أسد الدعوة الشيخ الشهيد أياد العزي

fdafd1078.jpg

( ١٩٦٢_. ٢٠٠٥م )

البداية:

     قيل قديماً ... أن المكرماتِ تصنعُ الرجال و لكن العّزيَ رجُلٌ صَنعَ المكرمات .و هو الابن البار للدعوة والأب الحنون لشبابها .. الشيخ المهندس والمهندس الشيخ .. أسدُ الدعوةِ وشهيدها .. إياد أحمد عطية العِزي .

المولد، والنشأة:

     ولد المهندس الداعية إياد العزي في الأول من تموز من عام 1962 للميلاد في منطقةٍ تزخرُ بالبساتين الوارفة تعرفُ ببني العِز تابعة لقرية ( زهرة ) إحدى قرى بعقوبة في محافظة ديالى حيث قضى شهيدنا فترة طفولته الأولى وأكمل دراسته الابتدائية هناك قبل أن ينتقل مع عائلتهِ إلى مدينةِ الحرية ببغداد في عام 1972 للميلاد حيث أكمل دراسته الثانوية في ثانوية التأميم ، وبما عرف عنهُ من ألمعيةٍ وتميز ( رحمهُ الله ) منذ طفولتهِ وصباه لامِعاً متقد الذكاء فلا غروَ أن يُتِمَ دراسته الثانوية بتفوقٍ .. فكان أحد الطلبةِ الأوائل على ثانوية التأميم مما أهلهُ لاحقاً إلى تحقيق حلمهِ بالانتساب إلى كلية الهندسة ، وفعلاً تم لهُ ذلك وقُبل في الجامعة التكنولوجية ببغداد -قسم هندسة الإنتاج والمعادن .

    وفي عام 1984 للميلاد أصبح مهندساً وعمِلَ في مجال تخصصهِ بمنشأة القادسية العامة إحدى تشكيلات هيئة التصنيع العسكري والتي كانت تابعة إلى وزارة الصناعة والمعادن آنذاك .. وفي عام 1989 خفق ذلك القلب المعطاء فراح ينشد الاستقرار العائلي الذي تشوبهُ المودة والرحمة ، فشاء قدر الله أن يكمل شيخنا المهندس دينه ليقترن بزوجتهِ الفاضلة ( أم سارة ) التي أنجبت لهُ خمس بنات أكبرهن سارة وأصغرهن ماريا .. ولهُ ولدان هما مصعب ومصطفى .

    خلال تلك الفترة سكن الشهيد إياد وعائلته في المجمع السكني الذي يضمُ دور المهندسين العاملين في منشأةِ القادسية بالمحمودية ... فكان خلال عملهِ مثالاً للمهندس المسلم الملتزم المجتهد حتى أصبح رئيساً للقسم الذي باشر العمل فيه بتلك المنشأة ومن ثم تمت ترقيته ليعمل في هيئة البحث والتطوير العسكري .

   لم يكن طموحهُ المتنامي ليتوقف عند حد فاصل فما من حدودٍ قادرةٍ على تحجيم روحهِ العالية وطاقاتهِ الخلاّقة .. فكان مهندساً في بيتهِ .. وأباً في عملهِ .. والعكس صحيح .. ولم يكتفِ بذلك .. ففي عام 1994 ورغم مشاغلهِ ومسؤولياته ومصاعب الحياة نال شهادة البكالوريوس من كلية الشريعة بجامعة بغداد .. حيث كان المهندس في الظاهر ، شيخاً في الباطن ، فقد أسرهُ كلام الله ... أسره الدستور الثابت ( القرآن دستورنا ) .. فرافقه ذلك الإيمان بالله والفكر الوسط كظلهِ في حِلهِ وترحاله .. ذلك هو فِكرُ الإخوان المسلمين الذي كان محظوراً آنذاك .. ليجد رحمه الله في فِكرِ الإخوان وشخصية الإمام البنا ما كان يبحث عنه ( العمل الجماعي - الإخوة في الله - الإيمان والنصرة ) .. ثم تأتي دور رسائل الشهيد حسن البنا ( رحمه الله ) لتملأ قلبه وعقله نوراً ... ليعيش بعدها في ظلال القرآن ، ويعيش كل حرفٍ سطَّره سيـد قطب ( رحمه الله ) ..

    وهكذا بدأت تطوف السور بقلب الشهيد الشيخ إياد العزي رحمه الله .. بدأت كلمات الله تطوف بقلبه البشري في هذه الآماد والآفاق ، وفي هذه الأغوار والأعماق .. ليمضي رحمه الله في هذا كله على منهج القرآن .

      فيسعى تعريف الناس بربهم الحق ، ليصل من هذا التعريف إلى تعبيد الناس لربهم الحق .. تعبيد ضمائرهم وأرواحهم ، وتعبيد سعيهم وحركتهم ، وتعبيد تقاليدهم وشعائرهم ، وتعبيد واقعهم كله لهذا السلطان المتفرد .. سلطان الله الذي لا سلطان غيره في الأرض و لا في السماء .. "

  " مقتبس وبتصرف من ظلال القرآن ص 1179 المجلد الثالث .

    كانت شخصية ُ ( إياد ) الواعظ تناضل من أجل إحقاق الحق وإبطال الباطل ، ليصدح صوته المبحوح الآسر في أولى خطبةٍ بمسجد الأبرار الواقع في قرية باليوسفية .. كان ( إياد ) الواعظ يعمل بروحية ( إياد ) المهندس .. له منهاج عمل دؤوب وخُطبة دعوية طموحة شملت قضاء المحمودية والنواحي المجاورة لها .. عرفه المصلون من خلال خُطبه التي ألقاها خلال أيام شهر رمضان المبارك ، كان خطيباً فصيحاً ومهندساً متميزاً .. ونجاحهُ المهني ومساره الدعوي يسيران بخطين متوازيين ..

    عمل ( رحمه الله ) مهندساً محاضراً في مركز الوليد للتدريب والتطوير الميكانيكي للكوادر الوسطية أواخر عام 2002 ، وأنتقل وعائلته للسكن في منطقة الشرطة بجانب الكرخ ببغداد بالقربِ من جامع فندي الكبيسي .

    كانت البداية الحقيقية لبزوغ نجمه على الصعيد السياسي كغيره من الرموز الوطنية المخلصة للوطن والقضية في الحزب الإسلامي العراقي بعد احتلال العراق عام 2003 حيث بدء الحزب الإسلامي العراقي نشاطاته السياسية والاجتماعية والدعوية .. كان شيخنا ( رحمه الله ) واحداً من أبرز الشخصيات القيادية للحزب الإسلامي العراقي .. وداعية لا يكل ولا يمل .

المناصب التي تقلدها الشهيد رحمه الله تعالى:

وأبرز المناصب التي تقلدها الشهيد الشيخ ( رحمه الله ) هي :

  • مسؤول فرع الكرخ الجنوبي للحزب الإسلامي العراقي ( والذي سُميَ باسمه بعد استشهاده " رحمه الله " ) .
  • مسؤول مركز الكرخ للحزب الإسلامي العراقي .
  • مؤسس مكتب حقوق الإنسان للحزب الإسلامي العراقي .
  • أصبح عضواً للمكتب السياسي للحزب الإسلامي العراقي ومسؤولاً عن مكتب المتابعة والتطوير .
  • مسؤول مركز الأنبار .
  • مسؤول مكتب الدعوة والإرشاد في الحزب .
  • مسؤول مكتب شؤون العشائر في الحزب الإسلامي العراقي .
  • عضو الجمعية الوطنية في الحكومة الانتقالية المؤقتة عام 2005.

     شارك رحمه الله في مؤتمراتٍ عِدة في داخل القطر وخارجه .. في الجزائر، والسودان، وتركيا ..وغيرها من المؤتمرات .

استشهاده:

     بتاريخ 28/11/2005 استهدفت فِئةٌ ضالة متعصبة تلك الروح الطاهرة، فحررت روح شهيدنا من سجن الدنيا إلى سِعة الآخرة .. فحصل اللقاء الذي طالما انتظره ( رحمه الله) يوم كان يقول: ( إخواني .. نحن ننتظر لقاء ربنا .. نحن أملنا بجنةٍ عرضها السموات والأرض، هناك حيث ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمِعت ) كان يقولها رحمه الله وهو كله شوقٌ للقاء ربه كما وكان يقول لنا:

 ( إخواني: أن نعبد الله على جناح الشوق خيرٌ لنا من أن نعبده على جناح الخوف) .

   فئةٌ جاهليةٌ ظنت أن رصاص البنادق الغاشمة قادرٌ على إسكات صوت الحق الهادر، فكان اغتيال الشيخ الشهيد إياد العزي ( رحمه الله ) بذلك التاريخ وفي منطقةِ الزيدان على إثر كمين أحكم القتلة إعداده .. تلك الفئة الباغية التي باعت ذممها لأهل الكفر والضلال فباءت بخزي الدنيا وعذاب الآخرة .

    كان الشهيد ( رحمه الله ) عائداً من منطقة عامرية الفلوجة بعد أن ألقى آخر محاضراتهِ .. فأعترضه عدد من سيارات تلك العصابة الإجرامية، فأغتالوا الشيخ ومن معه ليحملوا أوزار فعلهم الشنيع على ظهورهم، وسينالون أشد العذاب يوم القيامة .

      كان أسدُ الدعوةِ ( رحمه الله ) في تأثيرهِ وحضورهِ يوازي ( بأذن الله ) جيشاً من الدعاةِ والمحاربين بأسلوبه السهل الممتنع الذي تستجيب له القلوب وتفتتن به الأرواح، وتنبسط له الأسارير، وتدمع لسحره المقلُ .

   إنا إلى الله نشكو الغادرينَ بنا مَاَ دبَروهُ لنا ظُلماً، ومَاَ فَعَلوا 

فأننا ثُلَةُ الاطهارِ في زَمَنٍ عَزَ التقيُ بهِ واستفحلُ السفَلُ 

إذهب إلى اللهِ – يا عزِيَ – ورحمتَهَ عليكَ منه سَحَابٌ مُغدِقٌ هطِلُ

الخاتمة:

    يقول الشيخ محمد أحمد الراشد ( حفظه الله ) " نحن لا نستسلم ولكن يقودنا نفضُ القلبِ الطموح " .

   إن لفقيدنا قلباً طموحاً لطالما كان ينتفض في سبيل الله والعقيدة والوطن .. قلبٌ لم يُخلق للاستسلام .. بل خُلِقَ للإسلام ... قلبٌ ستظل نفضتهُ المتجددة فينا حافزاً يقودنا إلى الإباء والرفعة والعزة ..

( ولله العِزةُ ولرسولهِ وللمؤمنين ) .

رثاء الشعراء له:

   ومن أروع ما قاله الشاعر د. فاضل فرج الكبيسي قصيدة (يا راكــب المــوت ..!!)، وهي في رثاء الشهيد المهندس إياد العزي يقول فيها:

بأيً دمعٍ – تُرى – أبكيك يابطلُ

ياراكبَ الموتِ أنَى سار ترتحِلُ

فقد تلقَاك كالمعشوقِِ أسرعهُ

حُبٌ يَفيضُ مِنَ الجنَاتِ مُنهمِلُ

شُلت أيادٍ بنصل الحِقدَ تَسفكها

دماءَ عِزَ ليقِضى للعِدا دَخِلُ

( أيادُ ) ياكوكباً في أفقِِ دعِوتنا

أضاءَ بالحقَ لماَ أظلَمَت سُبُلُ

يادافقاً بالعطاءِ الَثر تغمُرُنا

إن كانَ غَيرُكَ قَد شًحوا وقد بخِلوا

أوقفَت رُوحكَ للأِسلامِ تَكلؤُهُ

ولم يَحُل دُونِِ ذا موتٌ ولا وَجَلُ

قِد عِشتَ لِلِه لاتُثنيكَ مَهلكةٌ

عن المُضي ويحدو سَعيك الأملُ

حَتى سقَطتَ شهيداً في وقائِعهِ

وذَاكَ ماكُنتَ ترجُوهُ وتبَتهِلُ

   وصور الشاعر حزن المنابر والمحراب على الشهيد الراحل، فقال:

تَبكي المنابرُ والمحرابُ في ولَهٍ

فتى الخطاب و اوهى صوتها الشلل

وهَل حقيقٌ حُبِستَ اليومَ في جَدَثٍ

وفوَق هَذَا الثُرى الأسقاطُ تَنتقِلُ

فكُلُ جُرح مع الأيام مُلتئمٌ

وجُرحُ فَقدكَ لايشفى ويندمِلُ

والشهيد إياد العزي شهيد يزف إلى الجنان بإذن الله ...

إنَا نَزُفُك للفِردَوس في أَلقٍ

فإنَ عرسَكَ هذا اليومَ يكتمِلُ

إنَي أراك عريساً باسِماً فَرحَاً

وقَد علًتَكَ بجناتِ العُلى حُلَلُ

نلتَ الذي قَد قَضَيتَ العُمرَ ترقُبُهُ

فالحُوروُ نَشوى وباتت تَزدهي النُزُلُ

عُرسُ الشهادةِ ذِيِ الاملاكُ تشهَدُهُ

وإخوَةُ الًدرب في الساحاتِ تحتفلُ

إيهٍ ( أيادُ ) وما قد حَلَ أخرسَني

وألجَمَ الشِعرَ هذا الحادثُ الجَلَلُ

   وكان الناس يرجون بقاء الشهيد؛ لكي يصبح قائدا للدعوة في العراق، فقد منحه الله صفات قيادية عديدة مثل التضحية والفداء والشجاعة والكرم وقول الحق ولو كان مرا ...

كُنَا نُرجي بأن تمضي كتِيبَتُنا

وأنت حادٍ بِها تشدُو وتَرتجلُ

فكَم تمنيتَ إعزَزاً لِرايتها

بالنصرِ تخفقُ منه العينُ تكتحلُ

ياأيهُا الفارسُ المهُيوبُ ما سَقَطت

راياتُنا أوخبَت مِن ضوئِها الشُعَلُ

هذا هو الدربُ , دَربُ الأنبياءِ هُدَىً

إن فارِسٌ غَابَ يَعدُو بَعدهُ بَطَلُ

فإنَ رَكبكَ بالإخوانِ مُندَفِعٌ

قد عاهدوا الله مازاغوا وماعَدَلوا

ولَن تَكِلَ عَن الجُلى مسَيرَتُنا

بِكل عَزم وإن ضاقَت بنا السُبُلُ

إن غَابَ غَيركَ في الأوحال من خورٍ

فأنت في الساح مهما تَكتوي جبلُ

وأنت باقٍ بذاتِ الصوتِ ترفُدناً

فَوقَ المنابر, ما أردَوَكَ أو قتلوا

لقد دخل الشهيد إياد العزي الخلود من أوسع أبوابه فهنيئا له وسام البطولة والشهادة ..

فالخالدون مع الأجيال سَيَرَتهُم

تضُمهُم في ثنايا نُورها المقلُ

طريقنا بالدم الغالي تُمَهدُهُ

قد عبَدتهُ لنا من قبلنا الرُسُلُ

لقد سار الشهيد على نفس النهج الذي خطه الإمام الشهيد حسن البنا ...وسيد قطب وعودة وفرغلي...

وساَرَ فيها بنفسِ النهج ( مُرشِدُنا )

في الله يَسموُ ويحلوُ عِندنا الأَجَلُ

إنا إلى الله نشكو الغادرينَ بنا

مَاَ دبَروهُ لنا ظُلماً ومَاَ فَعَلوا

فأننا ثُلَةُ الاطهارِ في زَمَنٍ

عَزَ التقيُ بهِ واستفحلُ السفَلُ

إذهب إلى اللهِ – يلعزِيَ – ورحمتَهَ

عليكَ منه سَحَابٌ مُغدِقٌ هطِلُ

مرثية مهداة الى (أبي سارة) الشهيد إياد العزي:

  وكتب أحد شعراء الدعوة في العراق قصيدة رثاء للشهيد العزي، ولكنها من شعر التفعيلة... يقول فيها:

ايها الطائر المهاجر عبر الفضاءات

ايها الباحث عن الحق في كل مكان

ايها النسيم العليل

ايها الحبيب الدليل

مهلا بالرحيل

يا حاملا هم الدعاة

يا ذليل المؤمنين

يا نورس الطير في فصل الربيع

يا زهرة في صفوف الشباب

يا خيرة الرجال وان عز الرجال

يا داعيا لله في ارض السواد

يا رافضا للظلم في كل المهاد

يا صوتا هادرا بين اسوار الاحتلال

مهلا بالرحيل

ليس هذا أوان الفراق

هذه مفازات في ارض العراق

لم تطأها..اشتاقت اليك

عبر الفيافي والسهول

مهلا بالرحيل

عودتنا سماعا

لصدح الصوت الجميل

عودتنا طائراً بين اغصان واشجار

وسعفات النخيل

مغردا بلا اله الا الله..القول العظيم

بين السهول والصحارى والجبال

بذاك النغم الأصيل 

مهلا بالرحيل

تعلن لكل الشهود

اني العبد الفقير

على العهد ثابت

على العهد ماض

الى الرب الجليل

رغم انف الذليل..رغم انف الذليل

مهلا بالرحيل

    فهو يطلب من الشهيد التمهل قبل الرحيل فهو مجاهد شاب لو طال به العمر لجدد شباب الدين والدعوة ..ولكن لكل كتاب أجل ...

رحم الله شهداءنا، واجعلنا يا رب على خطاهم سائرين امين يا رب العالمين.

مصادر الترجمة:

١_ الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين في مصر.

٢_ موقع الحزب الإسلامي العراقي .

٣_ قناة بغداد.

٤_ مواقع إلكترونية أخرى.

وسوم: العدد 1078