علماء سوريا الأحرار
فضيلة الشيخ حسن عبدالحميد البابي _نسبة إلى مدينة الباب_ الحنفي، ابن المدرسة الخسروية في حلب::
عرفته ابتداء من خلال كتاباته شبه اليومية على الفيسبوك فأعجبت به كثيراً لبلاغة حديثه، و صدق لهجته ،و بصمة غيرته ،و جرأة خطابه،و عمق فهمه،و قوة تعبيره،و جزالة عبارته.
و لما سألت عنه ذكروا لي أنه في مدينة كذا في تركيا فعزمت أن ألقاه يوماً إن قدّر الله تعالى لي اللقاء ،و من ثم أخذت الأيام تطوي من ورائها الزمن و الأحداث إلى أن جاءت لحظة دعيت فيها إلى عقد قران في المدينة التي يقيم فيها من الأرض التركية فلما انتهى الحفل و بدأت رحلة العودة إلى غازي عنتاب سألت رفاق الطريق هل من سبيلٍ للوصول إلى الشيخ حسن عبدالحميد ؟فأجابني الشيخ مهند الخطيب قائلاً: بإمكاني أن آخذك إليه،فقلت له : إذن هيا بنا ،فلما دخلت داره وجدت رجلا طاعناً في السن قد هدّت السنون جسده الطريّ الشريف لكنها لم تنل من إيمانه و عزيمته و إرادته. وجدته يجلس إلى جانب مدفأة متواضعة في بيت أكثر تواضعاً ،ليخبرني لاحقاً بأنه في هذه الزاوية من البيت يكتب خواطره التي استولت يوماً على لُبّي و شدّتني إليه شدّاً،فما كان مني إلا أن انكببتُ على يديه انكباب الابن على يدي والده ألثمهما بقبلاتِ الحب و الإكبار و الوفاء لعلمه و تواضعه و عطائه و هو الذي دخل في العقد التاسع من عمره! كما جالت في خاطري شبهة لطالما أثارها النظام و شبيحته و علماء سلطانه في حق من تمكنوا من الإفلات من ملاحقة أجهزته و إرهاب قبضته و هي زعمهم أنّ هؤلاء الذين يعيشون خارج الأرض السورية يتلقون مبالغ ماليه طائلة من دول أجنبية و بالعملة الصعبة فكان تواضع المدينة مع تواضع الحي مع تواضع الحارة مع تواضع البيت مع تواضع الأثاث واللباس خير شاهد على كذب دعايات النظام المغرضة و صدق الثلة التي اختارت طريق الأحرار من علماء الأمة الأبرار.
بعد هذا التمهيد إليكم ترجمة وافية عن فضيلته بقلم محمد عدنان كاتبي:
حسن عبد الحميد
1351 هـ
1932م
أستاذنا الشيخ حسن بن الحاج عبد الحميد بن السيد حسن البابي الحنفي.
عالم عامل، وداعية مجاهد مهاجر .
ولد الشيخ المترجم في مدينة الباب، التابعة لمحافظة حلب، سنة: إحدى وخمسين وثلاثمئة وألف للهجرة النبوية الشريفة، والموافقة لعام: اثنين وثلاثين وتسعمئة وألف للميلاد، في أسرة فقيرة ـ يقتطع والده من لقمة عيشه لينفق على ولده طالب العلم ـ لكنها شديدة التمسك بدينها وأخلاقها، فوالده الحاج عبد الحميد أبو جمعة ابن شهيد مدينة الباب في (جناق قلعة) في تركيا، إمام جامع اليماني، أول حافظ لكتاب الله في مدينة الباب، كما كان حافظاً لكتاب الفقه على المذاهب الأربعة، يهدر صوته ليلاً ونهاراً في جامع (اليماني)، وكان رئيسا لجمعية رفع المستوى الصحي في مدينة الباب، كما كان مغرما بأداء فريضة الحج كل عام.
في هذه البيئة الصالحة نشأ شيخنا المترجم، وتلقى علومه الأولية على والده وفي المدارس الابتدائية في مدينة الباب، ودرس النحو على شيخه الشيخ حسن جسومة، واللغة على شيخه الشيخ عبد الله زعيتر، كما درس الفقه على شيخه الشيخ سعيد المسعود، ثمّ وبتشجيع من والده انتسب إلى المدرسة (الخسروية) ـ الثانوية الشرعية ـ وفيها التقى ثلة من كبار علماء حلب، فأخذ عنهم جلّ العلوم الشرعية والعربية، وكان منهم الشيخ عبد الله حماد، والشيخ محمد أسعد العبجي، والشيخ محمد بلنكو، والشيخ محمد الحكيم، وهما مفتيا حلب - والشيخ محمد راغب الطباخ، والشيخ أبو الخير زين العابدين، والشيخ محمد سلقيني، والشيخ عبد الوهاب سكر، والشيخ محمد الجبريني، والدكتور محمد الريحاوي ـ طبيب أسنان مشهورـ والأستاذان عمر يحيى، وعبد الرحمن باشا، ثم توجه لمتابعة دراسته في المعهد العربي الإسلامي، وفيه التقى الأستاذ الشيخ أحمد مهدي الخضر، وغيرهم من الأساتذة والشيوخ.
وفي هذه المرحلة من حياته التقى الشيخ محمد النبهان، كما كانت له مشاركات فعالة في أحداث الوطن من خلال اشتراكه بنشاطات الطلبة واجتماعاتهم ومظاهراتهم ضدّ الاحتلال الفرنسي .
وفي عام: أربعة وخمسين وتسعمئة وألف، انتسب إلى (كلية الشريعة) في جامعة دمشق، وفيها التقى كوكبة أخرى من العلماء الأفاضل، فأخذ عنهم، وتأثر بهم، وكان منهم: الدكتور مصطفى الزرقا، والدكتور معروف الدواليبي والأستاذ محمد المبارك، والدكتور أبو اليسر عابدين، والأستاذ مصطفى البارودي، والشيخ محمد زكي عبد البر، والشيخ الدكتور مصطفى السباعي، والدكتور أحمد السمان، والدكتور عمر الحكيم وغيرهم، كما كان يحضر مجالس كثير من علماء دمشق خارج الجامعة، أمثال: الشيخ علي الطنطاوي، والشيخ مصطفى السباعي، وكانت محاضرات الشيخ السباعي لا تفوته أبداً.
وفي جامعة دمشق كان للشيخ المترجم نشاطات علمية واجتماعية ودعوية، يشارك إخوانه الطلبة في احتفالاتهم واجتماعاتهم ومظاهراتهم ضدّ الظلم والطغيان، وكان من زملائه في الدراسة: الشيخ محمد فاروق بطل، والشيخ حسن بكار، والشيخ الدكتور محمد رواس قلعةجي، والأستاذ محب الدين أبو صالح، والشيخ محمد خير عليطو، والشيخ عبد الغني المارعي وغيرهم.
بعد تخرج الشيخ المترجم في كلية الشريعة بجامعة دمشق، انطلق للعمل على نشر العلم الذي حصله، فعمل مدرسا في مدينة (عفرين)، وكان له فيها نشاط علمي ودعوي لافت، وذلك من خلال إلقائه المحاضرات في المركز الثقافي والجامع الكبير فيها، وفي مدينة (أعزاز) المجاورة لها، ثمّ راح يتنقل بين مدينة (الباب) إلى (تادف) إلى (أعزاز) إلى بلدة (الأتارب) وذلك بسبب نشاطة الديني والدعوي، ثم انتقل إلى مدينة حلب مدرساً في عدد من ثانوياتها، ومنها الثانوية الشرعية ، وكان له في مساجدها نشاط دعوي واضح تعرض بسببه إلى النقل من ملاك وزارة التربية إلى ملاك وزارة التموين، مع عدد كبير من إخوانه المعلمين والمدرسين ذوي الاتجاه الديني، كما تعرض للاعتقال بسبب جرأته بقول الحق.
بعد الافراج عنه هاجر الشيخ المترجم إلى المملكة العربية السعودية، وأقام في مدينة (نجران) مدرساً في مدرسة تحفيظ القرآن الكريم، ثمّ في مدرسة (ابن تيمية)، كما كان خطيباً في مسجد أبي بكر الصديق فيها، ثم انتقل إلى مدينة (الرياض)، وعمل في وزارة الدفاع السعودية، في مجلة (الجندي المسلم) مصححا وكاتبا، وكان يقطع أوقات فراغه بتلاوة القرآن الكريم وتدبر آياته وأحكامه يقول: (لقد ختمت القرآن الكريم في غربتي القسرية 37 مرة، قراءة مرتلة مع تدبر للأمور البلاغية والنحوية)
زار الشيخ المترجم الأردن والإمارات ومصر وتركيا، وحضر بعض الأنشطة الدينية فيها.
ولما قامت ثورة شعبنا ضد الظلم والطغيان، كان لشيخنا مواقف صريحة في تأييد الثورة، وإدانة سفك الدماء والدعوة إلى توحيد صفوف المجاهدين
وأختم حديثي عن شيخنا المترجم بما كتبه بنفسة عندما سألته أن يكتب لي ترجمة عن نفسه، فكتب يقول:(لست عالماً كبيراً، ولست فقيها ًمتمكناً ولست مجاهداً يشار إليه بالبنان، أنا تلميذ صغير لحسن البنا، ومصطفى السباعي، أنا أحب الصالحين، ولست منهم، لعلي أن أنال بهم شفاعة، كل من دعا للإسلام وكانت رايته محمدية وعلمه يحمل شعار (لا إله إلا الله) أنا منه وهو مني، لاتهمني التسميات، الصوفي (النقشبندي) أخي، والسلفي أخي، والتحريري أخي، العاملون للإسلام مشارب، فأبو ذر الثائر هو أخو عثمان الغني الشاكر، أنا حنفي المذهب في الفروع، ولكني سلفي العقيدة، وأئمة الفقه جميعا قدوتي، فكلهم من رسول الله شرب، وكلهم لرسول الله متبع، فأنا حنفي، لكني أحني رأسي إجلالا للإمام العظيم مالك، وأنا لست شيعياً ولكني على استعداد أن أحمل حذاء علي زين العابدين، أجل لا يمكن توحيد الأذواق، لكن يمكن توحيد الرايات، وأنا شخصيا أمد يدي لكل دعاة الإسلام، لا لتقبيلها، ولكن ليشد بعضنا بعضاً، أيها العاملون لدين الله اتحدوا.. أيها الدعاة إلى الله اتحدوا .. أيها المجاهدون اتحدوا .. فالعدو عندما يقصف لن ينظر إلى مشربكم، وإنما لدينكم وقائدكم.. وصلى الله على قائدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم)
حفظ الله شيخنا وأمتع به.
المصادر والمراجع
1. ترجمة خطية تفضل بها نجل المترجم الأستاذ عبد الحميد الخضر.
2. خواطر نشرها الشيخ المترجم على صفحته على الفيسبوك.
3. سجلات المدرسة الخسروية.
4. مذكرات المؤلف وذكرياته.
وسوم: العدد 756