عز الدين إبراهيم

عز الدين إبراهيم

أحمد الجدع

الدكتور عز الدين إبراهيم ابن مصر الكنانة، واحد من رجالات الإخوان المسلمين، وقد قيل لي إنه واحد من قادة النظام الخاص الذي أسسه الإمام الشهيد حسن البنا وغايته تدريب الشباب وتجنيدهم للجهاد في فلسطين لحرب اليهود ، وللجهاد في قناة السويس لطرد المحتل الانجليزي من مصر.

خرج من مصر إثر ملاحقة جمال عبد الناصر لرجال الإخوان، ومطاردتهم في الأراضي المصرية، وكان في هجرته خير له، إذ استكمل دراسة الدكتوراة، ثم ذهب إلى قطر وعمل مساعداً لمدير المعارف ، وكان مدير المعارف آنذاك الأستاذ كمال ناجي الذي أصبح فيما بعد الدكتور كمال ناجي، وهو مصري أيضاً.

أول ما قابلت الدكتور عز الدين إبراهيم قابلته في القدس، إذ جاءها رئيساً للبعثة القطرية التي تختار المدرسين لدولة قطر، وكانت البعثة آنذاك مكونة من ثلاثة، ، ثاني الثلاثة محمود عباس الذي أصبح فيما بعد رئيساً للسلطة الفلسطنية، ولا زال كذلك وأنا أخط هذه الكلمات ( 18/5/2009م) وثالث الثلاثة الشهيد محمد يوسف النجار الذي اغتيل في بيروت ، اغتالته المخابرات الإسرائيلية.... كيف وصلوا إلى بيروت، ، ومن سهل لهم المهمة حتى دخلوا على أبي يوسف منزله  واغتالوه.... وعادوا؟ .....من؟

ذهبت إلى قطر عام 1964، ووجدتهم قد اختاروني مدرساً في مدرسة  "النعمان" شمال قطر، وتبعد عن العاصمة (114)  مئة وأربعة عشر كيلو متراً ، منها أربعة عشر كيلو متراً غير معبدة!

عندما قرأت هذا الاسم "النعمان" تبادر إلى ذهني هذا الورد الجميل الذي يملأ سهول فلسطين : شقائق النعمان، فتفاءلت ، وانشرح صدري.

وعندما سألني أصدقائي عن المكان الذي عينت  فيه وعرفوا أنه النعمان اكفهرت وجوههم، وأخذوا في "تعزيتي" ذلك لأن هذا المكان هو المكان الذي يرفضه كل من أُرسل إليه .

في هذا الجو المكفهر نسيت  شقائق النعمان، وتذكرت أن النعمان إنما يعني الدَّم ، وذلك لتشابه لون هذه الزهرة الحمراء بلون الدم!

ذهبت إلى النعمان ، ولم أجد فيها ما يسوء، وقلت لنفسي ، وهل أربعة عشر كيلو متراً بدون تعبيد مما يسوء؟ لقد عملت في بلدة الخرمة بالجزيرة العربية وكانت تبعد عن الطائف مئتي كيلو متر غير معبدة، هذا الذي أنا فيه أفضل مما كنت أقاسيه!

ولكن ما إن مرّ على وجودي في النعمان أسبوعان حتى طلبني الدكتور عز الدين إبراهيم، اعتذرت في المرة الأولى، وفي الثانية علمت أنه يريد أن ينقلني من النعمان، فأرسلت قائلاً: لا أريد الانتقال من النعمان.... وفي الثالثة كان الطلب بالأمر، فذهبت إلى الدوحة، ودخلت على سكرتير الدكتور.

كان الجالس على كرسي السكرتارية الأستاذ حسن منسي، وهو مصري أيضاً، قلت له بعد السلام: الدكتور عز الدين إبراهيم يريد مقابلتي!

رفع رأسه إليّ، وصوب نظره من رأسي إلى قدمي، ثم هز رأسه وقال: الدكتور مشغول.

 كنت أنذاك في الثالثة والعشرين من عمري، لا أجيد المجاملات.... (ولا زلت حتى الآن لا أجيدها ).

 كررت القول للأستاذ حسن: الدكتور هو الذي طلب مقابلتي!

نظر إليَّ باستهجان وقال: الدكتور طلب مقابلتك أنت؟

قلت: نعم .... فقال: الدكتور مشغول ، ثم انكب على أوراقه مستمراً في تقليبها ، لاهياً عني، عندئذ قلت له: يا أستاذ حسن.... الدكتور عز الدين طلب أن يقابلني هنا في مكتبة، وقد جئت من النعمان إلى الدوحة لهذا الغرض، وهأنذا عائد إلى النعمان ، فإذا سألني لماذا لم تحضر سأقول له إنك منعتني من مقابلته.

عندئذ قال لي : انتظر ، ثم عدّل من ربطة عنقه وحمل سماعة الهاتف وهاتف الدكتور قائلاً: هنا مدرس اسمه أحمد الجدع يقول إنك طلبته للمقابلة.

وفجأة وضع الأستاذ حسن سماعة الهاتف وقال لي مشيراً إلى باب الغرفة الكبير: تفضل يا أستاذ أحمد تفضل.

وبالمناسبة فقد أصبح الأستاذ حسن منسي بعد سنين صديقي وجاري في السكن في حي البدع بالدوحة،وكنا نصلي معظم الأوقات معاً في مسجد الحيّ.

دخلت مكتب الدكتور عز الدين فقام مرحباً بي بود وبشاشة، فجلست على أقرب المقاعد لمكتبة، فأخذ ينظر إليَّ ويتفحصني ملياً، ثم ابتسم وقال : أنت أحمد الجدع! قلت: نعم

قال: لماذا لا تريد الانتقال من النعمان؟

قلت: لأني أحببتها واسترحت لها.

ابتسم وقال: أتدري أنه ما تعين فيها مدرس إلا وجاءني "بالجاهات " لأخلصه منها ، وأنت أول مدرس يرفض الانتقال منها.... ثم أردف : هذا جيد .... هذا حسن.... أنت جدع (ولفظ الكلمة بالجيم القاهرية).

قال: أريد أن أنقلك إلى بلدة قريبة من الساحل، اسمها "الغشامية"، وستكون "المدرس المسؤول" فيها.

قلت: وما المدرس المسؤول؟

قال: هذه مدرسة صغيرة، ونسمي مديرها مسؤولاً  لأنه يدير ويدرس !

 لم أناقش، قبلت.

وذهبت إلى الغشامية، وقضيت فيها ثمانية أشهر، كانت من أجمل الأوقات وأمرحها أيضاً، (والتفاصيل ليس هنا مكانها).

كان العمل في الغشامية كمدرس مسؤول يقتضي أن أقابل الدكتور عز الدين إبراهيم مرات ومرات، وقد كان لي مشجعاً وبعملي معجباً ، وعندما انتهت سنة الغشامية، وعدت من إجازة الصيف وجدت الدكتور عز الدين قد كافأني فنقلني مديراً لمدرسة روضة راشد، وروضة راشد إحدى القرى التابعة لضواحي الدوحة.

قضيت فيها سنتين ، ثم طلبت العمل في الدوحة، فاستجاب لطلبي.

ولأن العاصمة دائماً مركز النشاطات ، ولأني أميل للأدب بعامة وللشعر بخاصة فقد كنت أحضر الندوات الشعرية التي تقام في الدوحة ، وأول هذه الندوات التي حضرتها ندوة شعرية أقيمت في المعهد الديني الثانوي عندما كان شيخ هذا المعهد هو الدكتور يوسف القرضاوي.

وأذكر أن عدداً من الشعراء ألقوا قصائدهم في هذه الندوة منهم أحمد محمد الصديق ومعروف رفيق وسعيد عبد الهادي تيم وغازي بدوان و محمد فوزي النتشة.......

وقد علق على هذه القصائد الدكتور عز الدين إبراهيم، وأجاد التعليق......

إلى هنا أتوقف في حديثي عن هذا الرجل الإدراي القدير، المثقف ثقافة عالية، فهو لم يستمر في قطر بل ذهب إلى إمارة أبو ظبي مستشاراً للشيخ زايد بن سلطان آل نهيان حاكم هذه الإمارة..........