السيرة الذاتية للدكتور عماد الدين خليل رئيس تحرير مجلة الفكر الإسلامي المعاصر
تعريف موجز بكتاب أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلأَ انْتَ
اعتدتُ على كتابة مذكراتي يوماً بيوم، منذ عام 1956م وحتى عام 2010م، وقد تجمعت لديَّ -بناء على ذلك- أكداسٌ من الكراريس والدفاتر والأوراق، بحيث أصبحت محاولة توظيفها في كتابة سيرتي الذاتية، تكاد تكون مستحيلة. ولذا- فيما عدا بعض الحلقات- اعتمدتُ على ذاكرتي بدلاً من الرجوع الى تفاصيل المذكرات اليومية، فهي فضلاً عما تتطلبه من جهد مستحيل تنطوي على الكثير مما لا يهمُّ القارئ الاطلاع عليه، فإنّ الذاكرة تميل للاحتفاظ في معظم الأحيان بالخبرات الأكثر أهمية في حياة الانسان.
وقد ظللتُ متردداً في كتابة سيرتي الذاتية وإخراجها للناس، لكنني إذ أَدْلف الى حافات عمري، ولعلي أغادر الدنيا قبل أن تتاح فرصة نشر مذكراتي، ارتأيت أن أتوكل على الله وأشمّر عن ساعد الجد وأُنجز المهمة ... لعل فيها من الخبرات والتجارب والآلام والانكسارات والانتصارات ما يعلّم الآخرين، خاصة وأن تعاملي مع ( الكلمة) محض – بفضل الله وحده – ومنذ اللحظات الأولى وحتى الحرف الأخير، لمصارعة خصوم هذا الدّين وعرض تفوقه المدهش في الميادين كافة، متمحوراً عند مفهوم التوحيد الذي شكّل الجملة العصبية لعقيدتنا وشريعتنا وحضارتنا ووجودنا وحياتنا اليومية، الأمر الذي دفعني لأن أختار هذا العنوان، الذي يعلن شهادتي وشهادة قلمي على مدى ستين عاماً بأنه ( لا إله إِلا الله).
اعتمدتُ في كتابة سيرتي هذه اللغةَ الواضحة التي تخاطب الناس كافة، فالسيرة الذاتية هي خبرة حياة تنطوي على الكثير من القيم والتعاليم التي يتم نقلها الى الآخرين بأكثر الأساليب وضوحاً وبياناً.
تضمنت المذكرات مقدمة استعرضتُ فيها ما أحب وما أكره... وأقولها صراحة هل أنني لم أمارس أو أقع في واحدة أو أكثر من حلقات النوازع الإنسانية هذه؟ أبداً. فإن الانسان يظل إنساناً معجوناً من نفخة الروح العلوية وقبضة الطين السفلية، ولطالما وجدت نفسي أنساق مختاراً أو مرغماً صوب واحدةٍ من مطبّات اللم هذه، لكنها بفضل الله وحده، حالات عابرة لا تسعى لإن تتأصل في السلوك فتصير ممارسة يومية كما هو الحال عند الكثيرين.
تعرضتُ في العديد من مقالاتي ومؤلفاتي لنقد صريح للطواغيت، رغم ما في ذلك من محاذير... ومنع العديد منها في بعض البلدان العربية، وبخاصة في بلدي العراق حيث كانت تعليقات الرقباء عليها تحمل تنديداً صريحاً بالعديد من مضامينها الحادة والساخرة... وطالما قام زوّار الفجر بمصادرة بعض كتبي المنتشرة في المكتبات.
تعرضتُ للموت المؤكد مراراً ولكني خرجت من مآزقه سالماً غانماً بعون الله وحده. وتلقيتُ عبر حياتي عدداً كبيراً من الدعوات، بلغ ما يزيد عن سبعمائة دعوة لحضور الندوات والمؤتمرات والملتقيات وجلسات الحوار وإلقاء المحاضرات وتسجيل اللقاءات الفضائية والتأسيس للمراكز العلمية والأدبية والتكريم الشخصي... ولكن لم أنفذ من هذه الدعوات سوى عدد محدود جداً لا يتجاوز العشرات لأسباب شتى من عوائق السلطات والموانع الوظيفية، كما أن بعض تلك الدعوات كان يرتبط بشكل أو بآخر بتوظيف السلطة للمثقف فكنت أسارع بالاعتذار عن الحضور.
تلقيتُ عبر حياتي الفكرية والثقافية والأكاديمية حشوداً من التقييمات ومناسبات التكريم، وقد استعرضتُ جانباً منها في سيرتي هذه... كما عملتُ على مدى خمسين عاماً محاضراً في العديد من الجامعات والمؤسسات العراقية والعربية والإسلامية والأوروبية. وشاركتُ في إنجاز عدد من الأعمال العلمية لبعض المؤسسات، وأنجزتُ العديد من المواد العلمية والثقافية في التاريخ والحضارة والفكر والأدب للموسوعات العربية والإسلامية، وشاركتُ في عضوية اللجان الاستشارية لهيئات تحرير عدد من المجلات العلمية والفكرية المحكمة، وأشرفتُ وناقشتُ العديد من طلبة الماجستير والدكتوراه في التاريخ الاسلامي والاقتصاد والأدب ... ونشرتُ عشرات البحوث في العديد من المجلات العلمية والأكاديمية المحكمة، كما نشرتُ مئات المقالات والبحوث الثقافية والأدبية (دراسةً ونقداً وتنظيراً وإبداعاً ) في سبعين مجلة وصحيفة عربية وإسلامية وأوروبية، فضلاً عن عشرات المقابلات الصحفية. وقد ترجمتْ بعض مؤلفاتي الى العديد من اللغات...
شاركت في تأسيس (رابطة الأدب الإسلامي العالمية) وكذلك حظيتُ بعضوية (الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ).
قسمتُ سيرتي الذاتية هذه الى ثلاثة أقسام؛ تناولت في القسم الأول رحلتي مع الحياة، وفي الثاني رحلتي مع الكلمة، أما في القسم الثالث فقد تناولت رحلتي مع الأسفار.
في القسم الأول استعرضتُ بالتفصيل، وعبر فصول عشرة، يوميات حياتي بأبيضها ورماديها وأسودها؛ إذ تضمن الفصل الأول الحديث عن السنوات المبكرة من حياتي بكل ما انطوت عليه من تجارب وخبرات، ومضت لكي تغطي الفترة بين 1941م حيث سنة الميلاد و 1953م حيث الانتهاء من مرحلة الدراسة الابتدائية. يليه الفصل الثاني الذي يتناول وقائع المرحلة 1953م – 1958م حيث الدراسة المتوسطة والإعدادية. أما الفصل الثالث فقد تناول مرحلة الدراسة الجامعية (1958م – 1962م). ويمضي الفصل الرابع لكي يتابع زمن دراستي للماجستير والدكتوراه ( 1962م – 1968م ). أما الفصل الخامس فيعالج مرحلة ممارسة التدريس في كلية آداب جامعة الموصل ( 1967م – 1977م )، وأما الفصل السادس فيتحدث عن مرحلة عملي في الدائرة التي نقلتُ إليها "المديرية العامة للآثار ومتاحف المنطقة الشمالية"، حيث أصبحتُ مديراً لقسم التراث في الفترة بين ( 1977م – 1987م ). وفي الفصل السابع فيتحدث عن مرحلة عملي في كلية آداب جامعة صلاح الدين في أربيل، وكلية التربية بجامعة الموصل ( 1987م – 2000م )، أما الفصل الثامن فقد استعرض تفاصيل عملي في كلية الدراسات والعلوم الإسلامية والعربية بدبي في الإمارات العربية المتحدة ( 2000م – 2002م ). والفصل التاسع عرض لجهودي التدريسية والعلمية والإدارية في الفترة ( 2002م – 2005م ) في جامعة الزرقاء الأهلية بالأردن، وكلية آداب جامعة الموصل؛ إذ رشحتُ لأكون عضواً في مجلس الجامعة ممثلاً عن الهيئة التدريسية وفي الفصل العاشر والأخير يجيء الدور للحديث عن مرحلة عملي في كلية الشريعة بجامعة اليرموك بإربد في الأردن، ثم العودة الى كلية آداب جامعة الموصل لمواصلة العمل فيها حتى إحالتي على التقاعد عام 2009م.
بدأتُ القسم الثاني في رحلتي مع الكلمة، بحفرياتي في جذور الرحلة، وأعقبتُها باستعراض مفصل لجهودي التأليفية التي تمخضت عن مائة كتاب، منذ أول كتاب أتيح له النشر عام 1970م وحتى آخر كتاب سيتاح له النشر بإذن الله فيما بعد عام 2020م، يليه جملة من التأملات في الكتابة والإبداع، واستعراض للعديد من قناعاتي الخاصة في قضايا الأدب والنقد.
تختتم السيرة بعرض مفصل لرحلتي مع الأسفار؛ تلك التي بدأت برحلة 1963م الى سوريا ولبنان ومصر وانتهت برحلة 2001م الى فرنسا وإسبانيا...
ولقد ترددت طويلاً في اختيار العنوان المناسب لسيرتي الذاتية المتواضعة هذه، ثم ما لبثت أن وقعت على المطلوب، فتملكتني فرحة غامرة؛ لأن العنوان سيكون كفاء كلّ ما خطته يداي منذ أول كلمة كتبتها قبل أكثر من ستين عاماً، وحتى آخر كلمة سيقدر لها أن تخطها يداي: أشهد أن لا إله إلا أنت!!
ثمة أخيراً ما يؤرقني ويملأ فمي بالمرارة... أنني وأنا أكتب سيرتي الذاتية، اندفعتُ بأكثر مما يجب في عرض ما تلقيته من تقييم من هذا الطرف أو ذاك، رغم تحذير الرسول المعلم: (حتى يقال إنه عالم فها قد قيل، فيكبّ على وجهه في النار)... لكن ما كان يخفف عني شيئاً من العذاب أنني أممّتُ كل حرف وكل كلمة كتبتها على مدى عمري كله لتأكيد أحقية هذا الدين في حكم الحياة وقيادتها... فلعل ذلك مما يشفع لي عند الله سبحانه يوم الحساب!
وسوم: العدد 880