رفاعة الطهطاوي
الإصلاحي النهضوي
محمد فاروق الإمام
[email protected]
رفاعة رافع الطهطاوي من قادة النهضة العلمية في
مصر
في عهد
محمد علي
باشا، وُلد رفاعة رافع الطهطاوي في 15 تشرين الأول من عام 1801م، بمدينة طهطا إحدى
مدن محافظة سوهاج بصعيد مصر، ونشأ في أسرة كريمة الأصل شريفة النسب، فأبوه ينتهي
نسبه إلى الحسين بن علي بن أبي طالب، وأمه فاطمة بنت الشيخ أحمد الفرغلي، ينتهي
نسبها إلى قبيلة الخزرج الأنصارية. لقي رفاعة عناية من أبيه، فحفظ القرآن الكريم،
وبعد وفاة والده رجع إلى موطنه طهطا، ووجد من أخواله اهتماماً كبيراً حيث كانت
زاخرة بالشيوخ والعلماء فحفظ على أيديهم المتون التي كانت متداولة في هذا العصر،
وقرأ عليهم شيئا من الفقه والنحو. التحق رفاعة وهو في السادسة عشرة من عمره بالأزهر
في عام 1817م وشملت دراسته في الأزهر الحديث والفقه والتفسير والنحو والصرف.. وغير
ذلك.
يبدأ المنعطفُ الكبير في سيرة رفاعة الطهطاوى مع سفره سنة
1826م
إلى
فرنسا
ضمن بعثة عددها أربعين طالب أرسلها
محمد علي على متن السفينة الحربية الفرنسية
(لاترويت) لدراسة العلوم الحديثة.
وكان الشيخ
حسن العَطَّار وراء
ترشيح رفاعة للسفر مع البعثة كإمامٍ لها وواعظٍ لطلابها، وذهب
كإمام ولكنه إلى جانب كونه إمام الجيش اجتهد ودرس اللغة الفرنسية هناك، وبعد خمسٍ
سنوات حافلة أدى رفاعة امتحان الترجمة، وقدَّم مخطوطة كتابه الذي نال بعد ذلك شهرة
واسعة (تَخْلِيصُ
الإِبْرِيزِ فيِ تَلْخِيصِ بَارِيز).
عاد رفاعة لمصر سنة
1831م
مفعماً بالأمل منكبّاً على العمل فاشتغل بالترجمة في مدرسة
الطب،
ثُمَّ عمل على تطوير مناهج الدراسة في العلوم الطبيعية.
وأفتتح سنة
1835م
مدرسة الترجمة، التي صارت فيما بعد
مدرسة الألسن وعُيـِّن مديراً لها إلى جانب
عمله مدرساً بها، وفي هذه الفترة تجلى المشروع الثقافي الكبير لرفاعة الطهطاوى ووضع
الأساس لحركة
النهضة التي صارت في يومنا هذا، بعد عشرات
السنين إشكالاً نصوغه ونختلف حوله يسمى
الأصالة أم
المعاصرة كان رفاعة أصيلاً ومعاصراً من دون
إشكالٍ ولا اختلاف، ففي الوقت الذي ترجم فيه متون الفلسفة والتاريخ الغربي ونصوص
العلم الأوروبي المتقدِّم نراه يبدأ في جمع الآثار المصرية القديمة ويستصدر أمراً
لصيانتها ومنعها من التهريب والضياع.
وظل جهد رفاعة يتنامى بين ترجمةً وتخطيطاً وإشرافاً على التعليم والصحافة، فأنشأ
أقساماً متخصِّصة للترجمة (الرياضيات
-
الطبيعيات -
الإنسانيات)
وأنشأ مدرسة
المحاسبة
لدراسة
الاقتصاد
ومدرسة
الإدارة
لدراسة العلوم السياسية.
وكانت ضمن مفاخره استصدار قرار تدريس العلوم والمعارف
باللغة العربية
(وهى العلوم والمعارف التي تدرَّّس اليوم في بلادنا باللغات الأجنبية) وإصدار
جريدة الوقائع المصرية
بالعربية
بدلاً من
التركية،
هذا إلى جانب عشرين كتاباً من ترجمته، وعشرات غيرها أشرف على ترجمتها.
بيد أن هذه الشعلة سرعان ما خبت، مع تولِّى
الخديوى عباس
حكم مصر، فقد أغلق مدرسة الألسن وأوقف أعمال الترجمة وقصر توزيع الوقائع على كبار
رجال الدولة من الأتراك، ونفى رفاعة إلى
السودان
سنة
1850م.
وهكذا عَبَس وجه الثقافة، وعُوِّقَ رفاعة عن مشروعه النهضوي الكبير، بيد أن رفاعة
لم يعبس ولم يعاق، فواصل المشروع في منفاه، فترجم هناك مسرحية
تليماك
لفنلون، وجاهد للرجوع إلى الوطن وهو الأمرُ
الذي تيسَّر بعد موت الخديوي عباس وولاية
سعيد باشا،
وكانت أربعة أعوام من النَّفْي قد مرَّتْ.
عاد رفاعة بأنشط مما كان، فأنشأ مكاتب محو الأمية لنشر العلم بين الناس وعاود عمله
في الترجمة (المعاصرة) ودفع
مطبعة بولاق لنشر أمهات كتب التراث العربي
(الأصالة).
وقضى رفاعة فترةً حافلة أخرى من العمل الجامع بين الأصالة والمعاصرة حتى انتكس سعيد
فأغلق المدارس وفصل رفاعة عن عمله سنة
1861.
ويتولى
الخديوي إسماعيل
الحكم بعد وفاة سعيد، سنة
1863م
فيعاود رفاعة العمل ويقضي العقد الأخير من عمره الحافل في نشاط مفعم بالأمل، فيشرف
مرة أخرى وأخيرة على مكاتب التعليم، ويرأس إدارة الترجمة، ويصدر أول مجلة ثقافية في
تاريخنا
رَوْضَةُ المَدَارِسِ،
ويكتب في التاريخ (أَنْوارُ تَوْفِيقِ الجَلِيل فِي أَخْبَارِ مِصْرَ وتَوْثِيقِ
بَني إِسْمَاعِيل)، وفى التربية والتعليم والتنشئة (مَبَاهِجُ الأَلْبَابِ
المِصْرِيَّةِ فِي مَنَاهِج الآدَابِ العَصْرِيَّةِ)، (المُرْشِدُ الأَمِينِ
للبَنَاتِ والبنَينِ)، وفى السيرة النبوية (نِهَايَةُ الإِيجَازِ فِي تَارِيخِ
سَاكِنِ الحِجَازِ) ومن مؤلفاته أيضاً (القول السديد في الاجتهاد والتجديد) و(تعريب
القانون المدنى الفرنساوى) و(مغامرات تليماك) و(قلائد المفاخر) و(المعادن النافعة)
والكتير من المؤلفات الأخرى. بعد أن أمضى رفاعة في الأزهر ست سنوات، جلس للتدريس
فيه سنة 1821، وهو في الحادية والعشرين من عمره، والتف حوله الطلبة يتلقون عنه علوم
المنطق والحديث والبلاغة والعروض، ثم ترك التدريس بعد عامين والتحق بالجيش المصري
النظامي الذي أنشأه محمد علي إماماً وواعظاً لإحدى فرقه، واستفاد من هذه الفترة
الدقة والنظام.
وفي سنة 1826م قررت الحكومة المصرية إيفاد بعثة علمية إلى فرنسا لدراسة العلوم
والمعارف الإنسانية، وقرر محمد علي أن يصحبهم ثلاثة من علماء الأزهر الشريف
لإمامتهم في الصلاة ووعظهم وإرشادهم. وكان رفاعة الطهطاوي واحداً من هؤلاء الثلاثة،
ورشحه لذلك شيخه حسن العطار. بدأ رفاعة في أثناء ذلك تعلم اللغة الفرنسية ولذلك
قررت الحكومة المصرية ضم رفاعة إلى بعثتها التعليمية، وأن يتخصص في الترجمة، وقبل
أن يتقدم رفاعة للامتحان النهائي كان قد أنجز ترجمة اثني عشر عملاً إلى العربية.
لقد رضي محمد علي ومعظم أبنائه الولاة عن الشيخ رفاعة الطهطاوي فقد بلغت ثروته يوم
وفاته 1600 ألف وستمائة فدان غير العقارات وهذه ثروته كما ذكرها علي مبارك باشا في
خططه:
أهدى له إبراهيم باشا حديقة نادرة المثال في (الخانقاة). وهي مدينة تبلغ 36 فداناً.
أهداه محمد علي 250 فداناً بمدينة طهطا.. أهداه الخديوي سعيد 200 فدانا.. وأهداه
الخديوي إسماعيل 250 فداناً.. واشترى الطهطاوي 900 فدان.. فبلغ جميع ما في ملكه إلى
حين وفاته 1600 فدان، غير ما اشتراه من العقارات العديدة في بلده طهطا وفي القاهرة.
توفى رفاعة الطهطاوى سنة
1873م.