الشيخ صالح بن علي بن غصون
طارق بن محمد الخويطر
فقد المسلمون عالماً جليلاً، ومربياً فاضلاً ومعلماً حكيماً، وقد أبكى هذا الحدث: الصغير، والكبير، والقريب، والبعيد، رأينا في المقبرة أناساً حضروا للصلاة والدفن لم يروا الشيخ أبداً ومع ذلك فقد ملئت قلوبهم بمحبته بسبب سماعهم لسيرته الحسنة وأخلاقه الفاضلة، ولم يخطر في بال أحد أن يرى هذه الأمواج من الناس الحاضرين لأجل الصلاة والدفن، لم يعهد هذا الحضور المزدحم في الشوارع وفي المسجد حتى صلت جماعات بعد الإمام لعدم تمكنهم من الصلاة معه.
ولد الشيخ صالح بن علي بن غصون رحمه الله عام 1341هـ من أبوين صالحين، تُوفي والده وعمره 13 عاماً فحضنته أمه وأحسنت تربيته فعكف على القرآن الكريم حتى حفظه حفظاً متقناً، ثم سافر إلى الرياض لحضور حلقات سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله فلازمه مدةً حفظ خلالها أهم المتون العلمية في الفقه والعقيدة والحديث والنحو حتى كوّن قاعدة علمية صلبة، وذلك راجع إلى فضل الله جل وعلا ثم إلى جلده وصبره من أجل العلم فقد كان يردد حفظه في أوقات نوم الطلاب كالظهر وبعد العشاء فجمع في فترة قصيرة حفظاً وفهماً ميزه عن بعض زملائه، وقد نُقِل للشيخ محمد بن إبراهيم مثابرته وجده في التحصيل فعينه قاضياً في سدير عام 1368هـ فذهب إليها وبقي فيها نحو أربع سنوات، ومع صغر سنه في ذلك الوقت إلا أنه رحمه الله عقد للناس دروساً في الفقه والعقيدة والحديث، وقد أحبه الناس هناك لمّا رأوا علمه وتواضعه فطلبوا من سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم إبقاءه عندهم للفائدة التي لمسوها من وجوده.
انتقل بعدها إلى محكمة شقراء وتوابعها ثم درس في المعهد العلمي بشقراء لما افتُتح وبقي في شقراء حتى عام 1381هـ حيث انتقل في آخر ذلك العام إلى رئاسة محاكم الإحساء فكان قاضياً وإماماً وخطيباً، ثم انتقل بعد ذلك إلى العمل في مجلس القضاء الأعلى وبقي فيه حتى طلب التقاعد في أواخر عام 1409هـ.
وقد انضم رحمه الله إلى هيئة كبار العلماء عند تشكيلها وذلك عام 1391هـ ومنذ ذلك العام كانت له مشاركة في البرنامج الإذاعي "نور على الدرب".
كانت له مكاتبات مع الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله، وكانت له صلة بأصحاب الفضيلة العلماء: الشيخ محمد بن مانع والشيخ عبد الله بن حميد والشيخ عبد العزيز بن باز، وقد صدرت له رسالة صغيرة بعنوان قتل الغيلة عام 1419 هـ وهي وجهة نظر قديمة للشيخ حرر فيها مذهب المالكية والذي اعتمده مَن قال إن القاتل غيلة يُقتل حداً ولا يجوز العفو عنه. وفي الطريق إن شاء الله إلى الظهور فتاوى نور على الدرب، ومقالات بعض العلماء والأدباء في ترجمة الشيخ، وقد خلّف أولاداً استفادوا من سيرة والدهم فمنهم المهندس، والضابط، والمدرس.
نسأل الله له المغفرة والرحمة وأن يرزقه الحسنى وزيادة إنه ولي ذلك والقادر عليه.