الإمام الرباني السيد الشيخ أبو الحسن الندوي
مولده ونشأته
هو العلاّمة الكبير والـداعية الربـاني سماحـة الشيـخ عـلي أبو الحسن بن عبـد الـحي بـن فـخر الـدين الحسـني. ينتهـي نسبـه إلى الـحسن بـن عـلي بـن أبـي طالب. ولد بقرية (تكية) بمديرية (رأي بريلي) في الولاية الشمالية بالهند في 6 محرم سنة 1333هـ/ الموافق 1914م، ونشأ في أُسرة ذات أصل عربي عريق. تعلم القرآن الكريم في البيت بمعاونة أمه التي كانت من المربيات الفاضلات، تحفظ القرآن وتكتب وتقـول الشعر، وأبـوه هو علاّمة الهند ومـؤرخها السيد عبد الحي بن فخر الدين الحسني صاحب المصنفات المشهورة، ومنها (نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر في تراجم علماء الهند وأعيانها).
كما كان شديد التأثر بعلماء الهند الكبار: أحمد بن عرفان الشهيد، وولي الله الدهلوي، والسرهندي وغيرهم. وقد وهب الله الأستاذ الندوي همَّة عالية، وجلدًا على تحمل التبعات ونفسًا صادقة، وقلبًا حيًا بالإيمان، ولسانًا نظيفًا، وعقلاً كبيرًا، وحرصًا شديدًا على تربية النشء وإعداد العلماء والدعاة، وكان فقهه الدعوي يرتكز على تعميق الإيمان في مواجهة المادية، وإعلاء الوحي على العقل، وتوثيق الصلة بالقرآن الكريم والسنَّة والسيرة النبوية، وإشعال الجذوة الروحية، والانصراف إلى البناء لا الهدم، وجمع كلمة الأمة لا تفريق صفوفها، واستيحاء التاريخ الإسلامي وبطولاته، ونقد الفكرة الغربية والحضارة المادية، ونبذ القوميات والعصبيات الجاهلية، وتأكيد عقيدة ختم النبوة، ومقاومة الفتنة القاديانية، والتصدي للردة الفكرية، وتأكيد دور الأمة المسلمة في هداية البشرية، والشهادة على الأمم الأخرى، وبيان فضل الصحابة ومنزلتهم لأنهم الجيل المثالي في هذه الأمة، والاهتمام بقضية فلسطين؛ لأنها قضية المسلمين جميعًا، والعناية بالتربية الإسلامية الحرة التي تستمد فلسفتها من الإسلام، وترشيد الصحوة الإسلامية، والاهتمام بدعوة غير المسلمين إلى الإسلام.
شيوخه
وقد تعلم العربية على الشيخ خليل الأنصاري اليماني، واللغة وآدابها من عمّه الشيخ عزيز الرحمن وعمه محمد طلحة، ثم توسّع فيها وتخصص على الأستاذ الدكتور تقي الدين الهلالي سنة 1930م، كما درس اللغة الإنجليزية والتحق بدار العلوم لندوة العلماء، وحضر دروس التفسير والحديث والفقه للمشايخ: حيدر حسن خان، خليل الأنصاري، شبلي الأعظمي، عبد الرحيم الفاروقي، أحمد علي اللاهوري، حسين أحمد المدني، إعزاز علي أصغر علي، وغيرهم.
حياته العملية
في سنة 1934م، عُيِّن مدرسًا في دار العلوم لندوة العلماء، حيث درس التفسير والحديث والأدب العربي وتاريخه واستفاد من الصحف العربية، حيث عرف أحوال العالم العربي واستفاد من كتب المعاصرين من الدعاة والمفكرين العرب، وكان يكتب في مجلة "الضياء" العربية الصادرة من الهند، وقام برحلة استطلاعية للمراكز الدينية في الهند، وتعرف على الشيخ عبد القادر الراي بوري، والداعية محمد إلياس الكاندهلوي.
وفي سنة 1961م، اختير أمينًا عامًا لندوة العلماء، وشارك في تأسيس المجلس الاستشاري الإسلامي لعموم الهند سنة 1964م، وتأسيس هيئة الأحوال الشخصية الإسلامية لعموم الهند سنة 1972م، كما كان عضوًا في المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، وعضوًا في المجلس الأعلى العالمي للدعوة الإسـلامية بالقاهرة، ورئيس رابطة الأدب الإسلامي العالمية، ورئيس المجمع الإسلامي في لكنهؤ (الهند)، ورئيس مركز أوكسفورد للدراسات الإسلامية ببريطانيا، وعضوًا في مجامع اللغة العربية في دمشق والقاهرة والأردن، ورابطة الجامعات الإسلامية بباكستان. وحصل على جائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام سنة 1400هـ، وشارك في المؤتمر الثالث للسيرة والسنَّة النبوية الذي عُقد بالدوحة بقطر سنة 1400هـ، كما حاز على جائـزة الشخصية الإسلاميـة الأولى لعام 1419هـ في دبي.
نشر أول مقال له بالعربية في مجلة "المنار" لصاحبها رشيد رضا سنة 1931م حول حركة الإمام السيد أحمد بن عرفان الشهيد، وظهر له أول كتاب بالأوردية سنة 1938م، وكان أول كتبه بالعربية سنة 1940م كتاب "مختارات في أدب العرب"، ثم (قصص النبيين) و"(القراءة الراشدة)، وفي سنة 1944م بدأ تأليف كتابه المشهور (ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟).
منهجه وأسلوبه
كان يدعو إلى العودة إلى الإسلام في عصر غلبة الأفكار الأجنبية، فواجه الغزو بأسلوب علمي رزين مقنع، وهاجم الحضارة الغربية بأسلوب معتدل جمعَ فيه بين الأصالة والمعاصرة، فلم يكن يدعو إلى الرفض الكامل للحضارة الغربية، ولا إلى القبول الكامل، وإنما كان منهجه الجمع بين القديم والجديد.
رحلاته الدعوية
رحلته الأولى كانت في ربوع الهند سنة 1939م، حيث طاف في معظم أنحاء البلاد، ثم في سنة 1947م كانت رحلته للحج لأول مرة، ثم أتبعها برحلة أخرى سنة 1951م، عرج بعدها إلى القاهرة، حيث سعدنا بلقائه، وكنا وقتها طلبة في كليات الأزهر: "يوسف القرضاوي، أحمد العسال، محمد الدمرداش، عبد الله العقيل، وياسين الشريف"، وكنا نكثر التردد عليه ونصحبه في زياراته للعلماء والأدباء والمفكرين والأندية والجمعيات، ونحضر محاضراته ودروسه العامة والخاصة، وبخاصة مع جماعة الإخوان المسلمين، التي كان يقضي معظم وقته في لقاءات مع قادتها ومسؤوليها ومفكريها وشبابها وطلابها، ويزور مراكزها في القطر المصري، وقد التقى بمصر بالمشايخ: عبد المجيـــــد سلـــــيم، محمـــود شلـتـوت، أحمـــد محمــــد شاكر، حسنـــــين محمد مخلـوف، حامد الفقي، محمد عبد اللطيف دراز، محمد فؤاد عبد الباقي، مصطفى صبري، محمد الشربيني، محمد يوسف موسى، أحمد عبد الرحمن البنا "والد البنا".
كما التقى بمفتي فلسطين الحاج محمد أمين الحسيني، والأمير بطل الريف عبد الكريم الخطابي، واللواء صالح حرب، وسيد قطب، ومحب الدين الخطيب، وأحمد الشرباصي، ومحمـــد الغزالي، وسعيد رمضـــان، وصالـــــح عشماوي، وعبد الحكيم عابدين، والبهي الخولي، وأحمد حسن الزيات، وأحمد أمين، وعباس محمود العقاد وغيرهم.
ثم سافر إلى السودان والشام والقدس والأردن، وكانت له لقاءات وندوات ومحاضرات وقد طبعت مذكراته لهذه الرحلة بعنوان: "مذكرات سائح في الشرق العربي"، حيث مكث بمصر ستة أشهر، ثم أتبع ذلك في رحلات أخرى إلى سورية ولبنان وتركيا والكويت والإمارات وقطر وأفغانستان وإيران والعراق واليمن والمغرب الأقصى والجزائر وبورما وباكستان وسريلانكا وبنجلاديش وسويسرا وفرنسا وبريطانيا وإسبانيا وألمانيا وبلجيكا وأمريكا وكندا وماليزيا وطشقند وسمرقند وبخارى وغيرها.
معرفتي به
أول معرفتي به كانت بمصر حين زارنا سنة 1951م، حيث كنت مرافقًا له في معظم زياراته للأشخاص والهيئات والمحاضرات والندوات، وقد فاجأني في أول لقاء بأنه تعرّف عليَّ من خلال كتاب زميله مسعود الندوي (شهور في ديار العرب) الذي حكى فيه عن زيارته للعراق سنة 1949م ولقائه معنا في البصرة والزبير مع إخواني عبد العزيز الربيعة وعبد الواحد أمان وعبد الهادي الباحسين، وسررت بهذه المعرفة، وسُرّ هو بهذا اللقاء، وشرفني في البيت الذي أسكنه بالقاهرة مع زميلي يعقوب الباحسين وتناول طعام الغداء من صنع أيدينا وأثنى عليه.
وقد رافقته في زيارة الغزالي، والبهي الخولي، وسعيد رمضان، وصالح عشماوي، وعبد الحكيم عابدين، وجمعية الشبان المسلمين، والمحكمة، ولقاءات طلبة البعوث بالأزهر، وشباب الإخوان المسلمين، ومكتب الإرشاد العام للإخوان المسلمين، حيث ألقى كلمة فيهم بعنوان: "أريد أن أتحدث إلى الإخوان"، كان لها أكبر الأثر في نفوسهم، وعلق عليها الأستاذ عبد الحكيم عابدين بالثناء الحسن والشكر الجزيل، وبقيت ملازمًا له حتى غادر مصر، وكانت تلك من أسعد الأيام، حيث انتفعنا بتوجيهاته وعلومه ونصائحه وخبرته وتجاربه.
ثم تتابعت لقاءاتي معه بعد ذلك في الكويت، حيث زارني في البيت وحضر الندوة الأسبوعية، وتكلم عن الإخوان المسلمين، وأثنى عليهم، كما التقيته في السعودية والأردن والهند عشرات المرات، ولم تنقطع الصلة به حتى وفاته (رحمه الله).
مؤلفاته
وهي كثيرة جدًا باللغة العربية والإنجليزية والأوردية تجاوزت المئة والخمسين كتابًا ورسالة، نذكر أهمها بالعربية هي:
- ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟
- مذكرات سائح في الشرق العربي
- الأركان الأربعة في ضوء الكتاب والسنَّة
- أريد أن أتحدث إلى الإخوان
- أحاديث صريحة مع إخواننا العرب والمسلمين
- إذا هبت رياح الإيمان
- الإسلام وأثره في الحضارة وفضله على الإنسانية
- أسبوعان في المغرب الأقصى
- إلى الإسلام من جديد
- بين الدين والمدنيّة
- تأملات في القرآن الكريم
- التربية الإسلامية الحرة
- التفسير السياسي للإسلام
- حديث مع الغرب
- الداعية محمد إلياس الكاندهلوي
- رجال الفكر والدعوة في الإسلام
- رسائل الإعلام
- رسالة التوحيد
- روائع إقبال
- روائع من أدب الدعوة في القرآن والسيرة
- سيرة خاتم النبيين
- السيرة النبوية
- شخصيات وكتب
- الصراع بين الإيمان والمادية
- الصـراع بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية
- صورتان متضادتـان
- الطريق إلى السعـادة والقيادة
- الطـريق إلى المدينة المنورة
- العرب والإسلام
- العقيدة والعبادة والسلوك
- في مسيرة الحياة
- القادياني والقاديانية
- كيف ينظر المسلمون إلى الحجاز والجزيرة العربية؟
- مختارات من أدب العرب،
- المدخل إلى الدراسات القرآنية
- المرتضى: سيرة علي بن أبي طالب
- المسلمون في الهند
- المسلمون وقضيـة فلسطين
- من نـهر كابـل إلى نهر اليرمـوك
- مـوقف العالم الإسـلامي من الحضارة الغربيـة
- النبوة والأنبـياء في ضوء القرآن
- نظرات في الأدب
- نفحات الإيمان بين صنعاء وعمان
- أحاديث صريحة في أمريكا
- الإسلام والمستشرقون
- أضواء على الحركات والدعوات الدينيـة والإصلاحيـة
- أحمد بن عرفان الشهيد
- أمريكـا وأوروبـا وإسرائيل
- ترشيـد الصحوة الإسلامية
- حاجة البشرية إلى معرفة صحيحة ومجتمع إسلامي
- الحضارة الغربية الوافدة وأثرها في الجيل
- الدعوة الإسلامية في الهند وتطوراتها
- الدعوة والدعاة مسؤولية وتاريخ
- دور الإسلام الإصلاحي
- دور الجامعات الإسلامية المطلوب في تربية العلماء وتكوين الدعاة
- دور الحديث في تكوين المناخ الإسلامي وصيانته
- ربانية لا رهبانية
- شاعر الإسلام الدكتور محمد إقبال
- صلاح الدين الأيوبي
- عاصفة يواجهها العالم الإسلامي والعربي
- غارة التتار على العالم الإسلامي وظهور معجزة الإسلام
- فضل البعثة المحمدية على الإنسانية
- القرن الخامس عشر الهجري الجديد في ضوء التاريخ والواقع
- قصص من التاريخ الإسلامي
- قصص النبيين
- قيمة الأمة الإسلامية بين الأمم
- محمد رسول الله صاحب المنة الكبرى على العالم
- المدخل إلى دراسات الحديث
- المد والجزر في تاريخ الإسلام
- المسلمون تجاه الحضارة الغربية
- المسلمون ودورهم
- مع الإسلام
- موقف المسلم إزاء أسلافه الجاهليين
- النبي الخاتم
- نظرات على الجامع الصحيح للإمام البخاري
- واقع العالم الإسلامي وما هو الطريق السديد لمواجهته وإصلاحه
- دراسة للسيرة النبوية من خلال الأدعية المأثورة المروية
- أزمة إيمان وأخلاق
- الإسلام فوق القوميات والعصبيات
- الإسلام في عالم متغير
- الإسلام والحكم
- الإسلام والغرب
- اسمعوها مني صريحة أيها العرب
- اسمعي يا إيران
- اسمعي يا زهرة الصحراء
- اسمعي يا سورية
- اسمعي يا مصر
- أكبر خطر على العالم العربي قطع العرب عن الإسلام
- إلى الراية المحمدية أيها العرب
- إلى شاطئ النجاة
- إلى ممثلي البلاد الإسلامية
- الأمة الإسلامية وحدتها ووسطيتها وآفاق المستقبل
- بين الجباية والهداية
- بين الصورة والحقيقة
- بين نظرتين
- حكمة الدعوة وصفة الدعاة
- ردة ولا أبا بكر لها
- رسالة سيرة النبي الأمين إلى إنسان القرن العشرين
إضافة إلى عشـــرات الرســــائل والكتيبات والمحاضرات التي لا يمكن حصرها في هذه العجالة.
من أقواله
- "يـدل التاريـخ على أن الظلم كـان فـي بعض الأحـيان السـبب الرئيـس لانهـيار المجتمعات ولاندثار الإمبراطوريات، وانطفاء نورها، والقضاء على ما تكوّن فيها من حضارة وثقافة، وما نشأ فيها من ثروة علمية وأدبية".
- "إن الإسلام دين حي ورسالة خالدة، إنه كالحياة نفسها، وخالد كخلود الحقائق الطبيعية ونواميس الحياة. إنه تقدير العزيز العليم، وصنع الله الذي أتقن كل شيء. وقد ظهر في شكله النهائي وطوره الكامل وأعلن يوم عرفة: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (المائدة: 3) فهو يجمع بين الكمال الذي لا انتظار بعده لدين آخر، ولا حاجة معه لرسالة جديدة".
- "لم يكن انحطاط المسلمين أولاً، وفشلهم وانعزالهم عن قيادة الأمم بعدها، وانسحابهم من ميدان الحياة والعمل أخيرًا، حادثًا من نوع ما وقع وتكرر في التاريخ من انحطاط الشعوب والأمم، وانقراض الحكومات والدول وانكسار الملوك والفاتحين وانهزام الغزاة المنتصرين، وتقلص المدنيات والجزر السياسي بعد المد، فما أكثر ما وقع مثل هذا في تاريخ كل أمة، وما أكثر أمثاله في تاريخ الإنسان العام، ولكن هذا الحادث كان غريبًا لا مثيل له في التاريخ، مع أن في التاريخ مثلاً وأمثلة في كل حادث غريب".
قائمة مشرفة
- "إن لهؤلاء المجاهدين الدعاة المصلحين قائمة مشرفة يتجمل بها تاريخ الإصلاح والدعوة، ولا يخلو منهم زمان أو مكان، وقد كان الإمام الشهيد حسن البنا من هذه الشخصيات التي هيأتها القدرة الإلهية، وصنعتها التربية الربانية، وأبرزتها في أوانها ومكانها، وإن كل من يتعرف على سيرة هذا الرجل، وهو سليم الصدر، مجرد الفكرة، بعيدًا عن العصبية والمكابرة، يقتنع بأنه رجل موهوب مهيأ، وليس من سوانح الرجال ولا صنيعة بيئة أو مدرسة، ولا صنيع تجربة أو ممارسة، إنما هو من صنائع التوفيق والحكمة الإلهية، والعناية بهذا الدين وبهذه الأمة، والغرس الكريم الذي يُهيأ لأمر عظيم ولأمل عظيم، في زمن تشتد إليه حاجته وفي بيئة تعظم فيها قيمته.
- إن هـذه الشخصية جمع الله فيهـا مواهب وطاقـات هي: العقل الـهائل النيّر، والـفهم المشرق الواسع، والعاطفة القـوية الجياشة، والـقلب المبارك الـفياض، والروح المشبوبة النضرة، واللسـان الذرب البليغ، والـزهد والـقناعـة، والنفس الولوعـة الطموح، والهمة السامقة الـوثَّابة، والـنظر النافـذ البعيد، والإباء والغيرة على الدعوة، والتواضـع في كل ما يخص النفس.
- وقد تعاونت هذه الصفات والمواهب في تكوين قيادة دينية اجتماعية، لم يعرف العالم العربي وما وراءه قيادة دينية سياسية أقوى وأعمق تأثيرًا، وأكثر إنتاجًا منها منذ قرون".
قالوا عنه:
المحبون للندوي لا يحصى عددهم، والمتأثرون به على الساحة العربية والإسلامية لا يمكن حصرهم، والذين كتبوا عنه وأشادوا بفضله لا تحيط بهم ذاكرتي وأكتفي بأربعة فقط:
يقول عنه د. عبد القدوس أبو صالح:
"تبكي الأمهات والآباء فلذات أكبادهم لما أودع الله في قلبهم من حب وحنان، ويبكي الناس عظماء الأمة، من حاكم عادل في حكمه، أو عالم متفوق في مجاله، أو تقي يشهد له الناس بالتقوى، ولكن قلما يكون في الأمة رجال مثل أبي الحسن، يجمعون بين محبة الناس وتقدير الحكام، وبين التفوق في شتى المجالات، فهو الفقيه المتمكن، والداعية المتفرد، والمربي الجليل، والمفكر الأمين، والخطيب المفوّه، والأديب الذواقة.. إنه الرجل الذي ألقى الله محبته في سويداء القلوب، ووهبه فراسة المؤمن، وحكمة الشيخ المجرب، وتوقد القلب الحي النابض، وتقوى العابد الزاهد، فلا عجب بعد ذلك أن يكون أمة في رجل، وأن يكون حقًا بركة عصره وفريد دهره".
ويقول عنه الشيخ د. يوسف القرضاوي:
"هو شخصية ثرية متعددة المواهب، متنوعة العطاء، فهو إمام من أئمة الدعوة، وعلم من أعلام الإصلاح، ونجم من نجوم الهداية، وجبل من جبال العلم، ورائد من رواد الربانية، وقائد من قادة الإسلام.
كان أحد الرجال الربانيين الذين يدلك على الله منطقهم، ويذكرك بالآخرة سلوكهم، ويزهدك في الدنيا حالهم، وهو بطبيعته رجل معتدل في تفكيره، وفي سلوكه وفي حياته كلها، فهو قديم جديد وهو تراثي وعصري وهو سلفي وصوفي في لين الحرير وصلابة الحديد.
زارنا في قطر، وكان يشكو قلة موارد "دار العلوم" بندوة العلماء، فاقترح عليه البعض زيارة بعض التجار وطلب العون منهم، فرفض الندوي ذلك وقال: إن هؤلاء القوم مرضى ومرضهم حب الدنيا، ونحن أطباؤهم، فكيف يستطيع الطبيب أن يداوي مريضه إذا مدَّ يده إليه يطلب معونة؟".
ويقول عنه الدكتور محمد رجب البيومي:
"كان أشد ما يلفتنـي في سيرة أبي الحسن أنه أشرق في محيط العالم الإسلامي بدرًا مكتملاً، فعهدنا بصاحب الفكرة، وعاشق البحث أن يتتبع سنة التطور، فيبدو ناشئًا صغيرًا ثم تمر به الأعوام حتى يكتمل نضجه، كما يبدو البدر في أول الشهر هلالاً، ثم يسير نحو الكمال، حتى يكتمل إشراقه في الليلة الرابعة عشرة، ولكن أبا الحسن أصدر كتابه باللغة العربية "ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟" في مطلع حياته الفكرية، فكان حدثًا هائلاً في دنيا الفكر، لأنه رجّ القراء رجًا، وكأنه نفخ في الصور فأحيا نفوسًا وأشعل أرواحًا، وأخذ الناس يقرؤون مبهورين يخافون أن تنفد صفحات الكتاب".
ويقول عنه الأديب العلاّمة علي الطنطاوي:
"قد يشتغل غير العربي بعلوم العربية حتى يكون إمامًا فيها، في اللغة والنحو، والصرف، والاشتقاق، وفي سعة الرواية، بل إن أكثر علماء العربية كانوا - في الواقع - من غير العرب، ولكن من النادر أن يكون فيهم من له هذا الذوق الأدبي الذي نعرفه لأبي الحسن الندوي، فلو لم تثبت عربيته بصحة النسب لثبتت بأصالة الأدب".
وصيته
كتب فيما كتب - بمكة المكرمة يقول:
"اسمعوها مني صريحة أيها العرب: بالإسلام أعزكم الله، لو جُمع لي العرب في صعيد واحد، واستطعت أن أوجه إليهم خطابًا تسمعه آذانهم، وتعيه قلوبهم لقلت لهم: أيها السادة.. إن الإسلام الذي جاء به سيدنا محمد العربي (صلى الله عليه وسلم) هو منبع حياتكم، ومن أفقه طلع صبحكم الصادق، وإن النبي (صلى الله عليه وسلم) هو مصدر شرفكم وسبب ذكركم، وكل خير جاءكم - بل كل خير جاء العالم - فإنما على طريقه وعلى يديه، أبى الله أن تتشرفوا إلا بانتسابكم إليه، وتمسككم بأذياله، والاضطلاع برسالته، والاستماتة في سبيل دينه، ولا راد لقضاء الله، ولا تبديل لكلمات الله، إن العالم العربي بحر بلا ماء، كبحر العروض، حتى يتخذ سيدنا محمدًا (صلى الله عليه وسلم) إمامًا وقائدًا لحياته وجهاده، وينهض برسالة الإسلام، كما نهض في العهد الأول، ويخلص العالم المظلوم من براثن مجانين أوروبا الذين يأبون إلا أن يدمروا المدنيّة ويقضوا على الإنسانية القضاء الأخير، بأنانيتهم واستكبارهم وجهلهم - ويوجه العالم من الانهيار إلى الازدهار، ومن الخراب والدمار والفوضى والاضطراب إلى التقدم والانتظام والأمن والسلام، ومن الكفر والطغيان إلى الطاعة والإيمان، وإنه حق على العالم العربي سوف يُسأل عنه عند ربه، فلينظر بماذا يجيب؟!".
وفاته
ذلكم هو الإمام الندوي، وتلك هي سيرته بإيجاز، غادر دنيانا إلى الدار الآخرة يوم الجمعة 23 رمضان 1420هـ الموافق 31 /12/ 1999م في قرية (راي بريلي) القريبة من مدينة لكنهؤ بالهند - وكان ذلك قبل صلاة الجمعة، حيث توضأ واستعد للصلاة، وشرع يقرأ "سورة الكهف".
وبوفاته يكون خامس العلماء الكبار الذين فقدتهم الأمة الإسلامية في عام واحد، وهم: علاَّمة الجزيرة الشيخ عبد العزيز بن باز، وأديب الفقهاء وفقيه الأدباء العلامة الأستاذ علي الطنطاوي، والفقيه الكبير المجدد العلامة مصطفى الزرقاء، والمحدِّث الكبير الشيخ محمد ناصر الدين الألباني.
رحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته مع النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا.
وسوم: العدد 806