صديقي الباحث أسامة الزكاري
1/ في السادس من شهر مارس 2011 جلستُ والصديق الراحل الشاعر مغيث البوعناني – رحمه الله تعالى – بمقهى مكناس الشعبي بأصيلا نتجاذب أطراف الحديث في موضوعات مختلفة، وننتظر التحاق الأستاذ عبد الرحيم الجباري بجلستنا، كما كانت عادته – رحمه الله – في الحرص على مجالسة أصدقائه عند زيارته لأصيلا كل يوم أحد.
كان مما تحدثنا فيه يومئذ وفاة الأديب الراحل أحمد عبد السلام البقالي، وأذكر أن الأستاذ مغيث كلمني في شأن الكتاب الذي تعتزم جمعية ابن خلدون للبحث التاريخي والاجتماعي إصدارَه حول تجربة البقالي الأدبية، وطلب إليَّ مغيث – رحمه الله – أن أبعث بمقالتي المسمّاة "وظيفة التشبيه في رواد المجهول" إلى الأستاذ أسامة الزكاري المشرف على هذا الكتاب لتكون من الأبحاث والدراسات التي يتضمنها.
وعندما عدتُ إلى المنزل ليلا أرسلت إلى الأستاذ أسامة مقالتي المذكورة بواسطة البريد الإلكتروني، فكان هذا أولَ تواصل بيننا.
2/ على أن هذا التواصل بيني وبين الصديق أسامة الزكاري كان مسبوقا بلقاءات أخرى غير مباشرة تعود إلى العام 2003، وذلك على صفحات جريدة "الشمال" التي ابتدأتُ النشر على صفحاتها في شهر سبتمبر 2003، وهي الجريدة التي اعتاد أسامة أن ينشر بها بعض كتاباته منذ صدورها عام 1999م.
على صفحات "الشمال" إذاً كانت اللقاءات الأولى بيني وبين الأستاذ أسامة الزكاري، حيث كان يقرأ بعض ما أنشره في الجريدة، مثلما كنت أقرأ مقالاته في زاويته الأسبوعية "كتابات في تاريخ منطقة الشمال"، وهي المقالات التي التزم أسامة بكتابتها ونشرها بمواظبة أسبوعية تثير كل إعجاب وتقدير؛ لأنها مواظبة تعكس أمرين اثنين في أقل التقديرات هما: الوفاءُ للكِتاب والارتباط الوثيق به، والالتزامُ بالتعريف أسبوعيا بمؤلفات تنتمي إلى منطقة شمال المغرب في عصور مختلفة، وهما أمران لا يتحققان بسهولة ولا لكل الناس، خاصة في ظل الالتزامات الأسرية والمهنية المطردة، مع ما يصاحب ذلك، في حالة الصديق أسامة، من عمليات تأليف الكتب، ورئاسة تحرير مجلة ثقافية (مجلة رهانات)، والإسهام في أنشطة علمية بمركز مدى للدراسات والأبحاث الإنسانية ومؤسسة محمد الزرقطوني للثقافة والأبحاث، وغيرها من الالتزامات التي استطاع أسامة أن يوفق بينها بمهارة واقتدار.
3/ وحينما أنظر في جزء من المُنجَز الثقافي للأستاذ والصديق أسامة الزكاري تبدو لي جوانب إيجابية كثيرة فيه أذكر بعضا منها فيما يلي:
- أولا: في محبة أصيلا
ويعكس هذه المحبة عند الصديق أسامة أمور من بينها:
أ- إصدارُه كتابين عن أصيلا هما "أصيلا: حصيلة البحث التاريخي والأركيولوجي" (2007)، و"أصيلا: قراءات بيبليوغرافية تصنيفية" (2016)، ودراساتٍ عن المدينة منشورة في صحف ومجلات عدة.
ب- احتفاؤه بأعلام أصيلا، ويتخذ هذا الاحتفاء أشكالا من بينها إِصْدارُ عدد من مؤلفاتهم ضمن منشورات جمعية ابن خلدون للبحث التاريخي والاجتماعي، كديوان "أغاريد الشباب" لمغيث البوعناني (2009)، وكتاب " مائة حكاية وحكاية من أصيلا" لمحمد الأمين المليحي (2013)، و"رجلٌ مدينة" للمهدي أخريف (2014)، و"من ضمير حي" لأحمد عبد السلام البقالي (2016)، إضافة إلى تنظيم ندوات ولقاءات ثقافية للاحتفاء بهم ومناقشة أعمالهم، وتجميع أشغال تلك الندوات في كتب توثيقية، كالندوة التأبينية للفقيد أحمد عبد السلام البقالي المنظمة في 18 من سبتمبر 2010 بأصيلا، وهي الندوة التي شكلت أشغالها نواة للكتاب الجماعي الصادر بعدها بعنوان "أحمد عبد السلام البقالي: الإبداع وإشراقاتُه".
وتظهر أهمية ما يقوم به الأستاذ أسامة الزكاري في هذا الجانب عند مقارنة عمله بما في مدن مغربية أخرى من عدم اهتمام مثقفيها بأعلام مدنهم ومنجزاتهم. إن هذا الاهتمام بأعلام المدينة من الصديق أسامة ليشكل، في تقديري، إسهاما منه في التأريخ للمدينة من الناحية الثقافية، وانخراطا واعيا منه في كتابة تاريخ ثقافي للمغرب، انطلاقا من اقتناع بفكرة مفادها أن كتابة تاريخ الوطن لا بد أن تمر عبر كتابة تواريخ محلية للحواضر والقرى كما شدد على ذلك أكثر من واحد من المشتغلين بالتاريخ كالعالم والأديب محمد المختار السوسي رحمه الله تعالى.
- ثانيا: في محبة الحوار
ويُجَلّي هذا الجانب في مُنجَز الرجل بعضُ ما أصدره من كتب مما شكل الحوارُ مادتَه الرئيسة ككتابه "مع الأديب أحمد عبد السلام البقالي: حوار السيرة والذاكرة" (2010)، أو ما كان مزيجا بين محاورة المؤلف ومحاورة أعماله ومصنفاته ككتابه "الدكتور عبد العزيز خلوق التمسماني: مسار مؤرخ وإشعاع سيرة ذهنية" (2007).
كما يُجلي هذا الجانب في منجز الصديق أسامة أيضا عددٌ من مقالاته المنشورة بزاويته الأسبوعية بجريدة "الشمال"، حاور فيها أعمالا لمؤلفين من أزمنة مختلفة حوارا يحتكم إلى أدبيات البحث العلمي بصرف النظر عن اعتبارات القرابة، أو النسب، أو الصداقة أو غيرها من العلاقات التي يتنزه عنها البحث العلمي الجاد.
- ثالثا: في تأسيس تواصل ثقافي مثمر
وخير ما يُظهر هذا الجانبَ احتفاءُ الرجل المتواصلُ بأعمال المبدعين والأدباء والباحثين في زمن يشكو فيه أغلبُهم من عدم مواكبة النقاد لما يُنشر من أعمال أدبية وفنية.
وأرى أن هذا الاحتفاء المتواصل بالإصدارات هو أحد الأسباب التي جعلت د.مصطفى يعلى يقول ذات يوم موجها كلامه للصديق أسامة: "أما أنت يا أسامة فليت لنا في المغرب مائة شخص من أمثالك"؛ لأن ما تقوم به من احتفاء بأعمال الأدباء والباحثين سلوكٌ ثقافي راقٍ يرفع الغبن عنهم، ويحقق حالة صحية من التواصل الثقافي المثمر، ويسهم في تأسيس مناخ ثقافي وعلمي غير المناخ الذي جعل أمثال محمد العربي الفاسي – رحمه الله – يشتكي من إهمال المغاربة فضل علمائهم وعدم التنبيه على قيمة ما ألفوه وما قدموه للساحة العلمية ببلادهم.
تلكم أسطر قليلة في بيان صلتي بالصديق الباحث أسامة الزكاري، وبيان أهمية منجزه الثقافي وبعض أفضاله على المشهد الثقافي المحلي والوطني، أحببت أن أدونها تقديرا للرجل وإقرارا بقيمة عطائه الثقافي. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وسوم: العدد 694