ساطع الحصري
محمد فاروق الإمام
أبوخلدون ساطع الحُصْري مفكر سوري هو أحد مؤسسي الفكر القومي العربي، وهو أحد الدعاة والمصلحين القوميين الذين زخر بهم المشرق العربي ممن تبنوا الدعوة إلى القومية العربية أمثال عبدالرحمن الكواكبي وشكيب أرسلان في أواخر القرن التاسع عشر، وزكي الأرسوزي في أوائل القرن العشرين.
وأسمه ساطع بن محمد هلال الحصري، ولد في صنعاء باليمن في 17 شعبان 1296هـ/ 5 آب 1879م، وكان أبوه موظفاً فيها، ثم درس في المدارس التركية وتخرج فيها ونال عدة وظائف تعليمية وإدارية، وكان مديراً لدار المعلمين في إستانبول، ثم عين محافظاً لبعض الولايات في البلقان، وكانت نزعته طورانية تركية بحتة، وعمل مع جمعية الإتحاد والترقي، وقد نشر عدة مقالات في الدعوة إلى الطورانية والتتريك في مجلة (تورك أوجاني) بتوقيع : م ساطع، أي مصطفى ساطع، ثم أنقلب بين عشية وضحاها رائداً من رواد القومية العربية وكانت في لغته رطانة. وشغل عدة مناصب في بلاط السلطان عبد الحميد الثاني حتى سقوط دولة الخلافة العثمانية ثم رحل إلى دمشق عام 1919.
تولى في دمشق منصب وزير التعليم وعمل على وضع مناهج التعليم العربية وكانت له علاقات مع كبار المفكرين والعلماء في سورية إلى أن خلع الملك فيصل الأول عام 1920.
في هذه الفترة أبعد ساطع الحصري بعض علماء الدين عن التدريس فكان منهم الشيخ أبو السعود بن ضيف الله مراد فغضب الشيخ أبو السعود غضباً شديداً وهجاهُ ببيتين من الشعر قائلا:
ساطع أظلم لما ... وسد المر إليه
خسف الدين بجهل ... لعنة الله عليه
وعندما وقع البيتان بيد الحصري أغرق بالضحك وأحتفظ بالبيتين وجعل يرددهما على مسامع رواده وأصدقائه.
ثم ولي الملك فيصل الأول على عرش العراق وجاء معه ساطع الحصري، وعينه معاوناً لوزير المعارف ثم مديراً للآثار، وكان الحصري علمانياً فلم يبد أهتماماً بدروس الدين في المناهج المدرسية، بل جعل درس الدين لا قيمة له، وكتابه (القراءة الخلدونية) للصف الأول الابتدائي لا تجد فيه كلمات عن (الله، الرسول، كعبة، قرآن، قبلة، صلاة) وغير ذلك من الألفاظ الإسلامية، وفي سنة 1923م أحتج المعلمون في بغداد على سلوك الحصري وقدموا مذكرة للملك فيصل الأول، ثم نشروا كراساً بعنوان ( سر تأخر المعارف)، ولكن الملك كان يلزم وزارة المعارف بأوامر ساطع الحصري ولم يهتم بآرائهم.
ثم اشتدت الخصومة بين الحصري وفهمي المدرس وقد وقف الحصري ضد جامعة آل البيت وكتب المدرس عدة مقالات حول مسألة الجامعة، ولكن بقي الحصري مسؤولاً عن التعليم في العراق وعلى تطوير مناهج التعليم فيها، وظل يدعو إلى فكرة القومية العربية إلى أن قامت ثورة رشيد عالي الكيلاني عام 1941م.
وعلى أثر قيام ثورة رشيد عالي الكيلاني قام الإنجليز بنفي ساطع الحصري إلى حلب ومنها تسلل إلى بيروت حتى عاد مرة أخرى إلى دمشق عام 1944 حيث قامت الحكومة السورية المستقلة بتكليفه للعمل كمستشار لصياغة النظام التربوي والتعليمي في البلاد وأهتم بالفكر القومي وبتطوير مناهج التعليم .
وعين مدير لمعهد البحوث والدراسات العربية في القاهرة عام 1953م.
أتسعت مؤلفاته التي تتناول الدعوة إلى فكرة القومية العربية إلى أكثر من عشرين مؤلفاً من أهمها:
-
حول القومية العربية.
-
آراء وأحاديث القومية العربية 1944.
-
آراء وأحاديث القومية العربية 1951.
-
دفاع عن العروبة.
-
يوم ميسلون.
-
العروبة أولاً.
تعددت مناظراته الفكرية ومجادلاته للدفاع عن القومية العربية، ففي مواجهة دعاة فكرة الإقليمية في مصر، أرجع الحصري تجاهل مصر الاستجابة لقضية القومية العربية قبل الثورة لعاملين:
-
الأول: هو حالة العزلة التي أحدثها الاحتلال البريطاني.
-
الآخر: إلى ارتباط بعض النخب في مصر بروابط وولاءات تتنافى مع الروح القومية.
وقد أهتم الحصري بالرد على محاولات بعض المفكرين المصريين صياغة هوية ثقافية مصرية خاصة تستند إلى التراث الفرعوني، حيث أعترض على حجج الدكتور طه حسين التي جاءت في كتابه "مستقبل الثقافة في مصر" طابعها وطباعها، وأنها في نفس الوقت تحتفظ بهويه خاصة فرعونية الجوهر. واستنكر الحصري فكرة فرعونية مصر معللاً ذلك بأنه إذا كانت المشاعر الفرعونية تتأصل في وجدان المصريين فإنه يجب معه أن تستعيد لغة الفراعنة وحضارتهم، وأن مصر لايمكن أن تنبذ العروبة الحية تحت دعوى الانتماء إلى حضارة ميتة. أما فيما يتعلق بدعوى الانتماء لإنجلترا فقد دحض تلك الدعوى بتأكيده على أن ما يشد ويربط مصر بدول عربية أقوى مما يربطها بدول البحر الأبيض المتوسط .
في مواجهة دعاة الإقليمية في سورية والمشرق العربي ومن أبرزهم أنطوان سعادة مؤسس الحزب القومي السوري الذي كان ينفي وجود أي رابط بين سورية وغيرها من الدول العربية التي يصفها بالبداوة على عكس الكيان السوري واللبناني المتمدن مكتفياً بالرباط الجغرافي بين سورية ولبنان لتمييزهما عن الدول العربية الأخرى، نجد الحصري يرفض الرباط الجغرافي فقط كأساس للقومية ويرفض أيضاً التسليم بوجود سمات ومميزات للسوريين تختلف عن تلك التي تتسم بها الشعوب الأخرى، بل أن الحصري كان ينفى تماماً وجود ما يعرف بالإقليم السوري بمعناه الإداري الحديث حتى عام 1943.
على عكس عبد الرحمن الكواكبي ومحمد عبده ورشيد رضا، نجد الحصري يتبنى دعوته من منطلق علماني استناداً إلى اللغة والتاريخ متجاهلاً أهم رابط بين تلك الشعوب وهو الرابط الديني أو الإسلامي متبنياً أن فكرة القومية العربية نشأت عند المفكرين المسيحيين قبل المسلمين، وأن المسيحيين ساهموا في بناء الحضارة العربية قبل وبعد الإسلام.
وفي مواجهة تصور البعض للقومية العربية على أنها تتنافى مع الإسلام أو الذين يروا في القومية نوع من عودة إلى عصبية قد نهى الإسلام عنها أو أولئك الذين ينادون بالوحدة الإسلامية بدلاً من الوحدة العربية نجد الحصري يرى أنه برغم أن فكرة الوحدة الإسلامية تعد أوسع وأشمل من مفهوم الوحدة العربية إلا أنه ليس بالإمكان المناداة بالوحدة الإسلامية قبل المناداة بالوحدة العربية، لذلك نجده يؤكد أن من يعارض الوحدة العربية هو في الحقيقة معارض للوحدة الإسلامية أيضاً.
وبرغم بديهية منطق الحصري فقد كانت رقعة الالتقاء محدودة بين فكره (القومي) وبين أصحاب التوجهات الإسلامية، ذلك لأن الحصري حاول أن يحوّل معتقدات الإسلاميين إلى خدمة الوحدة العربية، لكنه لم يضع القومية العربية أبداً في خدمة الوحدة الإسلامية.
وفي سنة 1965م، عاد إلى العراق وتوفي في بغداد في 4 شوال 1388هـ/ 23 كانون أول 1968م، وصلى على جنازته الحاج معتوق الأعظمي في جامع أبو حنيفة، ودفن في مقبرة الخيزران، في الأعظمية، قرب مرقد الشيخ رضا الواعظ.