معروف الرصافي

معروف الرصافي ..

شاعر العراق الكبير وقصيدته يوم الفلوجة

محمد سيد بركة

[email protected]

صدر مؤخرا في طبعة شعبية جديدة عن هيئة قصور الثقافة المصرية ديوان الرصافي شاعر العراق الكبير ..وليس الرصافي الشاعر شيئا قليلا في تاريخ الأدب العربي في هذا العصر فالرصافي أحد رواد الشعر المعاصرين .

ولد الشاعر معروف الرصافي في سنة 1875 ببغداد حيث أكمل دراسته فيها ، ثم انتقل إلى القسطنطينية والقدس ، وبعد إتمام دراسته عاد إلى وطنه .

يمتاز أسلوب الرصافي بمتانة لغته ورصانة أسلوبه ، وله آثار كثيرة في النثر والشعر واللغة والآداب أشهرها ديوانه [ ديوان الرصافي] حيث رتب إلى احد عشر بابا في الكون والدين والاجتماع والفلسفة والوصف والحرب والرثاء والتاريخ والسياسة وعالم المرأة والمقطعات الشعرية الجميلة ، يقول في مشاهدته لأرملة وبنتها الصغيرة ، توفي زوجها وتركهما بين الفقر والبؤس الذي يذيب القلوب الجامدة حيث‏بلغ القمة بوصفه إذ قال:

لـقـيـتـها ليتني ما كنت ألقاها
أثـوابـهـا  رثة والرجل iiحافية
بـكت من الفقر فاحمرت iiمدامعها
مـات الذي كان يحميها iiويسعدها
الـمـوت  افجعها والفقر iiأوجعها
فـمنظر  الحزن مشهود iiبمنظرها
تـمشي  وتحمل باليسرى iiوليدتها
تـقول:  يا رب لا تترك بلا iiلبن
كـانـت مـصيبتها بالفقر iiواحدة
هـذي  حكاية حال جئت iiاذكرها









تـمشي وقد أثقل الإملاق iiممشاها
والـدمـع تذرفه في الخد iiعيناها
واصفر كالورس من جوع iiمحياها
فـالـدهر  من بعده بالفقر أنساها
والـهـم  انـحلها والغم iiأضناها
والـبـؤس  مرآة مقرون iiبمرآها
حملا على الصدر مدعوما iiبيمناها
هـذه  الرضيعة وارحمني iiوإياها
ومـوت والـدهـا بـاليتم iiثناها
وليس يخفى على الأحرار مغزاها

لقد شارك الرصافي في قضايا أمته السياسية والاجتماعية ، ودعا إلى بناء المدارس ونشر العلم ، والتي ينبغي لطالب العلم إن لا يكون طلبه للعلم لذاته بل لغايات اجتماعية وذلك من خلال ربطه بالعمل فهل وفى اللفظ بهذا المعنى ؟ لذلك نجده يقول:

ابنوا المدارس واستقصوا بها الأملا
جـودوا عـليها بما درت iiمكاسبكم
لا  تـجـعلوا العلم فيها كل غايتكم
ربـوا  الـبـنين مع التعليم iiتربية
فـجـيشوا  جيش علم من iiشبيبتنا
أنـا  لـمـن امة في عهد iiنهضتنا





حـتـى نـطاول في بنيانها iiزحلا
وقـابـلـوا  باحتقار كل من iiبخلا
بل  علموا النش‏ء علما ينتج iiالعملا
يـمـسي بها ناطق الدنيا به iiالمثلا
عـرمرما  تضرب الدنيا به iiالمثلا
بـالـعلم والسيف قبلا انشات iiدولا

وعندما احتل الانجليز العراق سنة 1920م ، سرعان ما نصبوا فيصل ملكا على البلاد وأصدروا دستورا وانشئوا برلمانا مزيفين وأصبحت أمور البلاد بأيديهم ثار الشعب العراقي وثار الرصافي معهم حيث انشد قصيدته التي جاء فيها:

عـلـم  ودسـتور ومجلس امة
أسـمـاء ليس لنا سوى iiألفاظها
مـن يـقـرا الدستور يعلم iiانه


كل عن المعنى الصحيح محرف
أمـا  مـعـانيها فليست iiتعرف
وفـقـا لصك الانتداب iiمصنف

فكان الدستور الذي سن في نظره ليس إلا وثيقة جديدة للانتداب الذي فرضه الانجليز على العراق ، دستور مزيف وعلم الدولة مزيف هو الآخر ، وحتى المجلس الذي يسمى بمجلس الأمة أيضا كان مزيفا ، ثم نلاحظ الشاعر الرصافي يصرخ ساخرا ويقول:

يـا  قوم لا iiتتكلموا
ناموا ولا iiتستيقظوا
وتأخروا عن كل iiما
ودعوا  التفهم iiجانبا
أما السياسة iiفاتركوا




إن الـكـلام iiمحرم
مـا  فاز إلا iiالنوؤم
يقضي  بان iiتتقدموا
فالخير أن لا تفهموا
أبـدا  ولا iiتـندموا
وبعد برهة من الزمن شكلت الوزارة من قبل حكومة الانتداب فقام مخاطبا تلك
الوزارة المنقادة لتنفيذ أوامر أسيادهم حيث‏ يقول:

بالله  يـا وزراءنـا مـا iiبالكم
هـذي  كراسي الوزارة iiتحتكم
انـتـم عليها والأجانب iiفوقكم
أيـعـد  فخرا للوزير iiجلوسه



إن  نـحن جادلناكم لم iiتنصفوا
كـادت  لفرط حيائها iiتتقصف
كـل  بـسلطته عليكم iiمشرف
فرحا على الكرسي وهو مكتف

ومن قصائده الرائعة قصيدة يوم الفلوجة قالها في مدح مدينة الفلوجة البطلة ومقاومتها ضد الاستعمار عام 1941يقول :

أيـهـا الإنـكـلـيز لن iiنتناسى
ذاك بـغـي لـن يـشفي الله إلا
هـو كـرب تـأبـى الحمية iiأنا
هـو  خـطـب أبكى iiالعراقيين
حـلـهـا  جـيشكم يريد iiانتقاماً
يـوم  عاثت ذئاب [ آثور ] iiفيها
فـاسـتـهانت  بالمسلمين iiسَفاهاً
وأدرتـم  فـيها على العُزْل كأساً
واسـتـبـحـتم أموالها iiوقطعتم
أفــهــذا تـمـدن، iiوعـلاء
أم  سـكـرتـم لما غلبتم iiبحرب
قـد  نـتـجنا لقوحها عن iiخِداج
هـل نـسـيتم جيشاً لكم مُبْذعرَّاً
وهـوى  بانهزامه حصن 'أقريط'
سـوف يـنـأى بـخزي iiوبعار
لا تـغـرنـكـم شِـبـاكْ iiكبارٌ
لـسـتـم  اليوم في المسالك iiإلا
وطـن عـشـت فيه غير iiسعيد
أتـمـنـى  فـيـه السعادة iiلكن
أخـصـب الله أرضـه ولو iiانّي
كـل يـوم بـعـزّه iiأتـغـنـىّ
مـا حـيـاة الإنـسان بالذل iiإلا
فـثـنـاءً [ـلـلرافدين] iiوشكرا






















بـغـيـكم  في مساكن ii'الفلوجة'
بـالـمواضي  جريحه iiوشجيجه
بـسـوى  السيف نبتغي iiتفريجه
والـشام  وركن البنية iiالمحجوجه
وهـو مُـغـرٍ بالساكنين iiعلوجه
عَـيْـثـةً تـحمل iiالشَنارسميجه
واتـخـذتـم مـن اليهود iiوليجه
مـن دمـاء بالغدر كانت iiمزيجه
بـيـن أهـل الديار كل iiوشيجه
شـعـبـكـم يدّعي إليه عروجه
لـم  تـكـن في انبعاثهابنضيجه
فـلـذاك  انـتهت بسوء iiالنتيجه
شـهـدت  جُـبنه سواحل iiإيجه
وأمـسـى قذىً على 'عين iiفيجه'
عـن بـلاد تـريد منها iiخروجه
أصـبـحت لاصطيادنا iiمنسوجه
جـمـلاً تـحت صدره دُحروجه
عيش حر يأبى على الدهر عوجه
لـيـس لـي فـيه ناقة iiمنتوجه
لـسـت أرعى رياضه iiومروجه
جـاعـلاً ذكـر عـزّه iiأمزوجه
مـرة  عـنـد حَسْوِها iiممجوجه
وسـلامـاً  عـلـيـك يا فلوجة

فلشاعرنا الرصافي مشاهد كثيرة في الحكم والأوصاف والأقاصيص الحزينة التي تظهر بؤس وفقر الأمة ومقاومتها للاستبداد وظلم الأجنبي ، بالإضافة إلى آرائه الحدية في السياسة وانتقاد السلطة ، فهو يدعو إلى الثورة الاجتماعية والسياسية ليعم الرخاء ولتنعم البلاد بالحرية والمساواة .

هذه نظرة موجزة ألقيناها عن حياة هذا الشاعر إذ أصبح اصدق مترجم عن آلام شعبه وأحزانه ولقد توفي الرصافي سنة 1945م .