الشاعر عمر بهاء الدين الأميري
الشاعر عمر بهاء الدين الأميري
وصلته بجمعية العلماء الجزائريين
عمر بهاء الدين الأميري
أ.د. مولود عويمر*
مسيرة حياة:
ولد الشاعر عمر بهاء الدين الأميري عام 1914 في مدينة حلب بسورية، ونشأ وأتمّ دراسته الثانوية في الآداب. ثم سافر إلى فرنسا لدراسة الأدب والحقوق في بجامعة السوربون في باريس، ثم واصل دراسته في الجامعة السورية بدمشق.
اشتغل بالتدريس فدرّس علوم الاجتماع والنفس والأخلاق والتاريخ والحضارة في ثانويات حلب ودمشق.
ولم يقتصر نشاطه على التعليم، بل شارك في الدفاع عن فلسطين في عام 1948م. كما اشتغل بالعمل الدبلوماسي سفيرا في باكستان والسعودية. ولم يمنعه منصبه الدبلوماسي من المشاركة في الملتقيات والمؤتمرات الدولية في قضايا الإسلام والعروبة.
وانتقل إلى المغرب الأقصى للعمل أستاذا للإسلام والتيارات المعاصرة في دار الحديث الحسنيّة بالرباط. كما درّس الحضارة الإسلامية في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس.
كما عمل أستاذاً ومحاضراً في عدة جامعات عربية وإسلامية في السعودية، والكويت، قطر، الإمارات العربية المتحدة، اليمن، الأردن، مصر، الجزائر، تركيا، باكستان، اندونيسيا.
وتقديرا لجهوده اختير عضواً في عدد من الهيئات العلمية والأدبية منها: المجمع العلمي العراقي، رابطة الأدب الإسلامي العالمية، والمجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية في الأردن.
أما في مجال التأليف، فقد صدرت له الدواوين التالية: مع الله، ألوان طيف، الهزيمة.. والفجر، الأقصى.. وفتح.. والقمة، من وحي فلسطين، أشواق.. وإشراق، ملحمة النصر، أذان القرآن،
كما صدرت له مجموعة كتب فكرية، وهي: الإسلام في المعترك الحضاري، المجتمع الإسلامي والتيارات المعاصرة، عروبة وإسلام، في رحاب القرآن، الإسلام وأزمة الحضارة الإنسانية المعاصرة، وسطية الإسلام وأمته في ضوء الفقه الحضاري...الخ.
ونشر الأميري قصائده في أكثر من سبعين جريدة عربية وإسلامية، و"لم يكن يخص صحيفة أو مجلة بعينها بالنشر، بل تعمد أن يوزع نتاجه على أكبر الصحف في بلاد مختلفة، ولعله يهدف من خلال ذلك إلى النفاذ إلى قراء تلك الصحف جميعها، فيحقق بذلك إسهاما فاعلا في الحركة الأدبية المعاصرة، وإبراز الاتجاه الإسلامي فيها."
ولا بأس أن نشير هنا إلى بعضها: الشهاب، البصائر، الأمة (الجزائر)، دعوة الحق، العلم (المغرب)، الفتح، الرسالة (مصر) الفيصل، المدينة (السعودية)، المجتمع، الوعي الإسلامي (الكويت)، الرائد (الهند)، الإخاء (إيران)، الوعي (باكستان)...الخ.
وأنجزت عدة بحوث ودراسات أكاديمية عن شعر الأميري ونشرت مقالات كثيرة حول فكره، ومن أبرزها: كتاب "عمر بهاء الدين الأميري شاعر الإنسانية المؤمنة" لخالد بن سعود الحليبي، "يوميات وأيام عمر بهاء الدين الأميري" للباحث الأستاذ باسل الرفاعي، "عمر بهاء الأميري شاعر الأبوة الحانية والبنوة البارة والفن الأصيل" للدكتور محمد علي الهاشمي أستاذ الأدب العربي بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، ودراسة عبد الحليم خلدون الكناني الصادرة في مجلة "دعوة الحق" المغربية وعنوانها: "نظرة في شعر عمر بهاء الدين الأميري"، وبحث الدكتور الأديب والناقد المصري الدكتور جابر قميحة عنوانه: "الغربة في شعر عمر بهاء الدين الأميري" الصادر في مجلة الوعي الإسلامي الكويتية...
في أحضان جمعية العلماء الجزائريين:
تعرف عمر بهاء الدين الأميري على جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في فرنسا خلال دراسته في جامعة السوربون بين 1936 و1938. فكان من رواد نوادي التهذيب التي أسسها الشيخ الفضيل الورتلاني في باريس، ثم أصبح من أبرز المتعاونين معها ونشطائها، بمساهماته المختلفة.
وقد شهد بذلك الشيخ الورتلاني فقال عنه أنه : " الشاب الذي نشأ في عبادة الله، المتوقد إسلامية، المشتعل عروبة، المتدفق غيرة." كما كتب عنه كلمات مماثلة كل من الشيخ محمد البشير الإبراهيمي والشيخ مبارك الميلي.
ونشر الأميري في جريدة "البصائر" ومجلة "الشهاب" تقارير عرض من خلالها نشاطات النوادي وانجازاتها. ونشر كذلك مجموعة من قصائده في جريدة "البصائر" بعنوان: " خماسيات الأميري".
وقد اعترف الأميري في مذكراته المنشورة في مجلة "المسلمون" وعلى هامش دواوينه بفضل تجربته الباريسية في رحاب جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في صقل شخصيته وتوجيهه الفكري، فقال: "وكان لباريس أكبر الأثر في حياتي، وتحولها من التبعية الأسروية إلى الاستقلالية المسؤولة الواعية. كما أن لهؤلاء الصفوة من الإخوة الأثر العميق في شد أزري خلال مسيرة حياتي أدبيا ووطنيا وسياسيا. كل هذه الأخوات والصداقات والمشاركات العلمية والاجتماعية إلى جانب سيري العادي والطبيعي في دراستي، كان من مقومات شخصي إلى حد بعيد."
وبعد عودته إلى سوريا، بقي الأميري على صلة بجمعية العلماء المسلمين الجزائريين. وقد حرصت "البصائر" على نشر رسالة طويلة كتبها الأميري إلى العلماء العاملين في نوادي التهذيب يحثهم على مواصلة العمل الدعوي ونشر اللغة العربية والثقافة الإسلامية في فرنسا، والتحلي بالصبر والإيمان لتجاوز كل العقبات...
وكان يبعث المطبوعات والمنشورات إلى جمعية العلماء في الجزائر إلا أن مصالح البريد الاستعمارية تعيدها إليه كل مرة بذريعة أن العنوان مكتوب باللغة العربية! وهي لا تعترف إلا بالفرنسية في كل تعاملاتها!
وقد نشر الأميري في "البصائر" وجريدة "الأمة" مقالا عن محنة اللغة العربية في الجزائر انطلاقا من هذا المثل لفضح السياسة الاستعمارية الفرنسية في الجزائر.
كما بقي الأميري على صلة بالشيخ الفضيل الورتلاني الذي التقى به مرات كثيرة في ملتقيات ومؤتمرات إسلامية في مصر وباكستان والشام. وكذلك التقى بالشيخ محمد البشير الإبراهيمي في مناسبات عديدة، وأعجب كل واحد بالآخر، وتبادلا الرسائل في الشؤون الأدبية والسياسية.
وقد تأثر الأميري بوفاة الشيخ الإبراهيمي في مايو 1965، فنظم فيه قصيدة رثائية طويلة منها هذه الأبيات الأربعة:
قد كان – رغم السن- منذ لقيته
خلي الأثير وكنت من خلانه
حدثت في باريس أيام الصبا
عن فضله وقرأت در بيانه
فقدرت منه محامدا ومحاتدا
وتطلعت نفسي إلى أكوانه
ولقيته فازددت في إكباره
وأحب وجداني سنا وجدانه
زياراته للجزائر:
ولقد زار الجزائر لأول مرة في عام 1962 للمشاركة في الاحتفاليات المخلدة للذكرى الأولى للاستقلال. وكانت الزيارة الأولى للمغرب العربي. والتقى بعدة شخصيات بارزة منها الشيخ محمد البشير الإبراهيمي، والرئيس أحمد بن بله، ووزير الدفاع العقيد هواري بومدين، والأمين العام لجبهة التحرير الوطني محمد خيضر...الخ.
وحضر الأميري رفقة قادة البلاد وعلمائها صلاة الجمعة في جامع كتشاوة التي أمّها الشيخ الإبراهيمي يوم 5 جمادى الثانية 1382 هـ/ 2 نوفمبر 1962.
وقد تأثر الأميري بخطبة الإبراهيمي ولمس عظمة الموقف باسترجاع جامع كتشاوة بعد أن حوّلته السلطة الاستعمارية إلى كاتدرائية (كنيسة) للممارسة الشعائر الدينية النصرانية لمدة قرن وثلاثين سنة.
ونظم الأميري قصيدة طويلة خلد بها هذا الحدث التاريخي وهذه الذكرى الخالدة، وقد ختم قصيدته بهذا البيت:
هيهات تقدر أن تجتث ما غرست
يد الإله طواغيت وأوثان
وعاد الأستاذ الأميري إلى الجزائر عدة مرات للمشاركة في الملتقيات والندوات الأدبية والفكرية، خاصة في ملتقيات الفكر الإسلامي التي دأبت على تنظيمها سنويا وزارة الشؤون الدينية. وكان يلقي على هامش هذه الملتقيات محاضرات عامة في المراكز الثقافية والجامعات.
وكان يحرص دائما على تجديد صلته بالعلماء والمفكرين والأدباء الجزائريين الذين تعرف عليهم في المشرق أو فرنسا، وعلى رأسهم المفكر مالك بن نبي، الذي تأثر به الأميري، واستلهم منه كثيرا خاصة في مجال فقه الحضارة.
وكانت آخر زيارة الأميري للجزائر في عام 1991، أي سنة قبل وفاته، وذلك للمشاركة في ملتقى الفن الإسلامي المنعقد في جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بقسنطينة.
* أستاذ التعليم العالي بجامعة الجزائر