الشيخ عبد الرحمن الصوفي
د. عبد اللطيف الهاشمي
"يا أيتها النفس المطمئنة(27) ارجعي إلى ربك راضية مرضية (28) فادخلي في عبادي (29) وادخلي جنتي (30)" (الفجر).
ودّعنا رجلاً من رجال الدعوة، ورائداً من رواد العمل الإسلامي في سورية، إنه الأستاذ المربي الشيخ عبد الرحمن الصوفي، رحمه الله تعالى وأدخله فسيح جناته، وأعلى مقامه في عليين.
ولد الفقيه في مدينة اللاذقية في سورية عام 1926م لأسرة متوسطة الحال، لها نسب مكتوب متصل بآل البيت، ورضع منذ نعومة أظفاره حب الإسلام والدعوة الإسلامية، وتصدى مع مجموعة من زملائه في مدرسة التجهيز الثانوية في اللاذقية للأفكار البعثية العلمانية الوافدة، ثم قام بتوجيه من الأستاذ محمد المبارك – رحمه الله تعالى- الذي كان موجهاً للغة العربية، بتأسيس أول عمل طلابي إسلامي في الساحل السوري.
تلقى الأستاذ عبد الرحمن تعليمه في اللاذقية، وكان متفوقاً في جميع مراحله، وحصل على الترتيب الأول في سورية من بين المتقدمين لشهادة الدراسة الثانوية عام 1946م، ونال بعثة من الحكومة السورية لدراسة الهندسة الزراعية في الخارج، وخير بين الابتعاث إلى مصر أو إلى بلجيكا، فاختار مصر لرغبته الشديدة في التعرف إلى الشيخ حسن البنا الذي طالما سمع عنه ولرغبته في دراسة العلوم الشرعية إلى جانب دراسة العلوم الزراعية.
حصل على (البكالوريوس) في الهندسة الزراعية من جامعة فؤاد الأول في القاهرة عام 1950م، بمرتبة الشرف الأولى، ثم عمل رائداً في المجال الزراعي في اللاذقية، وعلى مستوى سورية حتى عام 1970م عندما انتدبته وزارة الزراعة ليعمل محاضراً في كلية الزراعة بجامعة تشرين في اللاذقية.
ومثّل سورية في عدد من الوفود الزراعية العلمية، ثم أنهيت خدماته بشكل تعسفي من جميع وظائف الدولة عام 1979م بموجب قرار غير قابل للاستئناف، وذلك في إطار حملة لإخراج الإسلاميين من الجامعات، عرفت بمذبحة التعليم الجامعي في حينها.
تربى الفقيد في أحضان الدعوة الإسلامية، والتقى أثناء دراسته في مصر الإمام الشهيد حسن البنا – رحمه الله تعالى - وتتلمذ على يديه، وشارك معه في مجموعة من الكتائب الليلية، وقد أحبه حباً جماً، وبقي على دربه إلى أن لقي الله عز وجل.
وكان لفقيدنا الراحل – يرحمه الله - شرف المشاركة في تأسيس جماعة الإخوان المسلمين في سورية بقيادة الدكتور مصطفى السباعي – رحمه الله تعالى- وكان عضواً في هيئتها التأسيسية لسنوات عدة، كما ساهم بشكل فعال في تأسيس العمل الإسلامي في الساحل السوري، وقد اعتقل وسجن عدة مرات بسبب اتجاهه الإسلامي إلى أن خرج مهاجراً من بلده إلى بريطانيا ثم إلى السعودية.
أتم حفظ القرآن الكريم بعد أن بلغ الستين من عمره المبارك، وكان يخفي هذا الأمر عن أقرب الناس إليه، حتى أنه لم يكن يعلم بذلك إلا زوجته وإحدى بناته، كما أنه بدأ ينظم الشعر بعد أن بلغ الستين كذلك، وبلغ ما نظمه قرابة ثلاثة عشر ألف بيت من الشعر، كلها في خدمة الإسلام والدعوة الإسلامية، صدر منها من سلسلة نفحات الإيمان ديوانه الأول (ابتهالات وتأملات) وبدأ بطباعة ديوانه الثاني، لكن الأجل كان أسبق.
ولقد أكرمني الله تعالى بزيارة الفقيد – رحمه الله - ليلة وفاته (في مستشفى الدكتور بخش) في جدة مع بعض الأحباب فرأيته باسماً متهللاً، في أنضر وجه وأحسن حال، وشد على يدي عندما سلمت عليه – كعادته عندما كان يسلم على إخوانه- وأخذ يحدثنا – وابنه المهندس محمد الصوفي، وصهره الدكتور محمد وليد جالسان- وكان مما قال: "إني أشعر ولله الحمد والمنة أني قد أديت الأمانة على أحسن وجه، وقد أكرمني الله بأولاد وأحفاد نشأوا في طاعة الله سبحانه.. فماذا أريد بعد ذلك؟ ثم أخرج ورقة وأعطاها للدكتور وليد وقال له: اقرأ هذه الأبيات التي كتبتها قبل قليل، فقرأ علينا:
يا مرحباً بلقاء ربي=به منتهى أشواق صب
به ملتقى الأحباب ألقى=أنداء رحمن يلبي
كل المرام فلا لغوب=نحيا الخلود بظل حب
يا رب فاقبلني نزيلاً=في ودك الحاني المحب
أنت الكريم جليل فضل=فاغفر إلهي كل ذنبي
قد كنت دوماً فيك أسعى=فاجعل عطاك حميم قرب
لقد أحب لقاء الله، فأحب الله لقاءه...
رحم الله فقيدنا الغالي الأستاذ عبد الرحمن الصوفي رحمة واسعة، وأدخله فسيح جناته، وألهم ذويه جميعاً الصبر والسلوان، وعوض أهله وإخوانه وأحبابه المسلمين خيراً.. وإنا لله وإنا إليه راجعون.