محمد علي خفاجي..

وداعأ يا شاعر الكلمة الشفافة!

شاكر فريد حسن

[email protected]

بالأمس القريب ارتحل عن حياتنا وعالمنا ودنيانا الفانية الشاعر العراقي الكبير محمد علي خفاجي ، تاركاً وراءه سيرة ادبية مشرقة ، وارثاً شعرياً خالداً ، وكنوزاً ادبية ومسرحية ثمينة.

ومحمد علي خفاجي  شاعر انساني ومبدع عظيم ، عربي الانتماء ، وعراقي الوجع والهم . غنى على قيثارة الشعر اعذب الالحان والانغام الانسانية المعبرة عن خلجات النفس ونبض الوجدان. قالت عنه الدكتورة سعاد البرزي من جامعة دمشق انه :"  شاعر يعرف كيف يجرح كبرياء الحرف وعنفوان الكلمة ويسلب تقوى التعبير وروعته".

ولد الخفاجي في كربلاء عام 1942ابان الاحتلال الانكليزي للعراق، وانهى دراسته الاكاديمية في كلية الآداب بجامعة بغداد ، ثم عمل مدرساً للغة العربية في مدارس العراق . ارتبط ارتباطاً جدلياً وثيقاً بهموم وقضايا شعبه العراقي ، وكرس كل طاقاته وجهوده ومواهبه للادب الجاد والشعر الانساني والوطني والرومانسي الهادف. شهدت ايام شبابه المبكر الابداعات الشعرية والنشاطات الثقافية والمطارحات الشعرية ، وساهم مع نفر من المثقفين والمبدعين العراقيين في اصدار اول مجلة محلية متخصصة في شؤون الادب والفكر والمسرح.

اختار محمد علي خفاجي الشعر كوسيلة لتجسيد الوجع العراقي والهم الانساني الدفين في اعماقه ، وكوسيلة للتعبير عن سمو الروح واشراق النفس والذات ، واتسمت شاعريته بصدق التعبير وقوة البيان وجزالة اللفظ وحرارة العاطفة . وقد صدر له اول ديوان شعر سنة 1964 وهو على مقاعد الدراسة واختار له عنوان "شباب وسراب" ثم صدر ديوانه الثاني "مهر لعينيها"، تلاهما ديوانه الثالث "لو ينطق النابالم " في العام 1967، فالرابع "انا وهواك خلف الباب" علم 1970، فالخامس "لم يأت امس ساقابله الليلة" ، فالسادس "يحدث بالقرب منا " ، واخيراً ديوانه السابع "الهامش يتقدم" .

كان محمد علي خفاجة صاحب شاعرية متمكنة نابضة بالوجدان والحس الانساني والابتكار التصويري التجديدي ، وذو طاقة ادبية ولغوية فياضة بالمشاعر الجياشة والعواطف الملتهبة تجاه بلده الحبيب ووطنه العراق ، وطن دجلة والفرات والنخيل، ومملوءة بشغف الجمال والوطن والحب والانسان البسيط المهمش الباحث عن السعادة والفرح.

والقارئ لنصوص الراحل محمد علي خفاجي الشعرية يجد انها نصوص متأججة في زخمها العاطفي والوجداني والانساني والصفاء الرومانسي والاشراق الفني . وهي اشعار تتصف بسلاسة الالفاظ وعذوبتها ورقتها ومتانة النسج ، انها من السهل الممتنع ، السلس، العذب ، والسهل الواضح ، المتدفق كجريان الماء في الجداول ، والمتتتبع للاحداث من غير انقطاع.

محمد علي خفاجي صوت عراقي دافئ وحنون ، وقامة شعرية باسقة ، حلقت في دنيا الابداع الشعري العراقي والعربي والانساني العالمي ، وسطعت في مجال الشعر المسرحي ، الذي احتل ريادته. اعطى الكثير للوطن والشعر والثقافة والادب في العراق ، وكان يحلم بالحرية والديمقراطية والمستقبل المشرق والغد الباسم ، ومات بسبب الاهمال من قبل  والمؤسسة الثقافية والنظام الحاكم في العراق ، الذي لا يقدر مبدعيه ومثقفيه ومفكريه ، فلم يسعفه ولم يسرع في علاجه من مرض الكلى ، الذي عانى منه طويلاً .

فسلام عليك يا محمد علي خفاجي في ضريحك ومرقدك الابدي ، ايها الشاعر العراقي الانساني المعطاء ، صاحب الكلمة الشفافة ، والروح المتوهجة . وكم كان شاعرنا الفلسطيني الكبير سعود الاسدي صادقاً حين قال في رثائك :

مبدع انت منذ ان كنت طفلاً

وبكحل الابداع كنت اكتحلت

مثقل بالفخار منذ صرت كهلاً

وبما يرتضي الوقار اكتهلت.