الكلمة التي ألقيت في رثاء الشيخ وهبي ميسر
الكلمة التي ألقيت في رثاء الشيخ وهبي ميسر
بسم الله الرحمن الرحيم
ألقيت هذه الكلمة مع ترجمة الشيخ وهبي رحمه الله في اليوم الثاني للعزاء
الجمعة / 12 / ربيع الآخر / 1434 هـ / الموافق 22 / 2 / 2013 م
في صالة برج البوخمسين بالشارقة
الحمد لله الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيُّكم أحسن عملاً ، القائلِ في كتابه العزيز : ( من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً ) ، والقائل لحبيبه ومصطفاه : ( إنك ميت وإنهم ميتون ) ، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على مَنْ خيَّرَه ربُّه بين الحياة الدنيا الفانية ، وبين الحياة الأخرى الباقية فاختار الخالدة الباقية ( بل الرفيقَ الأعلى ) صلى الله عليه وعلى آله الطيببين الطاهرين ، وأصحابه الكرام ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين . وبعد :
رحمك الله شيخنا ووالدنا الغالي أبا نور الدين ، كنتَ لنا والداً شفوقاً رحيماً ، وعمَّاً عطوفاً وأخاً كبيراً حنوناً ، بعد فَقْدِ والدنا ونحن في ديار الغربة .
حقاً لقد كنتَ من الرجال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، وقضيتَ نحبكَ ولم تبدِّل ولم تغير شيئاً ، ما عُرفَ عنك هفوةٌ ولا كبوةٌ ، وما عُرفَ عنك سقطةٌ أبداً ، فقد كنتَ رجلاً عالماً عاملاً ناصحاً ، وقَّافاً عند حدود الله ، آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر بلطفٍ وأدبٍ وحكمةٍ وموعظةٍ حسنةٍ ، كنتَ متقياً لله حق تقاته ، ورعاً – أحسبك كذلك ولا أزكي على الله أحداً – زاهداً في هذه الدنيا الفانية ، كنتَ قوَّاماً في الليل ، حريصاً على أداء النوافل بَلْهَ الفرائض في جماعة المسجد ، كنتَ كثيَر الذِّكر لله رب العالمين ، كثيرَ تلاوة الأوراد اليومية ، فكان لسانك لا يفتُرُ عن ذكر الله تعالى ، وهذا حال الصالحين من هذه الأمة .
تَعَلَّمْنا منك الأدبَ الرفيع الجمَّ مع الكبار والصغار ، مع العلماء والجهال ، تعلمنا منك التواضعَ والسكينةَ ومحقَ الذات ، تعلمنا منك الصبرَ على الشدائد في المُلِمَّات ، تعلمنا منك الصمتَ حين ينفع الصمت ، والكلامَ حين ينفع الكلام ، فكنتَ لا تتكلم إلا بما هو مفيد نافع ممتثلاً قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت ) ، تعلمنا منك الحرصَ على الوقت ، فكنتَ لا تُضيِّع لحظةً واحدةً ولا ثانيةً إلا استفدتَ منها بقراءة أو كتابةٍ أو موعظةٍ ، وكنتَ حريصاً على العلم الشرعي وطلبه في كل وقت ، حاثّاً ومشجعاً عليه بهمةٍ عاليةٍ ، وكم كنتَ تسألني عن رسالة الدكتوراه وأين وصلت ، وتحثَني على الإسراع بها ، وكم فرحتَ حينما علمتَ بأن ولدي إبراهيم قد دخل كلية الشريعة وحمدت الله كثيراً ، وشجعتَه على طلب العلم الشرعي بقولك : " إن العلماءَ لا تصيبهم فاقةٌ ولا فقرٌ ، فهم لا يحتاجون لأحد من الخلق بل الخلق محتاجون لهم "
لا أنسَ أنك عرَّفتني على أمهات كتب الفقه الحنفي التي لم أكن أعرفها من قبل ، وآخر كتاب تكرَّمتَ عليَّ وراجعتَه لي وأنت - في مرضك – هو ( الأربعون المرادية ) شرحٌ لواحدٍ وأربعين حديثاً كان قد جمعها جدي العالم الفقيه الشيخ أحمد بن الشيخ محمد سليم المراد رحمه الله وكم فرحتَ به وعلقتَ عليه ، وطلبتُ منك تقديماً له لكن لم يقدِّر الله ذلك فعاجلتك المنية .
عرفتك سيدي منذ الصغر صهراً لعائلتنا ( آل المراد ) حينما كنت تأتي زائراً لنا في حماة قادماً من المدينة المنورة أو بعدها من دمشق ، ثم عرفتك أكثر في المدينة المنورة أثناء دراستي فيها وقد التزمت معك بدرس في الفقه الحنفي في كتاب " اللباب في شرح الكتاب " مع بعض الأحبة والأقارب في بيت ابن عمي الشيخ مصطفى المراد ، وكنت تأمرَني بقراءة العبارة الفقهية – حتى أتعلم – ثم تشرح أنت ، ثم عرفتُك أكثرَ وأكثرَ حينما قدِمْتَ الإمارات وعملتَ في كلية الدراسات الإسلامية والعربية ، حيث التزمتُ معك بدرس في كتاب " الاختيار " في الفقه الحنفي وذلك في بيتك العامر بالشارقة ، وكم كنت تهتم بالدليل للمذهب الحنفي ، لذلك عندما وصلت إليك رسالة دكتوراه لأحد تلامذتك الألبانيين وهي بعنوان " التعريف والإخبار بتخريج أحاديث الاختيار " لمؤلفها " قاسم قطلوبغا الحنفي " طلبت مني أن أخرِجَ كلَّ حديث وأنقلَ تخريجه على هامش كتاب الاختيار وأقرأه عليك أثناء الدرس معك .
كيف أنساك سيدي وقد كنت لي والداً بعد والدي كيف أنساك ؟؟؟ رحمك الله وجزاك عني وعن كل المسلمين أحسن الجزاء .