رائد الفضاء السوري محمد فارس الحلبي ثائر الشهباء الحر الشريف

رثاؤه - حياته

مقالات مهمة عنه

بسم الله الرحمن الرحيم

تمهيد

الحمد لله رب العالمين القائل: (ومن يُهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مُراغَمًا كَثِيرًا وسَعَة ومن يخرج من بيته مُهاجرا إلى الله ورسوله ثم يُدركه الموت فقد وقع أجره على الله). (النساء- 100).

وصلى على سيدنا ومولانا محمد سيد من هاجر في سبيل الله، وعلى آله وصحبه، ومن اتبع هداه، وسار على نهجه إلى يوم الدين.

ولله در الشاعر القائل:

إذا رَضِيَت عنِّي كِرَامُ عَشِيرَتِي         فلا زالَ غَضبانًا -عَلَيَّ- لِئامُها

وبعد؛ فهذا كُتيب، أو رسالة تتحدث عن رجل نابغة شهم حر، وثائر بطل شريف؛ إنه أخونا اللواء الطيار الحلبي السوري المؤمن المعروف محمد بن أحمد فارس، أبو قُتيبة.

فهو من خيرة ضباط سورية الحبيبة، ومن المؤمنين الأحرار الأعِفَّاء الشرفاء العِصاميين الأبطال؛ الذين عارضوا نظام البعث الفاجر، خلال عهدي الطاغيتين حافظ الأسد، وابنه بشار.

وهو ممن وقفوا في وجه الظلم والفساد والطغيان، وحاولوا الإصلاح ما استطاعوا أثناء وجودهم في سورية، مع تهميش النظام ومضايقته له.

ولما هبت رياح الثورة السورية المباركة عام 2011م، وقام الشعب السوري الأبي ضد حكم بشار وطغمته الفاسدة، في مظاهرات سلمية كاسحة، كان من جملة من أيَّدها؛ فاعتُقل، وهُدِّد؛ فانشقَّ عن ذلك النظام الكافر الفاجر الغادر، والتحق بركب الضباط الأحرار والشرفاء المُنحازِينَ إلى شعبهم المظلوم، ولأمتهم المكلومة والمقموعة، طيلة أربعة عقود من ذلك النظام وشبيحته، وعصابته الفاسدة والمُفسدة.

فلجأ في عام 2012م إلى بلد مسلم شقيق هو تركية، وترك عِزَّه المَادِّيَّ الدنيا، وبيته الفخم، وسيارتيه، وباع نفسه له مهاجرا في سبيله مع أسرته.

وأقام في تركية حُرًّا عزيزا كريما، مُناضلا ومجاهدا بالعلم والكلمة، مع إخوانه الثوار في تركية، حتى أتاه اليقين في عينتاب قبل 8 أيام.

وقد ذكرت في هذا الكتيب قصيدتي ومرثيتي في فقيدنا الراحل محمد فارس رحمه الله، وهي تقع في (43) بيتا، كما أوردت شرحها كاملا وسميته: "حِليَةُ الغِيد الأوانِس بشرح مرثية محمد فارس".

*ثم أوردت عددا من المقالات المُهمة في الشابكة التي تكلمت عن الفقيد "الفارس"، ونَعَتْه، وأنصفته، وترجمت له، وذكرت تهميش نظام البعث له، وعدم مُبالاة الفارس بذلك؛ لأنه رجل مؤمن أصيل، وإنسان عملي؛ فهو يُدرك الحكمة الرائعة التي تقول: "أن تشعل شمعة، خير لكَ مِن أن تلعن الظلام ألفَ مَرَّة"؛ لذا فقد قضى وقته -في سورية وخارجها بعد هجرته- يعمل جُهدَه في مجاله، وهو نشر علوم الفضاء، ويُثَقِّف الناسَ بها حتى وافته منيته، عن نحو ثلاث وسبعين سنة.

*ثم ذكرت مُلحقين بالكتاب وشرح المرثية، أحدهما عن "مجزرة حماة" المُرَوِّعة التي ارتكبها نظام البعث في عهد حافظ الأسد وبمشاركة قوات "سرايا الدفاع" الآثمة بقيادة أخيه رفعة الأسد في شباط سنة 1982م.

والملحق الثاني عن "مجزرة سجن تدمر" الرهيبة التي جرت في حزيران سنة 1980م، ضد مئات السجناء العُزل، والتي ارتكبتها قوات سرايا الدفاع" المُجرمة التي كان يقودها رفعة الأسد، من خلال شهادة شاهدين ممن شاركا فيها، ذَكرَهما مع شهادتهما "تلفزيون سورية".

رحم الله فقيدنا ابن حلب الشهباء الحر الشريف، اللواء ورائد الفضاء محمد فارس، وأسكنه في عليين مع النبيين والصديقين، والشهداء والصالحين، ورزق أهله وأحبابه الصبر والسلوان، وعَظَّم أجرَهم، وأحسن عزاءهم، وعوَّضهم عن مُصيبتهم خيرا.

وصلى الله على سيدنا وحبيبنا وقائدنا إلى الأبد محمد، وعلى آله وصحبه وسلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

وكتبه: سيد أحمد بن محمد السيد ظهر السبت في:

18/شوال/1445هـ = 27/نيسان- أبريل/2024م

sfdfdf10781.jpg

دمعة وفاء ورثاء على:

رائد الفضاء السوري اللواء الطيار محمد فارس الحلبي

وثائر الشهباء الحر الشريف

(1370- 1445هـ = 1951- 2024م)

سيد أحمد بن محمد السيد

-1حَقًّا تَرَجَّلَ فَارِسُ الشَّهبَاءِ؟           وقَضَى اللِّوَاءُ، ورَائِدٌ لِفَضَاءِ؟

-2 أتُرَى قَضَى النَّسرُ المُحَلِّقُ في السَّمَا

   وغَدَا رَهِينَ القَبرِ في الغَبرَاءِ؟

3- حَقًّا مُحَمَّدُ قد سُقِيْ لِمَنُونِهِ؟           و أتَى الحِمَامُ ؛ مُوَفِّيًا لِقَضَاءِ؟

-4 أأبُو قُتَيبَةَ فارَقَ الدُّنيَا ، وسَا           رَ مُوَدِّعًا   لِلأهلِ ، و الأبنَاءِ؟

-5وحَيَاتُهُ الأولَى انتَهَى مِشوَارُهَا    

         و حَيَاتُهُ الأبقَى ابتَدَت لِلرَّائِي؟

   ************

-6 سُبحانَ رَبِّي! بَارِئًا لِنُفُوسِنَا             مِن آدَمٍ ، مَعْ   أمِّنَا   حَوَّاءِ

-7 و مُقَدِّرًا آجالَنَا ،   و مُمِدَّنَا               بِحَيَاتِنَا، في صُبحِنَا، ومَسَاءِ

-8و مُمِيتَنا عِندَ انتِهَاءِ كِتابِنَا               و مُعِيدَنَا لِلحَشرِ يَومَ جَزَاءِ

-9 و مُوَفِّيًا كُلَّ الوَرَى أعمالَهُمْ               لِلمُحسِنِينِ، و غَيرِهِم ، بِكِفَاءِ

   ************

-10 تَبكِيكَ ثَورَةُ أهلِنَا في سُورِيَا             بِرِجِالِهَا ؛ أطفَالِهَا ، و نِسَاءِ

-11 يَبكيكَ أحرارٌ بِهَا ، و حَرَائِرٌ               يَبكيكَ أهلُ العِزَّةِ   القَعسَاءِ

-12يبكيك كُلُّ مُهَجَّرٍ مِن أرضِهَا               يَبكِي لِفَقدِكَ ، كُلُّ حُرٍّ نَاءِ

   ************

-13 يَا رَائِدًا صَعِدَ الفَضَاءَ مُوَحِّدًا           لِلَّهِ فِي السَّرَّاءِ ، و الضَّرَّاءِ

-14يا داعِيًا مَولَاكَ عِندَ مَلَاحِدٍ           ولَدَى انطِلَاقِ مَرَاكِبٍ لِفَضَاءِ!

-15و مُنَادِيًا "اَللهَ" حِينَ صُعُودِهِ           في الجَوِّ مُنطَلِقًا إلَى الجَوزَاءِ

-16 ومُغَاضِبًا لِحُوَيفِظٍ فِي رفضِكُم           لِلإعتِذارِ   لَهُ ،   بِكُلِّ إبَاءِ!

-17 لِلَّهِ دَرُّكَ! مِن شُجَاعٍ مُؤمِنٍ             لم يَخشَ غَيرَ اللهِ ذِي الآلَاءِ

   ************

-18يَا أيُّهَا الشَّهمُ الشَّرِيفُ وثَائِرًا           حُرًّا عَلَى الظُّلَّامِ ، و اللُّؤَمَاءِ

-19 يا ثَائِرًا رَامَ الكَرَامَةَ، والعُلَا           مَعَ أمَّةِ الأحرَارِ ، و الشُّرَفَاءِ

-20 عَارَضتَ بَشَّارَ الخَسِيسَ وعُصْبَةً    

قَتَلَت   لِآلَافٍ ؛   مِنَ   البُرَآءِ

-21وانحَزتَ لِلشَّعبِ الأبِيِّ وثَورَةٍ           لِلحَقِّ قَامَت ضِدَّ سَفكِ دِمَاءِ

-22 ووَقَفتَ مَعْ أهلِيكَ ضِدَّ الظَّالِمِيـ           ـنَ لِأَهلِنَا ، فِي ثَورَةِ النُّبَلَاءِ

-23غَادَرتَ شَهبَاءَ المَعَالِي مُرغَمًا

         لَكِن   فِدَا الحُرِّيَّةِ   الحَمْرَاءِ

-24 و لَجَأتَ مِن ظُلمٍ إلَى تُركِيَّةٍ           وصَبَرتَ صَبرَ السَّادَةِ الكُرَمَاءِ

-25 وعَمِلتَ مَعْ ثُوَّارِنَا فِي غُربَةٍ           فِي هِمَّةٍ ، وعَزِيمَةٍ ، ومَضَاءِ

-26 وبِآخِرٍ أوصَيتَ أن:"لا تَيأسُوا"         فالنَّصرُ مِن رَبِّي يِقِينًا جَائِي

-27وقُبَيلَ مَوتٍ كَمْ سَألتَ إلَهَنَا؟           نَصرًا لِغَزَّةَ ، سُورِيَا ؛ بِدُعَاءِ          

-28حَتَّى قَضَيتَ بِـ"عَينِتَابَ" بِغُربَةٍ           طُوبَى لَكُم ! بِشَهَادَةِ الغُرَبَاءِ

-29 ودُفِنتَ في"أعزازَ" تُربَةِ سُورِيَا  

     بِجِوَارِ مَوطِنِكَ القَرِيبِ النَّائِي؟!

     ************

-30 أأبَا قُتَيبَةَ كَم طَمَحْتَ بِأن تَرَى         رَبعَ الشَّآمِ مُحَرَّرَ الأرجَاءِ؟

-31 ومُطَهَّرًا مِن رِجسِ بَعثٍ فَاجِرٍ         و عِصَابَةٍ   عَاثَتْ  بِكُلِّ فِنَاءِ

-32 مِن عُصبَةٍ   أسَدِيَّةٍ  وَحشِيَّةٍ         نُكِبَت بِهَا   سُورِيَّةٌ ؛ كَوَبَاءِ!

-33 في نِصفِ قَرنٍ خَرَّبُوا وَطَنًا لَنَا         بِالقَتلِ ، و الإفسَادِ ، و الإفنَاءِ

-34فِي عَهدِ حَافِظَ دَمَّرُوا لِحَمَاتِنَا         قَتَلُوا لِآلَافٍ    مِنَ الشُّرَفَاءِ!

-35 و كَذاكَ آلَافٌ قَضَوا فِي تَدمُرٍ       و سِوَاهُ ؛ بِالتَّعذِيبِ   لِلأبنَاءِ!

-36وبِعَهدِ بَشَّارِ الخَؤُونِ فأصبَحَت         سُورِيَّةٌ ؛ كَالبَلقَعِ   الجَردَاءِ؟!

-37فمَلَايِنٌ قد هُجِّرُوا واستُشهِدُوا         قَتلًا ، و تَغرِيقًا   بِمَا الدَّأمَاءِ

-38 بِالقَصفِ والتَّدمِيرِ والتَّهجِيرِ مَعْ

       فَتكٍ لِـ"كِبتَاغُونَ"؛ في الأنحَاءِ

-39 مَعَ غَزوِ دُبِّ الرُّوسِ مَعْهُ رُفَّضٌ

   جَاؤُوا مِنَ الآفَاقِ، والأرجَاءِ

   ************

-40 يَا رَبِّ! فَلتَرحَمْ مُحَمَّدَ فَارِسًا           بِمَرَاحِمٍ تَترَى، وحُسنِ جَزاءِ

-41 ربَّاهُ! أكرِمْ   نُزلَهُ ، و تَوَلَّهُ           في رَمسِهِ ، بِكَرامَةٍ ، و حِبَاءِ

-42أدخِلهُ رَبِّي في الفَرَادِيسِ العُلَى  

       يَومَ القِيَامَةِ ، سَيِّدَ الكُرَمَاءِ!

-43و كَذَاكَ أهلُوهُ ، و أحبَابٌ لَهُ             أكرِمهُمُو ؛   بِالجَنَّةِ الفَيحَاءِ

     ************

sfdfdf10782.jpg

محمد فارس بِبِزَّة الفضاء

نُبذة عن حياة محمد فارس

*اسمه ونسبه:

هو محمد بن أحمد فارس الحلبي، عسكري وطيار سوري برتبة "لواء" في الجيش السوري، ورائد فضاء سوري معروف، وباحث على متن مركبة الفضاء سايوز TM-3 (سويوز TM-2) ومجمع مير المداري للأبحاث، كان أولَ سوري، وثانيَ عربي يصعد إلى الفضاء.

وهو مُنشق عن النظام السوري، ومُعارض بارز لنظام البعث المجرم.

كان فارس في سورية طيارا مقاتلا على الطائرة "ميغ 21″، وعمل فيها مدربا للطيران، ومثّل سوريا في رحلة إلى الفضاء الخارجي مع رائدين روسيين، ويعد محمد فارس أول سوري يرتاد الفضاء، وثاني عربي بعد سلطان بن سلمان آل سعود.

*ولادته ونشأته:

ولد محمد فارس في مدينة حلب الشهباء السورية، في حي "الموغامبو" منها، وفي هذا الحي قضى جُلَّ حياته.

*دراسته وبيئته، وتكوينه العلمي:

نشأ فارس في بيئة تقدس العلم، وفيها تنافس شديد بين الطلبة، ويقول عن حارته الشعبية "لا أعرف أحدا بحارتنا إلا وكان يدرس"، ولذلك فقد خرج من رحمها أطباء ومهندسون وطيارون ونابغون في تخصصات عديدة.

حلم محمد فارس في طفولته أن يكون طيارا، خاصة عندما كان يشاهد مسار الطائرات العسكرية المحلقة من الكلية الجوية بحلب.

وبعد الحصول على شهادة البكالوريا (الثانوية العامة) توجه إلى تخصص الهندسة، لكنه تركها وذهب للتطوع طيارا حربيا، وهناك استأنس بمصطلحات الفضاء والأقمار الصناعية، إذ لم تكن معروفة لديه سابقا.

ويقول إنه حينها كان الطيار "رمزا للقوة دفاعا عن الوطن"، وكان ذلك سبب اختياره العمل في هذا المجال، فقد كانت حماية الوطن وبذل النفس من أجلها شيئا عظيما ومقدسا.

*قصة رحلته إلى الفضاء: التحضير للرحلة

قبل أن يكون فارس رائد فضاء كان طيارا مقاتلا على متن الطيارة "ميغ 21″، يحلق لحماية سماء بلاده سوريا كما يصف، حتى تقرر اختيار طيار مقاتل من بين نحو 60 طيارا ليمثل البلاد في رحلة إلى الفضاء، وتمت الاختبارات الشاقة كما يصفها في دمشق.

وكان سبب اختيار طيار مقاتل لرحلة الفضاء، أن بنيته تكون الأكفأ للتأقلم مع حياة الفضاء القاسية.

وبعدها أتت لجنة من الاتحاد السوفياتي واختارت 4 من 10 رشحتهم سوريا، وأخذوا إلى موسكو، وهناك اختير اثنان فقط من بين الأربعة، وبدؤوا بتدريبات قاسية وشاقة.

وكان تحضير رواد الفضاء للرحلة إلى محطة الفضاء السوفياتية "مير" يحتاج تكوينا علميا كبيرا وتجهيزا بدنيا ورياضيا ونفسيا؛ لذا دُرّب الرواد لمدة سنتين، وفي السنة الأولى اختير فارس رائدا أساسيا، وزميله الآخر -"منير حبيب"- كان احتياطيا ضمن برنامج للتعاون في مجال الفضاء بين سوريا والاتحاد السوفياتي.

وقبل اختياره تعرض فارس لضغط كبير، فقد قال له ضابط روسي "هل تعتقد أننا سنختارك أم نختار زميلك؟"، فاستغرب فارس واستفسر عن سبب سؤاله، فقال الضابط إن النظام السوري كان يضغط لاختيار زميله منير حبيب، فرد فارس "أنا رجل مسلم آخذ بالأسباب وأعمل وأجد وأجتهد، ولو كتب لي الله أن أشرب الماء في الفضاء سأشربه رغما عنك وعن جنرالات زميلي".

*الانطلاق إلى الفضاء، والبقاء فيه نحو 8 أيام

شارك محمد فارس في الترتيب والإعداد للرحلة مع مجموعة من زملائه روَّاد الفضاء، منهم السوري منير حبيب. سبق التدريبَ عدَّة اختبارات في سوريا، ثم في مدينة النجوم في روسيا، وكانت رحلةً فضائية علمية مشتركة بين سوريا والاتحاد السوفيتي هي الرحلة الفضائية السورية السوفيتية التي أطلقت إلى الفضاء الخارجي بتاريخ 22 يوليو 1987 في المركبة الفضائية SOYUZ - M3.

يقول فارس إن "الإنسان يولد مرة، لكن رائد الفضاء يولد مرتين، الأولى من رحم أمه، والثانية من رحم الأرض". ويذكر تفاصيل رحلته يوم 22 يوليو/تموز 1987 فيقول، إنهم كانوا يحلقون بسرعة 28 ألف كيلومتر في الساعة، أي خلال 90 دقيقة يدورون حول الأرض دورة كاملة، واستمرت الرحلة 7 أيام و23 ساعة.

وخلال دورة الأرض يستطيعون مشاهدة الليل والنهار الأرضيين، في ظل ظلام دامس، وعندما تدق الساعة الثامنة صباحا بتوقيت روسيا، كان المركز الفضائي يرسل إشارة لمركبة فارس وزملائه الروس، وكانوا ينامون في أكياس.

*بحوث الفارس في الرحلة الفضائية

أنجز محمد فارس في أثناء الرحلة ثلاث عشرة تجرِبة علمية في الفضاء على متن المركبة الفضائية، وعدَّة أبحاث في مجالات صناعية وجيولوجية وكيميائية وطبية، وفي الرصد الفضائي والاستشعار عن بعد، سبق الإعدادُ لها في سوريا، والتجارِبُ هي:

1- تجرِبة حركة الدم في جسم الإنسان، ومدى تأثرها بالأجواء المحيطة في الفضاء.

2- تجرِبة مراقبة القلب باستعمال جهاز خاص لرصد التغيُّرات وقياسها.

3- تجرِبة مدى تأثير الفضاء على روَّاد الفضاء.

4- تجرِبة خلط معدِن الجاليوم ومعدِن الأنتموان.

5- تجرِبة خلط معدِن الألمنيوم ومعدِن الحديد.

6- تجرِبة الموصِّلات الإلكترونية التي تدخل في مجال الصناعات الإلكترونية.

7- تجرِبة دراسة الطبقات الجيولوجية للأرض، في سوريا من ارتفاع 300 كم.

8- تجرِبة دراسة الأحواض المائية في سوريا من الفضاء الخارجي.

9- تجرِبة دراسة أنواع التربة.

10- تجرِبة تركيب معادن صناعية للاستفادة منها صناعيًّا.

11- تصوير سوريا من الفضاء الخارجي؛ باستعمال مصوِّرات (كاميرات) خاصة (كاميرا mfk - 6m، وكاميرا kate - 140).

*المكالمة التي جرت بين حافظ الأسد ومحمد فارس وهو في الفضاء

محمد فارس:

"أنا المقدم محمد فارس رائد الفضاء العربي السوري أعلمكم بأننا نمر لأول مرة فوق سماء بلادنا الحبيبة سورية، وبهذه المناسبة السعيدة أبلغ وأبعث بأحر تحياتي القلبية، وأشواقي الحارة إلى السيد الرئيس حافظ الأسد، وإلى جماهير أمتنا العربية في كل مكان، باسمي وباسم قائد الرحلة المشتركة يُوري رَمامينكو، وبقية أعضاء طاقم الرحلة نبعث بأحر تحياتنا القلبية إلى السيد الرئيس حافظ الأسد، وإلى جماهير أمتنا العربية".

حافظ الأسد:

"المقدم محمد! أنا الرئيس حافظ الأسد".

فارس:

"احترامي سيدي الرئيس! إني أسمعكم جيدا، وأنا مسرور جدا بهذا اللقاء".

حافظ:

"وصلتني تَحِيَّتُكَ، وأشكرُكَ، وأشكر قائد الرحلة الرفيق رمامينكو، وأرجو أن تبلغ شكري لكل رفاقك الفضائيين السوفييت.

والآن كيف هو وَضعُكَ الصِّحِّيُّ والمَعنَوِيُّ؟".

فارس: "شكرا سيدي الرئيس! صِحتي جيدة والحمد لله، ومعنوياتي عالية، وقد ازدادت إشراقا وقوة بلقائكم سيدي الرئيس!

وكما سأبلغ تحياتكم لبقية طاقم الرحلة".

حافظ:

"مقدم محمد! إنني سعيد شخصيا، وأثق أن كل المواطنين السوريين، والعرب عموما سُعداء بالمهمة التي تقوم بها.

قل لي الآن: ماذا ترى وأنت على هذا الارتفاع الكبير عن الأرض؟".

فارس:

"سيدي الرئيس! إنني مسرورٌ جِدًّا، وسعيد جدا؛ لأنني أرى بلدي الحبيب، أراه رائعا جميلا، كما هو في الحقيقة، إني أرى سواحله الجميلة

الرائعة، إنني أرى جباله الخضراء الجميلة، وأرى سهولَه، أرى جبلَ الشيخ شامخا، وجولاننا الحبيب، إني أرى كل بقعة فيه رائعة جميلة، إنني سعيد جدا بهذه المشاهدة".

*بين فارس وبين حافظ الأسد

ورغم تهيئة فارس وإمداده بالإجابات التي سيجيب بها عن مكالمة أجراها معه الرئيس السوري آنذاك حافظ الأسد مباشرة وهو في مركبته الفضائية، فقد رفض الالتزام بهذه الإجابات، فهو ليس رجلا آليا كما يقول، بل هو إنسان يجيب حسب سياق الحديث.

ويقول الصحفي "ياسر البدوي" - الذي كان ينقل رحلة رائد الفضاء محمد فارس في بلاده-: "إن عدم التزام فارس بما أملي عليه، وحديثه مع الأسد وهو في السماء، بأسلوب لم يكن مُعتادا حينها، لم يُعجب الحكومة، ولا السلطة، ولا الجيش.

*احتفالات محدودة

بعد عودته من الفضاء لاحظ فارس أن الاحتفالات به لم تستمر أكثر من 3 أيام، وتوقفت فجأة في اليوم الرابع، وهو ما فسره هو وكثيرون بأن النظام السوري كان يريد استغلال نجاح رحلته إعلاميا، لكن دون أن يجعل منه بطلا قوميا ورمزا وطنيا ينافس رموز النظام.

ويبرر رائد الفضاء الاحتفال الكبير الذي استقبل به والألوف التي حضرته، أن الشعب السوري "كان مقموعا لعقود"، وللتنفيس عنه كان فارس أداة لذلك، خاصة أن الإعلام في البلاد كان يُدار من جهة واحدة، وتحت أوامر السلطات، في ظل انعدام الإعلام الخاص.

ويقول فارس: إنه أنجز خلال رحلته الفضائية 13 تجربة علمية، صُدم الروس من سرعة إنجازها في وقت قياسي، لكن هذه الدراسات لم تستثمر ولم تلق اهتماما ولا صدى في بلاده، وأغلق النظام ملفها.

*وله إلى جانب ذلك أبحاث أخرى في مجالات صناعية، وجيولوجية، وكيميائية، وطبية، ومجال رصد الفضاء، والاستشعار عن بُعد.

*لقاء حافظ الأسد

يذكر فارس أن لقاءه الأول مع حافظ الأسد كان وقت تقلده وسام بطل الجمهورية السورية العربية، وسلمه الأسد الوسام بيده علما أن العادة أن يقلده إياه بنفسه، كما يذكر "سلامه البارد" عليه.

ويقول عن لقائه الثاني مع الأسد، إنه كان بحضور رائد الفضاء السعودي، وذكّره الأسد بما نطق عندما أقلعت رحلته وأنه قال "يا الله"، ويقول فارس "كوني مسلما كان بديهيا أن أنطق بها، لكن حافظ قال إنها ضايقت الروس"، لكنه أنكر ورد عليه بأن الروس لم ينزعجوا منها وكان أمرا طبيعيا لهم.

لم يعجب رد فارس الرئيس حافظ، فعمد إلى عزله تماما عن العموم والإعلام، وبعد 6 أشهر استقبل الأسد باقي رواد الفضاء بعد أن هبطت مركبتهم، لكن القصر أمر بألا يحضر فارس اللقاء، وبقي الصحفيون يستفسرون عنه بعد أن انقطعت أخباره تماما.

وكان فارس قد طلب من النظام السوري تأسيس معهد لعلوم الفضاء بهدف "مساعدة غيره مِن السوريين في الانخراط في أبحاث الفضاء"، لكن النظام رفض ذلك، وقيَّد حرَكته، وفرض عليه الإقامة الجبرية.

*الثورة السورية واللجوء إلى تركية

بدأ المنعطف الجديد في حياة رائد الفضاء السوري مع بداية الثورة السورية عام 2011، فقد شارك في المظاهرات المناهضة للنظام، حتى استدعته أجهزة الأمن، فقرر حينها مغادرة البلاد مع أسرته فـ"الحرية والكرامة أغلى شيء في الوجود، ولا حدود للقتل عند النظام" كما يقول.

في ظل المراقبة المستمرة له من النظام السوري داخل حلب، قرر فارس الخروج سرا، وفرّق أولاده في المدينة واتفق معهم على الالتقاء بمكان معين، ثم خرجوا جميعا في مناورة سرية داخل أحياء حلب حتى وصلوا كفر حمرة، التي كانت تحت سيطرة الجيش السوري الحر وأكملوا باتجاه الشمال، ومن هناك إلى تركيا.

*انشقاقه عن النظام السوري المجرم

في 4 أغسطس 2012، في أثناء الثورة السورية، انشقَّ اللواء محمد فارس عن نظام بشار الأسد وانضم إلى الثورة السورية. وفي 13 سبتمبر 2012، أجرى مقابلة حصرية مع قناة الآن تحدَّث فيها عن العديد من المواضيع المتعلقة بالحرب على نظام الأسد الدائرة في سوريا.

*تكريم وأوسمة

كرَّمه الاتحاد السوفيتي بعدَّة أوسمة لإنجازاته المهمة، منها:

1- "وسام لينين": عام 1987.

2- "وسام بطل الاتحاد السوفيتي": في 30 تموز 1987.

3- "وسام الاستحقاق في استكشاف الفضاء": عام 2011.

4- منحه الرئيس السوري الرحل حافظ الأسد "وسام بطل الجمهورية العربية السورية": فور عودته من رحلته إلى الفضاء عام 1987م.

5- أطلقت عليه صحيفة الغارديان البريطانية لقب "أرمسترونغ العرب".

6- صنفه الهلال الأحمر التركي "أول رائد فضاء تركي": عقب نيله الجنسية التركية، وبعد لجوئه إليها.

*وصية محمد فارس

كانت وصية محمد فارس -قبل وفاته رحمه الله حسبما قال ابنه قتيبة- لكل سوري، ولكل حر:

"أن لا تيأسوا، لا تيأسوا، وأن نؤمن بالله عزوجل بأن النصر من عنده، بإذن الله سننتصر"، وكان وهو على فراش الموت كلما يصحو يقول: "سوف يزول الألم بإذن الله تعالى"، وكان -رحمه الله- في مرضه الأخير يدعو لسورية، ويدعو لأهل غزة".

*وفاته ودفنه:

*حضر جنازته آلاف المشيعيين وصُلّي عليه في مسجد الفاتح بمدينة إسطنبول التركية، عصر يوم الاثنين، الموافق 2024/04/22م.

ثم نقل إلى مدينة "أعزاز" شمال غربي حلب ليُدفن في "مقبرة الشهداء" فيها، يوم الاثنين الموافق 22 أبريل 2024م، في جنازة حافلة، ومشهد مهيب حضره بعض العلماء، وبعض رموز المعارضة السورية، وجم غفير من محبي الفارس وعارفي فضله ونبله.

*أسرة محمد فارس

هو متزوج من هند عقيل الناشطة الإنسانية ورئيسة "جمعية اللمة السورية"، وله منها 4 أولاد، أكبرهم "قُتَيبة"، وبه يُكْنَى.

sfdfdf10783.jpg

sfdfdf10784.jpg

محمد فارس من مشفاه بعينتاب قبل وفاته بيوم واحد رحمه الله

*شرح مرثيتي المُسَمَّى:

"حِلية الغِيدِ الأوَانِسِ بِشَرح مَرثِيَّة مُحَمَّد فارِس"

(1) حَقًّا: أ ثابِتًا، وهو مصدر منصوب على الظرفية المجازية، مؤكد لما قبله، أو على المصدرية؛ أي أنه مفعول مطلق ناب عن فعله، والفعل محذوف تقديره "حَقَّ"، وهمزة أنَّ بعدها واجبة الفتح؛ نحو: أحقا أنك قادمٌ. *ينظر: "المحيط في أصوات العربية ونحوها وصرفها" للأستاذ محمد الأنطاكي 884، "معجم علوم العربية" د. محمد ألتونجي 205، وقد أخطأ الأستاذ محمد الأنطاكي في كتابه "المنهاج في القواعد والإعراب ص 243" حين أعربها مفعولًا فيه ظرفَ مكان؟! والله أعلم.

*تَرَجَّل الفارس: نزل عن فرسه، وهو تعبير مجازي يعني أنه توقف عن العمل وخِدمة أمته. *فارسُ الشهباء: الفقيد المَرثِيُّ محمد فارس رحمه الله. *الشهباء: هي مدينة حلب السورية، سميت بالشهباء لِبَياض حِجارتها.

*قضى: ماتَ وتُوفِّي. *اللواء: هو نفسه المرثي فقيدنا محمد فارس رحمه الله، واللواء رتبة عسكرية حازها الفقيد في الجيش السوري، وهي رتبة عسكرية فوق العَقيد ودُون الفَريق. "المعجم الوسيط" 848.

*رائد لفضاء: رائد الفضاء؛ فقد كان الفقيد أول رائد فضاء سوري، وثاني رائد فضاء عربي بعد السعودية، وقد لقب بـ "أرمسترونغ العرب"، وقد صعد إلى الفضاء في رحلة روسية عام 1987م، وظل فيها نحو 8 أيام.

(2) أتُرى: أخبرني؟ تُرَى: أصلها: يا تُرى، أو: يا هل تُرى، ومعناها: يا رَجُلُ! هل تَظُنُّ، ولم يُسمع مضارع "رأى" بمعنى ظنَّ إلا مجهولا. *ينظر: "فتح الكريم المجيب بشرح ديوان أبي الطيب الخطيب" لي ص 545 نقلا عن "موسوعة حلب المقارنة". لخير الدين الأسدي 2/ 282، بتصرف. *النسر: طائر معروف من الجوارح. *المُحَلِّق: المُرتَفِع في الجَوّ. *السما: السماء، وكل ما ارتفع وعلاكَ فهو سَمَاكَ.

*غدا: صار وأصبح. *رهين القبر: مُرتهنا وساكنا فيه.

*الغبراء: الأرض، وفي الحديث الشريف: "ما أظلت الخضراء، وما أقلت الغبراء أصدق ذي لهجة من أبي ذر".

(3) سُقِي: أشرِب. *المَنُون: من أسماء الموت. *الحِمام: الموت. *مُوَفِّيًا: مُتَمِّمًا ومُكَمِّلًا. *لِقضاء: للأجل المحتوم والمكتوب.

(4) أبو قتيبة: كنية الفقيد المرثي. *فارق الدنيا: تركها. *مُوَدِّعًا للأهل والأبناء: كناية عن رؤيتهم له آخر مرة بعد موته، وقبل دفنه.

(5) حياته الأولى: في الدنيا. *مشوارها: مَداها ومَسافتها، كناية عن العُمر. *حياته الأبقى: الحياة الثانية في الآخرة يوم القيامة. *ابتدَت: ابتدأت، سُهِّلت هَمزتها. *الرائي: الناظر والمُشاهد.

(6) سبحان ربي! لِلتَّعَجُّب. *بارِئًا: خالِقًا. *نفوسنا: أجسادنا وأرواحنا. *آدم: أبونا الأول، والنبي المرسل عليه السلام، والإنسان الأول، أبو البشر والخليقة. *أمنا حواء: أمُّنا الأولى، وزوج آدم عليه السلام خُلقت منه، وهي الأنثى الأولى، وأم البشرية.

(7) مُقدرا: كاتبا. *آجالنا: ج أجل، وهو العمر لنا نحن البَشَر، وقد جاء في حديث ابن مسعود رضي الله عنه الصحيح: "...، ثم ينفخ فيه الروح، ويؤمر المَلَك بكتب أربع كلمات: رزقه، وأجله، وشقي، أو سعيد".        

*مُمِدَّنا: مُساعدنا في حياتنا بإعطائنا لوازم الحياة من الرزق والهواء والطعام والشراب ... . *بحياتنا: في حياتنا الدنيا هذه.

(8) مُميتنا: مُتَوَفِّينا. *عند انتهاء كتابنا: أجلنا. *مُعيدنا: خالقنا مرَّةً أخرى بعد الموت. *للحشر يوم جزاء: جامعنا يوم القيامة للحساب والجزاء.

(9) موفيا: معطيا حقهم كاملا. *الورى: الخَلق، البَشَر. *أعمالهم: ج عمل، أي مُجازيهم على أعمالهم الصالحة والطالحة. *للمحسنين: الصالحين. *غيرهم: العُصاة والمنافقين والكفار والمُشركين والمُلحِدين. *بكِفاء: بالمِثل؛ فينال المُحسن إحسانا وخيرا، والمُسيءُ سُوءًا وشرًّا؛ كما قال سبحانه: (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره* ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره*). سورة الزلزلة.

(10) تبكيك: تَنُوحُ عليكَ، تَندُبُكَ "تُعَدِّدُ مَحاسِنَكَ".

مُلاحظة مُهِمَّة:

حُكم البُكاء على المَيت، وبُكاء السماء والأرض وغيرهما

على المُؤمن الصالح: من تفسيرَي القرآن العظيم والدر المنثور

البكاء على الميت جائز شرعا -كما هو معروف- إن كان بلا نياحة "صوت"، وضرب لِلخُدود، وشَقٍّ لِلثياب؛ فهو من أعمال الجاهلية وقد نهى عنه الإسلام، في أحاديث كثيرة معروفة.

أما بكاء الجمادات على المسلم فهو إما مجاز وكناية عن حزنها عليه، أو تحسرها لفقده إن كان صالحا، وعدم بكائها عليه إن كان فاسقا ومنافقا أو كافرا، كما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية؛ فمما جاء في الكتاب العزيز قوله تعالى: (فما بكت عليهم السماء والأرض)، كما سيأتي.

أما ما يظنه بعض الناس أن بكاء الأرض والسماء وبعض الجمادات الأخرى على المتوفى أو عدمه مجاز فحسبُ، أو تهويمة شاعر أو أديب بخيالهما المُجَنَّح، أو خُرافة؛ لكنها حقيقة إسلامية ثابتة بالقرآن والسنة، وأقوال السلف؛ فقد قال الله تعالى عن هلاك فرعون وجنوده بالغرق في اليم: (فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين*). الدخان 29.

*قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله تعالى- في تفسير هذه الآية الكريمة:

"أي: لم تكن لهم أعمال صالحة تصعد في أبواب السماء فتبكي على فقدهم، ولا لهم في الأرض بقاع عبدوا الله فيها فقدتهم؛ فلهذا استحقوا ألا ينظروا ولا يؤخروا لكفرهم وإجرامهم، وعتوهم وعنادهم". ثم أورد آثارا عن النبي ، وعن السلف الصالح تدل على بكاء السماء والأرض وغيرهما على المؤمن، وعدم بكائهما على غيره؛ منها:

1- عن أنس بن مالك عن النبي : "ما من عبد إلا وله في السماء بابان: باب يخرج منه رزقه، وباب يدخل منه عمله وكلامه؛ فإذا مات فقداه وبكيا عليه، وتلا هذه الآية: (فما بكت عليهم السماء والأرض)، وذكر أنهم لم يكونوا عملوا على الأرض عملا صالحا يبكي عليهم، ولم يصعد لهم إلى السماء من كلامهم، ولا من عملهم كلام طيب، ولا عمل صالح، فتفقدهم فتبكي عليهم.

2- عن شريح بن عبيد الحضرمي قال: قال رسول الله : "إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا، ألا لا غربة على مؤمن، ما مات مؤمن في غربة غابت عنه فيها بواكيه إلا بكت عليه السماء والأرض"، ثم قرأ رسول الله : (فما بكت عليهم السماء والأرض)، ثم قال: إنهما لا يبكيان على الكافر". رواه ابن جرير الطبري.

3- عن عباد بن عبد الله قال: سأل رجل عليا رضي الله عنه:

هل تبكي السماء والأرض على أحد؟ فقال له: لقد سألتَني عن شيء ما سألني عنه أحد قبلك؛ إنه ليس من عبدٍ إلا له مصلى في الأرض، ومصعد عمله في السماء. وإن آل فرعون لم يكن لهم عمل صالح في الأرض، ولا عمل يصعد في السماء، ثم قرأ عليٌّ رضي الله عنه: (فما بكت عليهم ...). أخرجه ابن أبي حاتم.

4- عن سعيد بن جبير قال: أتى ابنَ عباسٍ رجلٌ فقال: يا أبا عباس أرأيت قولَ الله: (فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين) فهل تبكي السماء والأرض على أحد؟ قال: نعم إنه ليس أحد من الخلائق إلا وله باب في السماء منه ينزل رزقه، وفيه يصعد عمله؛ فإذا مات المؤمن فأغلق بابه من السماء الذي كان يصعد فيه عمله، وينزل منه رزقه بكى عليه، وإذا فقد مصلاه من الأرض التي كان يصلي فيها، ويذكر الله فيها بكت عليه، وإن قوم فرعون لم تكن لهم في الأرض آثار صالحة، ولم يكن يصعد إلى الله منهم خير؛ فلم تبك عليهم السماء والأرض. رواه الطبري.

5- عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان يقال: تبكي الأرض على المؤمن أربعين صباحا. وكذا قال مجاهد وسعيد بن جبير، وغير واحد.

6- وقال مجاهد: ما مات مؤمن إلا بكت عليه السماء والأرض أربعين صباحا؛ فقيل له: أتبكي الأرض؟ فقال: أتعجب؟ وما للأرض لا تبكي على عبد كان يعمرها بالركوع والسجود؟ وما للسماء لا تبكي على عبد كان لتكبيره وتسبيحه دوي كوي النحل.

*عن كتابي "شذرات ولمحات من حياة شيخنا العلامة الأستاذ عبد الرحمن بكور ريحاوي" ص 208- 209 نقلًا عن "تفسير ابن كثير" ص 1692.

*وقال الحافظ جلال الدين السيوطي رحمه الله تعالى في "الدر المنثور":

قوله تعالى: (فما بكت عليهم) الآية.

1- أخرج الترمذي، وابن أبي الدنيا في "ذكر الموت" وأبو يعلى، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، وأبو نعيم في "الحلية" والخطيب، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"ما من عبد إلا وله في السماء بابان؛ باب يصعد منه عمله، وباب ينزل منه رزقه، فإذا مات فقداه وبكيا عليه". وتلا هذه الآية: (فما بكت عليهم السماء والأرض)، وذكر أنهم لم يكونوا يعملون على وجه الأرض عملا صالحا تبكي عليهم، ولم يصعد لهم إلى السماء من كلامهم، ولا من عملهم كلام طيب، ولا عمل صالح، فتفقدهم فتبكي عليهم.

2- وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، والبيهقي في "شعب الإيمان" عن ابن عباس أنه سئل عن قوله: (فما بكت عليهم السماء والأرض)، هل تبكي السماء والأرض على أحد؟ قال: نعم إنه ليس أحد من الخلائق إلا له باب في السماء منه ينزل رزقه، وفيه يصعد عمله، فإذا مات المؤمن فأغلق بابه من السماء فقده فبكى عليه، وإذا فقده مصلاه من الأرض التي كان يصلي فيها ويذكر الله فيها بكت عليه، وإن قوم فرعون لم يكن لهم في الأرض آثار صالحة، ولم يكن يصعد إلى الله منهم خير، فلم تبك عليهم السماء والأرض.

3- وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، عن قتادة: (فما بكت عليهم السماء والأرض) قال: هم كانوا أهون على الله من ذلك. قال: وكذلك المؤمن تبكي عليه بقاعه التي كان يصلي فيها من الأرض ومصعد عمله من السماء.

4- وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ في "العظمة" عن مُجاهد: (فما بكت عليهم السماء والأرض)، قال: ما مات مؤمن إلا بكت عليه السماء والأرض صباحا، قال: فقيل له: تبكي؟! قال: تَعجَبُ! وما للأرض لا تبكي على عبد كان يعمرها بالركوع والسجود وما للسماء لا تبكي على عبد كان لتسبيحه وتكبيره دوي كدوي النحل.

5- وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال: إن العالم إذا مات بكت عليه السماء والأرض أربعين صباحا.

6- وأخرج عبد بن حميد عن معاوية بن قرة قال: إن البقعة التي يصلي عليها المؤمن تبكي عليه إذا مات وبحذائها من السماء ثم قرأ: (فما بكت عليهم السماء والأرض).

7- وأخرج عبد بن حميد عن وهب قال: إن الأرض لتحزن على العبد الصالح أربعين صباحا.

8- وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير (فما بكت عليهم السماء والأرض)، قال: لم تبك عليهم السماء لأنهم لم يكونوا يرفع لهم فيها عمل صالح ولم تبك عليهم الأرض لأنهم لم يكونوا يعملون فيها بعمل صالح.

9- وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ في "العظمة" عن مجاهد قال: كان يقال: الأرض تبكي على المؤمن أربعين صباحا.

10- وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال: يقال: الأرض تبكي على المؤمن أربعين صباحا.

11- وأخرج ابن المبارك، وأبو الشيخ عن ثور بن يزيد عن مولى الهذيل قال: ما من عبد يضع جبهته في بقعة من الأرض ساجدا لله عز وجل إلا شهدت له بها يوم القيامة وبكت عليه يوم يموت.

12- وأخرج ابن أبي الدنيا، وابن جرير عن شريح بن عبيد الحضرمي مرسلا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا، ألا لا غُربة على مؤمن، ما مات مُؤمن في غربة غابت عنه فيها بواكيه إلا بكت عليه السماء والأرض". ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم (فما بكت عليهم السماء والأرض)، ثم قال: إنهما لا يبكيان على كافر.

13- وأخرج ابن أبي حاتم عن عباد بن عبد الله قال: سأل رجل عليا هل تبكي السماء والأرض على أحد؟ فقال: إنه ليس من عبد إلا له مصلى في الأرض، ومصعد عمله في السماء، وإن آل فرعون لم يكن لهم عمل صالح في الأرض، ولا مصعد في السماء.

14- وأخرج ابن المبارك، وعبد بن حميد، وابن أبي الدنيا، وابن المنذر، من طريق المسيب بن رافع عن علي قال: "إن المؤمن إذا مات بكى عليه مُصلَّاه من الأرض ومصعد عمله من السماء"، ثم تلا: (فما بكت عليهم السماء والأرض).

15- وأخرج ابن أبي شيبة، والبيهقي في "شعب الإيمان"، عن مجاهد قال:

"ما من ميت يموت إلا تبكي عليه الأرض أربعين صباحا".

16- أخرج ابن المبارك، وعبد بن حميد، وابن أبي الدنيا والحاكم وصححه والبيهقي في "الشعب" عن ابن عباس: قال: إن الأرض لتبكي على المؤمن أربعين صباحا. ثم قرأ: (فما بكت عليهم السماء والأرض).

17- وأخرج ابن المبارك، وابن أبي الدنيا عن عطاء الخراساني: قال: ما من عبد يسجد لله سجدة في بقعة من بقاع الأرض إلا شهدت له يوم القيامة وبكت عليه يوم يموت.

18- وأخرج ابن أبي حاتم عن عبيد المكتب عن إبراهيم: قال: "ما بكت السماء منذ كانت الدنيا إلا على اثنين".

قيل لعبيد: أليس السماء والأرض تبكي على المؤمن؟ قال: ذاك مقامه وحيث يصعد عمله. قال: وتدري ما بكاء السماء؟ قال: لا. قال: تَحمَرُّ، وتصير وردة كالدهان، إن يحيى بن زكريا لما قُتل احمرَّت السماء، وقطرت دما، وإن حُسين بن علي يوم قتل احمرَّت السماء.

19- وأخرج ابن أبي حاتم عن يزيد بن أبي زياد: قال: لما قتل الحسين احمرت آفاق السماء أربعة أشهر.

20- وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، عن عطاء: قال:

"بكاء السماء حُمرة أطرافها".

21- وأخرج ابن أبي الدنيا عن الحسن: قال: بكاء السماء حُمرتُها.

22- وأخرج ابن أبي الدنيا عن سفيان الثوري: قال: كان يقال: هذه الحُمرة التي تكون في السماء بكاء السماء على المؤمن.

*ينظر: "الدر المنثور في التفسير بالمأثور" للسيوطي 13/273- 277، عن موقع "إسلام ويب" تفسير (فما بكت عليهم السماء والأرض) الآية (29) من سورة الدخان، على الشابكة.

(11) أحرار: ج حُرٍّ، ضد العَبد، الكَريم. *حرائر: ج حُرَّة، المرأة التي ليست أمَةً. *العَزَّة: ضد الذُّلّ. *القعساء: العالِيَة المُرتَفِعة، الممتنعة الثابتة. "المعجم الوسيط" 749.

(12) مُهَجَّر: مُرغَم على الهجرة وترك بلده. *فقدك: فِراقك. *ناءٍ: بَعيد.

(13) الرائد: من يُمهد السبيل أمام الآخَرين "رُوَّاد الفلسفة، ورُوَّاد الفضاء" *"الرائد" لجبران مسعود 377، ورتبة عسكرية هي فوق العَقيد ودُونَ الفَريق، وفقيدنا كان رائدا للفضاء ورائدا في الجيش السوري أيضا. *صعِد: ارتَقى. *الفضاء: ج أفضِيَة، ما بين الكواكب والنجوم من مسافات لا يعلمها إلا الله (مُحدَثة). "الوسيط 694. *مُوَحِّدًا: عابِدًا لله وَحدَه غَيرَ مُشرِكٍ به. *السَّرَّاء: النِّعمة، وكل ما يُسُرُّ الإنسان. *الضرَّاء: الشِّدَّة والمَرَض وكل ما يضر الإنسان.

(14) يا داعيا مولاك: يا داعيا رَبّكَ وخالِقَكَ بقولك (يا الله) عند انطلاق رحلة الفضاء السورية السوفييتية ومركبتها "سويوز- م 3" في روسيا "الاتحاد السوفييتي" سنة 1987م. *ملاحد: ج مُلحِد: مَن يُنكِر وُجودَ الله تعالى وألُوهِيَّتَه. *لدى: عِندَ. *انطلاق: ذهاب وصُعود. *مراكب لفضاء: ج مركب، عَرَبَات ومَركَبَات الفضاء المُنطلقة إليه.

(15) مُناديا الله: داعيا له سبحانه وتعالى. *حين صعوده: عند ارتقائه الفضاء. *الجو: ما بين السماء والأرض من فضاء. "الرائد" لمسعود 285. *منطلقا: مبتدئا رحلتك الفضائية. *الجوزاء: بُرج سَمَاوِيّ. واستعمالي للجوزاء كناية عن بُعد الرحلة وارتفاعها.

(16) مُغاضِبًا لحويفظ: أي كل منكما أغضَبَ الآخَر، ومنه قوله تعالى:

(وذا النون إذ ذهب مُغاضبا) أي: هو غضبان من قومه، وقومه غاضبون منه، وذلك حين أبق إلى الفلك المشحون. وقولي (مغاضبا لحويفظ ...): إشارة إلى قصة غضب المقبور حافظ الأسد رئيس سورية السابق حين عتب على محمد فارس قوله "يا الله" عندما ركب مركبة الفضاء مع الروس المُلحِدِينَ، وطلب منه الاعتذار عن فَعلَته المذكورة فأبَى؟! فحقد عليه حافظ الأسد من يومها. *رفضكم للاعتذار: عدم قبولكم، امتناعكم عن الاعتذار. *الإباء: العِزَّة والمَنَعَة.

(17) لله درك: كلمة تُقال في المدح والتَّعَجُّب."الوسيط" 279، هي بمعنى: كم أنت أصيل! والدَّرُّ اللَّبَن، أو الكثير منه. *الشجاع: الجَسُور. *لم يخشَ: لم يَخَف. *ذي: صاحب. *الآلاء: ج إلى، النِّعَم.

(18) الشهم: الذَّكِيّ، والسيد السديد الرأي، والصَّبُور على القيام بما حُمِّل. "الوسيط" 498. *الشريف: الحُرّ الصادق. *ثائرا: قائما ضِدَّ الظُّلم وأهله. *الظُّلَّام: ج طالِم. *اللؤماء: ج لئيم، حكام حزب البعث وأعوانهم الفاسدون.

(19) رام: أراد. *الكرامة: العِزَّة. 784. *العلا: الشرَف. *أمة الأحرار: الشعب السوري الثائر على حكم آل الأسد الفاسدين ونظامهم المُجرم. *الشرفاء: ج شريف الحر الصادق الشهم.

(20) عارضت: خالفت. *الخسيس: التافه الحَقِير. *عصبة: عصابة، جماعة. *آلاف: ج ألف. *البرآء: ج بريء، إنسان غير مُذنِب.

(21) انحَزتَ: تركت نظام البعث الفجر ومِلتَ إلى الشعب السوري. *الشعب الأبي: الشعب السوري العزيز الكريم. *ثورة: قيام على الظلم والظالمين. *قامت: نهضت ووقفت. *سفك الدماء: جَرَيَانها. والدماء ج دَمٍ.

(22) ووقفت مع أهليك: وقفت مع المظلومين من أمتك وشعبك السوري.

*الظالمون: ج ظالم، الباغي والمُجاوِز للحق. *ثورة النُبَلاء: ثورة الفُضَلاء الصالحين من السوريين.

(23) غادرت: تركتَ. *المعالي: الشرَف والمَجد. *مُرغَمًا: مُجبَرًا من نظام البعث الفاجر في سورية الذي ضيق على السوريين الشرفاء منذ ثورتهم عليه سنة 2011م. *فِدَا: فِداءً، تَضحِيَةً. *الحُرِّيَّة الحمراء: الحرية الغالية التي لا ينالها الناس بسهولة بل بجهادهم وبذل دمائهم؛ قال أمير الشعراء شوقي لله دره في قصيدته البديعة عن دمشق:

ولِلحُرِّيَّة الحَمراءِ بابٌ             بِكُل يَدٍ مُضَرَّجَةٍ يُدَقُّ

وقد أخذ هذا المعنى من مَثَل فِرنسي.

(24) لجأت: التجأت مُضطرا بسبب ظلم النظام السوري الفاجر. *السادة: ج سَيِّد، ويُجمع أيضا على سادات، ومن الأخطاء الشائعة جدا، والعامِّيَّة الخاطئة جمعه على "أسياد". *الكرماء: ج كريم، كثير الإنفاق في الخير والصدقات، وكريم النفس عزيزها.

(25) عملت مع ثوارنا: أي أن الفقيد محمد فارس -رحمه الله- كان طيلة مُكثه في مهجره في تركية كان يعمل لمصلحة سورية، والسوريين اللاجئين المظلومين. *الغربة: أرض الغربة وهي تركية. *الهِمَّة: العَزم القوي. "الوسيط" 995. *العزيمة: الجِدُّ والصبر. "الوسيط 599. *المَضاء: المُداومة على الشيء، والتنفيذ، والمَضَّاء: الشديد العَزم. "معجم النفائس" 1886- 1887.

(26) بآخِر: في آخر عمرك، وفي مرضك الأخير على فراش الموت. *أوصيت: أي قلت للسوريين؛ كما ذكر ابنه الكبير قتيبة. *لا تيأسوا: اتركوا اليأس؛ لأن اليأس قاتل، وهو يُناقض ديننا الإسلامي الذي يقول كتابه: (إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون). *فالنصر من ربي: من الله تعالى كما قال سبحانه: (وما النصر إلا من عند الله). *يقينا: أمرًا مُؤكَّدًا. *جائي: لا بُدَّ أن النصر آتٍ، لكِنْ مع الصدق والصبر والثبات.

(27) قبيل موت: قبله بأيام أو ساعات قليلة. *سألت إلهنا: طلبت من الله تعالى ودعوته. *نصرا لغزة: انتصارا لإخواننا المسلمين في غزة وهم المُعتدى عليهم من الصهاينة المجرمين. *سورية: ونصرا لأهلنا في سورية على قوات بشار الأسد المعتدية المجرمة. قال قتيبة ابن الفقيد محمد الفارس رحمه الله: كانت وصية والدي على فراش الموت: لا تيأسوا، لا تيأسوا". وقال ابنه أيضا: "كان والدي في مرض موته يغيب ثم يصحو فيقول: سيزول الألم، ادعوا لغزة، ادعوا لأهل سورية".

(28) حتى قضيت بعينتاب: حتى تُوُفِّيتَ في مدينة عينتاب التُّركِيَّة يوم الجمعة يوم 19/4/2024م. *بغربة: مِتَّ بأرض الغُربة "تركية". *طوبى لكم: هنيئا لكَ لقد فُزت بثواب وأجر الموت في الغُربة الذي ورد في أحاديث عِدَّة سيأتي بعضها إن شاء الله. *شهادة الغرباء: ورد في بعض الأحاديث: "موت الغريب شهادة". رواه أبو يعلى والطبراني ابن ماجه والبيهقي والقضاعي عن ابن عباس بسند ضعفه المنذري وابن حجر، وحسنه السيوطي، وتعقب ابن الجوزي لإيراده في الموضوعات وقال: ورد من طرق يتقوى بها. *"فيض القدير" للمناوي 6/246، "الجامع الصغير" للسيوطي 546، "الترغيب والترهيب" للمنذري 649، "كشف الخفاء" للعجلوني 2/345.

عظم ثواب من مات في الغربة

وأما مسألة هل هناك ثواب خاص لمن مات بعيدا عن بلده وأهله؟ فقد جاءت بعض الأحاديث منها الحسن، ومنها الضعيف في هذا الشأن، ومن ذلك ما رواه أحمد والنسائي وابن ماجه، وابن حبان من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: مَاتَ رَجُلٌ بِالْمَدِينَةِ مِمَّنْ وُلِدَ بِهَا، فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: "يَا لَيْتَهُ مَاتَ بِغَيْرِ مَوْلِدِهِ"، قَالُوا: وَلِمَ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا مَاتَ بِغَيْرِ مَوْلِدِهِ، قِيسَ لَهُ مِنْ مَوْلِدِهِ إِلَى مُنْقَطَعِ أَثَرِهِ فِي الْجَنَّةِ"، والحديث حسنه الألباني، وصححه أحمد شاكر.

ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: "قيس له ما بين مولده، إلى منقطع أثره في الجنة".

قال السيوطي: قَالَ الطَّيِّبِيّ: المُرَاد أَنه يفسح لَهُ فِي قَبره مِقْدَار مَا بَين قَبره، وَبَين مولده، وَيفتح لَهُ بَاب الْجنَّة. اهــ.

وقد ذكر ابن القيم في مدارج السالكين رواية أخرى توضح الجزاء أكثر: "وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَبْرِ رَجُلٍ بِالْمَدِينَةِ، فَقَالَ: يَا لَهُ لَوْ مَاتَ غَرِيبًا، فَقِيلَ: وَمَا لِلْغَرِيبِ يَمُوتُ بِغَيْرِ أَرْضِهِ؟ فَقَالَ: مَا مِنْ غَرِيبٍ يَمُوتُ بِغَيْرِ أَرْضِهِ، إِلَّا قِيسَ لَهُ مِنْ تُرْبَتِهِ، إِلَى مَوْلِدِهِ فِي الْجَنَّةِ" اهـ.

*ومما ورد في فضل الموت في الغربة، ما رواه ابن ماجه عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَوْتُ غُرْبَةٍ شَهَادَةٌ". والحديث ضعف إسناده الألباني، وشعيب الأرناؤوط.

*وقد قال المنذري في الترغيب: قَالَ الْحَافِظ: وَقد جَاءَ فِي أَن موت الْغَرِيب شَهَادَة، جملَة من الْأَحَادِيث لَا يبلغ شَيْء مِنْهَا دَرَجَة الْحسن فِيمَا أعلم. اهــ.

*وقال ابن القيم عن حديث "مَوْتُ الْغَرِيبِ شَهَادَةٌ": هَذَا الْحَدِيثَ لَا يَثْبُتُ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ لَا يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ. اهـ.

*موقع "إسلام ويب" رقم الفتوى (170117)، نشرت يوم الاثنين 8/4/1437هـ - 18/1/2016م.

لكن يُشترط لِلحُصول على ثواب الموت في الغُربة أن تكون الهجرة مُباحة أو ضرورية، وأن يصبر المُغترب ويحتسب أجره عند الله تعالى؛ قال الإمام عبد الرؤوف المناوي في "فيض القدير":

"قال البغدادي: وهذا فيمن تغرب لِقُربة، أو مُباح كتجارة فمات غريبا متوحشا عن مؤانس، متحسرا في وحدته مستسلما في نفسه، مُسَلِّمًا إلى ربه فيما نزل به؛ فهو شهيد لصعوبة ما حل به". *"فيض القدير" 6/246.

(29) دفنت في أعزاز: دفن الفقيد في أعزاز بناء على طلب أسرته، ولأنه ممنوع أن يدفن في بلده حلب لكونه مُعارضا لنظام البعث وثائرا عليه. *تربة سورية: في أرضها. *بجوار موطنك: قرب مسقط رأسه حلب؛ إذ تبعد أعزاز عن حلب 45 كِيلًا. *القريب النائي: النائي: البعيد، ومكان دفنه قريب لقرب أعزاز من حلب، وناءٍ لمنع نظام الأسد أن يُدفن مُعارِض في مناطق سيطرته من سورية؟!

(30) أبا قتيبة: هي كنية فقيدنا الفارس. *طمحت: تَطَلَّعت وتَشَوَّفت وأردتَ. *ربع الشآم: وطنك سورية. *مُحَرَّر الأرجاء: محررًا كله من نظام بشار الأسد المجرم، ومن قوات الاحتلال الإيرانية والروسية والأمريكية الغازية المجرمة، ومن قوات "قسد" الكردية المجرمة العميلة.

*الأرجاء ج رجا، الناحية. *"الوسيط" 333.

(31) مطهرا: مُنَظَّفًا وخاليا. *الرجس: النجس. *الفاجر: الكافر. *عاثت: طغت وبغت وفسدت وأفسدت كثيرا. *فناء: الفِناء في الأصل: ساحة أمام البيت أو الدار، وفِناء المِصر: ما اتَّصل به مُعَدًّا لِمَصالِحه. *"معجم النفائس" 1501، والمقصود أفسدت كُلَّ ناحية وركن من سورية.

(32) من عصبة أسدية وحشية: أي مُطهَّرًا من كل عصابات بيت الأسد المُتَوَحِّشة. *نُكِبت بها: أصيبت سورية بسبب هذه العصابات بنكبة كبيرة. *كوباء: مثل الوباء، وهو الطاعون وكل مرض مُميت لكثير من الناس.

(33) في نصف قرن: في خمسين سنة؛ أي: ما بين 1970- 2020م، وهو فترة حكم الطاغيتين حافظ الأسد وابنه بشار. *خربوا: أفسدوا، ودمَّروا، وهدموا، وأهلكوا. *الإفناء: الإهلاك.

(34) في عهد حافظ: في مُدَّة حكم فرعون سورية الأول حافظ الأسد. *دمروا لحماتنا: فقد استباحوا مدينة حماة 27 يوما؛ فهدموا واحرقوا كثيرا من مدينة حماة في شباط - فبراير/1982م وقتلوا نحو 60 ألف إنسان ومنهم نساء وأطفال، عدا من نهبوا وشَرَّدُوا من أهلها، واغتصبوا من نساء أهلها، وبقروا بطون بعضهن، وقتلوا الأجنة بحجة أنها إرهابية؟!

كما قطعوا أيديَ بعض النساء بعد قتلهن، وسرقوا حُليهن.

وتُعد هذه المجزرة أكبر مجزرة قام بها جيش حافظ الأسد وقوت "سرايا الدفاع" لأخيه رفعة الأسد، حتى سميت مجزرة ومأساة العصر.

أما من اعتقلوا من أهلها فهم نحو 80 ألفا.

هذا، وقد ألفت في نكبة حماة ومجزرتها الكبرى المُرَوِّعة بعض الكتب، وكتب عنها مقالات كثيرة، ومن أهم ما كتب عنها كتاب:

1-"حماة مأساة العصر". أصدره المكتب الإعلامي للإخوان المسلمين سنة 2003م، في 400 ص.

2- ومن أهم المقالات عنها مقالة: "مجزرة حماة 1982.. يوم دمرت قوات الأسد مدينة بأكملها لمواجهة مجموعة مسلحة". في "الجزيرة نت"، وستأتي بعون الله تعالى.

3- مقالة "مجزرة حماة في الشعر الإسلامي المعاصر" في نحو 60 ص، لأخينا الكاتب الأستاذ عمر عبسو نشرها في "رابطة أدباء الشام" نشرها في تموز الماضي سنة 2023م.

(35) وكذاك آلاف قضوا في تدمر: في "سجن تدمر" سيئ الصيت؛ حيث اغتيل أكثر من 500 شخص أعزل من السجناء يوم 27/7/1980م؛ كما سيأتي مفصلا بشهادة بعض المنفذين من جنود الأسد، والذي نشر قبل سنوات قليلة في "تلفزيون سورية".

كما قتل آلاف مؤلفة أخرى في "سجن المزة العسكري"، و"سجن صيدنايا"، و"فرع فلسطين" -سيئ الصيت- في دمشق، وأقبية فروع "أمن الدولة"، و"الأمن العسكري"، و"والأمن السياسي"، و"الأمن الجوي"، وغيرها.

(36) الخؤون: كثير الخيانة. *البلقع: المكان الخالي. *"الوسيط" 70. *الجَردَاء: الخالية من النبات.

(37) ملاين: أي ملايين حُذفت ياؤها الثانية لضرورة الوزن. *هُجِّروا: أجبِروا على الهجرة من قبل نظام البعث. *استشهدوا: قتلهم نظام البعث (38) بالقصف بالطيران، والمدافع والبراميل المتفجرة، أو بالكيماوي "الغازات السامَّة"، أو بالتعذيب في سجونه الوحشية التي يُنسي هولها فظائع محاكم التفتيش في الأندلس، و"سجن الباستيل" في فرنسة، وسجون العبد الخاسر "جمال عبد الناصر" في مصر، وغيرهم من الطغاة.

*تغريقا: إغراقا بالماء أثناء هجرتهم القسرية إلى أوربة، وغيرها، هربا من نظام بشار وطغمته. *بما: بماء، وحذفت همزته لضرورة الشعر.

*الدأماء: من أسماء البحر. *بالقصف: بالضرب بقذائف الطيران والدبابات والمدافع والصواريخ والبراميل المتفجرة. *التدمير: التهديم والتخريب.

*التهجير: إجبار السكان السوريين المدنيين على الهجرة بقصفهم وقمعهم.

*فتك: القتل والإهلاك والبطش. *كبتاغون: هي نوع من المُخدرات التي يصنعها بشار الأسد وأخوه ماهر، وأعوانهما، ويصدرونها هدية للشباب والشابات والناس عامة في أنحاء من سورية ودول الخليج العربي، وأوربا، وأمريكا ...؛ لـ "يُكَيِّفُوا" ويموتوا؟!

*الأنحاء: الأماكن المختلفة، مفردها نحو بمعنى جهة. *"الوسيط" 908.

(39) غزو: استعمار واحتلال. *دب الروس: بوتين، احتلال روسيا لسورية تحت غطاء طلب مساعدتها من عميلها الخائن بشار الأسد.

*رُفَّض: ج رافضي، والروافض هم الشيعة الاثنا عشرية أو الإمامية الموجودين بكثرة في إيران الصفوية، وفي العراق، وغيرهما، وهم الذين سماهم سيدنا زيد بن علي -عليه السلام- رافضة لرفضهم حكم الشيخين أبي بكر وعمر، ولبغضهم لهما، ولمحبيهما من أهل السنة، وهم يسبونهما ويلعنونهما، ويُبغضون جُلَّ أصحاب رسول الله ، ويعتقدون أنهم ارتدوا سوى بضعة منهم، ويتهمون امنا عائشة رضي الله عنها بالزنا، وكثير منهم يعتقدون بتحريف القرآن.

وهم لديهم مشروع بدؤوا تنفيذه منذ زمن، ولا سيما بعد احتلالهم لسورية، وسيطرتهم على 4 عواصم عربية هي دمشق، وبيروت، وصنعاء، وبغداد، وهم يسعون لإقامة هلالهم الرافضي "الشيعي" في بلاد الشام والعراق وغيرها، لقتل أهل السنة الضعفاء الأذلاء، ولا سيما العرب الذين ليس لهم مشروع سوى السير في فلك الامريكان، والتطبيع مع الصهاينة، وشيطنة الملايين من الصالحين ذوي المشروع الإسلامي الوسطي المُعتدل "الإخوان المسلمين"، ومن يؤيدهم؟؟!!

*جاؤوا من الآفاق: جاء هؤلاء الروافض - لقتل وإذلال أهل السنة - جاؤوا من إيران، والعراق، ولبنان، وباكستان، وأفغانستان. *الآفاق: ج أُفُق، الناحية والبَلَد.

(40) فلترحم: ارحَمْ. *مراحم: ج مرحمة. *تترى: مُتوالية، متتابعة، دائمة. *حُسن جزاء: حسن مُحاسبة وثواب.

(41) أكرم نُزله: أحسن مُكافأته. والنُّزُل: أول ما يُقدَّم للضيف.

ودعاء "اللهم أكرم نُزله، ووَسِّع مُدخَلَه" من الدعاء المأثور الرائع عن المصطفى ، لبعض الصحابة الذين صلى على جنازتهم. *تَوَلَّهُ: أعِنهُ. *الرمس: القَبر. *الكَرامة: مِثل النُّزُل "معجم النفائس" 1693، الضيافة.

*الحِباء: العَطِيَّة والإكرام.

(42) الفراديس: ج فِردوس، أعلى منزلة في الجنة، وفي الحديث الشريف: "إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس الأعلى؛ فإنه أعلى منزلة في الجنة". *العُلى: ج علياء، مُرتَفِعة. *سَيِّدَ الكُرماء: سيد المُعطِين الأجواد.

(43) كذاك: مِثلُ ذلكَ. *أهلوه: أسرته وأقرباؤه، ج أهل. *أحباب: ج حبيب، من يُحبهم ويُحبونه. *الفيحاء: الواسعة، قال الله تعالى: (وسارعوا إلى جنة عرضها السموات والأرض أعِدَّت لِلمُتَّقِين*). آل عمران 133.

مَقَالَاتٌ مُهِمَّة

عن اللواء ورائد الفضاء

السوري الراحل

محمد فارس

رحمه الله تعالى

محمد فارس..

رائد فضاء اتسعت له السماء وضاقت به بلاده

"الجزيرة الوثائقية"- 20/4/2024م

clip_image015.jpg

احفظ المقالات لقراءتها لاحقا وأنشئ قائمة قراءتك

كان يوم 22 يوليو/تموز 1987 حاسما في حياة محمد أحمد فارس؛ ففيه تحوّلت حياته بانطلاقه إلى الفضاء الخارجي، فإذا كان الإنسان يُولد مرة، فإن رائد الفضاء ولد مرتين؛ مرة من رحم أمه، والأخرى من رحم الأرض إلى الفضاء. لكن سوريا؛ بلد محمد فارس -الذي اتسع له الفضاء- ضاقت به، فخرج منها لاجئا يبحث عن وطن بديل.

يحكي هذا الفيلم -الذي أنتجته الجزيرة الوثائقية- قصة محمد أحمد فارس، رائد الفضاء السوري المُلقّب بـ”أرمسترونغ العرب”، ويروي قصة رحلته إلى الفضاء بكل تفاصيلها الإنسانية والعلمية، تلك التفاصيل التي ألقت بظلالها على واقعه، وجعلته يرى العالم بشكل مختلف باحثا فيه عن الحرية والتغيير، مما جعله يدعم المظاهرات السورية حالما بغدٍ أفضل، لكن ذلك الحلم جعله اليوم لاجئا بلا أرض ولا وطن.

"رحلة وطن، لا رحلة شخص"

يتحسر محمد أحمد فارس وزوجته على مئات الذكريات التي خلفاها وراءهما في سوريا، فقد خرجا وهما يأملان العودة بعد شهر، لكن هذا الشهر طال أكثر مما ظنا بكثير، ومع تسليمهما بقضاء الله يقول فارس إن خسارته تتضاءل أمام تدمير نظام بشار الأسد لبلد بأكمله.

sfdfdf10786.jpg

طاقم من ثلاثة رواد فضاء بينهم محمد فارس، يستقل صاروخ سيوز للوصول إلى محطة الفضاء الروسية

يتحدث فارس عن نفسه فيقول إنه في الأصل طيّار مقاتل على الطائرة “ميغ 21″، كما كان مدربا للطيران، قبل أن يُختار لتمثيل سوريا إلى الفضاء الخارجي بعد اختبارات وتدريبات خاضها في دمشق وموسكو، فقد اختير ليشارك في “رحلة وطن، لا رحلة شخص”، على حد قوله.

ويشير إلى أن الرحلة إلى الفضاء تحتاج إلى تحضير علمي، وآخر رياضي، إضافة إلى السلامة النفسية، وقد تدرّب نحو عامين في مدينة النجوم القريبة من موسكو والخاصة برواد الفضاء، قبل أن يُختار رائد فضاء أساسي.

sfdfdf10787.jpg

رائد الفضاء السوري محمد فارس ينطلق إلى الفضاء في تموز/يوليو 1987

ومن بين ذكريات رحلته الفضائية التي لا تنتهي، يستذكر طلب ابنه قتيبة -وهو ابن 6 سنوات آنذاك- أن يُحضر له نجمة من الفضاء.

استقبال الأبطال.. غنائم العودة من معركة غزو الفضاء

يروي محمد فارس أن مركبتهم الفضائية كانت تدور دورة كاملة حول الأرض كل 90 دقيقة، لذا كانوا يشاهدون الليل والنهار الأرضييْن كل ساعة ونصف، رغم الظلام الدامس الذي يغمر الفضاء، وكان رواد الفضاء ينامون في أكياس، وبسبب انعدام الاتجاهات والجاذبية في الفضاء الخارجي، كان أحدهم ينام ملاصقا لسقف المركبة، والثاني محاذيا للجدران، أما الثالث فكان ينام على أرضية المركبة.

sfdfdf10788.jpg

أجرى رائد الفضاء السوري 13 تجربة علمية في الفضاء على متن محطة الفضاء الروسية مير

ورغم تهيئة فارس وإمداده بالإجابات التي سيجيبها في مكالمته مع الرئيس السوري وقتذاك حافظ الأسد، الذي سيخاطبه مباشرة وهو في مركبته الفضائية، فقد رفض الالتزام بهذه الإجابات، فهو ليس رجلا آليا كما يقول.

وعند عودته إلى سوريا، استُقبل استقبال الأبطال، وقد ملأت المظاهرات الاحتفالية سوريا ثلاثة أيام بعد عودته، قبل أن “تصدر الأوامر بوقفها في اليوم الرابع”، كما يقول.

sfdfdf10789.jpg

استقبال جماهيري حاشد لدى عودة رائد الفضاء السوري محمد فارس من الفضاء

وهنا يقول الصحفي ياسر البدوي إن النظام استغل سفر محمد فارس إلى الفضاء على الصعيد المحلي والدولي، “لكن عندما زاد الأمر عن حده، خصوصا وأن حافظ الأسد يريد أن يبقى الرمز الأول في الإعلام، أوقف الاحتفاء بفارس”، ويُؤكد ذلك أيضا الصحفي محمد بيطار، فالإعلام السوري “يُدار بالهاتف”.

حافظ الأسد.. حوار خفيف يصنع قطيعة دائمة

يتحدث محمد فارس عن منجزاته في الرحلة الفضائية قائلا إنه أجرى 13 تجربة علمية في الفضاء لاقت استحسان الروس أنفسهم، لكن هذه الدراسات لم تجد أدنى قدر من الاهتمام في سوريا لاحقا. وهنا يقول الصحفي ياسر البدوي -بضحك مشوب بالأسى- إن “النظام السوري كان مشغولا بصناعة سلاح كيميائي لاستخدامه في قتل الشعب لاحقا”.

أما لقاؤه بالرئيس حافظ الأسد، فيصفه باللقاء العادي، فقد صافحه الأسد مصافحة عادية، ومنحه وسام “بطل الجمهورية العربية السورية”، دون أن يُقلّده الوسام. ويضيف فارس أنه عندما جلس مال عليه الرئيس، وقال له إنه لم يُقبّله بسبب الإعلام!

sfdfdf107810.jpg

حافظ الأسد يستقبل رائد الفضاء السوري ويسلمه وسام “بطل الجمهورية العربية السورية”

وقد تكرر لقاء فارس بالأسد مرة ثانية، بحضور رائد الفضاء السعودي الأمير سلطان بن سلمان، وفيه ذكّره الأسد بقوله “يا الله” عند إقلاع المركبة، وقد استاء الروس من ذلك، لكن فارس أجابه بأن الروس لم ينزعجوا من الأمر. وهنا أُسدل الستار على علاقتي بالرئيس الأسد، وقد فهم المسؤولون أن الرأس الكبيرة غير راض عن محمد فارس.

ويستطرد رائد الفضاء السوري أنه بعد 6 أشهر استقبل الأسد باقي رواد الفضاء بعد أن هبطت مركبتهم، لكن أوامر القصر كانت تقضي بأن لا يحضر الفارس اللقاء. يقول الصحفي ياسر البدوي إن التساؤل “أين محمد فارس؟” ظل يراود الصحفيين حينا من الدهر بعد أن انقطعت أخباره تماما، وقد كان ملء السمع والبصر حين أراد النظام استغلاله إعلاميا.

فخرج منها خائفا يترقب.. رحلة الجسد إلى المهجر

حدث منعطف جديد في حياة محمد فارس تزامنا مع انطلاق الثورة السورية عام 2011، فقد شارك في المظاهرات المناهضة للنظام، وهو أمر لم يخف عن أجهزة الأمن التي استدعته، وحينها فضّل أن يُغادر سوريا؛ “فالحرية والكرامة هي أغلى شيء في الوجود، ولا حدود للقتل عند النظام”.

يستذكر محمد فارس وزوجته وابنه ضاحكين، عندما أخبر الابن -وقد كان طفلا آنذاك- صديقه بأمر خروجهم من سوريا، طالبا منه ألا يُخبر أحدا، لكنه أخبر الحارة كلها، ويروي قصة خروجه من سوريا خائفا يترقب، فقد خرج في جنح الظلام بقليل من الحقائب، بعد أن وزّع أولاده على عدة أحياء في حلب، على أن يلتقوا في منطقة كفر حمرا التي يسيطر عليها الجيش الحر التابع للمعارضة، ومن ثم انتقلوا إلى شمالي سوريا.

sfdfdf107811.jpg

يعيش رائد الفضاء السوري محمد فارس وعائلته خارج بلده التي مثلها يوما في الفضاء

وفي المهجر، تُدير هند عقيل -زوجة محمد فارس- جمعية “اللمة السورية” التي تعمل على توثيق الصلة بين أبناء وطنها المهاجرين، وتقول إنه يجب ربط الأطفال دائما بوطنهم الأصلي.

وتنظر هند بفخر لأحد الأطفال اللاجئين، وهو يرسم خريطة بلاده التي لم يُولد بها ولم يعش فيها يوما، وتنساب العبرات ويشتد الحنين مع أغاني العودة إلى الوطن، وليست الأغاني هي التي تُذكّر بحلب فقط؛ فبعض الأحياء القديمة في المهجر تُذكّر أيضا بأحياء حلب القديمة التي دمرها قصف النظام السوري.

"أتمنى أن أحلّق من جديد في بلدي"

يشاهد محمد فارس وزوجته مقاطع فيديو لحارات حلب القديمة المدمّرة، ومن بينها حارتهما والبيت الذي عاشا فيه سنين طويلة، “بيتنا الذي بنيناه حجرا حجرا، جاء المغول والتتار واحتلوه”، هكذا تتحسر الزوجة على بيتهم الذي تركوه.

sfdfdf107812.jpg

هند عقيل زوجة رائد الفضاء السوري في اجتماع نسوي سوري في المهجر

ويتساءل فارس مستنكرا: هل يتخلى أحد عن وطنه؟ فسوريا هي موطنه وبها نشأ وترعرع، وفيها قبور أجداده وأبيه وإخوته، ثم يقول وهو يقاوم العبرات: سوريا هي ملعب الطفولة وخبز أمي الذي أكلته و… إلخ.

ويقول بحسرة: كنت أتمنى أن تستفيد سوريا من خبراتي أنا وزملائي الطيارين في بناء قوة جوية حقيقية، للتصدي لأعداء سوريا وليس لقتل أبناء الوطن.

مرت سنوات وتغيرت أحوال وتبدّلت، لكن تبقى أمنية محمد فارس هي كما يقول:

حتى بعد هذا العمر أتمنى أن أُحلّق من جديد في بلدي، إن شاء الله.

محمد فارس ..

"أرمسترونغ العرب"

احفظ المقالات لقراءتها لاحقا وأنشئ قائمة قراءتك

"الجزيرة - الموسوعة" 21/4/2024م

محمد فارس لواء وطيار عسكري ورائد فضاء منشق عن النظام السوري، من مواليد عام 1951، كان طيارا مقاتلا على الطائرة "ميغ 21″، وعمل مدربا للطيران، ومثّل سوريا في رحلة إلى الفضاء الخارجي مع رائدين روسيين. ويعد أول سوري يرتاد الفضاء، وثاني عربي بعد سلطان بن سلمان آل سعود.

انشق عن الجيش السوري وشارك في المظاهرات المناهضة لنظام الرئيس بشار الأسد بعد اندلاع الثورة السورية عام 2011. وبعدما استدعته الأنظمة الأمنية غادر بلاده لاجئا إلى تركيا، وهناك عاش حتى توفي عام 2024.

الولادة والنشأة

ولد محمد أحمد فارس في حلب عام 1951، وعاش وترعرع فيها، وتزوج من هند عقيل، وهي مديرة "جمعية اللمة السورية"، ثم لجأ إلى تركيا وحصل على جنسيتها.

الدراسة والتكوين العلمي

كبر فارس في بيئة تقدس العلم، وفيها تنافس شديد بين الطلبة، ويقول عن حارته الشعبية "لا أعرف أحدا بحارتنا إلا وكان يدرس"، ولذلك فقد خرج من رحمها أطباء ومهندسون وطيارون ونابغون في تخصصات عديدة.

حلم محمد فارس في طفولته أن يكون طيارا، خاصة عندما كان يشاهد مسار الطائرات العسكرية المحلقة من الكلية الجوية بحلب.

وبعد الحصول على شهادة البكالوريا (الثانوية العامة) توجه إلى تخصص الهندسة، لكنه تركها وذهب للتطوع طيارا حربيا، وهناك استأنس بمصطلحات الفضاء والأقمار الصناعية، إذ لم تكن معروفة لديه سابقا.

ويقول إنه حينها كان الطيار "رمزا للقوة دفاعا عن الوطن"، وكان ذلك سبب اختياره العمل في هذا المجال، فقد كانت حماية الوطن وبذل النفس من أجلها شيئا عظيما ومقدسا.

sfdfdf107813.jpg

رائد الفضاء محمد فارس (وسط) خلال رحلته إلى الفضاء (غيتي)

التجربة العسكرية قبل أن يكون فارس رائد فضاء كان طيارا مقاتلا على متن الطيارة "ميغ 21″، يحلق لحماية سماء بلاده سوريا كما يصف، حتى

تقرر اختيار طيار مقاتل من بين نحو 60 طيارا ليمثل البلاد في رحلة إلى الفضاء، وتمت الاختبارات الشاقة كما يصفها في دمشق. وكان سبب اختيار طيار مقاتل أن بنيته تكون الأكفأ للتأقلم مع حياة الفضاء القاسية.

وبعدها أتت لجنة من الاتحاد السوفياتي واختارت 4 من 10 رشحتهم سوريا، وأخذوا إلى موسكو وهناك اختير اثنان فقط من بين الأربعة، وبدؤوا بتدريبات قاسية وشاقة.

وكان تحضير رواد الفضاء للرحلة إلى محطة الفضاء السوفياتية "مير" يحتاج تكوينا علميا كبيرا وتجهيزا بدنيا ورياضيا ونفسيا، لذا دُرّب الرواد سنتين، وفي السنة الأولى اختير فارس رائدا أساسيا وزميله الآخر كان احتياطيا ضمن برنامج للتعاون في مجال الفضاء بين سوريا والاتحاد السوفياتي.

وقبل اختياره تعرض فارس لضغط كبير، فقد قال له ضابط روسي "هل تعتقد أننا سنختارك أم نختار زميلك؟"، فاستغرب فارس واستفسر عن سبب سؤاله، فقال الضابط إن النظام السوري كان يضغط لاختيار زميله منير حبيب، فرد فارس "أنا رجل مسلم آخذ بالأسباب وأعمل وأجد وأجتهد، ولو كتب لي الله أن أشرب الماء في الفضاء سأشربه رغما عنك وعن جنرالات زميلي".

رحلة إلى الفضاء

يقول فارس: "إن الإنسان يولد مرة، لكن رائد الفضاء يولد مرتين، الأولى من رحم أمه، والثانية من رحم الأرض".

ويذكر تفاصيل رحلته يوم 22 يوليو/تموز 1987 فيقول، إنهم كانوا يحلقون بسرعة 28 ألف كيلومتر في الساعة، أي خلال 90 دقيقة يدورون حول الأرض دورة كاملة، واستمرت الرحلة 7 أيام و23 ساعة.

وخلال دورة الأرض يستطيعون مشاهدة الليل والنهار الأرضيين، في ظل ظلام دامس، وعندما تدق الساعة الثامنة صباحا بتوقيت روسيا، كان المركز الفضائي يرسل إشارة لمركبة فارس وزملائه الروس، وكانوا ينامون في أكياس.

ورغم تهيئة فارس، وإمداده بالإجابات التي سيجيب بها عن مكالمة أجراها معه الرئيس السوري آنذاك حافظ الأسد مباشرة، وهو في مركبته الفضائية، فقد رفض الالتزام بهذه الإجابات، فهو ليس رجلا آليا كما يقول، بل هو إنسان يجيب حسب سياق الحديث.

ويقول الصحفي ياسر البدوي -الذي كان يغطي رحلة رائد الفضاء في بلاده-: إن عدم التزام فارس بما أملي عليه، وحديثه مع الأسد، وعدم تمجيده له كما جرت العادة، لم يعجب الحكومة ولا السلطة ولا الجيش، خاصة وأنها "أتت من ضابط سني"، كما يقول.

احتفالات محدودة

بعد عودته من الفضاء لاحظ فارس أن الاحتفالات به لم تستمر أكثر من 3 أيام، وتوقفت فجأة في اليوم الرابع، وهو ما فسره هو وكثيرون بأن النظام السوري كان يريد استغلال نجاح رحلته إعلاميا، لكن دون أن يجعل منه بطلا قوميا ورمزا وطنيا ينافس رموز النظام.

ويبرر رائد الفضاء الاحتفال الكبير الذي استقبل به والألوف التي حضرته، أن الشعب السوري "كان مقموعا لعقود" وللتنفيس عنه كان فارس أداة لذلك، خاصة أن الإعلام في البلاد كان يدار من جهة واحدة وتحت أوامر السلطات في ظل انعدام الإعلام الخاص.

ويقول فارس:

إنه أنجز خلال رحلته الفضائية 13 تجربة علمية، صُدم الروس من سرعة إنجازها في وقت قياسي، لكن هذه الدراسات لم تستثمر ولم تلق اهتماما ولا صدى في بلاده، وأغلق النظام ملفها. وله إلى جانب ذلك أبحاث أخرى في مجالات صناعية وجيولوجية وكيميائية وطبية ومجال رصد الفضاء والاستشعار عن بُعد.

لقاء حافظ الأسد

يذكر فارس أن لقاءه الأول مع حافظ الأسد كان وقت تقلده وسام بطل الجمهورية السورية العربية، وسلمه الأسد الوسام بيده علما أن العادة أن يقلده إياه بنفسه، كما يذكر "سلامه البارد" عليه.

ويقول عن لقائه الثاني مع الأسد، إنه كان بحضور رائد الفضاء السعودي، وذكّره الأسد بما نطق عندما أقلعت رحلته وأنه قال "يا الله"، ويقول فارس "كوني مسلما كان بديهيا أن أنطق بها، لكن حافظ قال إنها ضايقت الروس"، لكنه أنكر ورد عليه بأن الروس لم ينزعجوا منها وكان أمرا طبيعيا لهم.

لم يعجب رد فارس الرئيس حافظ، فعمد إلى عزله تماما عن العموم والإعلام، وبعد 6 أشهر استقبل الأسد باقي رواد الفضاء بعد أن هبطت مركبتهم، لكن القصر أمر بألا يحضر فارس اللقاء، وبقي الصحفيون يستفسرون عنه بعد أن انقطعت أخباره تماما.

وكان فارس قد طلب من النظام السوري تأسيس معهد لعلوم الفضاء بهدف "مساعدة غيره مِن السوريين في الانخراط في أبحاث الفضاء"، لكن النظام رفض ذلك، وقيد حركته، وفرض عليه الإقامة الجبرية.

الثورة السورية واللجوء

بدأ المنعطف الجديد في حياة رائد الفضاء السوري مع بداية الثورة السورية عام 2011، فقد شارك في المظاهرات المناهضة للنظام، حتى استدعته أجهزة الأمن، فقرر حينها مغادرة البلاد مع أسرته فـ"الحرية والكرامة أغلى شيء في الوجود، ولا حدود للقتل عند النظام" كما يقول.

في ظل المراقبة المستمرة له من النظام السوري داخل حلب، قرر فارس الخروج سرا، وفرّق أولاده في المدينة واتفق معهم على الالتقاء بمكان معين، ثم خرجوا جميعا في مناورة سرية داخل أحياء حلب حتى وصلوا كفر حمرة، التي كانت تحت سيطرة الجيش السوري الحر وأكملوا باتجاه الشمال، ومن هناك إلى تركيا.

جوائز وأوسمة

قلّده الرئيس السوري وسام بطل الجمهورية العربية السورية فور عودته من رحلته إلى الفضاء.

*أطلقت عليه صحيفة الغارديان البريطانية لقب "أرمسترونغ العرب".

*بعدما نال الجنسية التركية عقب لجوئه لها، صنفه الهلال الأحمر التركي أول رائد فضاء تركي.

*كرمه الاتحاد السوفياتي بوسام "بطل الاتحاد السوفياتي" عام 1987 ووسام لينين.

الوفاة

توفي رائد الفضاء السوري المنشق محمد فارس يوم 19 أبريل/نيسان 2024 بعد صراع مع المرض في أحد مستشفيات مدينة غازي عنتاب التركية عن سن ناهز 73 عاما، وكان قد تعرّض لأزمة قلبية أواخر رمضان من العام نفسه.

محمد فارس ..

سيرة أول رائد فضاء سوري عارض النظام فحاربه التهميش

سيرة سياسية

إدلب- عيسى سميسم

"العربي الجديد"clip_image032.gif

غيب الموت رائد الفضاء السوري اللواء المنشق عن جيش النظام محمد فارس في مشفى سانكو بولاية غازي عنتاب التركية، مساء أمس الجمعة، بعد صراع مع المرض دام عدة شهور، منهياً مسيرة حافلة بالإنجازات والمواقف المشرفة المنحازة إلى مطالب الشعب السوري بالحرية والكرامة.

ويُعتبر فارس بطلاً قومياً في سورية، رغم التهميش الذي تعرض له اللواء فارس من نظامَي حافظ وبشار الأسد وعدم انخراطه في أي من الأجسام العسكرية والسياسية التمثيلية للثورة السورية، وهو حاصل على العديد من الأوسمة والتكريمات على المستويين العالمي والوطني.

أول رائد فضاء سوري

واللواء فارس من مواليد 1951 في حي الموغامبو بمدينة حلب حيث قضى معظم حياته، وهو خرّيج الأكاديمية الجوية العسكرية وضابط سابق في سلاح الجو السوري بصفة طيّار مقاتل على الطائرة ميغ 21، كما كان مدرباً للطيران قبل أن يتم اختياره لتمثيل سورية بالفضاء الخارجي في 1987، وعمل مديراً للمعهد الجوي في سورية منذ 1998 حتى 2004. وفي نهاية 2004 رُفع إلى رتبة لواء وعيّن مديراً لإدارة التنظيم في قيادة القوى الجوية السورية.

وفارس هو أول سوري وثاني عربي يصعد إلى الفضاء الخارجي، وكانت رحلته ضمن برنامج الفضاء السوفييتي في مركبة الفضاء سويوز في رحلة إلى المحطة الفضائية مير في 22 تموز 1987، مع اثنين من رواد الفضاء الروس ضمن رحلة استمرت تسعة أيام كانت ضمن برنامج للتعاون في مجال الفضاء كان يقوم به الاتحاد السوفييتي السابق مع الدول الصديقة له.

وجرى اختيار فارس لتمثيل سورية بعد اختبارات صعبة أُجريت على 10 ضباط طيارين، في مجالات الصحة الجسدية والصحة النفسية والمعرفة العلمية، واختير ضابط آخر محسوب على النظام يدعى مُنير حبيب بديلًا لفارس في حال حدوث أي طارئ.

وقال فارس في لقاءات إعلامية سابقة عن تجربته:

"إن النظام بذل جهودًا لتكون الرحلة من نصيب حبيب، لكن الروس أصروا على اختياره هو لهذه الرحلة، التي تم التحضير لها لمدة عامين، في مدينة النجوم القريبة من موسكو".

أنجز محمد فارس خلال رحلته 13 تجربة علمية على متن المركبة الفضائية بالإضافة إلى عدة أبحاث في مجالات صناعية وجيولوجية وكيميائية وطبية وفي الرصد الفضائي والاستشعار عن بعد تم الإعداد لها في سورية، ووصفها في لقاءاته الإعلامية بأنها كانت جميعها تجارب ناجحة.

وتعرض فارس بعد عودته من رحلته الفضائية للتهميش من النظام السوري الذي حاول التعتيم على إنجازه، ووصف فارس ذلك بأنه كان تهميشاً متعمداً من رأس النظام، تبعه تهميش من كل أجهزة النظام، ووضح فارس أنه تم إقصاؤه حتى عن معظم اللقاءات الروتينية التي كانت تتم احتفاءً برواد الفضاء خارج سورية، حتى إنه تم إقصاؤه عن لقاء جمع حافظ الأسد مع رواد الفضاء الروس الذين كانوا برفقة فارس.

وقال فارس إنه عقب عودتهِ مِن الفضاء طلب مِن "حافظ الأسد" تأسيس معهدٍ قوميٍ لعلوم الفضاء؛ بهدف مساعدة غيره مِن السوريين على الانخراط في أبحاث الفضاء، ولكن الأسد رفض مقترحه، كما بدأت الأجهزة الأمنية للنظام تطلق الإشاعات، تقلل من أهمية الرحلة، وأهمية الأبحاث التي أجراها، وكانت إحدى تلك الإشاعات التي أطلقتها الأجهزة تعقيبًا على أبحاثه العلمية هي أن فارس كانت مهمته الجلوس في المركبة الفضائية فقط، وأنه كان يتم ضربه على يده كلما مدها على أحد الأجهزة في المركبة الفضائية، وعلق الفارس على تلك الإشاعة بأنه مد يديه وقال:

"يداي سالمتان لم تتعرضا للضرب".

محمد فارس والثورة السورية

انضم فارس مع ابنه إلى صفوف المتظاهرين مع انطلاق الثورة السورية في آذار/مارس 2011، وفي عام 2012 انتقل هو وعائلته إلى مدينة كفرحمرة بريف حلب، كانت تحت سيطرة فصائل المعارضة السورية، هرباً من بطش النظام، وذلك بعد أن استشعر بالخطر الذي يتهدده في مدينة حلب.

انتقل فارس لاحقاً إلى مدينة غازي عنتاب في تركيا، ومن ثم إلى مدينة إسطنبول، وشارك فارس في العديد مِن الفعاليات والتظاهرات المناصرة للثورة، كما كانت له مشاركات في مؤتمرات ولقاءات ودروس في جامعات تركية، كما كانت الحكومة التركية تستشيره في بعض القضايا التي تخص اللاجئين السوريين في تركية.

لطالما عبر فارس عن أمنيته في أن تستفيد سورية من خبراته وخبرات زملائه الطيارين في بناء قوة جوية حقيقية للتصدي لأعداء سورية وليس لقتل أبناء الوطن.

اللواء فارس متزوج من السيدة هند عقيل التي أسست خلال وجودها في تركيا جمعية اللمة السورية، تعنى بشؤون اللاجئين السوريين. وحاز فارس الجنسية التركية، وصنّفه الهلال الأحمر التركي بأنه أول رائد فضاء تركي كونه نال الجنسية.

وأطلقت صحيفة "ذا غارديان" البريطانية على فارس لقب:

"آرمسترونغ العرب"، وسُمي مطار وشوارع باسمه في سورية، وكانت رغبته التي أعلنها قبل وفاته: "أن يعيش في بلده، ويشاهد أطفاله يلعبون بسلام، من دون خوف من القنابل".

"العربي الجديد"- 20/4/2024م

محمد فارس الأيقونة الممنوعة

محمد حجيري

جريدة "المدن" - الأربعاء 24/4/2024م

قبل أيام، كتب الشاعر السوري، خضر الآغا، في فايسبوكه:

"منذ الثمانينيات وحتى الآن لم يكفّ الكتّاب الجدد والقراء أيضًا في كل جيل عن التساؤل حول انعدام، أو شبه انعدام لبروز أسماء كبيرة على المستوى الشعبي في الرواية؛ مثل: حنا مينا وعبد السلام العجيلي، وغيرهما..."، يضيف:

"لدي حادثة تختصر ذلك كله: في إحدى المسرحيات تمت طباعة بوستر لشخصية من شخصيات المسرحية، البوستر عبارة عن صورة الممثل فقط، وعلقها أصحاب المسرحية على أبواب مسرح الحمراء بدمشق وعلى مداخله ريثما يتحصلون على الموافقة.

جاءت الموافقة بالرفض، ولدى السؤال والبحبشة عن سبب الرفض قالوا لهم: إن هناك شخصًا واحدًا فقط توضع صورته كبيرة في الأماكن، هو السيد الرئيس. من هنا نعرف سبب غياب أسماء كبيرة شعبياً، وليس للأمر علاقة بالإبداع وقوته".

لا جدال في كلام خضر الآغا، فهو مرآة للواقع السوري الأسدي، الذي يسمح بظهور النجوم شرط أن تكون شخصياتهم بوقية للنظام وتابعة ومسحوقة من الداخل، هذا ما أراده الأسد بشكل دائم، وهذا ما تعمل عليه أنظمة الاستبداد.

من باب المُصادفة أنّ تعليق خضر الآغا أتى بالتزامن مع وفاة رائد الفضاء السوري محمد فارس. فمَن يقرأ سيرته، يجد تطابقاً مع التعليق أعلاه. فمحمد فارس يعد أول رائد فضاء سوري صعد إلى الفضاء في رحلة مشتركة مع الاتحاد السوفياتي العام 1987، ونال شهرة كبيرة على الصعيد السوري والعربي والدولي، وانتقل إلى تركيا بعد بدء الثورة الشعبية ضد نظام بشار الأسد في 2011.

لم يعد جديداً القول إن فارس في الأصل طيّار مقاتل على الطائرة "ميغ 21"، كما كان مدرباً للطيران، قبل أن يُختار لتمثيل سوريا إلى الفضاء الخارجي بعد اختبارات وتدريبات رياضية وذهنية خاضها في دمشق وموسكو، فقد اختير ليشارك في "رحلة وطن، لا رحلة شخص"، على حد قوله. لكن التفكير الأسدي يكمن في طريقة التعاطي مع نجاحه. فعند عودته إلى سوريا، استُقبل استقبال الأبطال، وقد ملأت المظاهرات الاحتفالية سوريا ثلاثة أيام بعد عودته، قبل أن "تصدر الأوامر بوقفها في اليوم الرابع". استغل النظام رحلة محمد فارس إلى الفضاء على الصعيد المحلي والدولي، "لكن عندما زاد الأمر عن حده، خصوصاً أن حافظ الأسد يريد أن يبقى الرمز الأول في الإعلام، أوقفَ الاحتفاء بفارس". وهذا من دواعي ما تسميه أستاذة ورئيسة قسم العلوم السياسية في جامعة شيكاغو، ليزا وادين، "السيطرة الغامضة"، إذ تقول في كتابها: "يصور حافظ الأسد في الخطاب السياسي السوري المعاصر، عموماً، على أنه حاضر في كل مكان وأنه عالم بكل شيء".

وحافظ الأسد حين التقى محمد فارس، صافحه، ومنحه وسام "بطل الجمهورية العربية السورية"، من دون أن يُقلّده الوسام. رافضًا أن يطوق عنقه به خلافًا للبرتوكول المعروف، في إشارة إلى عدم شعور الأسد بالرضا عنه.

وحينما تحدث فارس عن دوافع ذلك قال: "لا أعلم، ربما كان الأسد يريد ابنه باسل أن يصعد للفضاء بدلًا مني".

بعد ستة أشهر، استقبل الأسد باقي رواد الفضاء بعدما هبطت مركبتهم، لكن أوامر القصر كانت تقضي بألا يحضر الفارس اللقاء.

كان التساؤل "أين محمد فارس؟".. وظل يراود الصحافيين حينًا من الدهر بعدما انقطعت أخباره تمامًا.

نجومية محمد فارس جعلتْ الأسد يبقيه في منزله تسع سنوات بلا عمل، على الرغم من أنه طيار.

كما تحدث فارس عن معاناته المادية هو وعائلته، إلى الحد الذي كان يدفع زوجته إلى عدم الظهور في المناسبات الاجتماعية نظرًا لسوء الأحوال المادية والمعيشية.

مآل الكلام أو مفاد ما حصل مع محمد فارس، يبقى هينًا، مقارنة بالذي حصل مع بطل الفروسية عدنان القصار، إذ ألقي القبض عليه في العام 1993، وأودع سجن صيدنايا ثم نقل إلى سجن تدمر، وكل جريرته أنه فارس ذهبي بحق.

وكابتن المنتخب السوري للفروسية العام 1992... زجّ في السجن 21 سنة؛ لأنه تغلب على باسل الأسد، في أحد السباقات، ووجهت إليه تهمة سياسية مفبركة.

والسياق نفسه مع لاعب كرة القدم جورج مختار، والذي بدا أطول من حافظ الأسد في الصورة الملتقطة العام 1976 حين استقبل الرئيس فريق الجيش السوري بعد فوزه على فريق البحرين في مباراة النهائي في البطولة العربية التي استضافتها دمشق. فكّر الأسد أن يسجن الحارس لأنه ظهر في صورة أطول منه.

والنظام الأسدي بنسخته الأولى، كان يفرض على من يغني في سوريا أن: يبدأ الغناء بموال للأسد، وعلى من يفوز بالرياضة أن يقول:

إن الفضل بفوزه يعود للأسد، والذي يبرز في الغناء يقول إن صوته جميل بفضل سيادته، والذي يقول الشعر عليه بقصيدة أسدية، من جوزيف حرب إلى الجواهري. هكذا احتل المشهد؛ بتمجيد ذاته، وتماثيله الرخيصة، وجيشه المترهل وأتباعه الكثر.

فالسوريون -كما تقول ليزا وادين-:

"أُجبروا في وقت من الأوقات على: "تطويع مواهبهم" لخدمة الدعاية الرسمية"، فـ"الشباب لطالما دُعُوا للمشاركة في المسيرات التي تنظمها ما تُسمّى بالمنظمات الشعبية، والشعراء، وأساتذة الجامعات، والفنانون، والكتّاب المسرحيون مطالبون بشكل دوري، بالمساعدة في ترتيب الاستعراضات الشعبية، وأن يسهموا في الحفاظ على مظاهر تعظيم الأسد، كما يُطلب - من اتحادات العمال والفلاحين، وأعضاء المنظمات المهنية- أن يحيوا الشعارات والمظاهر التي تمجد الحزب والرئيس."

محمد فارس

نموذج آخر لتجاهل النظام للمبدعين والمتميزين السوريين

"بلدي"

الثلاثاء/23/أبريل- نيسان/2024م

لم تنشر وسائل إعلام النظام الرسمية، والمقرّبة، أي خبر حول وفاة محمد فارس، مساء الجمعة 20 من نيسان.

وإذا كان تجاهل النظام شديد الوضوح مقارنة بحجم التفاعل على الضفة الأخرى، حيث اتجه النظام منذ انشقاق محمد فارس في آب 2012، لشطب قصته أو أي تطرق لتجربته من المنهاج التعليمي في سوريا، بما يشكل مساسًا بالهوية الثقافية، ومحاولة لطمس أحد رموزها.

بينما، قدّمت الولايات المتحدة، عبر سفارتها في سوريا، تعازيها لعائلة وأصدقاء محمد فارس، وقالت السفارة عبر “إكس“، مساء الاثنين 22 من نيسان:

"إن محمد فارس قدّم نموذجًا لتفانيه في التميز، ودعا أيضًا إلى حرية الشعب السوري"، واعتبرت رحيله خسارة للسوريين والعالم أجمع.

المبعوث الألماني الخاص إلى سوريا، ستيفان شنيك، قدّم عبر “إكس” أيضًا التعازي بوفاة محمد فارس، وقال:

"نشارككم الحداد على فقدان محمد فارس، الرائد والمدافع القوي عن الحرية والديمقراطية".

وأضاف شنيك: "أن إسهامات محمد فارس العلمية، ودعمه الشجاع للانتفاضة السورية السلمية، بصمة لا تمحى في قلوب الكثيرين، وأن إرثه سيستمر في إلهام الأجيال القادمة، بجميع أنحاء سوريا والعالم العربي".

في السياق نفسه، وجّه سلطان بن سلمان، أول رائد فضاء عربي، وأول رائد فضاء مسلم، التعازي لعائلة اللواء محمد فارس، معتبرًا:

"أن العالم العربي افتقد بوفاته أحد رجالاته المخلصين، الذين رفعوا اسم العرب عاليًا في المحافل الدولية، وأن محمد فارس نال سمعة طيبة على المستوى الدولي، من خلال إسهاماته العلمية في قطاع الفضاء"، وفق ما نقلته مواقع سعودية.

"أرمسترونغ العرب"

وفاة رائد الفضاء السوري محمد فارس بتركيا

"القناة التركية العربية" 20/4/2024م

توفي رائد الفضاء السوري اللواء محمد فارس الجمعة، عن عمر ناهز 73 عاما في مستشفى بمدينة غازي عنتاب، جنوبي تركيا، بعد تعرضه لأزمة صحية قبل أيام.

ونعى رئيس الائتلاف السوري المعارض هادي البحرة، عبر حسابه بمنصة إكس، محمد فارس، قائلاً: "ببالغ الأسى والحزن أنعى إليكم اللواء البطل رائد الفضاء محمد فارس، الذي وافته المنية اليوم الجمعة في تركيا".

وأضاف: "حظي اللواء محمد فارس بمحبة السوريين بمواقفه الشجاعة وانحيازه إلى صوت الشعب وكلمته، وهو أول سوري وثاني عربي يصعد إلى الفضاء، وكان اسماً لامعاً محلياً وعربيًّا".

من محمد فارس؟

ولد فارس عام 1951 بمدينة حلب السورية، وتخرّج في الأكاديمية العسكرية ودرّس فيها، وعمل ضابطاً في سلاح الجو ومستشاراً عسكرياً في سوريا.

وصعد محمد فارس إلى الفضاء في رحلة مشتركة مع الاتحاد السوفييتي عام 1987، ليكون أول طيّار سوري والثاني على مستوى الوطن العربي يصعد إلى الفضاء، بعد رائد الفضاء السعودي "سلطان بن سلمان".

وشارك رائد الفضاء الراحل في المظاهرات المناهضة لنظام بشار الأسد عام 2011، واستدعته الأجهزة الأمنية ليقرر إثر ذلك مغادرة البلاد واللجوء إلى تركيا.

وفي حوار صحفي سابق قال فارس: "عندما صعدت للفضاء وهبطت، كان الكلام أن السوريين سيعلمون أبناءهم (بابا ماما محمد فارس)، وأذكر أن كثيراً من مواليد 1987 أطلق عليهم اسم محمد فارس".

واستكمل: "من هنا كانت النظرة الديكتاتورية، فعمل النظام على حجبي في المنزل 9 سنوات تقريباً، عبر نظام بشار الأسد، وقبله نظام حافظ الأسد، ولذلك ما كان علينا سوى التحلي بالصبر".

وسبق أن نشر اللواء الراحل صورة له في يناير/كانون الثاني الماضي، مع أول رائد فضاء تركي ألبير غزر أوجي، متمنياً له ولتركيا النجاح في أول مهمة فضائية.​​​​​​​

عارض "الأسد" وانحاز للثورة..

وفاة رائد الفضاء السوري محمد فارس في تركيا

 تلفزيون سوريا ـ خاص 19/4/2024م

توفي رائد الفضاء السوري اللواء محمد فارس، اليوم الجمعة، بعد معاناة مع المرض استمرت لأسابيع، داخل أحد مشافي ولاية غازي عنتاب التركية.

وأفاد مراسل تلفزيون سوريا، بأن اللواء محمد فارس توفي داخل مشفى "السانكو" الخاص في ولاية غازي عنتاب جنوبي تركيا.

وفي شهر آذار الماضي، نشر ناشطون فيديو يظهر فيه فارس من داخل المستشفى، تمنى فيه أن يكون مشاركاً في احتفالات الذكرى السنوية الثالثة عشرة لانطلاق الثورة السورية.

"حفر اسمه في قلوب السوريين"..

الائتلاف الوطني ينعى محمد فارس

سطّر محمد فارس موقفًا شجاعًا بانضمامه إلى ثورة السوريين، وانشقاقه عن النظام السوري - سبوتنيك

تلفزيون سوريا - إسطنبول - 20/4/2024م

نعى "الائتلاف الوطني السوري" رائد الفضاء السوري، محمد فارس، الذي فارق الحياة، أمس الجمعة، في أحد مستشفيات ولاية غازي عنتاب التركية، بعد معاناة مع المرض.

وفي بيان له، قال الائتلاف إن محمد فارس "حفر اسمه في قلوب السوريين، لكونه أول رائد فضاء سوري صعد إلى الفضاء عام 1987، وهو الثاني عربياً ممن صعدوا إلى الفضاء، وله تجارب علمية عديدة أتمها في المركبة الفضائية، إضافة إلى إنجازه عشرات الأبحاث في مجالات صناعية وجيولوجية وكيميائية وطبية وفي الرصد الفضائي والاستشعار عن بعد".

وأضاف: أن الراحل "سطّر موقفًا شجاعًا؛ بانضمامه إلى ثورة السوريين، وانشقاقه عن النظام السوري، منذ العام 2012"، مشيرًا إلى أنه "كان بجوار الشعب السوري المناضل، من أجل الحرية والديمقراطية، لينصبه السوريون رمزًا وطنيًّا، وقامة فريدة".

ووصف الائتلاف الوطني رحيل محمد فارس بأنه "خسارة كبيرة للشعب السوري، والعالم العربي"، مؤكدًا أن "إرثه وإنجازاته ستبقيه حيًّا، وملهمًا في قلوب الأجيال".

-------------------------------------------------------------------

وفاة رائد الفضاء السوري محمد فارس في تركيا

فارس أول رائد فضاء سوري صعد إلى الفضاء في رحلة مشتركة

مع الاتحاد السوفييتي عام 1987م

إسطنبول/ الأناضول

20/4/2024م

أعلنت المعارضة السورية، الجمعة، وفاة رائد الفضاء السوري اللواء محمد فارس، في مستشفى بمدينة غازي عنتاب، جنوبي تركيا، بعد تعرضه لأزمة صحية قبل أيام.

ونعى رئيس الائتلاف السوري المعارض هادي البحرة، عبر حسابه بمنصة "إكس"، محمد فارس، قائلا:

"ببالغ الأسى والحزن أنعى إليكم اللواء البطل رائد الفضاء محمد فارس، حيث وافته المنية اليوم الجمعة في تركيا".

وأضاف: "حظي اللواء محمد فارس بمحبة السوريين بمواقفه الشجاعة وانحيازه لصوت الشعب وكلمته، وهو أول سوري وثاني عربي يصعد على الفضاء، وكان اسما لامعا محليا وعربيا".

وتابع البحرة: "تعازينا الحارة لعائلة الراحل وأصدقائه وذويه ولعموم الشعب السوري، وندعو الله أن يرحمه ويغفر له يرزق أهله الصبر والسلوان، إنا لله وإنا إليه راجعون".

وأكد مقربون من عائلة رائد الفضاء الراحل لمراسل الأناضول وفاة اللواء فارس، بعد تعرضه لأزمة قلبية في أواخر شهر رمضان.

ومحمد فارس أول رائد فضاء سوري صعد إلى الفضاء في رحلة مشتركة مع الاتحاد السوفيتي عام 1987، ونال شهرة كبيرة على الصعيد السوري والعربي والدولي، وانتقل إلى تركيا بعد بدء الحراك الشعبي ضد نظام بشار الأسد في 2011.

وفي حوار سابق للأناضول مع الراحل فارس، قال: "عندما كنت في سوريا محاضراتي كانت مقننة، لكن في تركيا انطلقت بمحاضراتي، وأنا سعيد لأني أشعر بأداء واجبي الداخلي الإنساني والأخوي".

وأضاف: "مع قيام الثورة (في 2011) كنت سعيدا لأن القمع على الأرض كان كثيرا وبات مكشوفا، ويدخل في كل زوايا سوريا، ولم يترك زاوية إلا وقمع الشعب من الناحية العلمية والأخلاقية والحركية".

وعن رحلة الفضاء، قال: "عندما صعدت للفضاء وهبطت، كان الكلام أن السوريين سيعلمون أبناءهم (بابا ماما محمد فارس)، وأذكر أن كثيرا من مواليد 1987 أطلق عليهم اسم محمد فارس".

واستكمل: "من هنا كانت النظرة الديكتاتورية، فعمل النظام على حجبي في المنزل 9 سنوات تقريبا، عبر نظام بشار الأسد، وقبله نظام حافظ الأسد، ولذلك ما كان علينا سوى التحلي بالصبر".

وسبق أن نشر الراحل اللواء محم فارس صورة له في يناير/ كانون الثاني الماضي، مع أول رائد فضاء تركي ألبير غزر أوجي، متمنيا له ولتركيا النجاح في أول مهمة فضائية.​​​​​​​

مُلحقان عن

مجزرتي نظام البعث

المروعتين في:

مدينة حماة

و

سجن تدمر

مجزرة حماة 1982..

يوم دمرت قوات الأسد مدينة بأكملها لمواجهة مجموعة مسلحة

"الجزيرة نت" 14/2/2024م

مجزرة حدثت في شهر فبراير/شباط 1982 في مدينة حماة السورية، واستمرت 27 يوما، نفذتها عدة فرق وألوية من الجيش السوري، وعلى رأسها قوات سرايا الدفاع، بهدف القضاء على المعارضة في المدينة، وأدت وفقا لعدة روايات إلى مقتل نحو 40 ألف شخص وأكثر من 17 ألف مفقود، في حين وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان مقتل ما يقارب 10 آلاف منهم، كما وثقت أسماء 4 آلاف مفقود.

ما قبل المجزرة

لم تكن أحداث عام 1982 مفصولة عن العقدين الأخيرين اللذين سبقا المجزرة وما حدث فيهما في سوريا عامة ومدينة حماة خاصة، إذ عجت تلك الفترة بصدامات ومواجهات، وقتل واعتقالات شملت الأحزاب المعارضة والمسلحين، بدأت بعد انقلاب حزب البعث على الحكم وتوليه السلطة.

وكانت أبرز تلك المواجهات أحداث عام 1964 أو ما يعرف في حماة بـ"أحداث جامع السلطان" حين حدثت هبة شعبية في مدينة حماة، وعدة مدن سوريا أخرى، اعتراضا على حكم البعث، واجهها النظام بتدخل عسكري ومحاصرة للجامع وقصف مئذنته، مما تسبب في مقتل عشرات المدنيين في حماة، وفق شهادة الرئيس السوري في ذلك الوقت أمين حافظ في برنامج "شاهد على العصر" في قناة الجزيرة.

تتابعت الأحداث مع انقلاب حافظ الأسد على الحكم، وبدء حملة الاعتقالات في صفوف المعارضين، ومن ثم إقراره دستورا جديدا عام 1973، منح فيه نفسه صلاحيات واسعة، وجعل السلطة التنفيذية والقضائية والتشريعية بيده، فقامت مظاهرات واحتجاجات في المدينة عرفت بـ"أحداث الدستور"، وأدت إلى اعتقالات كثيرة في صفوف المعارضة، لا سيما وأن منهم من دعا للجهاد ضد حزب البعث.

بعد عدة سنوات ونتيجة قتل واغتيال عدد من أبناء المدينة، بدأت سياسة مجموعة مسلحة من المعارضة تعرف باسم "الطليعة المقاتلة" تتحول إلى اغتيال شخصيات ذات مناصب في الدولة، وأدى ذلك إلى زيادة الاعتقالات والملاحقات والاغتيالات، وفي 16 يونيو/حزيران 1979 هاجمت تلك المجموعة المسلحة مدرسة المدفعية في حلب وقتلت عشرات من الضباط العلويين، فحملت الدولة جماعة الإخوان المسلمين المسؤولية عما حدث.

تلت العملية محاولة فاشلة لاغتيال الرئيس السوري حينها حافظ الأسد يوم 26 يونيو/حزيران 1980، فاتهم بها جماعة الإخوان المسلمين أيضا، ورد عليها بالانتقام من السجناء في سجن تدمر، إذ نفذت سرايا الدفاع بقيادة رفعت الأسد مجزرة في السجن، وقتلت ما يزيد على ألف سجين معظمهم من الإسلاميين.

وبعد عدة أيام، وتحديدا يوم 7 يوليو/تموز، صدر مرسوم تشريعي رقم 49 لعام 1980 يحظر الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين، وجاء في نصه "يعتبر مجرما، ويعاقب بالإعدام كل منتسب لتنظيم جماعة الإخوان المسلمين"، وبذلك أبيح ارتكاب المجازر، بحجة القضاء على تنظيم الإخوان المسلمين.

وكانت حماة في ذلك الوقت تضم عددا كبيرا من المنتسبين إلى جماعة الإخوان المسلمين، إضافة إلى أنها مدينة انتفضت عدة مرات رفضا لحكم البعث والأسد، وفي منتصف عام 1981 خططت "الطليعة المقاتلة" وجماعة الإخوان المسلمين بالتنسيق مع "الضباط الأحرار" للانقلاب على الحكم، لكن ذلك لم يتم، وبلغ الأمر بحافظ الأسد؛ فقرر - في اجتماع مع قادته- اجتياح المدينة.

الاستعداد للمجزرة

حاصرت قوات من أجهزة الأمن والجيش مدينة حماة في نهاية يناير/كانون الثاني 1982، وتمركزت بعض القوات في مناطق داخل المدينة، وشاركت في تلك المجزرة:

قوات سرايا الدفاع، وهي مجموعة عسكرية قوامها 12 ألف جندي بقيادة رفعت الأسد، تمركزت في عدة مناطق بالمدينة، في حين اجتمع العدد الأكبر منها حول المدينة لحصارها.

قوات الوحدات الخاصة شاركت بالأسلحة الثقيلة والدبابات والمدفعية، كما أسهمت في تطويق المدينة.

الكتائب الحزبية، وهي تتكون من أشخاص مدنيين درّبوا على حمل السلاح، ينتسب معظمهم إلى حزب البعث وتمركزوا داخل المدينة وحولها.

قوات فرع الأمن العسكري في حماة.   قوات أمن الدولة.

قوات الأمن السياسي تمركزت على طريق حلب.

قوات اللواء 47 دبابات، وقد عُزّز بقوات إضافية قبل المجزرة.

سرايا الصراع، وشاركت بـ4500 عنصر، وتركز دورها في المشاركة في عمليات الاقتحام والقصف.

اللواء 21 ميكانيك والفرقة المدرعة الثالثة، وكانا تحت قيادة سرايا الدفاع.

بداية المجزرة

أحكمت القوات المشاركة حصار المدينة، وقطعت عنها الماء والكهرباء والاتصالات، وفرضت حظر تجول بهدف عزل المدينة ومنع الحركة فيها، ثم بدأت العملية العسكرية.

وفي الثاني من فبراير/شباط 1982، ووفقا لشهادات من عاشوا المجزرة، حاولت قوات الأسد اقتحام المدينة لكن حدثت اشتباكات مع مسلحين امتدت لعدة ساعات في عدة أحياء، مما دفع القوات المقتحمة للانسحاب خارج المدينة وبدء القصف العشوائي والكثيف بالمدافع والرشاشات والطائرات.

أصاب القصف كافة أحياء المدينة من دون تمييز بين المدنيين والمسلحين والبيوت وأماكن العبادة، وأدى في أقل من يومين إلى تدمير كلي أو جزئي لعشرات المساجد والعيادات والأحياء السكنية، إضافة إلى سقوط أعداد كبيرة بين قتيل وجريح.

حاول المدنيون خلال عمليات القصف والاشتباكات الهرب من المدينة جريا، ونجحت أعداد قليلة قُدّرت بالمئات في الهرب باتجاه القرى والمناطق المحيطة، وذكر شهود عيان أنهم عبروا فوق عشرات الجثث المرمية في شوارع المدينة أثناء عملية الخروج، في حين التجأ سكان المدينة إلى الأقبية.

الاقتحام البري

صباح يوم الرابع من فبراير/شباط 1982 بدأت مرحلة الاقتحام البري الذي نفذته دبابات اللواء 47، إذ توزعت بين دبابات في نقاط ثابتة وأخرى متحركة في شوارع المدينة، وقصفت جميعها أحياء المدنيين ومنازلهم، كما نصبت القوات التي اجتاحت المدينة راجمات صواريخ وقاذفات هاون على بعض الأبنية لقصف أحياء مختلفة.

وخلال الأيام العشرة الأولى من منع التجول، تعرضت الأحياء السكنية في منطقة السوق للتفتيش ثلاث مرات، في المرتين الأولى والثانية اختبأ الرجال المدنيون خوفا من الاعتقال، لأنه سبق أن تعرض رجال قبل الأحداث لاعتقال على حواجز من دون أي سبب، إلا أن التفتيش كان مسالما ولم يتعرض للمدنيين، وإنما كان بحجة البحث عن مطلوبين والسؤال عن أفراد العائلة بشكل عام.

وفي المرة الثالثة، ووفق شهود عيان لم يختبئ الرجال المدنيون لأنهم شعروا بالاطمئنان بعد التفتيشين الأول والثاني، لكن التفتيش الثالث كان همجيا، حيث اعتقل كل الرجال في البيوت التي فتشت، وحدثت حوادث اغتصاب وقتل ونهب وتخريب للبيوت.

ونفذت عمليات إعدام ميداني فردي وجماعي لمئات الرجال المدنيين والأطفال في أحياء المدينة، إذ كان العناصر يجمعون رجال الحي في نقطة معينة، ثم يعدمونهم رميا بالرصاص فيسقط الرجال بين قتيل وجريح، ولم يتمكن الأهالي في تلك الفترة من إسعاف الجرحى بسبب حظر التجول والحصار الذي أحاط بالأحياء، ولم يكتف الجنود بقتل المدنيين، بل نكلوا بعدد من الجرحى وفق شهود عيان، وقتلت عائلات كاملة في تلك الفترة لانتماء فرد أو عدة أفراد منها لتنظيم الإخوان المسلمين.

وتروي إحدى الممرضات أن عناصر الأمن دخلوا غرف المستشفى وقتلوا المرضى فيه، ورافقت ذلك عمليات تنكيل واستخدام للسلاح الأبيض وذبح وبقر لبطون الحوامل، وحوصر المستشفى وقُتل كل جريح كان ينقل إليه، وأُجبر الفريق الطبي على معالجة جرحى قوات النظام فحسب.

وبعد السيطرة على نصف المدينة الأول، أو ما تسمى بمنطقة "السوق"، تركز القصف على نصف المدينة الثاني وهي منطقة الحاضر، وتابعت قوات الأمن عمليات اقتحام الأحياء في كل المناطق وتمشيطها، وأعدمت عوائل كاملة بنسائها وأطفالها؛ مثل عوائل الدباغ، والأمين، وموسى، والعظم والشققي، وغيرهم.

غير أن الاشتباك استمر في بعض أحياء المدينة حتى يوم 23 فبراير/شباط 1982، فانتهجت قوات النظام سياسة الأرض المحروقة مع هذه الأحياء، ودمرتها بالكامل على رؤوس ساكنيها، ولم ينج منها أحد تقريبا، مثل أحياء البارودية والكيلانية والحميدية وغيرها.

وخلال فترة المجزرة، استمرت عمليات تفتيش المنازل والاعتداء على ساكنيها، واعتقل عدد كبير من الأهالي على نحو عشوائي، إضافة إلى الاعتقالات التي طالت عائلات بعينها، وحولت بعض الأماكن في المدينة إلى مراكز اعتقال وتعذيب، قبل أن ينقل المعتقلون إلى السجون، وعاش أهالي المدينة في رعب وخوف وتوقع للقتل والاعتقال طوال تلك الفترة، كما تعرضت النساء لاعتداءات مختلفة واغتصاب واعتقال وغيرها.

وفي 28 فبراير/شباط 1982 بدأت بعض المجموعات العسكرية الخروج من حماة والعودة للثكنات، في حين بقيت الحواجز العسكرية في كافة أحياء المدينة، واستمرت عمليات القتل والملاحقة، حتى منتصف مارس/آذار من العام ذاته.

رفعت قوات الأسد حظر التجول عن منطقة السوق يوم 28 فبراير/شباط، وعن منطقة الحاضر في الأول من مارس/آذار 1982، وسُمح للأهالي بالحركة، مع بقاء الحواجز العسكرية داخل المدنية.

شهود عيان

تفيد إحدى العاملات في المشفى الوطني بأنها التقت بامرأة حديثة الولادة أخبرتهم أن عناصر الأمن حين داهموا منزلها أخذوا طفلها الوليد حديثا وأمسكوه من بين رجليه ثم شدوه بقوة وقتلوه عن طريق تمزيق أعضائه جراء الشد، إضافة إلى أنها تحدثت عن بقر بطون الحوامل وحالات اغتصاب للفتيات والنساء وحتى العجائز، وفق ما ورد في شهادتها.

وتروي أنها رأت بعينيها حين خرج طبيبان من المستشفى لمحاورة الرئيس حافظ الأسد، وكان من الوفد طبيب العظام عبد القادر قندقجي، وطبيب العيون عمر الشيشكلي، فأعادوهما مقتولين، طبيب العظام كسروا عظامه كلها وقتلوه، وطبيب العيون قتل برصاصتين في عينيه.

كما ذكرت أن عناصر الأمن في حي الأميرية أخرجوا الشباب من البيوت، وطلبوا منهم الاستلقاء على الأرض ثم جعلوا الدبابة تسير فوقهم.

ويذكر عضو مجلس الشعب ومحافظ حماة سابقا أسعد مصطفى أن مقاومة واشتباكا عنيفا كانا في حي الحميدية قرب المستشفى الوطني القديم، ولم يستطع الجيش اجتياح المكان، فطلبوا مساعدة من سرايا الدفاع، فأرسل رفعت الأسد فوجا بقيادة علي ديب، طلب منهم التدخل فسألوا عن مكان المشفى، فذهبوا إلى المشفى الجديد وليس القديم، وهي منطقة لم تشترك بالأحداث ولم يحدث فيها مواجهات، وفق شهادته، واجتاحوا الحي وقتلوا كل من فيه.

في حين يؤكد شهود عيان آخرون أن سبب الذهاب إلى منطقة المستشفى الجديد هو سياسة النظام بالانتقام من الأهالي ومنع حدوث مقاومة في أحياء أخرى.

ويذكر شهود عيان أنه في الأسبوع الأخير من المجزرة قبل آخر جمعة في ذلك الشهر، حدث تقليل لعدد الحواجز في المدينة، وسمح بالحركة البسيطة بين الأحياء، فبدأ الناس بتفقد بعضهم، وبعد عدة أيام وتحديدا يوم جمعة حدث تفتيش ومداهمة كبيرين لبعض الأحياء، وتم اعتقال كل الشباب والرجال واقتيادهم إلى مكان مجهول، وعلى رأسهم مفتي المدينة وابنه وجميع أئمة المساجد. ويذكر بعض الشهود أن أعداد من اعتقلوا يومها تتراوح بين 5 آلاف و7 آلاف.

أما محافظ حماة السابق أسعد مصطفى فأكد وقوع الحادثة، ويسميها "حادثة يوم الجمعة"، إلا أنه يوضح أن عدد من اعتقلوا بلغ 10 آلاف و500 رجل من عمر 15 عاما وحتى 50 عاما، ولم يعرف شيء عنهم منذ ذلك الحين، وتفيد روايات بعض الناجين بأن الاعتقالات طالت أطفالا تتراوح أعمارهم بين 12 و17 عاما، كما طالت شيوخا تفوق أعمارهم 60 و70 عاما.

ويروي شاهد عيان أن عناصر الأمن جمعت قرابة 30 مدنيا، ووضعوهم في محلات في أحد أسواق المدينة، ثم أحرقت المحلات بمن فيها، ومن بينهم الشيخ عبد الله حلاق أحد مشايخ المدينة وأحد مدرسي المدرسة الشرعية الثانوية للبنين.

ويروي شهود عيان أنه لم يسمح للنساء والأطفال الذين أرادوا الخروج من المدينة بذلك، وظلوا ينتظرون على الحواجز، وفي الليل كانت الفتيات تتعرضن للاختطاف والاغتصاب.

وتذكر هبة دباغ -إحدى المعتقلات سابقا في كتابها "خمس دقائق وحسب.. تسع سنوات في سجون سوريا"- أن جميع أفراد عائلتها أعدموا رميا بالرصاص في منزلهم بما في ذلك إخوتها الأطفال.

وتؤكد شهادات مشابهة من ناجين من المجزرة حوادث القتل الجماعي، وقتل عائلات في منازلها، واعتقالا عشوائيا، والاعتقال على الاسم، ومجازر ارتكبت بطرق مختلفة، كما أكدت شهادات حالات القتل والذبح بالسلاح الأبيض وتقطيع الأعضاء والتنكيل بالجرحى، إضافة إلى حالات الاغتصاب والاعتداءات المختلفة.

نتائج المجزرة

خلفت مجزرة حماة، التي استمرت 27 يوما، نحو 30 إلى 40 ألف قتيل مدني، وثقت بيانات 7984 منهم، وفق التقرير الصادر عن الشبكة السورية لحقوق الإنسان في الذكرى الـ40 للمجزرة، والذي أوضح أن أعداد المفقودين قُدرت بـ17 ألف شخص، وثقت بيانات 3762 منهم فقط، مع غياب تام لعدد القتلى في صفوف المعارضة المسلحة، أو في صفوف عناصر النظام.

وبين التقرير أن الدمار طال المدينة بنسب مختلفة، فدمرت أحياء الكيلانية والعصيدة الشمالية والزنبقي وبين الحيرين بشكل كامل وسويت بالأرض، في حين دمرت أحياء البارودية والباشورية والحميدية والأميرية والمناخ بنسبة 80%، ويراوح الدمار في باقي أجزاء المدينة بين ربعها إلى نصفها.

ودمر 79 مسجدا بشكل كلي أو جزئي نتيجة القصف والتفجير، كما دمرت 3 كنائس على نحو كلي أو جزئي، و40 عيادة طبية، ومناطق تاريخية

وأثرية من المدينة، وفق ما جاء في التقرير.

ويعود السبب في عدم القدرة على التثبت من الأرقام إلى غياب التغطية الإعلامية، وهيمنة النظام على السلطات الثلاث، وطول الفترة الزمنية من حدوث المجزرة إلى محاولات التوثيق.

في حين يؤكد شهود عيان أن سبب الصمت وعدم الكتابة هو الخوف من أن يطال الأذى أقرباء من تركوا المدينة أو من عاشوا المجزرة ثم هربوا منها، إذ إن النظام كان يعاقب عوائل كاملة بسبب فرد من أفرادها، ولا يفرق بين امرأة ورجل في القتل والاعتقال.

ما بعد المجزرة

سيطر الخوف والرعب على أهالي المدينة، لا سيما في الأشهر الأولى بعد المجزرة، إذ كان الجميع يتوقع استدعاءه لأحد أقسام الشرطة أو مداهمة منزله واعتقاله في أي لحظة.

زرع النظام أعدادا كبيرة من الموالين له في المدينة عن طريق تسكينهم في البيوت التي غادرها أصحابها، فكان دور الموالين له نقل أخبار الأحياء التي يقطنون بها، والإبلاغ عن أي أمر يشكّون فيه.

بقيت كثير من قصص المدينة طي الكتمان نتيجة الخوف والمشاهد التي عاشها الناس في المجزرة، وكشف جزء مما حدث بعد الثورة السورية، إذ بدأ بعض الناجين الحديث عما جرى من دون خوف.

رد رفعت الأسد على المجزرة

أنكر رفعت الأسد دوره في مجزرة حماة، وقال في مؤتمر أقيم في باريس في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2011 إنه لم يذهب إلى حماة ولا يعرفها. وحين سئل عن مجزرة تدمر أفاد بأن الرئيس أصدر مرسوما بعد محاولة اغتياله بإعدام كل من ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين.

ويتنافى هذا مع ترتيب الأحداث، إذ إن محاولة اغتيال حافظ الأسد حدثت يوم 26 يونيو/حزيران 1980، ومجزرة تدمر حدثت يوم 27 يونيو/حزيران 1980، والمرسوم التشريعي الذي حظرت فيه جماعة الإخوان المسلمين في سوريا صدر يوم 7 يوليو/تموز 1980.

وصف مفصل لـ مجزرة تدمر باعتراف اثنين من منفذيها

*"تلفزيون سورية"

حصل موقع تلفزيون سوريا على مذكرة شفوية، صدرت بتاريخ 4 آذار 1981 من قبل البعثة الدائمة في الأردن، موجهة إلى رئيس لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، تتضمن اعتراف اثنين من قوات النظام شاركا بارتكاب مجزرة سجن تدمر عام 1980.

وتم اعتقالهم على الأراضي الأردنية.

وينشر موقع تلفزيون سوريا الاعترافات كما جاءت في الوثيقة.

تتقدم البعثة الدائمة في المملكة الأردنية الهاشمية بخالص التهنئة لرئيس لجنة حقوق الإنسان، بناء على طلب من وزير خارجية المملكة الأردنية الهاشمية الذي يتشرف بإرفاق مذكرة طياً بهذه الوثيقة تحتوي على اعترافات أدلى بها إرهابيون اعتقلهم النظام الأردني مؤخراً.

وفي هذه الاعترافات وصف مفصل لمجزرة وقعت في سجن تدمر بسوريا، في السابع والعشرين من شهر حزيران من العام 1980، حيث اعترف المجرمون بمشاركتهم في المجزرة، التي تسببت بمقتل أكثر من 500 شخص.

وثمة إرهابيان ينتميان إلى عصابة إرهابية مؤلفة من خمسة أشخاص تم إرسالهم لاغتيال رئيس وزراء الأردن، وقد تم اعتقال الإرهابيين، واعترفا بمسؤوليتهما المباشرة عن تنفيذ الخطة، كما اعترفا بانتمائهما إلى سرايا الدفاع في سوريا.

وتنتهز البعثة الدائمة في المملكة الأردنية الهاشمية هذه الفرصة، لتجدد ثقتها الكبيرة برئيس لجنة حقوق الإنسان".

مقتطفات من اعترافات أكرم علي بيشاني وعيسى إبراهيم فياض بخصوص مجزرة سجن تدمر

ملاحظة: ينتمي كل من أكرم علي بيشاني، وعيسى إبراهيم فياض، إلى عصابة إرهابية مؤلفة من خمسة أشخاص، تم إرسالها من سوريا إلى الأردن لتقوم باغتيال رئيس الوزراء الأردني.

وتم اعتقال الإرهابيين، وفيما يلي مقتطفات من اعترافاتهما بخصوص عمليات القتل الجماعية، التي ارتكبت خلال مجزرة سجن تدمر (وهي عبارة عن ترجمة للأصل العربي).

أ‌. اعترافات أكرم علي بيشاني

سؤال: ما العمليات التي أسندت إليكم خلال خدمتكم في سرايا الدفاع (فرقة خاصة من الجيش السوري)؟

جواب: عهد إليَّ القيام بعمليتين

سؤال: ما هي العملية الأولى؟

جواب: عملية سجن تدمر بتاريخ 26 حزيران 1980 والتي وقعت فجر اليوم الذي أعقب محاولة الاغتيال الفاشلة للرئيس حافظ الأسد، حيث تم إيقاظنا في الساعة الثالثة من صباح ذلك اليوم، وأخبرونا بأن هنالك اجتماعا علينا أن نحضره باللباس الميداني الكامل مع السلاح. اجتمعنا في قاعة، ثم تم نقلنا إلى قاعة السينما في اللواء 40 وهناك التقينا بالعميد معين ناصيف، الذي كان قائداً لذلك اللواء، حيث توجه إلينا بالقول بأن: "الإخوان المسلمين لا يفرقون بين علوي وسني، بين مسلم ومسيحي، فهم يقتلون كل الناس، وقد حاولوا أن يغتالوا الرئيس البارحة، ولهذا ستقومون اليوم بمهاجمة أكبر مركز لهم ألا وهو سجن تدمر". ثم سأل: من لا يرغب بالقتال؟ فلم يرفع أحد يده، لأن ذلك كان بمثابة أمر عسكري. ثم طلبوا منا ركوب السيارات ففعلنا ضمن مجموعة يقدر عددها بحوالي 82 شخصا، وبعدها انتقلنا إلى مطار المزة، حيث استقبلتنا مجموعة من اللواء 138 وهو أحد أكبر الألوية التابعة لسرايا الدفاع ويقوده اللواء علي ديب، وهو علوي من اللاذقية. كانت طائرات حوامة (هيلوكوبتر) بانتظارنا هناك. صعدنا على متن الطائرات التي يترأسها قائد من اللواء 138، وهو العميد سليمان مصطفى، من الطائفة العلوية. وكان معنا ثلاثة ضباط من اللواء 40، وهم النقيب ياسر باكير، وهو علوي من حماة، والنقيب منير درويش، من الطائفة العلوية، والنقيب عبد الله، من الطائفة العلوية أيضًا.

تحركت الطائرات باتجاه تدمر، فوصلنا عند الساعة السادسة والنصف صباحًا تقريبًا من اليوم نفسه.

هبطنا من الطائرات ثم تم تقسيمنا إلى مجموعتين: مجموعة الاقتحام ومجموعة أخرى بقيت في المطار. تم نقل المجموعة المكلفة بالهجوم في شاحنة إلى السجن، وهناك تم فرزنا إلى ست مجموعات أصغر أو أكثر من ست: فكنت ضمن مجموعة تضم 11 شخصًا، وأعتقد أن العدد الكامل لمن ذهبوا إلى السجن بلغ حوالي 60 جنديا.

كانت مجموعتي بقيادة النقيب منير درويش، حيث فتحنا باب مهجع فيه ما بين 60 إلى 70 شخصا. وسمعت بأن أحد من قتلوا انتزع بندقية من أحد زملائي، وهو العريف إسكندر أحمد، فتوجهت إليه ورأيته.

ثم ناداني أحدهم وطلب مني ذخيرة، وعندما سألته عن السبب قال:

"هنالك شخص لم يمت بعد، ولهذا نريد رشاشاً من أجله".

بلغ مجموع من قتلتهم برشاشي ما يقارب 15 شخصًا، أما مجموع من قتلوا في السجن من الإخوان المسلمين فيقارب 550 شخصًا، بينما قتل شخص واحد فقط من سرايا الدفاع، وأصيب اثنان بجروح.

بعد ذلك خرجنا وغسلنا أيدينا من الدماء.

سؤال: كم من الوقت استغرقت هذه العملية؟

جواب:

نصف ساعة، وسط القصف وصيحات: "الله أكبر".

بعدها صعدنا على متن الطائرات، وتحركنا باتجاه مطار المزة القديم، ومنه توجهت المجموعة التي تعود للواء 138 المتفرع عن سرايا الدفاع إلى مَقرَّاتها، وكذلك الأمر بالنسبة للفرقة التي تعود للواء 40.

كان العميد معين ناصيف الذي يقود ذلك اللواء بانتظارنا، حيث قام بشكرنا على الجهد الذي بذلناه، كما تقدم لنا بالتعزية بزميلنا الذي مات، وطلب منا أن نعود إلى عملنا، وهذا ما حدث.  

*"تلفزيون سورية"- ترجمة ربى خدام الجامع

29/6/2019م

المراجع

*أولا- الكتب:

1- "الترغيب والترهيب". للحافظ عبد العظيم المنذري ت 656هـ، باعتناء أبي صهيب الكرمي، ط؟ بيت الأفكار الدولية، د. ت.

2- "تفسير القرآن العظيم". للحافظ إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي ت 774هـ، ط1، دار ابن حزم - بيروت، 1420هـ - 2000م.

3- "الجامع الصغير من حديث البشير النذير". للإمام جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي ت 911هـ، ط2، دار الكتب العلمية - بيروت، 1425هـ - 2004م.

4-"حماة مأساة العصر". أصدره المكتب الإعلامي للإخوان المسلمين، سنة 2003م، ثم تكرَّر طبعه.

5- "الرائد - معجم لغوي عصري". لجُبران مسعود، ط7، دار العلم للملايين - بيروت، آذار- مارس/1992م.

6- "شذرات ولمحات من حياة شيخنا العلامة الأستاذ عبد الرحمن بكور ريحاوي". لي، مطبوع على الحاسوب سنة 1442هـ - 2021م.

7- "فتح الكريم المُجيب بشرح ديوان أبي الطيب الخطيب". لي مطبوع بالحاسوب سنة 2019م.

8- "فيض القدير شرح الجامع الصغير" للعلامة عبد الرؤوف المناوي، ط2، دار المعرفة - بيروت، 1391هـ - 1972م.

9- "كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس". للشيخ إسماعيل العجلوني ت 1162هـ، تحقيق وتخريج وتعليق الشيخ يوسف الحاج أحمد، ط1، المطبعة العالمية، توزيع مكتبة العلم الحديث - دمشق، 1421هـ - 2000م.

10- "المحيط في أصوات العربية ونحوها وصرفها". للأستاذ محمد الأنطاكي رحمه الله،

11- "معجم علوم العربية". د. محمد ألتونجي، ط1، دار الجيل - بيروت، 1424هـ - 2003م.

2- "معجم متن اللغة". للشيخ أحمد رضا العاملي ت 1953م، ط 1، مكتبة دار الحياة - بيروت، 1958م.

13- "معجم النفائس". لنخبة مؤلفين بإشراف د. أحمد أبو حاقة، ط 1، دار النفائس، بيروت - لبنان،1428هـ - 2007م.

14- "المعجم الوسيط". لنخبة مؤلفين ولغويين مصريين، ط2، "مجمع اللغة العربية"- القاهرة، 1392هـ - 1972م.  

15- "معلوماتي الخاصة".

16- "المنهاج في القواعد والإعراب". للأستاذ محمد الأنطاكي ت 1986م، طبعة مصورة، دار التبليغ للنشر إستانبول - 1985م.

17- "موسوعة حلب المُقارنة". للأستاذ خير الدين الأسدي ت 1971م،

18- "الموسوعة القرآنية الميسرة"، ومعها "التفسير الوجيز" لشيخنا د. وهبة الزحيلي، لنخبة مؤلفين، ط10، دار الفكر- دمشق، دار الفكر المعاصر- بيروت، 1432هـ - 2011م.

*ثانيا- مواقع الشابكة:

19- موقع "إسلام ويب"، "ثواب من مات في الغربة" رقم الفتوى (170117)، نشرت يوم الاثنين 8/4/1437هـ - 18/1/2016م.

وتفسير (فما بكت عليهم السماء والأرض) الآية (29) من سورة الدخان.

20- "الأناضول- إسطنبول"، نعي محمد فارس، وترجمة له موجزة بعنوان: "وفاة رائد الفضاء السوري محمد فارس في تركيا".

21- "بلدي"، مقالة: "محمد فارس .. نموذج آخر لتجاهل النظام للمبدعين والمتميزين السوريين"، نشر يوم الثلاثاء/23/أبريل- نيسان/2024م.

22- "تلفزيون سورية"، نعي محمد فارس بعنوان: (عارض "الأسد" وانحاز للثورة.. وفاة رائد الفضاء السوري محمد فارس في تركيا).

*ونعي آخَرُ فيه بعنوان: "حفر اسمه في قلوب السوريين".. الائتلاف الوطني ينعى محمد فارس".

*ومقالة فيه: "بوصف مفصل لـ مجزرة تدمر باعتراف اثنين من منفذيها"، ترجمة ربى خدام الجامع، نشر يوم:29/6/2019م.

23- "تيار المستقبل السوري" فضاء سورية، مقالة وتكريم وترجمة لمحمد فارس بعنوان: (المكرم رقم (17) اللواء الركن “محمد فارس” رائد فضاء سورية يوم 21/4/2024م).

24- "الجزيرة نت"، مقالة: "مجزرة حماة 1982.. يوم دمَّرت قوات الأسد مدينة بأكملها لمواجهة مجموعة مسلحة"، 14/2/2024م".

25- "الجزيرة الوثائقية"، مقالة: محمد فارس.. رائد فضاء اتسعت له السماء وضاقت به بلاده"، نشر يوم 20/4/2024م.

26- "الجزيرة - الموسوعة"، مقالة وترجمة: "محمد فارس .. أرمسترونغ العرب"، نشرت في: 21/4/2024م.

27- "رابطة أدباء الشام"، مقالة "مجزرة حماة في الشعر الإسلامي المعاصر" لأخينا الكاتب الأستاذ عمر عبسو، نشرها في تموز الماضي سنة 2023م على موقع الرابطة.

28- "العربي الجديد"، مقالة: محمد فارس .. سيرة أول رائد فضاء سوري عارض النظام فحاربه التهميش"، نشرت يوم 20/4/2024م.

29- "القناة التركية العربية"، خبر نعي محمد فارس، وموجز لترجمته بعنوان: "أرمسترونغ العرب".. وفاة رائد الفضاء السوري محمد فارس بتركيا"، نشر يوم: 20/4/2024م.

30- جريدة "المدن"، مقالة: محمد فارس الأيقونة الممنوعة"، لمحمد حجيري، نشرت في: 24/4/2024م.

31- "مركز الشرق العربي" ترجمة محمد فارس "ارمسترونغ العرب" نقلا عن "موسوعة الجزيرة ".

32- "ويكبيبديا، الموسوعة الحرة". ترجمة محمد فارس.

وسوم: العدد 1078