الإمام الشهيد المظلوم عثمان بن عفان رضي الله عنه
هو الإمام الشهيد المظلوم عثمان بن عفان ثالث الخلفاء الراشدين، وصهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورابع من أسلم، ومن أكثر المنفقين في سبيل الله، بشره الرسول صلى الله عليه سلم بالجنة، وعرف بتواضعه وعفته ورقته ولينه.
تولى الخلافة بعد استشهاد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ونهض بالاقتصاد الإسلامي، وجمع القرآن على نسخة واحدة، قتل على يد أهل الفتنة في بيته في المدينة سنة 35 للهجرة، ودفن بالبقيع.
اسمه، ونسبه:
هو عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، وهو قرشي أموي يجتمع نسبه مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- في الجد الخامس من جهة أبيه (عبد مناف).
لقب بـ"ذي النورين" لزواجه من ابنتي رسول الله رقية وأم كلثوم التي تزوجها بعد وفاة رقية، وكني بأبي عبد الله وأبي عمرو، وهو ثالث الخلفاء الراشدين بعد أبي بكر وعمر بن الخطاب، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، ومن السابقين إلى الإسلام، وأحد الستة أصحاب الشورى الذين اختارهم عمر بن الخطاب عندما توفي للتشاور في أمر الخلافة من بعده.
أبوه عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس، ابن عم الصحابي الجليل أبي سفيان بن حرب، تُعرف قبيلته بأنها أهل شرف ومال وكرم وجود، وهي من أغنى قبائل قريش إذ كانوا أهل تجارة. توفي في الصيف في إحدى رحلاته إلى الشام، وخلف من بعده مالا عظيما لأسرته، فنشأ عثمان -رضي الله عنه- تاجرا وغنيا.
أمه الصحابية الجليلة أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
وهي ابنة عمة النبي صلى الله عليه وسلم، فأمها هي البيضاء بنت عبد المطلب عمة الرسول، ولها ولدان من زوجها عفان: عثمان وأخته آمنة، وبعد وفاة زوجها عفان تزوجت عقبة بن أبي معيط، وأنجبت منه 3 أبناء وبنتا هم الوليد وخالد وعمرو وأم كلثوم، وتوفيت في فترة خلافة ابنها ودفنت بالبقيع.
المولد، والنشأة:
ولد الصحابي الجليل عثمان بن عفان سنة 576 م، في الطائف بعد عام الفيل بـ6 سنين على الصحيح، أي بعد مولد النبي -صلى الله عليه وسلم- بـ6 سنوات.
نشأ في قريش على النبل والشهامة والسخاء، وكان يلقب بأنه "أنسب قريش لقريش"، أما أصدقاؤه المقربون فهم أبو بكر وعبد الرحمن بن عوف وطلحة بن الزبير بن العوام، وكان مجلسهم في دار أبي بكر الصديق، وكانت مجالس لأصحاب مال وتواضع وخلق.
تزوج عثمان بن عفان رضي الله عنه 9 زوجات أنجبن له 9 ذكور و6 إناث، ومن زوجاته رقية وأم كلثوم بنتا النبي صلى الله عليه وسلم.
صفاته الخلقية والخُلقية:
كان حسن الشكل مليح الوجه، مربوع القامة كثيف شعر الرأس يكسو ذراعيه، غزير اللحية، وكان رقيق البشرة، أنفه أقنى، وأبيض اللون، ضخم الساقيين أروح الرجلين (لديه انفراج في قدميه)، عندما كبر وشابت لحيته بات يصبغها لتصبح صفراء، ولما أوشكت أسنانه على السقوط كان يشدها بالذهب.
عُرِف عثمان بن عفان بأخلاقه الحميدة، وشدة حيائه وكرمه وحكمته وعقلانيته، وعفّته، وكثرة إنفاقه في سبيل الله، وتقاه وطيب معاملته ولين معشره.
وكان في الجاهلية سيد قومه ووجيههم محبوبا فيهم، متواضعا رغم ترعرعه في بيئة مترفة، من أعلم أهل قريش بالأنساب، وأعلم قريش بما كان فيها من خير وشر، وأفضلهم رأيا فكانوا يقصدونه في مشاكلهم ويأنسون برأيه.
لم يقترف فاحشة قط، ولم يشرب خمرا، ولم يسجد لصنم، ولم يقتل أحدا، ولم يأكل ميتة، عفيف اللسان، عاش في رفاهية في الجاهلية والإسلام.
وكان سمحا بالبيع والشراء يقنع بالربح القليل، يبغض الاحتكار واستغلال الناس، يعين الفقير ويساعد التجار الصغار.
قصة إسلامه:
أسلم عثمان وهو في الـ34 من عمره على يد أبي بكر الصديق، عندما قال له "ويحك يا عثمان، واللَّه إنك لرجل حازم ما يخفى عليك الحق من الباطل، هذه الأوثان التي يعبدها قومك، أليست حجارة صماء لا تسمع ولا تبصر ولا تضر ولا تنفع؟".
فقال "بلى واللَّه إنها كذلك". قال أبو بكر "هذا محمد بن عبد الله قد بعثه اللَّه برسالته إلى جميع خلقه، فهل لك أن تأتيه وتسمع منه؟" فقال "نعم". وفي الحال مرَّ رسول اللَّه فقال "يا عثمان أجب اللَّه إلى جنته فإني رسول اللَّه إليك وإلى جميع خلقه". قال "فواللَّه ما ملكت حين سمعت قوله أن أسلمت، وشهدت أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأن محمدا عبد الله ورسوله"، وكان عثمان بن عفان رابع من أسلم من الصحابة.
لم يستطيع أحد أن يمسه في جسده بعد إسلامه سوى عمه الحكم بن أبي العاص بن أمية، فكانوا يؤذونه بالكلام في بعض الأحيان، وفي تجارته، لكن عمه جمع مجموعة من عبيده فأمسكوا بعثمان وربطوه بالسلاسل، وصرخ في وجهه قائلا "أترغب عن ملة آبائك إلى دينٍ مُحْدَث! والله لا أحُلّك أبدا حتى تدع ما أنت عليه من هذا الدين"، فقال "والله لا أدعه أبدا"، فلما رأى الحكم تمسكه وصلابته في دينه تركه، فلم يعذب عثمان إلا في هذا الموقف، وقد حاولت أمه أن تقنعه بترك هذا الدين لكنها لم تستطع.
هجرته:
عدّ عثمان أول من هاجر إلى الحبشة مع زوجته رقية بنت النبي صلى الله عليه وسلم ثم تبعه 10 رجال، و4 نساء بقيادة عثمان بن مظعون رضي الله عنه، ومن ثم تتابعت الهجرة إلى الحبشة حتى وصل عدد المهاجرين إلى 33 شخصا.
وحين انتشرت إشاعة إسلام قريش ووصلت إلى الحبشة، فرح المهاجرون هناك ورجعوا إلى مكة، لكنهم اكتشفوا حقيقة الأمر حال عودتهم، فمنهم من بقي ومنهم من عاد إلى الحبشة، وظل عثمان في مكة مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن هاجر الهجرة الثانية إلى المدينة المنورة، تاركا تجارته وأمواله، ونزل ضيفا عند أوس بن ثابت، أخ حسان بن ثابت شاعر الرسول صلى الله عليه وسلم، وآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين أوس رضي الله عنهما. وبدأ عثمان تجارته في المدينة المنورة منذ وصوله إليها.
تجهيز جيش العسرة:
عرف عثمان بن عفان بسخائه وإنفاقه في سبيل الله في المواقف كلها، إلا أن أعظم إنفاق له كان تجهيز جيش العسرة، وهو جيش غزوة تبوك التي حدثت في السنة التاسعة للهجرة، وسميت بذلك نسبة لعين ماء تبوك في منطقة بين المدينة ودمشق، كما سميت بغزوة العسرة لأنها حدثت في وقت يمر فيه الناس بعسرة، وحر شديد، وبعد في المكان، وقلة في التجهيزات اللازمة للحرب.
فحث النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه على الإنفاق وتجهيز الجيش، فقال "من جهز جيش العسرة فله الجنة" فتسابق الصحابة للتجهيز، فأنفق أبو بكر الصديق 4 آلاف درهم، وأنفق عمر بن الخطاب نصف ماله، وعبد الرحمن بن عوف نصف ماله، وجهز عثمان بن عفان 300 بعير بأحلاسها وأقتابها، ثم أتى بألف دينار وضعها في حجر رسول الله ففرح عليه الصلاة والسلام وقال "ما ضرَّ عثمان ما عمل بعد اليوم"، فكان إنفاقه أعظم إنفاق وساهم على نحو كبير بتجهيز جيش العسرة.
توليه الخلافة ومنجزاته فيها:
لما شعر عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- باقتراب موته بعد تعرضه للطعن، رشح 6 من الصحابة للخلافة من بعده وهم: عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وعبد الرحمن بن عوف، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله، وسعد بن أبي وقاص، رضي الله عنهم جميعا، وكان يرى أن أكثرهم تأهيلا للخلافة عثمان وعلي، وقدم عليا على عثمان لأنه من بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكنه ترك الأمر لاختيار المسلمين.
خاف الصحابة من اختلاف المسلمين وانشقاق الأمة فاقترح بعضهم على عمر بن الخطاب توريث الخلافة لابنه عبد الله، لكنه رفض وحرص على إبعادها عن أهله وأقاربه.
وحدد عمر بن الخطاب رضي الله عنه 3 أيام كحد أقصى لإنهاء الأمر، فأمرهم بالتشاور بينهم والاتفاق على اسم بالترجيح بينهم، وإن تساوت الأصوات يعرض الأمر على عبد الله بن عمر ليفصل في المسألة، والفريق الذي يختاره يكون من بينهم الخليفة، فإن لم يرضوا بحكم عبد الله بن عمر، أمرهم بأن يكونوا مع الصف الذي منهم عبد الرحمن بن عوف.
ثم طلب عمر بن الخطاب من أبي طلحة -رضي الله عنه- بأن يختار 50 مقاتلا من الأنصار لكي يحرسوا هذه المسألة ويحفوها، حتى لا يتوسع الخلاف إن حدث، وجعل المقداد بن الأسود مسؤولا عن عقد الاجتماع، ومات الفاروق رضي الله عنه.
عقد الاجتماع في حجرة السيدة عائشة رضي الله عنها، وقرر عبد الرحمن بن عوف أن يدير الاجتماع لتجنب حدوث خلافات، فبدأ بالكلام واقترح بأن يكون الأمر إلى 3 منهم، فوقع الاختيار على علي بن أبي طالب، وعثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، واقترح عبد الرحمن بن عوف أن يعزل نفسه على أن يكون الاختيار إليه، ويأخذ تفويضا من البقية بالقرار، فعزل نفسه من الخلافة وسعى 3 أيام بلياليها من أجل أن يشارك كافة الناس في هذه الانتخابات.
ولما كانت الليلة التي يسفر صباحها عن اليوم الرابع من موت عمر بن الخطاب، وعندما أشرفت المدة على الانتهاء، ذهب عبد الرحمن بن عوف إلى منزل ابن اخته المسول بن مخرمة، فطلب منه أن يدعو سعدا والزبير ليشاورهما، وبعدما عرف رأي جميع الأمة، طلب من المسول أن يدعو عليا، فناجاه حتى منتصف الليل، ولما خرج علي طلب من المسول أن يدعو عثمان فناجاه حتى فرّق بينهم المؤذن للفجر، وبعد ذلك تبين لعبد الرحمن بن عوف أن الأمة انقسمت بالتساوي، وأن عليه أن يقرر.
فخرج عبد الرحمن بن عوف إلى صلاة الفجر، وأمر بأن يحضر الجميع، فامتلأ المسجد، ولم يبق لعثمان مكان وجلس في آخر المسجد لأنه تأخر قليلا، وصعد عبد الرحمن بن عوف منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوقف وقوفا طويلا، ودعا دعاء طويلا بينه وبين نفسه، ثم طلب من علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن يصعد إلى المنبر فأخذ بيده، وسأله بأن يبايعه على أن يسير على كتاب الله، وسنة نبيه، وفعلِ أبي بكر وعمر، فجر علي يده ورضي أن يبايعه على أن يسير على كتاب الله، وسنة نبيه، لكنه سيجتهد بطاقته كما اجتهد أبو بكر وعمر، لكنه قد لا يلتزم، فرفض عبد الرحمن، وجاء بعثمان وسأله ذات السؤال فوافق عثمان رضي الله عنه، فرفع عبد الرحمن رأسه إلى سقف المسجد ويده بيد عثمان وقال "اللهم اسمع واشهد، اللهم اسمع واشهد، اللهم اسمع واشهد، اللهم إني جعلت ما في رقبتي من ذلك في رقبة عثمان".
عثمان بن عفان لقب بـ"ذي النورين" وجهز جيوش المسلمين.
ومد عبد الرحمن بن عوف يده، وبايع عثمان على أنه أمير المؤمنين، وكان أول من بايع بعد عبد الرحمن بن عوف هو علي بن أبي طالب، ثم بايعه المهاجرون والأنصار وعامة الناس وازدحموا عليه ولم يتخلف أحد عن البيعة، وصار عثمان بن عفان رضي الله عنه ثالث الخلفاء الراشدين، وهو في الـ68 من عمره.
أبرز ما فعله عثمان بن عفان -رضي الله عنه- في خلافته:
انتهاج سياسة الاتباع والتفويض: حيث سار عثمان على كتاب الله تعالى، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، والتزم بكل قرارات الخلفاء من قبله واجتهاداتهم، واتبع ما اتفق عليه أهل الشورى، ولم يتدخل في شؤون الشعب، إلا في حال حدوث جريمة أو انتهاك حد من الحدود يستوجب تدخل الحاكم.
تثبيت مجلس الشورى: ثبت عثمان في زمنه مجلس الشورى، وهو مجلس مكون من مجموعة من الصحابة يساعدونه في إدارة الدولة، وهم علي بن أبي طالب، وعبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن عمر وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم أجمعين.
بناء المحكمة: يعدّ عثمان بن عفان رضي الله عنه أول من بنى المحكمة، ومن أشهر القضاة الذين كانوا في عهده: زيد بن ثابت على المدينة المنورة، وأبو الدرداء على دمشق، وكعب بن سور على البصرة، وشريح على الكوفة، ويعلى بن أمية على اليمن، وثمامة على صنعاء، وعثمان بن قيس على مصر.
إدارة الولايات: أعاد عثمان ترتيب الولايات وحكامها ولم يتركها كما كانت في زمن عمر بن الخطاب، وكان يديرها بالتشاور مع كبار الصحابة.
ضم بعض الولايات إلى بعضها البعض لما يراه في مصلحة المسلمين، فضم ولايات الشام إلى بعضها، وضم البحرين إلى البصرة.
كما كان دائم النصح لولاته بأن يكونوا رعاة للأمة وليسوا سادة عليها، وكان يأمرهم بالعدل والرحمة وإعطاء الحقوق لأهلها، ومطالبتهم بما عليهم من واجبات، وأوصاهم بالذمة وقيادة الجيوش، والشورى والتشاور وأمرهم باتباع منهج أبي بكر وعمر، والعمل على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والابتعاد عن البدع، فضلا عن الاهتمام باللغة العربية، والمحافظة على القرآن وقراءته.
نهوض عثمان بالاقتصاد الإسلامي:
اتبع عثمان السياسة المالية لعمر بن الخطاب نفسها، وكان عهده عهد رخاء على المسلمين، وقد اتبع بعض الأسس في سياسته المالية أهمها:
تطبيق سياسة مالية عامة إسلامية:
عدم إخلال الجباية بالرعاية.
إعطاء المسلمين ما لهم من بيت مال المسلمين.
أخذ ما على المسلمين بالحق لبيت مال المسلمين.
اختيار عمال الخراج من المتخلقين بالأمانة والوفاء.
أخذ ما على أهل الذمة لبيت مال المسلمين بالحق وإعطاؤهم ما لهم وعدم ظلمهم.
تفادي أي انحرافات مالية.
جمع القرآن الكريم في عهد عثمان بن عفان:
قرر عثمان إعادة توحيد المسلمين على قرآن واحد، وهو ما سُمِّي لاحقا بمصحف عثمان أو المصحف الإمام، وذلك لانتشار الكثير من النسخ المكتوبة والمنقولة على نحو خاطئ، مما أدى إلى وقوع خلافات بين الناس على المصحف الصحيح.
وجمع عثمان المسلمين على لغة قريش، أي لهجة قريش، وكتبت 6 نسخ ووزعت نسخة لكل ولاية، فكانت النسخ في العراق ومصر وبلاد فارس وأفريقيا والشام ونسخة بقيت مع عثمان بن عفان. وقد أمر عثمان بحرق جميع النسخ الأخرى التي بيد الناس من أجل التأكد من عدم وجود أي نسخ خاطئة من القرآن الكريم.
فتوحات عثمان بن عفان:
من أهم أعمال عثمان توسيع الدولة الإسلامية، ففي أيام خلافته فتحت مصر والإسكندرية وأرمينية وقبرص وأفريقيا (تونس حاليا) وكرمان وخراسان والقوقاز وسجستان، وقد أنشأ أول أسطول بحري لحماية الشواطئ الإسلامية من هجمات البيزنطيين وفي عهده تمت توسعة المسجد النبوي.
قسّم عثمان الجبهات العسكرية إلى 3 أقسام:
الجبهة الشمالية: مركز هذه الجبهة دمشق ومنها انطلق المسلمون لقتال الروم، وحدث بها كثير من الفتوحات، مثل فتوحات حبيب بن مسلمة الفهري وغزو القبرص.
الجبهة الشرقية: قُسِّمت هذه الجبهة إلى معسكرين، هما الكوفة والبصرة، وقام بها عدد من الفتوحات وغزا منها سعيد بن العاص منطقة طبرستان.
الجبهة الغربية: مركز هذه الجبهة مدينة الفسطاط التي بنيت على يد عمرو بن العاص، وهي مصر حاليا، من الفتوحات التي حدثت فيها: فتح أفريقيا، وبلاد النوبة.
الفتنة الكبرى:
افترى جماعة من أهل الفتنة تصرفات باطلة على عثمان رضي الله عنه، وهاجموا ولاته في الأمصار، وطعنوا بمصداقيتهم، وقد كبرت الفتنة على يد عبد الله بن سبأ اليهودي، المعروف باسم ابن السوداء، وكان يدعي الإسلام، وقد توجه إلى البصرة وحاول أن يحدث فتنة فيها، فاجتمع عليه نفر سمعوا له، لكنه أخرج منها، وقصد الكوفة ففعل فيها مثل ما فعل في البصرة، وأخرج منها، فاستقر في مصر، وبقي على تواصل مع أهل الفتنة من البصرة والكوفة.
وكان جُلّ حديث عبد الله بن سبأ عن التشنيع بولاة عثمان، والطعن بهم، ومهاجمتهم، ثم تجرأ حتى أصبح يهاجم الخليفة نفسه. وكانوا يخططون للقدوم إلى مكة في موسم الحج والخروج على أمير المؤمنين وعصيانه علنا.
وقد وصل خبر لعثمان عما يخططه أهل الفتنة في البصرة والكوفة من رجلين شهدا التخطيط والتدبير، فأرسل إلى الكوفيين والبصريين ونادى: الصلاة جامعة! فأقبل الرجلان، وشهدا بما علما؛ فقال المسلمون جميعا: اقتلهم؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "مَن دعا إلى نفسه، أو إلى أحد وعلى الناس إمام، فعليه لعنة الله فاقتلوه".
فقال عثمان "بل نعفو ونقبل، ونبصرهم بجهدنا، ولا نحادّ أحدا حتى يركب حدّا، أو يُبدي كفرا". ثم أخذ أمير المؤمنين يرد عليهم مزاعمهم وافتراءاتهم، ويؤيده المهاجرون والأنصار، حتى أفحم أهل الفتنة، فرجعوا إلى بلادهم وعزموا على العودة في موسم الحج لاقتحام المدينة.
وفي موسم الحج اجتمع أهل الفتنة في المدينة بشكل منظم متفق عليه مسبقا، وحاصروا دار الخليفة، وضيقوا عليه، وشارك بالفتنة كثير ممن غُرِّر بهم.
وواجهوا عثمان باتهاماتهم، فرد عليهم كل اتهاماتهم الباطلة، لكنهم أبوا السماع له، وبقوا مصرين على موقفهم وخيروه بين عزل نفسه أو قتله فرفض رضي الله عنه.
فحاصروه واشتد عليه الحصار، فأرسل إلى علي وطلحة والزبير فحضروا، ثم أشرف عليهم عثمان وقال "يا أيها الناس، اجلسوا. فجلسوا المحارب والمسالم. فقال لهم: يا أهل المدينة، أستودعكم الله، وأسأله أن يحسن عليكم الخلافة من بعدي.
ثم قال: أنشدكم بالله، هل تعلمون أنكم دعوتم الله عند مصاب عمر أن يختار لكم، ويجمعكم على خيركم؟ أتقولون: إن الله لم يستجب لكم وهنتم عليه وأنتم أهل حقه؟ أم تقولون: هان على الله دينه فلم يبالِ من وَلِي والدين لم يتفرق أهله يومئذ؟ أم تقولون: لم يكن أخذٌ عن مشورة إنما كان مكابرة، فوكل الله الأمة إذا عصته ولم يشاوروا في الإمامة؟ أم تقولون: إن الله لم يعلم عاقبة أمري!".
وأخذ يبين لهم حرمة نية قتله وعقاب القتل عند الله، وقال لهم "أنشدكم بالله أتعلمون لي من سابقة خير وقدم خير قدمه الله لي ما يوجب على كل من جاء بعدي أن يعرفوا لي فضلها! فمهلا لا تقتلوني؛ فإنه لا يحل إلا قتل ثلاثة: رجل زنى بعد إحصانه، أو كفر بعد إيمانه، أو قتل نفسا بغير حق؛ فإنكم إذا قتلتموني وضعتم السيف على رقابكم، ثم لم يرفع الله عنكم الاختلاف أبدا".
ثم لزم داره وأمر أهل المدينة بالرجوع، فرجعوا باستثناء نفر من الصحابة، وبعد 18 ليلة من الحصار سمعوا بجنود من الأمصار تهيؤوا لنصرة عثمان، فشددوا الحصار عليه ومنعوه من كل شيء حتى الماء. وبقي نفر من الصحابة وأبنائهم يدافعون عنه، وأهل الفتنة يزدادون فجرا وإصرارا على الباطل.
وأمر الخليفة الصحابة بالانصراف وترك الدفاع عنه، ويروي عبد الله بن عامر بن ربيعة ما حدث فيقول "كنت مع عثمان في الدار فقال: أعزم على كل من رأى أن عليه سمعا وطاعة إلا كف يده وسلاحه. ثم قال: قم يا ابن عمر -وعلى ابن عمر سيفه متقلدا- فأخبر به الناس. فخرج ابن عمر والحسن بن علي. وجاء زيد بن ثابت فقال له: إن هؤلاء الأنصار بالباب يقولون: إن شئت كنا أنصار الله، مرتين. قال عثمان: لا حاجة بي في ذلك، كُفُّوا".
وقال له أبو هريرة "اليوم طاب الضرب معك. قال: عزمت عليك لتخرجَنَّ. وكان الحسن بن علي آخر من خرج من عنده، فإنه جاء الحسن والحسين وابن عمر وابن الزبير ومروان، فعزم عليهم في وضع سلاحهم وخروجهم، ولزوم بيوتهم. لأنه لا يريد للفتنة أن تكبر ويحدث قتال بين الصحابة وأهل الفتنة.
وقيل إن مدة هذا الحصار استمرت ما بين 20 -40 يوما، وفي آخره لم يسمحوا له حتى بالذهاب إلى الصلاة.
صورة طبق الأصل من مصحف كتب في عهد عثمان بن عفان من دون تنقيط أو تشكيل (الجزيرة).
استشهاد عثمان بن عفان:
ذُكرت عدة روايات في استشهاد عثمان:
فعن ريطة مولاة أسامة قالت "كنت في الدّار، إذ دخلوا عليه وجاء رجل من خلف عثمان بسعفة رطبة فضرب بها جبهته فرأيت الدم يسيل وجاء آخر فضربه بالسيف على صدره فأقعصه وتعاوروه بأسيافهم فرأيتهم ينتهبون بيته".
وقال مجالد عن الشعبي "جاء رجل من "تجيب" من المصريين والناس حول عثمان فاستل سيفه ثم قال:
أفرجوا ففرجوا له، فوضع ذباب سيفه في بطن عثمان فأمسكت نائلة بنت الفرافصة زوجة عثمان السيف لتمنع عنه، فحزّ السيف أصابعها.
وقيل: الذي قتله رجل يقال له حمار".
وقال عبد الرّحمن بن عبد العزيز "سمعت ابن أبي عون يقول: ضرب كنانة بن بشر جبينه بعمود حديد وضربه سودان المراديّ فقتله، ووثب عليه عمرو بن الحمق، وبه رمق وطعنه تسع طعناتٍ وقال: ثلاث للّه وستٌّ لما في نفسي عليه".
وعن المغيرة قال "حاصروه اثنين وعشرين يوما، ثمّ أحرقوا الباب فخرج من في الدّار".
وعن أبي سعيد مولى أبي أسيد قال "فتح عثمان الباب ووضع المصحف بين يديه، فدخل عليه رجلٌ فقال: بيني وبينك كتاب اللّه، فخرج وتركه، ثمّ دخل عليه آخر، فقال: بيني وبينك كتاب اللّه، فأهوى إليه بالسّيف، فاتّقاه بيده فقطعها، فقال: أما واللّه إنّها لأوّل كفٍّ خطّت المفصّل، ودخل عليه رجلٌ يقال له الموت الأسود، فخنقه قبل أن يضرب بالسّيف، قال: فو الله ما رأيت شيئا ألين من حلقه، لقد خنقته حتّى رأيت نفسه مثل الجان تردّد في جسده".
استشهد رضي الله عنه في شهر ذي الحجة سنة 35 للهجرة بعد اتمامه 12 عاما من الخلافة، ودفن بالبقيع.
المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية
في ظلال الرسالة المحمدية:
وكتب الشاعر هذه القصيدة دفاعاً عن ثالث الخلفاء الراشدين ذي النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه، في ظل الهجمة الشرسة التي يتعرض لها الإسلام والمسلمون اليوم:
قَتَلُوكَ ظُلْماً كَائِناً مَا كَانَا قَتَلُوا الخِلافَةَ فِي حِمَى عُثْمَانَا
إِنَّ الخطِيئةَ جَمَّةٌ وَعظِيمةٌ فَتَحَتْ طَرِيقَ الشَّرِ وَالعُدوانَا
فَتَحَتْ طَرِيقاً للضلالةِ طَالمَا قَدْ أَقْفَلتْهُ يَدُ الرَّسُولِ عِيَانَا
إنِّي لأبْكِي فِي مُصَابٍ هَزَّنَا فَأَحَالَ عِزَّتَنَا دَماً وَهَوَانَا
ظَهَرَتْ خِلافَتُنَا فَكَانَتْ رِفْعَةً للمُسْلِمينَ مَكَانَةً وَزَمَانَا
قَدْ سَادَهَا حُبٌّ وَعَدْلٌ طَالمَا فَخَرَتْ بِهِ وَتَزَيَّنَتْ إِيمَانَا
حَتَّى أتَاهَا العَابِثُونَ فَأَوغَلُوا فِي غيِّهِمْ فَتَفَرَّقَتْ قُطْعَانَا
اللهُ وَحَّدَهُمْ بِحُكْمِ شَرِيعَةٍ فَرَضُوا بِغَيْرِ هِدَايَةٍ شَيطَانَا
لَمْ يَقْتُلُوكَ بِظُلمِهِمْ لكِنَّمَا قَتَلُوا الخِلافَة، أُورِثُوا الخُسرَانَا
- • • • •
أَسْلَمْتَ خَامِسَهُمْ فَكَانَتْ مِيزَةٌ تَزْهُو بَهَا بَينَ الورَى عِرْفَانَا
مَا كَانَ يَنْقُصُكَ الوَجَاهَةَ، إِنَّمَا أَحْبَبْتَ هَديَ مُحمدٍ رِضْوَانَا
قَدْ كُنْتَ تَرْفُلُ بِالحريرِ مُنَعَّماً وَتَحوزُ مِنْ أَشهَى الطَّعَامِ زَمَانَا
لكنَّهُ الإِسْلامُ زَادَكَ عِفَّةً فَشَرَعْتَ تَدْعُو للهُدى أَعْوَانَا
وَازْدَادَ حُبُّكَ للنَّبِيِّ وَصَحْبِهِ فَوَصَلْتَ مَرْتَبَةَ المُحِبِّ جِنَانَا
وَكَمِ اسْتَحَتْ مِنكَ المَلائِكَةُ التِي سَجَدَتْ لِرَبِّي طَاعَةً، إِذْعَانَا
ثُمَّ اسْتَحَى مِنْكَ الرَّسُولُ عَشِيةً وَمِنَ الصَّحَابَةِ مَنْ رَأَى مَا كَانَا
زُوِّجْتَ مِنْ هَديِ النُّبُوةِ زَهْرَةً نُوراً تَلأْلأَ فِي الدُّنَى إِنْسانَا
زُوِّجْتَ مِنْ بَعْدِ الوَفَاةِ بِأُخْتِهَا نُورَانِ زَانَا فِي الوَرَى عُثْمَانَا
- • • • •
وَخَرَجْتَ تَرْجُو طَاعَةً فِي هِجْرَةٍ فَرَبِحْتَ أَجْرَ الهِجْرَتينِ جِنَانَا
أَنْفَقْتَ أَلفاً تَشْتَرِي بِئْراً لَهُمْ تُرْوَي العِطَاشَ، تُعِينُهُمْ، إِحْسَانَا
أَتْبَعْتَهَا أَلفاً وَأَلفاً كُلَّهَا مِنْ حُرِّ مَالِكَ مُخْلِصاً جَذْلانَا
وَسَّعْتَ بَيتَاً للصَّلاةِ وَمَسْجِداً فَالكُلُّ صَلَّى شَاكِراً فَرْحَانَا
وَحَمَلْتَ مَالَكَ جُلَّهُ فِي عُسْرَةٍ جَهَّزْتَ جَيشَاً عُدَّةً، فُرْسَانَا
أَنْعِمْ بِمَا قَدَّمْتَ يَومَ لِقَائِهِ أرْضَيتَ رَبَّكَ كَائِناً مَا كَانَا
- • • • •
وَتَسَابَقَ الصَّحْبُ الكِرَامُ بِمَالِهِمْ وَلَقَدْ كَسَبْتَ مِنَ السِّبَاقِ رِهَانَا
إِنَّ الذِينَ تَحَدَّثُوا عَنْ زَلَّةٍ لَمْ يُدْرِكُوا قَولَ الرَّسُولِ عِيَانَا:
مَا ضَرَّ عُثْمَاناً صَنِيعٌ بَعْدَمَا وَاسَى الرَّسُولَ بِمَالِهِ إِيمَانَا
اللهُ أكبرُ حِينَ دَوَّى عَالِياً صَوتُ النَّبِي: رَضِيتُ عَنْ عُثْمَانَا!
- • • • •
وَصَحِبْتَ خَيرَ الخَلقِ فِي غَزَوَاتِهِ شَارَكْتَهُمْ فِي جُوعِهِم إِحْسَانَا
مَاتَ الرَّسُولُ وَمَنْ تَلاهُ منَ الصَّحَا بَةِ قَدْ رَضُوا عَنْ حِبِّهِمْ عُثْمَانَا
وَأَتوكَ تَحْكُمُهُمْ فَكُنْتَ مُلَبِّياً لا طَامِعاً فِيهَا وَلا دَهَّانَا
وَشَرَعْتَ تَبْنِي دَولَةَ الإِسْلامِ فِي شَرْقٍ وَغَرْبٍ صَادِقاً نَشْوَانَا
فَبَعَثْتَ جُنْدَ المُسلمِينَ لِيَفْتَحُوا فِي السِّنْدِ أَرْضاً، يَنْشُروا الإِحْسَانَا
وَحَمَلْتَ فِي سُفُنٍ لَيَغْزُوَ طَارِقٌ فِي أَرْضِ أَنْدَلُسٍ لَنَا فُرْسَانَا
وَفَتَحْتَ دَرْباً للهُدَى فِي مَشْرِقٍ فِي الغَربِ أُخْرَى تَنْشُرُ الإِيمَانَا
تِلكَ الفُتُوحُ الزُّهْرُ بَرًّا لَمْ تَكُنْ إِلا نِتَاجُكَ فِي المَدَى رَيحَانَا
مَا كُنْتَ تَعْرِفُ غَيرَ هِمَّةِ مَاجِدٍ هَلْ يَعْرِفُ الشَّهْمُ الأَبِيُّ هَوانَا؟
- • • • •
حَمَلُوا أَحَدَّ سُيُوفِهِمْ فِي غَيِّهِمْ دَخَلُوا عَلَيْكَ، تَسَوَّرُوا الجُدْرَانَا
وَصَلُوا لِصَحْنِ الدَّارِ فِي غَوغَائِهِمْ مَا عَايَنُوا حَرَساً وَلا سُلْطَانَا
لَمْ يَثْنِهِمْ أَنَّ البُيُوتَ مُصَانَةٌ وَيسَابِقُون بِغيِّهِمْ شَيطَانَا
لا, لَمْ تُحِبَّ الظُّلْمَ أَو تَأْمُرْ بِهِ وَثَبَتَّ، لَمْ تَرْجُفْ فَكَانَ بَيانَا
وَجَلَسْتَ تَدْعُو بِالهِدَايَةِ صَابِراً وَعَكَفْتَ تَتْلُو فِي الحِمَى قُرْآنَا
وَالزَّوجُ تَبْكِي، تَسْتَغِيثُ بِأُمَّةٍ لُطِمَتْ فَصَاحَتْ فِي المَدَى "رُحْمَانَا"
هذَا الذِي أَرْوَى العِطَاشَ مَحَبَّةً عُثْمَانُ يُقْتَلُ صَائِمَاً عَطْشَانَا
هُمْ أَبْصَرُوا يَدَكَ التِي قَدْ مُزِّقَتْ فَلَكَمْ وَسِعْتَ البَذلَ وَالإِحْسَانَا
اللهُ أَكْبَرُ، أَينَ حُرْمَةُ مُؤْمِنٍ؟ سَفَكُوا الدِّمَاءَ, فَأُوْرِثُوا الخُسْرَانَا
- • • • •
عَبَقٌ مِنَ الإِسْلامِ خَالَطَهُ دَمٌ عَبَقُ الخِلافَةِ سَالَ مِنْ عُثْمَانَا
وَاليَومَ نَحْنُ بِأَرضِنَا نَبْكِي دَماً مِنْ ظُلمِ مَنْ زَحَفُوا إِلَى مَسْرَانَا
شَتَّانَ بَينَ عَدُوِّنَا فِي غَدْرِهِمْ وَالحَالُ مِنَّا - يَا أَخِي - شَتَّانَا
بُنِيَتْ خِلافَتُنَا عَلَى العَدْلِ الذِي نَعِمُوا بِهِ فِي حُكْمِنَا أَزْمَانَا
لَمْ يَحْفَظُوا عَهْدَاً وَقَدْ غَدَرُوا بِنَا وَيَسِيلُ مِنْ دَمِنَا المَدَى رَيَّانَا
قَتَلُوكَ - يَا عُثْمَانُ - فِي شَمْسِ الضُّحَى ثُمَّ انْثَنَوا ذَبَحُوكَ يَا أَقْصَانَا.
وكتب الشاعر احمد علي سليمان عبد الرحيم قصيدة تحت عنوان (بـردة عثمان بن عفان رضي الله عنه), وعدد الأبيات: 89 بيتا، يقول فيها:
بالنثر والشِعر أطري الفذ عثمانا وأستعينُ على الإطراء رحمانا
وأنصِفُ الطيبَ المَظلومَ مِن غجر طغوْا عليه غداة الرَوع طغيانا
وزوروا قِصصاً عنهُ مُفبركة ولفقوا، وافترَوْا إفكاً وبُهتانا
وشوّهوا سِيرة البريء عن رَغب وإن في كُتُب البغاة بُرهانا
ودلسوا في الأحاديث التي ذكروا كي يصرفوا عن مَعين الحق أذهانا
وزيفوا ما حوى التاريخ من حُجَج عمداً، وما حَسِبوا للأمر حُسبانا
هل وحدكم تَسْطرون الكُتْبَ يا همجٌ وتملكون لهذي الكتْب ديوانا؟
هل وحدكم عندكم مطابعٌ رُصِدتْ لتطبعوا الكذبَ الصُراحَ أطنانا؟
هل وحدكم عندكم أقلامُ من كتبوا فزوروا الحق في القرطاس عدوانا؟
هل تملكون رَحى التنظير وحدكمُ؟ أو تملكون لدى الصراع إمعانا؟
هيهات هيهات قد قضتْ مضاجعُكم وغربل الدهرُ ما كذبتمُ الآنا
وقيضَ الله مَن يَذرو بضاعتكم ذرْواً، ويكبتكم طعناً وخذلانا
حتى فضحتم ، فقد ذِيعتْ فضائحكم ولم تُلاقوا على التبرير أعوانا
وهذه البُردة العصماءُ أجعلها. هدية فذة للفذ عثمانا
فيها أبشّره بما يُسَرُ به. مِن الوصية بالتصبير سُلوانا
عثمانُ سيرتُك الشماءُ واضحة تشع نوراً وإسلاماً وإيمانا
وناولتك (قريشٌ) حبها شغفاً حتى النسا باسمكم يُلهون وُلدانا
وصٍيتُك العذبُ في حياتنا مَثلٌ يعم بالخير آفاقاً وأكوانا
تكفيك بُشرى النبي المصطفى ثبتتْ مِن أن تكون لك الجناتُ إيوانا
حباك ربك مِن بين الورى نسباً فصِرت تملكُ في هذي الدنا شانا
أبوك (عفانُ) بالأخلاق مُشتهرٌ بين الأعارب شُباناً وشِيبانا
والأم (أروى) لها في قومها شرفٌ بين النساء صَبياتٍ ونِسوانا
بنو أمية نالوا العز أجمعه أن أصبحتْ صِلة لهم بعثمانا
عثمان حُزت من الأمجاد أعظمها وقلما ترفعُ الأمجادُ إنسانا
وما سجدت لأصنام ولا وُثُن خاب الألى عبدوا في الدهر أوثانا
لمّا أتاك (أبو بكر) ليدعوَ ما. رددته قانعاً بالصد عنوانا
بل انفردت به فرداً لتُفهمه. وكنت كلك أسماعاً وآذانا
وما ترددت في الإسلام تقبله ديناً، وحولك حاك الناسُ أديانا
لم يُنْزل الله غيرَ السِلم دين هُدىً وما عدا بَطلتْ دعواه بُطلانا
وعالِمٌ أنت بالأنساب تُدركُها وتعرفُ العُرب أحراراً وعُبدانا
ورابعٌ أنت في إسلام أربعةٍ والسابقون عَلوْا قدراً وأوزانا
وبابنتَيْ (أحمدٍ) علتْ مكانتُكم في الناس يا سيدي حُسنا وإحسانا
وزوّجَ المصطفى إياك ثالثة لو استطاعَ، لذا فالأمرُ ما كانا
بالوحي زوّجك النبيُ مُحتسباً مَن في (قريش) يَردُ الشهمَ (عثمانا)؟
وأولٌ أنت إذ هاجرت مضطهداً حتى تُجاورَ بعد العُرب حُبشانا
فاستقبلوك بتِرحاب ومكرمةٍ وأصبحوا لك أحباباً وإخوانا
ويوم (بدر) رآك الناسُ مُحتسباً حتى تُطبب زوجاً حتفها حانا
إذ (الرقية) يوم الغزو قد مرضتْ واستنشدتْ في العنا أهلاً وخِلانا
فخلف المصطفى (عثمانَ) يخدمها فليس (عثمانُ) يا أوغاد خوّانا
وخصّه المصطفى بالسهم كان له كأنه حل يوم الغزو ميدانا
ولم يكدْ يفرحُ النبي منتصراً حتى تكدرَ صَفوٌ كان جَزلانا
إذِ (الرقية) ماتت، وانتهى أجلٌ ولا يعيشُ امرؤٌ إن حتفه آنا
شهدت بعدُ المغازي كنت فارسها إن المغازيَ كم تحتاجُ فرسانا
كم استشارك في الأمور أحمدُنا فقد حباك مليكُ الناس رُجحانا
وكم أحبك للأخلاق أنت بها مستوعِبٌ عند ريب الدهر أخدانا
وكم أجلك أقوامٌ لِما بذلتْ. كفُ الكريم، لذا أوْلوك شُكرانا
وكم بطون هنا أشبعت مِن سَغب وكم رويت بماء البئر ظمآنا
وكم أعنت على الحياة ذا عوَز وكم كسوت بثوب الجود عُريانا
وكم منحت دُيوناً للألى طلبوا وتَصبرُ الدهرَ إن أصبحت ديانا
وكنت جهّزت (جيش العُسرة) انطلقتْ منه السرايا زرافاتٍ ووُحْدانا
وكم تصدقت في سر وفي علن ترجو من الله توفيقاً وغفرانا
وكم بذلت خيوراً دون مبخلةٍ وما حسبت لها في العد حُسبانا
وفي (الحديبية) انبرتْ سياستُكم فعُدت للناس بالتبشير ريانا
الحِلمُ واللينُ والإخلاصُ في ثقةٍ والحزمُ والحكمة العصماءُ إن لانا
وهذه كلها في الناس ما اجتمعتْ بعد النبي سوى في شخص عثمانا
وبعد شورى على اختيارك اجتمعوا لما قضى (عمرٌ) ، والحَيْنُ قد حانا
وقلدوك زمامَ الأمر أنت له. إمامُ حق لهم ، ورُشدُه بانا
والمسجدان بأمر منكمُ اتسعا وبعدُ أمّنتَ أصقاعاً وأوطانا
وبعدُ أنشأت أسطولاً له ألقٌ في البحر تخشى العِدا فرْساً ورومانا
من بعده أمّنتْ كل الديار ، فقد أمنت بالجند فوق الماء شُطآنا
حججت فرداً بأزواج النبي ضحىً فقد غدا لك صونُ العِرض عُنوانا
سلمت يا صاحب النورين من شُبَهٍ وفاز مَن عرضَ آل المصطفى صانا
وإن (ذات الصواري) بالمضا شهدتْ والرومُ ذاقت من البلاء ألوانا
يا صاحب الهجرتين العزمُ شاد بكم بالأهل هاجرت ما أذعنت إذعانا
ولم تكن أتِيَتْ من قبل من أحدٍ إلا للوطٍ، وكان الأهل خِلانا
فالزوجُ خانت لذا فيمن قضى هلكتْ وأدخلتْ للذي جاءتْه نيرانا
وكنت أرحمَ بالعُربان من عمر وعشت دوماً على الخيرات مِعوانا
حتى المساجد قد خلفتها لتُرى أحلى المنارات أنساماً وبُنيانا
وكنت أول من جمع الأنام على حرفٍ إذا قرأوا ذِكراً وقرآنا
جمعتهم تنبذ الخلافَ يُضعفهم لذاك عاشوا بذا الوفاق أزمانا
فكنت أعظم سلطان لدولته والناسُ عدّوك للأمصار سلطانا
وإن أندلساً في عهدكم فتحتْ وودع القومُ تثليثاً وصُلبانا
ولم تعدْ قسسٌ تُفتي خُزعبلة وودعَ الناسُ أحباراً ورهبانا
وكنت أعلمَ بالمناسك اشترعتْ ليعلم الناسُ مَسنوناً وأركانا
رويت يا فذ من حديث المصطفى مائة وزدن خمسين قد ودعت نسيانا
وبالخليل نبي الله شبّهكم يراكما في الهدى والسمت صِنوانا
ومنك تستحيي من نظر ملائكة فهل لغيرك هذا الأمر قد كانا؟
وحدّث المصطفى عن موتكم بأسىً هي الشهادة تأتي الفذ عثمانا
تموتُ ظلماً، وتشكو كل مَن نقضوا عهد الخلافة لا يوفيه من خانا
وقاتلَ الله مَن هبوا لسفك دم ليَعلم الله سَفاحاً وخوّانا
دمُ الخليفة غطى مُصحفاً ورِدا وآية نصها رغم الدِما بانا
يكفيك ربك مَن في غيهم سدروا سيلتقي عند رب الناس خَصمانا
خصمٌ حبيبٌ لنا فاضت محبته والآخرُ الدهرَ لا نلقي له شانا
مازال يُلعن في الدنيا صباح مسا وبالتعدي جنى بُعداً وخسرانا
أما (عليٌ) فقد سالتْ مدامعُه على البراءة كان الدمعُ بُرهانا
وقال: ربي برئتُ اليومَ مِن دمه للهم أنزلْ على الشهيد رضوانا
فداك أمي أيا (عثمانُ) بعد أبي والبردة اكتملتْ في مدح عثمانا
عليك مرضاة رب واحدٍ حكم ما بات نجمٌ غدا بالنور مُزدانا
وكتب الشاعر د. عبد الرحمن العشماوي قصيدة عن عثمان ـ رضي الله عنه ـجاء فيها:وعدد الأبيات: 10 أبيات
رفع الحيَاءُ بكَ اللِّواءَ ومجَّد وإليكَ أهدى حُبَّهُ وتودَّدا
ورآكَ جيش العُسرةِ الكفَّ التي تعطي وسلَّمكَ السَّخاء المقودا
يا قلب ذي النورين ، مازال الرِّض بالله يمنحك المقام الأمجدا
حتى الملائك تستحي لمَّا ترى وجهاً كريما بالحياءِ تودَّدا
في روضِ جودكَ يا ابن عفان التقى كرمٌ وإخلاصٌ وفيكَ توحَّدا
للمَال في يدك الكريمة موقعٌ ويظلُّ قلبكَ عن ثرائكَ أبعدا
لله درُّكَ أيها الشَّهم الذي بسخائه وبجودهِ بلغ المدى
بايعتَ في الرضوان بيعة غائبٍ مدَّ الرسول لخالقها اليدا
شرفٌ وربك يا ابن عفان ارتقى بكَ في المكارمِ و المفاخرِ سيدا
تلميذ مدرسة النبوة ، أنه. لأعزَّ مدرسةٍ تعلمنا الهدى
وهذه قصيدة في مدح الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه:
ﺧﻠﻴﻔﺔ ﺍﻟﺠﻮﺩ ﺫﻭ ﺍﻟﻨﻮﺭﻳﻦ ﻋﺜﻤﺎﻧﺎ. ﺑﺪﺭ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﺇﻧﻔﺎﻗﺎ ﻭﺇﺣﺴﺎﻧﺎ
ﻧﻠﺖ ﺍﻟﻤﺤﺒﺔ ﻓﻲ ﻗﻠﺐ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﻭ ﻣﻦ ... ﺳﻮﺍﻙ ﺑﻨﺘﺎﻩ ﻣﻦ ﺃﺯﻭﺍﺟﻪ ﻛﺎﻧﺎ
ﻟﻚ ﺍﻟﺤﻴﺎﺀ ﺍﻟﺬﻱ ﻣﻦ ﺻﺪﻗﻪ ﺧﺠﻠﺖ ... ﻣﻼﺋﻚ ﺍﻟﻠﻪ ﻟﻤّﺎ ﻓﺎﺽ ﺇﻳﻤﺎﻧﺎ
ﻟﻠﻪ ﺩﺭﻙ ﻓﻲ ﺑﺬﻝ ﻭ ﻓﻲ ﻛﺮﻡ ... ﻳﺎ ﻣﻦ ﺗﻠﻮّﻥ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﺨﻴﺮ ﺃﻟﻮﺍﻧﺎ
ﺑﺬﻟﺖ ﻧﻔﺴﻚ ﻟﻺﺳﻼﻡ ﺗﻨﺼﺮﻩ ... ﻭ ﺍﻟﻤﺎﻝ ﺗﺮﺳﻠﻪ ﺣﺒﺎ ﻭ ﻗﺮﺑﺎﻧﺎ
ﻳﺎ ﻣﻦ ﻟﻪ ﺑﻴﻌﺔ ﺍﻟﺮﺿﻮﺍﻥ ﻗﺪ ﻋﻘﺪﺕ ... ﻭ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻮﻥ ﺟﻨﻮ ﻋﻔﻮﺍ ﻭ ﻏﻔﺮﺍﻧﺎ
ﻭﻛﻒ ﺃﺣﻤﺪ ﻗﺪ ﻧﺎﺑﺖ ﻣﺒﺎﻳﻌﺔ ... ﻋﻦ ﻛﻔﻪ ﻓﻐﺪﺕ ﻳﻤﻨﺎﻩ ﻋﺜﻤﺎﻧﺎ
ﻟﻚ ﺍﻟﻔﻀﻴﻠﺔ ﻓﻲ ﺍﻵﻳﺎﺕ ﺗﺠﻤﻌﻬﺎ ... ﻛﻤﺎ ﺃﺭﺍﺩ ﻟﻬﺎ ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ ﻗﺮﺁﺍﻧﺎ
ﺗﺒﺎ ﻟﻘﻮﻡ ﻋﻠﻴﻚ ﺍﻟﻐﺪﺭ ﻗﺪ ﺟﻤﻌﻮﺍ ... ﻭﺣﺎﺻﺮﻭﻙ ﺑﻴﻮﻡ ﺍﻟﺪﺍﺭ ﻋﺪﻭﺍﻧﺎ
ﻳﺬﺏ ﻋﻨﻚ ﺑﻨﻮﺍ ﺍﻟﺰﻫﺮﺍﺀ ﻣﺎ ﺑﺨﻠﻮﺍ ... ﺑﺎﻟﻨﻔﺲ ﺩﻭﻧﻚ ﺃﻧﺼﺎﺭﺍ ﻭ ﺃﻋﻮﺍﻧﺎ
ﺣﺘﻰ ﻣﻀﻴﺖ ﺷﻬﻴﺪﺍ ﻭﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﻋﻠﻰ ... ﻛﻔﻴﻚ ﻳﻌﺒﻖ ﻓﻲ ﺍﻷﺭﺟﺎﺀ ﺭﻳﺤﺎﻧﺎ
وكتب الشاعر عبد الله عمر البنا، ملحمة عثمانية تذكرنا بالبكرية والعمرية والعلوية يقول فيها:
مقدمة:
ما رُمتَ صُفرًا من الدنيا وسُلوانَا
إلاَّ وأهدَتْ لك الأيامُ أشجانَا
ولا نظرْتَ لِهذا الدَّهر مدَّكِرًا
إلاَّ رأيتَ به للظُلمِ بُرهانَا
كأنَّما اتَّخذ الأحزانَ سنَّتَهُ
فينا وقدَّم سوءَ الصُّنعِ عنوانَا
الدَّهر ذو راحةٍ خرقاءَ تَعْبث في
هذي الخلائقِ إسرارًا وإعلانَا
فَلاَ يُعِزُّ شريفًا في عشيرتِهِ
وقد يُجِلُّ دنيءَ الأصلِ ما صَّانَا
وقد يَسُرُّ امرَأً تشقى الأنامُ به
ويُرْهِق الْحُرَّ آلامًا وأحزانَا
كم هدَّ ركنًا من التَّقوى فروَّعَنا
وشبَّ نارًا من البلوى فأَصْلانَا
يَعِيثُ في الفضل والآدابِ يوسِعُها
ضيمًا ويهتِكُها بغْيًا وطغيانَا
كم سَلَّ سيفًا من العدوان منصلِتًا
وسام بالقَسْر جنبَ الحقِّ إهوانَا
وكم نكَى غُررَ الآدابِ حين سَطا
وهدَّ ركنًا من العَلْيا وبُنيانَا
وما رعى العهْدَ مَن دارَى وقاتَلَه
وفلَّ جيشًا لدى كِسْرى وإيوانَا
وكَم سعى لِهَرقلٍ غيْر مُحتشمٍ
وعمَّ من صرْفِه سيفًا ونُعمانَا
كلُّ امرئٍ واردٌ يومًا لِمَصرعهِ
ولو يُعمَّرُ حينًا مثل لُقمانَا
كلُّ امرئٍ ظالِمٍ تَلْقاه من شرَهٍ
إلى دمِ الْحرِّ ملهوفًا وظمآنَا
وكلُّ ظلمٍ وإن جلَّتْ رزيَّتُه
فلن يُوازِنَ ظلمًا نال عُثمانَا
عثمان في آله وعشيربته:
نَفْسي فداؤُكَ ذا النُّورينِ مبتسمًا
تبلُّ راحتَك الأرحامُ تَحْنانَا
شَرُفْتَ نفسًا وآباءً وسِرْتَ على
حكْمِ الْهداية ترتيلاً وإيمانَا
واختارك اللهُ من عدنانَ حين درَى
بأنَّ خيْر الورى أبناءُ عدنانَا
مِن معشرٍ كان تكوينُ الوجودِ لَهم
مُلْكًا وكانوا لِهذا الْمُلك تيجانَا
في الْجاهليَّة كانتْ دُورُهم حرُمًا
فلا تَخافُ بِها بَخسًا وحِرمانَا
فضَلْتُم النَّاس لولا أنَّ هاشِمَكمْ
بالْمُصطفى ساد مَن جافَى ومن لانَا
وتَمَّ فخْرُكَ يا عثمانُ حين حوَى
طه ابنُ عمِّكَ تفضيلاً ورجحانَا
إسلامه وآثاره في الإسلام:
بذَلْتَ بِشْرَكَ للصدِّيق حينَ دَعا
لله ربًّا ورُمْتَ الله ديَّانَا
نبذْتَ للهِ قولَ الجاهليَّةِ بل
أوسعْتَ مكَّةَ إذْ آذَوْكَ هجرانَا
رجحْتَ عقلاً بفضْلِ الْهِجرتينِ كما
رجحْتَ في الأجْرِ عندَ اللهِ ميزانَا
جاورْتَ ربَّكَ إذْ فارقْتَ آصِرَةً
مِن أهلِ مكَّةَ أحبابًا وإخوانَا
فكُنتَ مِن ذاك عندَ الله في حرَمٍ
مِن التُّقَى وجنَيْتَ الخَيرَ صِنوانَا
شهدتَ كلَّ عظيماتِ الْخطوبِ مع ال
مختار تصدمُ أسيافًا ومُرَّانَا
ولَم تكن غيْرَ بدرٍ قطُّ ملحمةٌ
إلاَّ وكنتَ لَها قلبًا وإنسانَا
وأنتَ جافيتَ ركْنَ البيتِ حينَ نأى
عنه النبِيُّ فلَمْ تقرَبْ وإنْ دانَى
تأدُّبًا منك كافاكَ النبِيُّ به
ببيعةٍ جَمعتْ عفوًا ورضوانَا
منْزلتُه عند النبي - عليه الصَّلاة والسَّلام -
أحرزْتَ مِن ثقةِ الْمُختارِ أوثَقَها
حِصنًا وأكمَلَها حُسنًا وإحسانَا
فكنتَ زوجَ ابنتَيْهِ وهْيَ منْزلةٌ
ما نالَها أحَدٌ في الكونِ مَن كانَا
لذاك سُمِّيتَ ذا النُّورين حين بدا
سناكَ بالصِّهر مقرونًا ومُزْدانَا
أولياته في الإسلام:
وأنتَ أوَّلُ مَن فرُّوا بدينِهِمُ
وصارَموا الكفْرَ أوثانًا وصُلبانَا
وأوَّلُ الناسِ أقطعْتَ القطائعَ إذْ
خفضْتَ صوتَكَ في التكبيرِ خِشْيانَا
قبْلَ الأذانِ إذا ما جُمعةٌ حضرَتْ
أذَّنتَ في الناسِ تنبيهًا وإيذانَا
وزِدتَ في مجلسِ المختارِ مِن سَعةٍ
وشِدْتَ أركانَهُ العَصماءَ صوَّانَا
سقفْتَ بالسَّاج إعلاءً سَماوتَه
جُودًا وخلَّقتَهُ أرضًا وحيطانَا
قد اشتريتَ لوجْهِ الله رُومةَ مِن
مالٍ جَمعتَ به فضلاً وغُفرانَا
فكم شفيتَ غليلاً من أخي لَهفٍ
وكم سقيتَ بِها ظمأَى وظمآنَا
وأنْتَ أوَّلُ مَن أهدى الْمصاحفَ لل
أمصارِ تتَّخِذُ القرآنَ قُربانَا
أياديه البيضاء في الإسلام:
بلغْتَ في الجودِ عندَ اللهِ منْزلةً
ما نالَها أحَدٌ إلاَّ بِها ازْدانَا
وفي تبوكَ بذلتَ المالَ مزدلِفًا
لله زُهدًا وتعظيمًا وإذعانَا
خرجتَ عن ألفِ دينارٍ نفحْتَ بِها
ذا عُسرةٍ رمضَ الأحشاءِ حرَّانَا
وفي مِئينَ ثلاثٍ قد سَمحتَ بِها
لله تَحْمد أقتابًا وأرسانَا
شهادةً أنَّ خيْرَ الباذلينَ يدًا
لِنُصرةِ الدِّينِ عثمانُ بنُ عفَّانَا
وإذْ حضرتَ أبا بكرٍ يُعالِجُ مِن
مرارةِ الْموتِ أصنافًا وألوانَا
كتبتَ إنِّي عهدْتُ الْخيْرَ في عُمَرٍ
فكانَ رأيُكَ ذا للدِّينِ عمرانَا
وقد كتبتَ بأمر الْمُصطفى كُتبًا
كانت وفاءً وآدابًا وإيمانَا
أحلَّكَ الدينُ والإيمانُ منْزِلةً
لدى الثَّلاثة لا تنهار أركانَا
خلافته:
وإذْ دنَتْ من أبِي حفْصٍ منيَّتُه
وعمَّتِ الدِّينَ والأقوامَ أشجانَا
ألقى القِيَادَ على الأعناقِ مِن نفَرٍ
حازوا من الله والْمُختار رضوانَا
فقَرَّ إذْ عقدوا الشُّورى برأيِهِمُ
يُنصِّبوك لَها حرزًا وإحصانَا
أسباب تفضيله على غيره في الخلافة:
ماذا رأَوْا فيكَ لَمَّا آثروك بِها
وقدَّموك لِسُفن الفضْلِ رُبَّانَا
رأَوْا سخاءً بكلِّ المالِ عن مدَدٍ
له وتَحْسده الأمطارُ تَهتانَا
رأَوْا ثَباتًا تَخفُّ الراسياتُ له
وهِمَّةً بلغَتْ يوحًا وكَيْوانَا
وفضْلَ عِلمٍ له التَّقوى مُزيِّنةٌ
والعِلمُ كان لأهلِ الفضلِ ميزانَا
ورحْمةً تسَعُ الدُّنيا ومعرفةً
باللهِ تحمد إظهارًا وإكنانَا
رأَوْا حياءَك عن فِعلِ القبيحِ كمَا
رأَوْك للدِّين والديَّان صوَّانَا
ومَجْدَ بيتٍ سَمتْ أقطابُهُ صعُدًا
حتَّى غدَوْا لِبُروج الشَّمسِ جيرانَا
وفَرْطَ حُبِّ قريشٍ فيك إذْ عَلِموا
أنْ سوْفَ تُؤْمِنُ مرتاعًا وحيْرانَا
خلائقه وسيرته بعد الملك:
خلائِقٌ فيكَ كانتْ للفضائلِ والْ
آدابِ والْجدِّ والخيْراتِ عنوانَا
تلَذُّ في أذُنِ الدُّنيا تلاوتُها
ذِكْرًا وتَملؤُها رَوْحًا ورَيْحانَا
ما هزَّكَ الْمُلك عن حِلْمٍ إلى سرَفٍ
ولا سدرْتَ كأهْلِ الْمُلكِ جَذْلانَا
بل كنتَ تعلَمُ أنَّ الصَّفْوَ مِن كدَرٍ
وتَحسبُ اللَّهوَ والسرَّاءَ خِذْلانَا
وتَقْطعَ اللَّيلةَ اللَّيلاءَ منتحِبًا
خوفًا من اللهِ (تسبيحًا وقرآنَا)
الفتنة وأسبابها:
حتَّى رُمِيتَ بِجارِ السوء إذْ نُكِبَتْ
في جنْبِ دولتِكَ الدُّنيا بِمَرْوانَا
رَعيتَ منه جوارًا ما رعاه ولاَ
جزاك عن بَذْلِك الإحسانَ إحسانَا
فدَسَّ عنكَ كتابًا لسْتَ تعلَمُه
فأجَّجَ الأمرَ بين القوم نيرانَا
وهبَّتِ الفتنةُ العمياءُ في نفَرٍ
كانوا عن العدْلِ والإنصافِ عُميانَا
تألَّبوا حولَ قبْرِ الْمُصطفى وبغَوْا
على خليفَتِه زُورًا وبُهتانَا
رَاموا جوارَك هضمًا حينما لَهِجوا
بِقَتل مَرْوان إسرارًا وإعلانَا
رامُوك تَقْطع أرحامًا بك اتَّصلَت
في الله حقًّا وكانتْ فيه أعوانَا
في الله أعلَيْتَ من شأنِ الوليد وما
أعليْتَ في غَيْره قدْرًا ولا شانَا
وفيه أوسعْتَه ضربًا على رَحِمٍ
قريبةٍ إذْ رآه القومُ نَشْوانَا
وما رعيْتَ لغيْرِ الْحقِّ آصرةً
قد استوى فيه من جافَى ومَن دانَى
قام الْمُلِيمون غضْبَى يُهْرَعون إلى
إذْهاب مَجْدِك لا يَرْعون ديَّانَا
وما كفَاهم غليظُ القولِ بل منَعوا
عَن أهلِكَ الْماءَ تبريحًا وأحزانَا
وأحرقوا بابَ دارٍ رَحْمةً مُلِئَتْ
فأصبحوا ثَمَّ للشَّيطانِ أقرانَا
ثباته:
ماذا فعلْتَ وقد دبَّتْ عقارِبُهمْ
وأشرعوا لك أثوابًا وخِرْصانَا
وصرَّح الْمَوتُ عمَّا فيه مِن كُرَبٍ
وارْبَدَّ وجهًا وجاء الدَّهرُ غضبانَا
صبرْتَ صبْرَ كريمٍ لا تُزعزِعُه ال
أهوالُ يومًا ولو حارَبْنَ أزمانَا
راموا لِثَنْيِكَ عن عزْمٍ عُرِفتَ بهِ
فهل أزالوا رُبَا رَضْوى ونَهْلانَا
وإذْ شددْتَ بِحبلِ الله كفَّكَ ما
بالَيْتَ بالْخَلْقِ أعداءً وأَخْدانَا
تَسوَّروا الدَّار حتَّى أقْصَعوك بِها
وأورَدُوك حياضَ الْموت عَطْشانَا
وأوسعوا حنَقًا منهم ومعصيةً
بَنانَ زوجِكَ تَجريحًا وإطْنانا
وما رَعَوْا قولَ خيْرِ الخلَقِ فيكَ.. أَلاَ
ما شئْتَ عثمانُ فافْعَلْ صرْتَ سلمانَا
ولَم يزَلْ زُخرفُ الدُّنيا يُولِّد في
ضمائرِ الْخلقِ أحقادًا وأضْغانَا
ما نشأ عن قتله من الأحزان:
ماذا جنَوْا بعد أن أردَوْا خليفتَهمْ
وعفَّروا خدَّهُ ظلمًا وعِصْيانَا
تفرَّقوا شِيَعًا في شأنِه وجرَى
من ذلك الدَّمُ أنْهارًا وغُدْرانَا
من أجْل ذلك عمَّ الْخَطْبُ طلحةَ والزْ
زُبيْرَ عمَّ أبا السبطَيْنِ مولانَا
من أجْلِ ذلك كانت كربلاءُ بلًى
على الْحُسين فعمَّ الكرْبُ مَن دانَا
من أجل ذلك كم أردَوْا غطارِفَةً
جَحاجِحًا وضحَ الأحسابِ فرسانَا
من أجْلِ ذلك فرَّ الْمُلكُ متَّخِذًا
غيْرَ الْحِجازِ له مأوًى وأوطانَا
من أجل ذلك لَم تَبْدُ الحضارةُ في
أرضِ الحجازِ ولَم ترفَعْ لَها شانَا
من أجْلِ ذلك عمَّ الجهْلُ ساكِنَها
وإن تَكُن خيْرَ أهلِ الأرضِ سُكَّانَا
لو لَم يكن ذاك ما نالَ الْخوارجَ لا
مُلكًا ولا طلَبوا في الأرض سُلطانَا
ذاك الذي عَلِم الفُرَّاطُ أنْ قتَلوا
ظُلمًا خلائِقَهمْ عجْمًا وعُربانَا
ذاك التفرُّقُ أغوانَا وخفَّضَ مِن
آدابِنا وبِأَرض الذلِّ أرْضَانَا
ذاك الذي علم الأعرابُ أنْ قسَروا
منَّا خِلالاً وآدابًا وأعْطَانَا
وهكذا مِن بَنى سورَ الخلافِ جنَى
هدْمَ التَّكاتُفِ آسَاسًا وأَرْكانَا
أيَّامَ ذلكَ كان الدَّهرُ في حرَمٍ
من الفضائلِ مزدانًا وريَّانَا
قد كان ذاك وللأقوامِ مُزدحَمٌ
على الْجميلِ زَرافاتٍ ووُحْدانَا
قد كان ذاك وشَمسُ الدِّين مُشْرقةٌ
على العِبادِ فكيف الحالةُ الآنَا
وقد ارتَحلَت الخلافةُ بعد قتل سيدنا عثمان إلى العراق ثُمَّ إلى الشَّام، فلم ينَل الْحِجازُ - الذي هو مَهْد العرب ومظهر مَجْد الإسلام - شيئًا من الحضارة؛ لأنَّ خُلَفاء بني أمية أقاموا بالشام، وفتحوا البلاد، وجلبوا الصَّنائع كلَّها إلى الشام، ولَم يزَلِ الأمر كذلك حتَّى جاءت دولة بَنِي العبَّاس، فأزالوا ملك بنِي أمية، ونقلوا الْخِلافةَ إلى بغداد، وبذلك انتقلت الأبَّهةُ إلى العراق، واستمرَّت الحضارة فيه، وتُرجمت الكتب، وجلبت إليه العلوم العصريَّة والعمرانيَّة والاجتماعيَّة، فنالَتْ بغدادُ مِن الشُّهرة في ذلك ما لَم تنَلْه مكَّةُ المكرَّمة، والمدينةُ المنوَّرة، وهُما أهله، فكأنَّ تلك الفتنة المشؤومة كانت سببًا في الفِتَن التي مِن بعدها، وكلُّ ذلك كان أحزانًا على الدِّين والْمُسلمين، وكان كلُّ مَن ثار على خليفةٍ أصبح يرى لِنَفسه عذرًا بِما فعل القومُ مع سيِّدنا عثمان!
وحاصل الأمر: أنَّ عثمان قُتِل مظلومًا، وقاتله ظالِم، وخاذله معذور.
رحم الله الإمام الشهيد المظلوم عثمان بن عفان رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
مصادر الترجمة:
١_ ديوان العشماوي.
٢_ موقع الجزيرة.
٣_ مواقع إلكترونية أخرى.
وسوم: العدد 1101