بغير الذهب.
قال جمال للخطيبة: أنا لا أعرف مصيري، مؤبد أم إعدام، قالت: والله أنتظرك ولو خمس عشرة سنة، طبعا استنكر وقال لها: أعوذ بالله .. لكنه رجع إلينا فرحاً يقول: إيمانياتها عالية ووفية..
وذكر لنا أن أهله قدموا له أربعة آلاف ليرة لكن مدير السجن محمد خازم(3) تناولها وقال له: ألا تكفيك مائتان، قال: سيدي أحتاج أدوية( ولم يكن مريضاً لكنه أراد إعطاءها لإخوانه) فزاده مائتين.
ويبدو أنه من خلال التحقيق والمحاكمة كان يتوقع حكماً بالإعدام.
أذكر أنه بعد انتقالنا معاً إلى المهجع(29) طلب رئيس المهجع من بعض العناصر أن يقوموا بتنظيف الجدران، فتبرع جمال وركب على كتف أحد المتبرعين وأخذ ينظف حتى بدا رأسه ووجهه وكأنه خارج من كيس طحين، كنا أثناءها في التنفس، والباب مفتوح، فسمع الرقيب صوت التنظيف فدخل المهجع ورآهما .. فقال: ماهذا.. قالا: ننظف، وأضحكه المنظر على ما يبدو ولم يعاقبهما بشيء، رغم توقعنا ذلك.
بعد خمسة أو ستة أشهر من زيارة أهله نفذ فيه حكم بالإعدام.
لم أشهد خروجه، كنت نقلت إلى مهجع آخر، رحمه الله. يبدو أنه كان من الطليعة(4) لا أستطيع الجزم، لأنه لم يكن يتكلم.
الهوامش:
1. أقصي الغانم عن رئاسة السجن سنة أربع وثمانين لما استفحل موضوع الابتزاز الذي قام به مع أمه( من قرية بيت عليان بمحافظة طرطوس) وحوّل إلى التدريب الجامعي، وحل محله بصورة مؤقته نائبه بركات العش وهو نصيري من قرى اللاذقية، وخلال رئاسة بركات هدأ السجن قليلاً وخفت حدة التعذيب، حتى إنه فكر بإنشاء مكتبة للسجناء فجمع رؤساء المهاجع والمسؤولين الصحيين وسألهم عن المشاكل التي تواجههم، فطلبوا منه أن يسمح لهم بالقراءة، على أن يجمعوا هم ثمن الكتب فوافق، كما طلبوا منه مياهاً ساخنة للغسيل لأن ثيابهم صارت بحالة مزرية، فوضع نظاماً يقتضي بجمع الثياب من مهجع واحد كل يوم، تجمع الثياب في بطانية ويحملها بعض الشباب إلى الورشة التي زودت بموقد كاز أو أكثر، يقفل الباب على المتبرعين بالغسيل فيغلون ويغسلون ويشطفون، ثم ينشر الغسيل على أرض الباحة!بدت العملية شاقة وغير مجدية ولم تتكرر كثيرا. ثم سلمت رئاسة السجن إلى غازي الجهني بعد بضعة أشهر، قبل تنفيذ فكرة المكتبة، كما استلم العش رئاسة سجن صيدنايا سنة87.
قيل أن الغانم مات في حادث سيارة كان يستقلها مع عائلته. وكان أخوه رئيس الأمن والاستطلاع في لبنان، قبل غازي كنعان. وانظر: سليم حماد/ تدمر : شاهد ومشهود ص 135-136
2. وكنا ممن وصلتهم النصيحة بالذهاب إلى اللاذقية لزيارة المرأة وتقديم شيء لها، علها تمكننا من زيارة سجيننا.
3. يضيف صاحب التجربة: فصل محمد خازم، وكان رقيباً أول، مع فيصل الغانم، لأنه كان شريكه في سرقة السجناء، أول تسلمه إدارة السجن لقبه الشباب بالقذافي لشبهه به، طبق علينا أول استلامه( أواخر84- أوائل85) أسلوباً جديداً في التفقد: يجب أن يخرج السجين للتفقد بعينين مغمضتين ورأس مشدود إلى الأعلى، والأيدي خلف الظهر، أثناء ذلك حدث ولا حرج عن ممارسات السجانين وافتراءاتهم علينا بالضرب على الخصى والبطون. استمر ذلك بضعة شهور ثم خُفّف.
4. الطليعة المقاتلة التي أسسها مروان حديد سنة 1974، وهي جناح من الإخوان المسلمين، كان يرى مقاتلة النظام الحاكم في سورية.