الطبيب الشاعر محمد حكمت وليد
رجال في ذاكرتي
أدباء - دعاة - علماء
لقيته أول مرة في مدينة جدة منذ أكثر من 30 عاما فلقيت رجلا هادئا مهذبا يزن كلماته بدقة متناهية ! فعزوت هذا الهدوء والصفاء إلى أمواج البحر المترقرقة ونسيمه في ليلة صافية مقمرة في اللاذقية التي نشأ وترعرع في ربوعها ! وهذه الدقة المتناهية إلى كونه بروفيسورا في العيون مداواة وتجميلا !
ذلكم هو مفتاح شخصية الشاعر الطبيب الداعية محمد حكمت وليد وقد ترجم له معجم الأدباء الإسلاميين في الجزء الثاني بقوله : ولد في اللاذقية عام 1944 وحصل على الدكتوراه في الطب / جامعة دمشق عام ١٩٦٨ وعلى دبلوم أمراض العيون / جامعة لندن ١٩٧٣ وعلى غيرها من شهادات الاختصاص ، وعمل في المستشفيات والجامعات ! وهو إلى جوار ذلك عضو في رابطة الأدب الإسلامي العالمية !
وبين يدي من إهدائه أربعة أعمال شعرية :
أشواق الغرباء 1988
حكايات أروى 1996
تراتيل للغد الآتي 1996
تراتيل لانتفاضة الأقصى 1421
والشاعر من ديوانه الأول صاحب موقف فكري ونقدي ! فهو كما يقول مع التجديد الشعري ولكنه ضد الإرهاب النقدي ، ويضيف نريد أن تكون لنا عيوننا الخاصة بنا…. ونحن إذ نقرأ المتنبي والمعري وشكسبير وغوته فإننا ننظر إليهم بعيوننا ولا ننظر بعيونهم !؟
وديوانه أشواق الغرباء الذي ضم أربعين قصيدة و مقطعة حفل بموضوعات مختلفة فكانت الغربة - كما يراها - غربة الأمة وغربة الإنسانية !؟ إذ لا يجد فيها الإنسان راحة لقلب وطمأنينة لنفس .
والملاحظ أنه حينما تحدث عن الطفولة في هذا الديوان اختار الأسلوب القصصي ، وكأنه كان إرهاصا لقصائده التي ضمها ديوان (حكايات أروى ) في ما بعد !
وقد كان لي رأي خالفت فيه أستاذنا محمد الحسناوي -رحمه الله - حول (حكايات أروى ) المنشور في مجلة الأدب الإسلامي العدد 40 عام 2004 فقد عد الديوان من أدب الأطفال وكنت لا أراه كذلك ، فهو تعبير عن العواطف والمواقف الإنسانية وتصوير للطفولة البريئة ولا يندرج تحت مسمى شعر الطفولة الذي يتحدث بلغتها ويعبر عن اهتماماتها !
ويبقى للديوان قيمته التعبيرية والفنية من خلال حكايات شعرية يغلب عليها الحديث عن الحيوانات وأنسنتها في قالب قصصي يحمل العبرة والفكرة التي يحرص الشاعر على تقديمها لمن هم في سن الطفولة ، كما فعل أحمد شوقي في كثيرا من قصائده للأطفال!
كما يلاحظ في دواوين الشاعر أنها لا تخلو من مقدمات يكتبها بنفسه أو يكتبها نقاد مشهود لهم في هذا المجال !
كما في ديوان تراتيل للغد الآتي ، ولعل في بعض السطور التي تستعار من تقديم الأديب عبدالله الطنطاوي إضاءات تتوضح من خلال العنوان ، وقبل استعراض قصائد الديوان إذ وصف الطنطاوي حال الشاعر في قصائده تلك بالقول : شاعرنا في تنور الأحزان ينضج عواطفه لما أصاب أمته من هوان … إنه متفجع للفوارق الهائلة بين أمته وبين الأمم الأخرى ! ولكنها أحزان إيجابية، وتدين المواقف السلبية والاستسلامية ، إنها تدعو إلى العمل …إلى الكفاح …إلى المجد … فقد حوى قصائد حنين إلى الديار :
حنْ الغريب وحنّت البلد
إلفان بينهما الهوى كمد
في النفس فيض من لواعجها
والقلب بالأشواق يتقد
كم كان يلقاني بها بردى
إذ رحت بين الدوح أبترد
فيبثني الشكوى يعاتبني
وأبثه حزني وما أجد
وقد ضم الديوان مراثي لثلاثة من أعلام الأدب والدعوة والجهاد
(المجاهد عبدالله عزام، والداعية عبدالله علوان، والأديب الشاعر عمر بهاء الدين الأميري )
وهذا الغد الذي انتظره، ودفع الأحرار دماءهم يعبدون الطريق أمامه يبزغ فجره بديوان تراتيل لانتفاضة الأقصى الذي قدم له الأديب محمد الحسناوي بالقول : ها هي ذي انتفاضة الأقصى بأطفالها وحجارتها وشعرائها وأدبائها تحفر من جديد ملامح الذات والأصالة والتجديد الحقيقي في الشعر والنفس والجمال !
وقد جاءت هذه الترتيل تهدر في قصائد ما بين شعر التفعيلة التي لاتخلو من وزن وقافية ، وما بين قصائد الأصالة التراثية
أيها النور تألق
في ربا القدس وأرض الناصرة
أضرم الكون شموسا باهرة
قل لهم إنا أتينا كالبحورالزاخرة
وبآيات من القرآن تتلى عاطرة
رجع الوعي إلينا
واستعدنا الذاكرة
……………………………
وفي كل مرة كنت ألتقي الشاعر كنت أحس بالشاعرية المرهفة التي تستمد من صدق صاحبها مع النفس والواقع ! وفي إحدى هذه اللقاءات قدم لي دراسة عنه لأحد الباحثين السوريين الأستاذ عمر محمد عبسو - رحمه الله - نال بها درجة الماجستير حول الشاعر وحياته
فكان لي ملاحظات أختصر ها بالنقط التالية :
- إطالة في المقدمة وقد ابتعدت عن البيئة التي عاش فيها الشاعر -أسلوب التعريف يشعر القارئ بانحياز الكاتب لصاحب الدراسة
- -توسع الحديث عن أساتذه
- - وجود تفصيلات وإسهاب حول الوضع السياسي
- -تأثر الشاعر بغيره كان يحتاج إلى شواهد
- - شعر الجهاد في الأدب الإسلامي تفريعاته كثيرة ، وشواهده تزيد على المطلوب
- الاستشهادات الشعرية قليلة نوعاما في بعض الفصول
- دراسة معجم الشاعر جيدة، تظهر فيها شخصية الدارس
- فصل فن الرثاء طويل أثر في بعض الفصول
- فصل البعد الوطني كاد يخرج بالدراسة عن خطها
- تنتقل الدراسة أحيانا إلى الأسلوب التعليمي كما في الجناس والطباق
- كان يلزم الإشارة إلى الفرق بين مانكتبه عن الأطفال من خلال عواطفنا ، وبين مانكتبه على ألسنتهم
- هذه الملاحظات لاتنقص من قيمة الدراسة ، وإن قست في بعض الأحكام !؟
وسوم: العدد 1101