الشهيد عبد الستار عيروط
(شيخ بانياس و عالمها)
يحيى بشير حاج يحيى
في المدينة التي اصطبغت بزرقة (المتوسط) فأنست ب ممتدا أمام عينها ، و خفقت أنفاسها مع تلاطم أمواجه على ساحلها الجميل ، و في المدينة التي عاش أبناؤها طويلا يتعلمون من شموخ الصخر أمام عتي الأمواج ، فكان لها درسا في المصابرة و الصمود و هم يرون تكسر الموج و استحالة زئيره إلى زبد تنفضه الريح عن صدر الشاطئ الشامخ و تذروه بعيدا ... و في بانياس الساحل التي عرفت الداعية الكبير المرحوم (مصطفى الأعسر ) فعرفت الإسلام نقاء و إخلاصا ، و غيرة على الأمة ،و نصحا لأبنائهاو وعيا و إحاطة بما يدبر لهاو جهادا و إصرارا على رد عوادي المكر بالصبر و التبليغ و المجابهة ...
في بانياس إحدى قلاع الإسلام في بلاد الشام ، التي وقفت منذ عام 1974م في وجه و المخطط الإجرامي ... بغضبة الرقيب الشهيد ( علي الزير) .. ذلك بأن الإسلام لا ينطح ، و أن العقيدة لا تهان ، و أن الأمة التي حمل أبناؤها الإسلام إلى هذي الديار .. لم تزل تنجب رجالا يحملون أرواحهم على راحاتهم فداء له ....
في هذه المدينة ولد الشهيد ( عبد الستار عيروط ) عام 1941 م ، و في مدارسها التي عرفته تلميذا مهذبا منضبطا نشأ و تعلم .. و نال الشهادة الثانوية بدرجات عالية يتمناها غيره لدراسة الطب و الهندسة ... فدخل بها شهيدنا إلى جامعة دمشق ليدرس هندسة السلوك و طب النفوس بكلية الشريعةو ليعيش ما تعلمه فيها معاناة حقيقية و تذوقا إيمانيا مع النخبة المؤمنة ... و لينطلق بعد ذلك يبلغ دعوة الله إلى أبناء المسلمين في المدارس و المساجد .. فكان تعيينه مدرسا للتربية الإسلامية في ثانوية البنات باللاذقية .. و ظنوا أنهم يقيدون حركته بذلك فإذا بالأصالة الإسلامية تتجدد في سلوك بنات المسلمين و قد ارتدين الزي الإسلامي و تخلقن بالخلق المحمدي وأوين إلى كنف الله الغفور الرحيم ...
و طاش صوابهم... فنقلوه إلى (السويداء ) ليمضي فيها عامين ثم عاد إلى محافظة اللاذقية ..
و قد مكثت اللاذقية تنتظر بعد شوق طويل و حنين مذيب الروحانية الصافية و الصوفية البناءة المتجاوبة مع الحياة ...
عشر سنوات خصاب ، مع تمثل لأخلاق النبوة جعلت الذين انغمسوا في مفاسد الحياة و ضلوا الطريق يؤوبون إلى الله على يد السالك على وجل .. يلتمس رضا الرحمن ليتنعموا في بحبوحة الذكر و يذوقوا حلاوة الإيمان..
ثم شهدت منابر بانياس ابنها البار و قد عاد إليها يدعو المسلمين إلى رص الصفوف فتجاوبت القلوب مع الكلمات المنبعثة من القلب النابضة بالصدق و الإخلاص يهبها حديث المصطفى صلى الله عليه و سلم قوة و إشراقا : (( المسلم أخو المسلم لا يظلمه و لا يسلمه)) و يدوي صوت الشيخ عبد الستار في أرجاءالمسجد : كيف تخذلون إخوانكم؟ إنّ من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم ...
و جن جنون السلطة الباغية فبعثت بخفافيشها في ظلمة الليل لاختطاف الشيخ المجاهد ليمضوا به بعد صلاة الفجر إلى وكر من أوكارهم .. ليفرغوا حقدهم في الجسد الطاهر .. ثم ليرموه بعد ذلك على قارعة الطريق إرهابا و تخويفا ، كان ذلك في حزيران 1980 م ... و كاد الذين عاشوا معه لا يعرفونه - و قد مُـثِّل به - لولا زبيبة في جبينه من أثر السجود.. و لحية تعفرت بالدم و التراب .. و وضاءة وجه يطفح بالنور و البشرى و ذكرى حديث طالما سمعوه منه ، يرويه على لسان أحد الصحابة في أحُد : ((اللهم إني أقسمت عليك أن ألقي العدو غدا فيقتلوني .. ثم يبقروا بطني .. و يجدعوا أنفي و أذني .. ثم تسألني : فيم ذلك ؟ فأقول : فيك يا رب)).