عبد الرحمن الباني
ورحل الشيخ الحكيم!
د. سعد بن عبد القادر القويعي
المصدر: لجينيات
قبل نصف قرن تقريبا , عمل في وزارة المعارف السعودية ، وفي إدارة معاهد إعداد المعلمين . وشارك في تأسيس المعهد العالي للقضاء ، ووضع مناهجه ، بتكليف من - الملك - فيصل بن عبد العزيز - رحمه الله - . وشارك - أيضًا - في وضع سياسة التعليم بالمملكة ، وكان عضوًا خبيرًا في اللجنة الفرعية لسياسة التعليم . وكان يرَى أن هذه السياسة , هي : وثيقة ثمينة عظيمة النفع متكاملة ، أقيمت وفق الشريعة الإسلامية ، تصلح لنهضة التعليم في العالم - كله - .
لم يكن الشيخ عبد الرحمن الباني - رحمه الله - , والذي توفي في مستشفى - الملك - خالد الجامعي بالرياض , يوم الخميس , الموافق : 9 / 6 / 1432هـ , - يوما - رجلا عاديا , ولا شخصية حزبية . بل كان خادما للعلم , وأهله , من دعاة العقيدة الصحيحة , معتن بالدليل والأثر , متحل بالاعتدال والوسط . فنال احترام الجميع , وتقدير ولاة الأمر .
ولئن سعدنا برؤية وجهه في الحياة الدنيا , فستكفينا شهادة - شيخه - علي الطنطاوي - رحمه الله - , وهو يقول عنه : " وكان من تلاميذي فيها واحدٌ نبغ , حتى صار من شيوخ التعليم ، ومن العلماء ، وأمضى شطرًا من عمره موجِّهًا للمدرسين ، مشرفًا على وضع المناهج ، وتأليف الكتب في العلوم الدينية ؛ لأنه كان مفتش التربية الدينية في وزارة المعارف ، وهو أحد تسعة كانوا أوفى من مرَّ بي من الطلاب ، وقد مرَّ بي آلاف , وآلاف , وآلاف .. هو - الأستاذ - عبد الرحمن الباني " .
إن فقد العالم , ليس فقدا لشخصه , بل هو فقد لجزء من ميراث النبوة : " وإن العلماء ورثة الأنبياء " . فالعالم نجم يُهتدى به في الظلماء , ومعلم يُقتدى به في البيداء . ولأننا لم نبرح نكفكف دموعنا , ونلملم ضلوعنا على فقد طود عظيم - بين الحين والآخر - , حتى رُزئنا بفقد عالم جليل , أخذ من الفانية بقدر , وأقبل على الله بعزم , وصبر لا يلين .
يا من امتلأ قلبي بحبه , واستنار عقلي بعلمه , وانشرح صدري بدرسه . فمن بوتقة الأحزان أرثيك بعد أن شهدت الأمة بعلو منزلتك , ورفعة شأنك , حين كنت بدرا ساريا , وسلسالا جاريا . ففضائلك لا تُجارى , ومناقبك لا تُبارى , وثلمتك لا تُسد , ومصيبتك لا تُحد . والله أسأل : كما أتيته زاهداً من الدنيا , متلفعا برداء الإيمان , والعلم , مشهودا لك بالتقى , والصلاح , والورع , نحسبك كذلك , ولا نزكي على الله أحدا , أن يُكرم نزلك , ويُحسن وفادتك .