السيدة الجليلة الصحابية أم الفضل لبابة الكبرى رضي الله عنها
إنّها أم الفضل: لبابة بنت الحارث بن حزن الهلالية، المعروفة بلبابة الكبرى، أول امرأة دخلت الإسلام بعد خديجة، رضي الله عنهما.
مكانتها من بيت النبوّة:
إنها زوج العباس بن عبد المطلب، عم النبي صلّى الله عليه وسلّم، وهي أم عبد الله بن عباس والفضل بن عباس.
وهي التي أرضعت الحسين بن علي رضي الله عنهما.
وكان لأم الفضل ست أخوات، اشتهر منهن أربع:
اثنتان شقيقتان لها، وهما ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين، ولبابة الصغرى العصماء أم خالد بن الوليد.
واثنتان أختان لها من أمها، وهما: أسماء بنت عميس وهي أم عبد الله بن جعفر الطيار، وسلمى بنت عميس وهي زوج سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب.
* * *
كانت أم الفضل صديقة لخديجة قبل البعثة، فلما نزل الوحي وكانت خديجة أول مَن آمن، دعتْ صديقتها أم الفضل إلى الإسلام، فكانت في زمرة السابقين. يقول ابن سعد في الطبقات: أم الفضل أول امرأة آمنت بعد خديجة.
ومع أن زوجها العباس لم يكن قد آمن يومئذ، فإنه لم يكن عدوّاً للإسلام كما كان أخوه أبو لهب، فلم تنكر إيمانها عنه ولم يمنعها. وكان للعباس مكانة وجاهة في قريش، فقد كان من أغنياء مكة، وكان أخوه أبو طالب شيخ بني هاشم وله فوق ذلك السقاية والريادة. فلما توفي أبو طالب آلَ كل ذلك لأخيه العباس.
وكان لأم الفضل فضلٌ في التأثير على أخواتها فأسلمنَ جميعاً إلا أن أختها لبابة الصغرى، وهي زوج الوليد بن المغيرة وأم خالد، كانت تخشى عنف زوجها فتأخّر إسلامها إلى أن مات الوليد وأسلم خالد.
وكثيراً ما كانت أم الفضل تتواصل مع أخواتها وتتشاور وتتناصح، فأما أختها سلمى فقد أسعدها الله بإسلام زوجها حمزة بن عبد المطلب، وزفّت إلى أم الفضل البشرى بذلك، فما كان أسعدها!. وأما أختها أسماء بنت عميس فقد هاجرت مع زوجها جعفر بن أبي طالب إلى الحبشة، وعلى صعوبة الفراق كانت أم الفضل تشدّ على يدها وتوصيها بالثبات. وأما أختها ميمونة فقد تزوّجت من أبي رهم بن عبد العزى وكانت تشكو لأم الفضل كفر زوجها، فتوصيها بالصبر حتى يأذن الله بالفرج، وأما شقيقتها الأخرى لبابة الصغرى فقد تزوجت من الوليد بن المغيرة الذي كان شديد العداء للإسلام ونبي الإسلام صلّى الله عليه وسلّم، لذلك تأخّر إسلامها إلى ما بعد موت الوليد وإسلام ابنها خالد.
كان الذي يقلق تفكير أم الفضل هو موقف زوجها العباس الذي كان يتراوح بين حبّه لابن أخيه وثقته به، وبين حرصه على زعامة قريش، مما يقتضي ممالأة أبي جهل وأضرابه، فكانت لا تفتأ تدعوه وتدعو له وتنصحه وتصبر عليه.
وكان تعاطف العباس مع ابن أخيه صلّى الله عليه وسلّم يجعله محل ثقة واطمئنان عند النبي صلّى الله عليه وسلّم، حتى إنه جاء به معه يوم العقبة حيث يأخذ البيعة من وجوه الأوس والخزرج في لقاء سرّيّ لا يجوز أن يطّلع عليه أحد من المشركين. وحين يقال: إن العباس جاء ليستوثق لابن أخيه فهذا يعني بعضَ الحقيقة، أما بعضها الآخر فهو أن ميل العباس إلى الدين الحق كان واضحاً.
حتى إذا جاء يوم بدر، ولم يجد العباس عذراً في القعود عن مشاركة قومه المشركين، خرج وأخرج معه ابنه البكر: الفضل، وانجلت المعركة عن الفتح المبين للمسلمين، وعن قتلى وأسرى من المشركين. وكان من الأسرى العباس وابنه، حتى افتدى نفسه بمال كثير، وكان الإيمان يتفاعل في نفسه أكثر فأكثر، حتى إنه لم يرض أن يشارك المشركين يوم أحد أو يوم الخندق، ولعلّه قد أصبح مسلماً حقاً من غير أن يعلن ذلك للناس... وكان وراء ذلك حَدَبُ أم الفضل ونصحها ودعوتها.
وحين غزا النبي صلّى الله عليه وسلّم خيبر ونصره الله وعلم العباس بذلك، أعلن فرحته وتحدّى مشاعر زعماء قريش آنذلك، وكانت فرحة أم الفضل أكبر، وعلمت أن العباس إنما يؤجّل هجرته إلى المدينة وإعلان إسلامه لمصالح يرعاها للدين الحق، إلى أن أذِن الله فهاجر وأم الفضل إلى المدينة المنورة حيث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
وهناك رأت في منامها أن عضواً من أعضاء النبي صلّى الله عليه وسلّم في بيتها، فذكرت ذلك للنبي صلّى الله عليه وسلّم فقال لها: تلد فاطمة غلاماً وتُرضعينه بلبن قُثَم [ قُثَم هو أحد أبناء أم الفضل]. وكانت فاطمة حاملاً بالحسين، فكان لأم الفضل شرف إرضاع سيد شباب أهل الجنة.
ولقد كانت أم الفضل موضع اهتمام النبي صلّى الله عليه وسلّم، قبل الهجرة وبعدها، فكان يزورها في بيتها، فتسأله وتتعلّم منه وتتفقّه من فمه الشريف. ويوم حجّة الوداع كثُر لغط الناس حول صيام النبي صلّى الله عليه وسلّم يوم عرفة، فأتت أم الفضل بقدح من لبن إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فشربه، ودلّل على أنه ليس للحاج أن يصوم يوم عرفة.
وبقيت بعد وفاة النبي صلّى الله عليه وسلّم عابدةً لله صابرةً شاكرة، حتى التحقت بجوار ربها في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه.
وسوم: العدد 1022