شريف حاج قاسم : حياته وشعره - 1
الشاعر الإسلامي المعاصر .
شريف حاج قاسم الذي نشأ في أحضان مدينة دير الزور حيث عبق العروبة والأصالة والقيم، تلك المدينة التي أنجبت الشاعر محمد الفراتي، وعبد الجبار الرحبي، والدكتور حسن هويدي، ودندل جبر.. وغيرهم كثير في مجال العلم والدين والأدب
ويعتبر الأستاذ شريف حاج قاسم في طليعة الشعراء الإسلاميين في سورية، وأغزرهم إنتاجاً، وأكثرهم أصالة وتمسكاً بالتقاليد الشعرية والعروض الخليلية ..فمن هو ؟ وما هي أبرز ملامح شعره ؟ وما هي الموضوعات التي طرقها وتناولها ؟ ...في هذه الصفحات نجيب على هذه الأسئلة وغيرها .
ولادته ونشأته :
ولد شريف عبد القادر الحاج قاسم في دير الزور, في سورية , عام 1941م ، ونشأ في ظل أسرة مسلمة ملتزمة كانت المحضن التربوي الأول الذي هيأه لاستقبال دعوة الإسلام والانخراط في العمل الحركي الإسلامي .
دراسته :
عاش ودرس في المرحلتين الابتدائية والمتوسطة في مدينة دير الزور, ثم انتقل إلى دار المعلمين بمدينة حلب، وتخرج منها معلماً عام 1962م .
أعماله :
وعمل في مهنة التدريس بدير الزور .
كان إلى جانب عمله في التعليم خطيباً في جامع الغزالي بدير الزور , وكذلك في بعض المساجد الأخرى .
ثم انتقل إلى المملكة العربية السعودية ؛ ليعمل في التربية والتعليم، وما زال .
مؤلفات ودواوينه :
ونشر له الدواوين التالية :
1- متى تعودون ؟ - دار الضياء – المكتبة العربية للنشر والتوزيع – عمّان – الدوحة – 1408 هـ / 1988 م – 103 ص – 20 × 14 سم .
متى تعودون؟ لمن هذا السؤال، ومن الذين يُدعون إلى العودة؟ وبم يعودون؟
الإجابة على هذه الأسئلة تجدها في مقدمة القصيدة الأولى في الديوان، وهي القصيدة التي سمي الديوان باسمها: متى تعودون؟
يقول الشاعر: "وأمسك بي شيخ وقور جاوز الثمانين، وحوله أقرانه من أهالي طشقند، وقد عرف أني من البلاد التي انطلق منها نور الإسلام، فأخذ يردد جملة واحدة والدموع تسّاقط من عينيه...
سألت: ماذا يقول هذا الشيخ العجوز؟
قالوا: إنه يقول لكم: متى تعودون إلينا بالإسلام؟
فجرنا آتٍ، وفي إسلامنا تتجلى عودة الركب الأبي يومها نلقاك يا شيخُ على تتجلى عودة الركب الأبي أكرم العهد وأعلى النسب
ثم إن الشاعر شريف قاسم على عهدنا به: مع الإسلام وللإسلام، فهو يهدي ديوانه هذا إلى: العلامة المجاهد الدكتور حسن هويدي، وهو يحيي هذا الرجل الداعية بقصيدة بعنوان: الدوحة الندية:
أبا الفضائل ماذا قد يبوح فمي وما أقول ؟ وهل تجدى لذي ألم
أبا المكارم، أنت القطب ، تجمعنا وأنت كالضوء إن غابت وكالعلم
وأنت ظل كريم الروح، داعية لم تلوك العاصفات السود في الغسم
في قصيدة طويلة، وأبيات سامية موجهة للمحتفى به الداعية حسن هويدي.
الأخ الشاعر شريف قاسم له باع طويل في الشعر ، تجني من فرائده فوائد جمة، من أجلِّها معرفة الرجال الذين رفعوا لواء الإسلام في زمن القبض على الجمر، فتتمنى ان تكون منهم.... أو معهم.
الديوان يقع في مئة وأربع صفحات من الحجم المتوسط (14×20) ويضم اثنتي عشرة قصيدة.
2- صدى وذكرى : دار عمار للنشر والتوزيع – عمّان – 1405 هـ / 1985 م – 36 ص – 17 × 13 سم .
3- الربيع المنشود : دار الضياء – المكتبة العربية للنشر والتوزيع – عمّان – الدوحة- 1408 هـ / 1988 م – 103 ص – 20 × 14 سم .
وأستطيع أن أقول بأن نهجة في هذا الديوان يمثل نهجة في كل شعره، خط إسلامي واضح لا لبس فيه.
ولأن المسلم يمتاز بحب إخوانه في الله ووفائه لهم ، فقد أهدى الشاعر ديوانه هذا إلى أخيه في الله هشام بجعة:
يقول في إهدائه :
أقدم هذه المجموعة إلى أخي في الله الأستاذ هشام يجعة تحية حب ووفاء في ظل الأخوة الإسلامية، وإلى جميع من تربطهم وشائح الإيمان بالله على غير أنساب ولا مصالح تجمعهم في الحياة.
ومن باب الوفاء أيضاً أهدى الشاعر إحدى قصائد الديوان للشاعر المبدع المرحوم بإذن الله محمد الحسناوي بمناسبة صدور ديوانه "عودة الغائب".
ظمأى لما وعد الإله عباده الأحداقُ
النور يدفق في الورى سلساله الرقراق
إنا إلى همسات وحي قدومه نشتاق
هذا هو الغائب: النور الذي أتى به الوحي فغدا جدب العرب به ربيعاً.
ثم إن عنوان هذا الديوان: الربيع المنشود ينم عن صاحبه، وما ينشد، إنه ينشد ربيع الإسلام القادم قريباً بإذن الله.
الربيع المنشود هلّ موشّى فوق ما في حقوله من هجوع
ومع الزهر والنسيم شبابٌ يبعثون الآمال بين الجموع
في الديوان ثلاث عشرة قصيدة، والديوان يقع في مئة صفحة وأربع صفحات من الحجم المتوسط.
من قصائده : الربيع المنشود، وهي القصيدة التي سمي الديوان بها، ونفحات ربيعية، وقدوم الربيع، وهذه قصائد ثلاث تدور أبياتها الربيعية حول البشرى بعودة الإسلام الذي سيجعل دنيا المسلمين ربيعا.
الديوان إبداع من إبداعات الشاعر نسلكه في عداد دواوين الشعر الإسلامي المعاصر، وهو واحد من الدواوين المبكرة التي صدرت للشعراء الإسلاميين المعاصرين.
4- أناشيد على الدرب : دار بيت المقدس – عمّان – 1409 هـ / 1989 م – 168 ص – 24 × 17 سم .
5- نهر الضياء : دار الضياء – المكتبة العربية للنشر والتوزيع – عمّان – الدوحة – 1408 هـ / 1988م – 116 ص – 20 × 14 سم .
هذا الديوان الثاني الذي نشرته دار الضياء للنشر والتوزيع للشاعر المبدع شريف قاسم ابن سوريا بلد الشعر، حيث المتنبي وأبي العلاء، وحيث العمرين؛ عمر بهاء الدين الأميري وعمر أبي ريشة، وحيث أبي فراس الحمداني ، وحيث نزار قباني، وحيث كوكبة طويلة من أمراء الشعر العربي على مرّ العصور.
ولأن الخط البياني الصاعد للشاعر شريف قاسم خط إسلامي نقي، فإنه يحافظ على هذا الخط في كل فقرة يخطها في الديوان؛
أهدى الشاعر هذا الديوان إلى الشباب المسلم الذي يحمل راية الغد المشرق، إلى فتيات الإسلام اللواتي يجاهدن لبناء المجتمع الإسلامي ، إلى الرجال الرجال الذين يتطلعون لانقاذ البشرية من ضلالها بالتمسك بهذا الدين.
يقع الديوان في مئة وست عشرة صفحة من القطع المتوسط (14×20) ويشتمل على ثلاث عشرة قصيدة.
يقول من قصيدة (أنهار الضياء):
وقد كنت أخشى العدوّ الغريب ففاجأنا من بنينا ... يهدُّ
يعذب شعبي ، ويح الشعوب، عدوّ قريب وخصم ألدُّ
ولكن أتيتك يانيل مصر وديني حنيف وركبي مُعَدُّ
يقيني بنصر على الظالمين وضربة حق لنا لا تُرَدُّ
ألا ترى إلى هذه الدال المشددة آخر كل بيت كأن الشاعر يصك على أسنانه غيظاً !
ولكن لي سؤال أحب أن أعرضه: عمن يتكلم هذا الشاعر المغيظ الثائر؟
كل قصائد هذا الديوان تشجيك ، وتبعث فيك الأمل في آن واحد.
6- من جانب الطور : دار بيت المقدس – عمان – 1409 هـ / 1989 م – 168 ص – 24 × 17 سم .
7- إلى فتيان الأترجَّة :
ولديه /5/ دواوين مخطوطة, وكتابان ينتظران الطبع .
ونشر له عدد كبير من القصائد في المجلات العربية والإسلامية، ولا سيما مجلة حضارة الإسلام .
أقوال النقاد في شعره :
وصفه د. محمد عادل الهاشمي فقال : (( على محياه تلمح بسمة التواضع والزهد في الشهرة، يطوي النفس على مشاعر متوثبة، موارة، تركض جياد قوافيه حتى لتخالها في جيشان لا يعرف السكون، وفي حركة تجهل التوقف ...إنه الشاعر شريف قاسم الذي أودع الشعر الإسلامي وجدانه وشعوره، صدر له منذ شهور ديوان صدى وذكرى فأضاف إلى الدواوين الإسلامية ديواناً قشيباً، متوهج التجارب بنتاجه المتدفق، متوثب الرؤى، غني النفحات ..كما أثرى الشاعر الدوريات الأدبية بقصائد من هذا اللون المؤمن الخصيب ..وهذه ومضات لرؤى من هنا وهناك، تعرض لشعر الشاعر وعوالمه، تحملها إلينا إلهاماته وتجاربه ..
يقدم شاعرنا إلى الوسط الأدبي الإسلامي ديوانه الجديد، وقد انسابت تسميته صدى للجزيرة العربية التي تنفس تحت سمائها شعره وإلهامه ..وذكرى لبطولة الغر الميامين الذين صنعوا حضارة الإسلام، والشاعر ابن جزيرة بادية الشام، في مدينة دير الزور ترعرع وفيها كانت نشأته، وتحت سمائها الصافية ترقرقت بواكير إلهامه الشعري ..
وكتب الأستاذ أحمد الجدع يقول عنه : (( الشاعر الإسلامي الكبير، الذي يتدفق شعراً وعاطفة وحباً لله ورسوله ودينه وأصفيائه.
هذا الشاعر عرفته منذ زمن يُغرق في عشرين عاماً أو أكثر قليلاً، لم ألتقه عيانا بل التقيته بيانا، جرت ما بيني وبينه مراسلات لا زلت احتفظ بكثير منها في ملفاتي وأوراقي ، اعتزازاً بها، ذلك لأنها كانت كلها في الله ولله.
أذكر أنني اقترحت عليه أن يخوض تجربة الملاحم، ويكتب لنا "ملحمة الدعوة الإسلامية المعاصرة" كان ذلك في عام 1409هـ، وجرت بيننا الرسائل حول هذا الاقتراح.
كتبت له في رسالة مؤرخة في 27 رجب 1409 هـ أقول :
"عند ما وصلني ديوانك الجديد (من جانب الطور) وقرأت قصائده القصار،
تذكرت مطولاتك في دواوينك السابقة، فرجعت إليها، وأعدت النظر فيها، وأعجبني هذا التدفق الشاعري، وهذا النفس الشعري الطويل ، فخطر لي أن شاعراً هذه صفاته وقدراته ربما كان جديراً أن يدخل باب الملاحم بمفهومها الإسلامي، وراودتني فكرة نظم "ملحمة الدعوة الإسلامية المعاصرة" وقلت في نفسي لعل الأخ شريف هو الذي ادخره الله لذلك ، فعزمت على عرض الأمر عليك مؤملاً أن يلقي لديك صدراً منشرحا وعزما صارما".
وأردفت في الرسالة نفسها تعزيزاً لفكرتي:
"كان المرحوم محب الدين الخطيب صاحب فكرة "الإلياذة الإسلامية" قد عرض فكرته على عدد من الشعراء، عرضها على أحمد الشوقي، وعرضها على غيره ، وكان الله قد ادخر هذا العمل الكبير للشاعر أحمد محرم، فقام بالعمل وأخرج ملحمته الرائعة "مجد الإسلام".
ثم قلت وفي الرسالة نفسها
نحن اليوم يا أخي بحاجة إلى ملحمة تصور انبعاث الحركة الإسلامية المعاصرة وجهادها من أجل الإسلام ، وتضحياتها في سبيله، وانتصاراتها في ميادين الجهاد المختلفة ، تُصور أبطالها وشهداءها ومرشديها ورجالها العظام ومواقفها الخالدة
ولا أرى من شاعر ذي مطولات ناجحة كشاعرنا شريف قاسم ، فهيعلا أيها الأخ السعيد بما تقدم من أدب رفيع، أدعو الله أن يأخذ بيدك ، وأن أسمع منك ما تقرّ به عيني ويسعد به قلبي ".
ودارت بيننا رسائل حول هذا الرأي ، ورأيت من شاعرنا إقبالاً على الفكرة ما لبث أن ضعف ، ولم أعلم حتى يومنا هذا (23/7/2009) أنه كتب في هذه الملحمة شعرا.
أعيد النداء ... وأعيد الاقتراح على أخي الشاعر شريف قاسم ، ولقد أصبح الآن أشد تمكناً من الشعر وأكثر خبرة فيه..... لعل وعسى!.
عندما ألفنا كتابنا ،"شعراء الدعوة الإسلامية في العصر الحديث كتبت عنه في الجزء التاسع من الكتاب الصادر عام 1304هـ 1983م ، وكان من المؤيدين لهذا المشروع، ومن المحبذين للاستمرار فيه، وكتب في الإشادة به قصيدة طويلة أربت على خمسين بيتاً، أقتبس منها هذه الأبيات:
يـا أخا الحرف مسلماً تتحرى وجـمعت الأشعار يا أحمد اليو مـن مـعـاني قرآننا نظمتها لـك يـا أحـمد الثواب ، فهذا شـعـراء لـدعـوة جـمعتهم وآخـوك الـجرار ساعد حزم شـعراء الإسلام جاءوا بعصر شعراء الإسلام في العصر هاهم من رفيف الحروف أكرم همس م بـسـلسال طهرها دون لبس مـهـج دونـت هواها بخمس رائـق القول لا يغيض بكأس صـفـحـات بهمة دون يأس حـيـن نضدتما البيان بطرس يحملون الرايات من غير نكس لـم يـغروا بدرهم أو بكرسي
والقصيدة بكامل أبياتها منشورة في مجلة البلاغ الكويتية، العدد 735 ، بتاريخ 23/7/1404هـ.
ثم ، وإعجاباً بشعر الشاعر، شجعت دار الضياء للنشر والتوزيع على طباعة بعض إنتاج شاعرنا، فطبعت له ثلاثة دواوين:
1- الربيع المنشود.
2- نهر الضياء.
3- متى تعودون.
وقد نوهت أنا بهذه الدواوين الثلاثة في موقع "أدباء الشام" على شبكة الانترنت.
أمتنا اليوم في عصر انحطاط ثقافي ، لا تقرأ... لا تقرأ... لا تقرأ،
وإذا كانت لا تقرأ، والشعر ثقافة النخبة والصفوة، فأين نكون من الشعر!
ألا تعجبوا معي أن الأمة التي خاطبها الله بكلمة اقرأ ، لا تقرأ!
أما أنا فعجبي لا ينتهي، ولا زلت أبحث عن مخرج!
أخي شريف قاسم إنك شاعر، وشاعر كبير، وأهم من ذلك كله أنك شاعر إسلامي.... وكفاك فخراً )).
إلى الشاعر شريف قاسم :
كتب الشاعر بسام القطيفاتي قصيدة ( من وحي قصيدة دير الزور ) التي كتبها شريف قاسم فقال:
أشريف العشاق أو مصطفاها إن بكى الديرَ أو بكيت لدوما أنـت ثكلى تعين ثكلى وربي فـلك الحمد يا شريف القوافي وسـلام الهوى لأحرار( دير) كيف نرضى بغير جنات ربي نحن في التيه من ثلاثين عاما مـا عفا الرسم يا كريم ولكن أنت من هاج لوعتي وشجاها كـل نـفس تنوح عن ليلاها شـاكـر مهجة أعانت سواها منك قد طاب غرسها وجناها أرسـلته دمشق أو غوطتاها عـوضا عن فراتها و ثراها نحمل الشوق والجوى وهواها لـيس نحني للظالمين الجباها
(إلى فتيان الأترجَّة) :
كتب د. عبد الحكيم الأحمد متحدثاً عن هذا الديوان، فقال :
وصلتني هذه المجموعة عن طريق أخي الأستاذ صالح الشبكة، وهي إحدى المجموعات الشعرية التي تمت طباعتها في الكويت، وقد أهداها شاعرنا الأستاذ / شريف قاسم إلى فتيان الأترجة، حفظة كتاب الله الكريم من بنين وبنات، ويطيب لي أن أنقل هذا الإهداء مباشرة من الصفحة الثالثة من صفحات المجموعة التي جاوزت الستين صفحة، وتضم أكثر من أربعين أنشودة نقلت الكثير ... الكثير من القيم الإسلامية القرآنية، ووضعت هذا الجيل أمام واجباته تجاه كتاب الله، وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، وحيث أهداها الشاعر إلى الفئة التي تناغي الفطرة الصافية من شرائح المجتمع:
إلى الأطفال الأبرياء في مغاني فطرة الله، وهم رؤى فجرنا الوليد، وبراعم الأمل الندية في حقول ربيعنا المنشود .
إلى اليافعين الذين درجوا على مطارف الطهر ، واستقوا من ينابيع الخير الثَّرة ، رغم السراب المحدق بالناشئين .
إلى الشباب الساخر من زينة الحضارة المادية المتهافتة والمتسلطة بالغواية والجبروت على مشاعر الناس ورقابهم، إلى أمل أمتنا الذي لا ينهار أمام انفلات المفاتن الأخاذة، ومكائد الشيطان .
إلى فتيان الأترجة، ورود حقل أمتنا الوارف، حيث نرى فيهم الأفق الأعلى نستسقيه غيثا يحيي الأشواق في مقل المؤمنين .
ويبدو أن شاعرنا جزاه الله خيرا أهدى هذا الديوان إلى إحدى الجمعيات الخيرية ، التي تُعنى بتحفيظ القرآن الكريم باليمن السعيد، وهي جمعية النور الخيرية ، وقد نوَّه الدكتور الشاعر عدنان علي رضا النحوي أمدَّ الله في عمره عن هذا الإهداء في مقدمته الجميلة للديوان . حيث قال : ( كتاب إلى فتيان الأترجة، أول مشروع من مشروعات جمعية النور الخيرية في منطقة بيحان من أرض اليمن السعيد . يحمل عبق الشعر الندي، والنغم الشجي والكلمة الطيبة الطاهرة، وجمعية النور جمعية خيرية إسلامية، نهضت بها أيدٍ كريمةٌ وقلوب مؤمنة، تحمل روح الإسلام، وتمضي على طريقه في ميدان من ميادينه الواسعة ... ) .
ثم يستطرد أخي الدكتور النحوي في تعريف الأترجة، فهي ثمرة طعمها طيب وريحها طيب، وهي الثمرة التي شبَّه بها النبيُّ صلى الله عليه وسلم المؤمن الذي يقرأ القرآن الكريم حيث قال : ( مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة، ريحها طيب وطعمها طيب ... )، ولقد كفاني النحوي عناء الكتابة عن شاعرنا وأخينا شريف قاسم الذي مازال يجول في ميادين الأدب شعراً وقصة ومقالة ومسرحية، إضافة إلى كتاباته الدعوية والفكرية في مجلة البلاغ والمجتمع الكويتيتين ، وفي العديد من الصحف والمجلات داخل سوريا وخارجها منذ أكثر من أربعين سنة ، ولا بد لي أن أُنوِّه إلى أن الصفحات الأخيرة الخيرة من هذا الديوان تحمل أكثر من ثلاثين عنوانا لدواوين شعرية مطبوعة أو مخطوطة أو تحت الطبع ، وكذلك لمجموعات تضم الأناشيد الإسلامية المتنوعة، وبعض الكتب النثرية، ولقد ذكر ذلك الشاعر النحوي في مقدمته فقال : ( شريف قاسم ... داعية مسلم، وشاعر وأديب، عرفته الصحف والمجلات في مدن سوريا والسعودية، والصحف والمجلات الإسلامية على مدى غير قليل من السنين، وعُرف بدواوينه الشعرية التي صدرت، وله دواوين أخرى تحت الطبع ومخطوطة ... ) ويتابع الأديب النحوي حديثه : ( وله مؤلفات في الدعوة الإسلامية، ودراسة أدبية عن الشاعرين محمد منلا غزيل والشابي، وله عدة مجموعات للأطفال والناشئين، تنوَّع عطاء شاعرنا، ولكنه اتخذ في النهج والغاية، والكلمة الطيبة، والروح الوثابة والعزيمة التي تحتفظ بشبابها مع الزمن لا تضعف ولا تشيخ ... ) .
ولقد كفاني مقدم الديوان مرة أخرى ما كنت أعزم عليه من تقديم دراسة موجزة لبعض ملامح شعر شريف قاسم بمناسبة صدور هذا الديوان العاشر كما أعلم فقد تحدث شاعرنا النحوي وهو الجدير بالحديث في هذه الميادين فقال : ( عرفته منابر المساجد خطيباً، والندوات أديباً شاعراً، وتابع نشر المقالات يدافع عن الإسلام الذي آمن به، وملأ نورُه قلبَه، فبذل من أجله البذل الكريم الذي ندعو الله أن يتقبله منه ... ) ويحلو لي أن أنقل بعض المعالم التي أثبتها النحوي في مقدمته : ( وعندما نعيش مع دواوينه الشعرية، وكذلك مع سائر مؤلفاته نجد رقة الإيمان، وخفقة الإحسان، وجميل البيان، في لفظ رقيق، وكلمات متناسقة مترابطة، تبعث النغمة الحلوة لتحمل المعنى المبدع، والصور الجميلة والحركة المؤثرة التي تُدخل إلى النفس إشراقةً وجلاءً . صادق اللهجة، لايتاجر * بالكلمة صاحب رسالة وعقيدة :
صدقتُك الشعرَ مازوَّرتُ قافيةً
وما اتخذتُ معانيه لتسليةٍ
ولستُ أكذبُ فيه مثل مَن كذبا
ولم أُمارِ به الغاوين منتسبا
* وطنه دار الإسلام حيث رفرفت رايةُ التوحيد :
بلادي شعوب المسلمين ورايتي ترفرف بالتوحيد والعز والطهرِ
* ويحن إلى دار الشام حنين المؤمن لدار الإيمان ( ولم يزل الشاعر يعيش في الغربة ) :
أنا الشآم التي كانت معاقلُها
أيامها البيض للدنيا ندىً وشذىً
للمجدِ أُمُّا توشِّي تاجَه وأبا
وظلها أبهجَ العاني بما عذبا
ويبكي غفلة المسلمين :
لستُ أبكي ملاعبي وغناها
فحياتي قصيدة لعلاها
إنما أدمعي لغفلة قومي
وصِباي المسفوح بين الدروب
والقوافي من روحها المنكوب
وشرودي لوهنخم ونحيبي
ومع ذلك فهو يرى النصر يطلع من الأفق :
إنني رغم ظلام دامس
وأحس النصر يسري في دمي
إنها الرؤيا أتت صادقةً
لأرى النورَ خلال السحب
وهو يحيي في الحنايا أربي
ليس من أضغاث حلم مجدب
ويقف الأديب النحوي بعد ذكر هذه المعالم ، ليتناول النماذج الحلوة في ديوان الأترجة ، والحق معه ، فإن دراسة شعر شاعر له عشرات القصائد في كل قضايا الأمة لابد لها من صفحات ، ولا بد لها من شواهد ، ويعود النحوي ليلتقط الأناشيد الواحدة بعد الأخرى في وقفات يعالج فيها قضايا الأمة ، وما أصابها ، وضرورة عودتها إلى كتاب ربها وإلى سنَّة نبيِّها صلى الله عليه وسلم ، وإلى الاهتمام باللغة العربية التي نزل القرآن بأحرفها وجزالتها وسموها ، وقد سمَّى النحوي هذه الثلاثة بالمنهج الرباني، وقد أحسن، وأجاد . وأنا هنا أتابع ما بدأه مقدم الديوان من استمداد الشاعر تصوراته من النهج الإسلامي، حيث ألقى عصاه الشعرية في محيط المقومات الأصيلة للشعر، ونزل إلى واقع المجتمع فرأى عدم الاهتمام بالأطفال خاصة ، فأنكر هذا السلوك ، لأن من شبَّ على شيءٍ شاب عليه كما يُقال . فابتعاث الحس الإسلامي عند الأطفال والناشئة بشكل عام إنما هو تعزيز لإحراز صورة مشرقة لمستقبل الأمة إن شاء الله . يقول الشاعر شريف قاسم :
راموا للعصرِ بمصحفهم
فالعصر ترامى في كدر
وكتاب الله سينقذه
ولهذا نادوا إخوتهم
فبناتٌ فيه وأولادٌ
ذاقوا حلواه وما برحوا
ما يبعدُ لذع الحرمانِ
وفسادٍ مثل الطوفانِ
من وخزِ ثيابِ الأدرانِ
لمقام العز المزدانِ
شبُّوا في حقلِ الإيمانِ
يدعون القاصي والدَّاني
ففي كتاب الله دعوة إلى القيم العالية ، وإلى مكارم الأخلاق، وإلى طلب العلم، ويؤكد هذه القيم نشيد يحمل العنوان التالي : ( قرآني يدعو للقيم ) :
قرآني يدعو للقيمِ
ويحث على الخُلُق الأسنى
( واقرأ ) في أول دعوته
من علم فيه وآدابٍ
والنور بأحرفه يمحو
والأخذ بأسباب الشيمِ
والسعي إلى أعلى القِممِ
فانهلْ ماشئتَ ولا تجمِ
وضياء شعشع في الغسمِ
عتمات الحسرة والألمِ
إنَّ مصاحبة القرآن في الدنيا لهي من أجل الغنائم، فقارئ القرآن مع الأبرار، ويلبسه الله تاج الوقار، ويشفع لأهله، ويروي الحنين الأزلي في أعماق روحه للحقيقة، فيزداد الإيمان يقول شاعرنا في نشيد آخر :
ماضعتُ فنورُك يهديني
آيات المصحف ترشدني
كم جئت وبي ظمأ يشوي
أهفو للنبع وأنهل من
أتلو آيًا وأكررها
وتقول لآيات أخرى
ولطائف برِّك تغنيني
لدروب الخير وتدعوني
شريان فؤادي المحزونِ
سلسالٍ ثرٍّ يرويني
وأحسُّ الروح تناديني
زيدي من هديِك زيديني
وهذه تذكرة بما في ليلة القدر من ثواب وخير وفتح :
هي خيرُ ليالي العام فقم
الليلة جلاَّها الباري
وحبا بالفضل مطالعها
تتنزل فيها أفواجا
ومن الرحمات بلا عدٍّ
كي تغرفَ من بحرٍ ثرِّ
بالنُّور السَّاطعِ والقَدْرِ
من أولها حتى الفجرِ
للأرض ملائكةُ البِشرِ
ومن الغفران بلا حصرِ
وهذه دعوة للتبرع في سبيل إقامة حلقات التحفيظ، وعمارة بيوت الله،
فتعالَ أخي لتساعدَنا
ونعلم أبناءَ الفصحى
ولنْحملْ خيرَ الإيمانِ
آيات الله الرحمن
أجل ... إنه التبرع بالمال، وبالعمل، وبالمؤازرة فكلها خير، يقول شاعرنا :
بالمال وبالعمل المجدي
فالدعوة فينا قد نادت
أَوَمَا ترضى أن تبعثَ في
فعليك لأهلِ الله أخي
سنعيدُ شموخ البنيانِ
بكتــــــــــــــاب الله الدَّيَّانِ
الجنَّاتِ ذوات الأفنانِ !!
حقٌّ يُعطَى للفتيانِ
من أعظم الشر مصاحبة الأشرار ، الذين لاهمَّ لهم سوى البحث عن الرذائل والمفاسد وهذا ما هو واقع في مجتمعاتنا ، فرفاق السوء شرُّ مستطير ، وضياع وهلاك ، ولذلك جاءت دعوة الشاعر للتآخي على نور كتاب الله ، وفي ذلك الفخر والفوز والنجاح
هاك يا صاحبُ أحلى خبرِ
نحن بالقرآن قد أكرمنا
وانطلقنا للمعالي موكبًا
ونؤدِّي واجـــــــــــــــــــــــبًا نؤثره
وتآخينا على قـــــــــــــــــــــــرآننا
وامشِ ما شئتَ به وافتخرِ
ربُّنا الأعلى بدنيا البــــــــــــــــــــــــشرِ
نستقي النورَ و وحيَ السُّورِ
لإله راحم مقتـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــدرِ
مذ نشأنا في صِبانا النَّضرِ
لهذا الشعر، ولهذه القيم، نكهة خاصة تنقل النفس إلى أفياء النبوة، وإلى دواوين السمو والارتقاء بالنفس البشرية ، وتثير في الأمة جذى الحنين إلى أيام العزة بالله، وإلى تخطِّي النكبات والأزمات التي تعيشها الأمة اليوم، تأتي هذه النسمات في نشيد ( في وجه الفتيان ):
سيعيد الدعـــــــــــــــــــــــــــــــوة فتيان
فشباب المصحف قد ساروا
وخطاهم أضــــــــــــــحت عنوانا
والأمةُ بشَّت وابتهجت
لندائك لبُّـــــــــــــــــــوا أُمتَنا
بالنهجِ الحــــــــــق لرفعتنا
حــــــــلو المعنى لحضارتنا
بجنى القرآن لفتيتنا
وفي نشيد آخر :
يا أمتنا جئنا نحـــــــــــــــــــــــدو
وسنبقى ما عشنا جندا
سنصون العهد بنشأتنا
ولأجلِ علاك تفانينا
فلدرب الخير تنادينا
فعلى الأهواء تعالينا
أعتقد أن قراءة هذه المجموعة من الأناشيد ماهي إلا سياحة، يحاكي فيها قارئها العديد من القيم، ويزور الكثير من الأماكن، ويرتقي من خلالها إلى آفاق الملأ الأعلى . فحسن النية وصفاء الطوية والشوق إلى الله، والإنفاق في سبيله، والوقوف مع الأيتام، وعمارة المساجد على الوجهين عبادة وبناء، ومضاعفة الثواب، ونزولك في دار البعثة ثم الهجرة مرورا بغار حراء ... إلى آخر الرحلة الممتعة، وصدق مَن قال : إن للأدب الإسلامي سلطانه على القلوب والمشاعر .طوبى للشاعر شريف قاسم المغمور لزهده بالشهرة وأهلها، الشامخ بقوة تدفق هذا النبع الفياض في شعره ونثره، طوبى له مترفعا في زمن الشلل والمنافع المتبادلة عن الدنايا في سوق المزايدات التي يستنكرها مَن ابتغوا وجه الله والدار الآخرة . واعتقاده وأمثاله من الشعراء الإسلامين بأن ما عند الله هو خير وأبقى أبقاهم قريبين من شعوبهم، صادقين مع أنفسهم . فهم الذين يمتلكون مقومات النهضة الحقيقية، وفي أدبهم شعراً أو نثراً دعوات جادة صادقة إلى الإصلاح الاجتماعي، ولعلي أختم هذه الأسطر بالمقطع الأخير من آخر الأنشودة الأخيرة لهذه المجموعة ( فيه ذكركم ) :
فالمنهج وحيٌ من ربي
ونجاة الخلق بما فيه
وزمان الناس به محن
والناس بشرق أو غرب
أخذتهم كفّ مآسيهم
وتشاهد أعينَهم ترنو
ونجاة الخلق بقرآني
والفوز ، وليس كخسرانِ
والمخرج كان بفرقاني
حاروا بمناهج عبدانِ
بثبور شطر الأحزانِ
للمنقذ خلف القضبانِ
شعر شريف حاج قاسم : دراسة موضوعية .
تناول الشاعر الإسلامي الكبير (شريف حاج قاسم ) في شعره عدة موضوعات : كالرثاء، والمديح، والفخر، والهجاء، وتحدث عن الإنسان، والوطن، والحرية، والحق، والعدالة، وانتقد الحضارة الغربية ، وقارن بينها وبين الحضارة الإسلام، ويجد الناقد المتعمق في شعره البعد الوطني، والقومي، والإسلامي، والإنساني ، فهو داعية وحدة ، يريدها تجمع، ولا تفرق، توحد ولا تبدد ، ولكنه يركز على التوحيد قبل الوحدة، فهل تأذن لي أيها الشاعر الكبير والأخ المفضال أن أتناول شعرك بالدراسة الموضوعية ثم الفنية ، فها أنا أقطف من كل بستان زهرة لأصنع باقة من الورد أضعها صوى على الطريق لعلها تكون معالماً في طريق الحق والهداية والخير والجمال يستنير بها جيلنا وأبناؤنا ....
إنا أنزلناه قرآناً عربياً :
لغتنا العربية الفصحى، لغة النبيِّ صلى الله عليه وسلم، لغة نبيِّ اللهِ إسماعيل عليه السلام، لغة القرآن الكريم ، لغة الفتح والمجد والسؤدد ، لغة العلوم والمعارف ، لغة أهل الجنة يوم الخلود ... طوبى لمَن آثرها، وعرف قدرها، وتبًّا وتعسًا لمن عاداها، وآثرَ غيرَها عليها، يقول الشاعر شريف قاسم مبيناً عظمة لغة القرآن وأسرارها:
بـلاغـةُ إسـمـاعـيـلَ لـم يَـخْبُ وهْجُها ولـيـس لـهـا فـي الـعـالـمـين مماثلُ
عـلـيـه ســــــــــــــــــــلامُ الَّـلـهِ ضـمَّـتْـه مـكَّةٌ فـعـاشَ هُـداهـا تـجـتـبـيـه الشَّمائلُ
وآثـرهـا فـصـحـى ، يـردِّدُهـا الـمدى ولـمـ يَـنْءَ عـنـهـا فـي الـبريَّةِ عاقلُ
واللغة العربية الفصحى هي لغة إسماعيل - عليه السلام -، وراح ينطق بها كرام الناس، ويدافعون عن حماها في مواجهة ثلّة من الرعاع السفلة، الذين لغة تجاهلوا لغة الآباء والأجداد، وانسلخوا من قيم العروبة :
جـنـى أحـرفِ الـضَّـادِ الـظليلُ ولم يزلْ نــدِيًّـا حـوالـيـه الـكـرامُ الأفـاضـلُ
يــذودون عــنــه فــي عــــــــــــــــــــــــــراكِ أذلَّـةٍ قَـلَـوا مـجـدَهـم، بـئسَ الرعاعُ الأسافلُ
تـجـرَّدَ داعـيـهـم مـن الـفضلِ والعلى يـقـلِّـبُـه هـذا الـعـمـى والـعواملُ
وهذه القصيدة تحاكي قصيدة شاعر النيل حافظ إبراهيم العربية تعاتب أبناءها، والتي يقول فيها :
أنا البحر في أحشائه الدرُّ كامنٌ فهل سألوا الغوّاص عن صدفاتي
فيا ويحكم أبلى وتبلى محاسني وفيكم – وإن عزَّ الدواءُ – أساتي
ويجري شريف قاسم في قصيدته على ذلك المنوال، ويتحدث على لسان اللغة العربية ، فيقول :
وتـسـألُـنـي : مـا بـالُ قـومي تجاهلوا عـلايَ وفـي أحـنـائـيَ الـعـزُّ ماثلُ
وبـيـنَ سـنـى أسـفـارِ إرثـي ورفـعتي مـطـافٌ بـه يـحـدو الأبـاةُ البواسلُ
فـأبـلـغْـتُـهـا مـا فـي فؤادي من الأسى عـلـيـهـا، وكـم قـد سـاءَ قلبي التَّجاهُلُ
وجـئـتُ عـزيـزًا نـحـوهـا غـيرَ آبهٍ بـمـا فـعـلـتْـهُ بـالـتُّـراثِ الفعائلُ
وسخر الشاعر شريف حاج قاسم حياته، ونذر عمره للدفاع عن حمى لغة القرآن، فقال :
فـهـذا بـيـانـي لـم يـزلْ دون عرضِها يـذودُ، وإنِّـي عـن بـهـاهـا أُنـاضـلُ
ألـيـسَ بـهـا الـقـرآنُ جـاءَ مُـنَـجَّـمًا مـــــــــــــن الَّـلـهِ فـيـه وحـيُـه والـدَّلائـلُ
وآيــاتُ ربِّـي لا يُـحـاطُ بـعـلـمِـهـا وقـد حـمـلـتْـهـا بـالـسُّـمُوِّ الفواصلُ
وقـد أذعـنَ الـكـفَّـارُ يـومَ تـنـزَّلـتْ بــلاغــــــــــــــــةَ قـولٍ لا يُـدانـيـه قـائـلُ
إلـى حـرفِـهـا تُـنـمَـى فـرائـدُ حُلوةٌ وأجـمـلُ مـا فـي الـمـفـرداتِ الـتَّفاضُلُ
هُـوِيَّـةُ أهـلِ الـمـجـدِ مـا راقَ غـيرُها لـهـم أبـدًا، والـعـيـبُ هـذا الـتَّنازُلُ
ألا نـرتـضـيـه مـنـحـةً مــــــــــــــــن إلـهِـنا لـسـانًـا فـصـيـحًـا أكـرمـته المحافلُ
نـعـيـدُ بـه لـلـعـلـمِ زهـــــــــــــــــــــــــــــوَ ثـرائِـه ويـدركُـنـا بـالـجِـدِّ هـذا الـتَّـفـاؤُلُ
هُـزمـنـا بـمـيـدان الـتَّخصُّصَ وانثنتْ عـزائـمُـنـا، والـعـصرُ للضَّعفِ خاذلُ
ولـم تُـهـزمِ الـفـصـحـى، ولكنَّ أهلَها أمـامَ طـواغـيـتِ الـغـزاةِ تـخـاذلـوا
فـهـانـوا، وهـانـتْ عـنـدهم لغةُ الهدى وبـالـلـغـةِ الأخـرى تـراهـم تعاملوا
وليس صحيحاً أن اللغة العربية لا تناسب العصر، ولا تتسع لعلوم الحضارة المعاصرة، ولولا تقصير أبنائها لكانت لغة العالم الحضارية والصناعية والأدبية....
الأصالة :
وينادي الشاعر شريف قاسم بابتعاث الأصالة في الإنسان المسلم ، بإحياء دوره الحضاري الذي عرف به في التاريخ ، هذه إحدى قصائده التي يجلو فيها دور الأمة المسلمة ورسالة نبيها التي لم تزل غضة ذات أدواح وأطياب :
لم تزل في الوجود دوحتك الطــهرُ ظـــــــــــــــــــــــلالاً تمدُّ بالأطياب ِ
خلّدتها عناية الله فامتــدت بأعمــــــــــــــــــاق دورة الأحقـــــــــــــــــــــــــــاب
لم يمت غصنها الندي ولم يذبلْ علاها الشموخُ في الإنجاب ِ
إنها دعوة النبي وآيات معــــــاني نهــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاره المستطاب ِ – حضارة الإسلام : س 20 ، ع 1 ، ربيع الأول 1399هـ ، ص 98 .
وفي النشيد التالي يبسط شكاته وأمله من البلد الحرام حيث شعت أنوار الإسلام وازدلف الحجيج منادياً يبعث الإنسان المسلم بعزته وعقيدته وشرعته يقول فيه :
أنا مسلم صوتي من البلد الحرام ِ يعود رفدا
وأحسّ أن أوانه في الأرض جاء صداه وعدا
يا صيحة الإيمان تنهض بالحيارى ليس تهدا
ردّي على الشعب العظيم عزيمةَ الأبرار بردا
وتوقدي ألقاً يذيبُ الوهنَ إن الوهنَ أكدى
يا ربّ أنت رجاؤنا فامنح بني الإسلام سعدا – ديوان صدى وذكرى : نقلاً عن الإنسان في الأدب الإسلامي : ص 27 .
مخاطر التغريب :
إن الشاعر شريف قاسم يحذّر من تجربة التغريب مبصراً بالعاقبة :
لا تظنوا الخلاص عند َ الأعادي فسموم الأعداء ِ في الأنياب ِ
قد طرقنا الأبواب شرقاً وغرباً واستجــــــــــــــــــرنا جهالة بالذئاب ِ
ورجعنا بأدمع ٍ ..وجــــــــــــــــــــــــراح ٍ داميات ٍمن غدر ظفرٍ وناب ِ
ليس غيرُ القرآن ينقذ ُ قوماً من وهاد ِ الشقاء والأوصاب ِ
أو غير َ النبي نطلب ُ للخيــــــر إذا أضـــــــــرمت شرور المصاب ِ – حضارة الإسلام : س 20 ، ع 1 ( ربيع الأول 1399 هـ / شباط 1979 م ) – ص 96 .
بين الأصالة والتغريب :
هذا العالم المختار الذي يعيش في أفيائه الشاعر، ويتنفس شعره في ظلال دوحه، تتوالد منه وترفده آفاق رفيعة مواكبة، تساقيه وتغنيه، في مقدمتها أفق الأصالة، واستشعار خطر التغريب على الأمة المسلمة، لذا ينادي أن لا حياة للمسلمين إلا بالإسلام، ففيه عزتهم ووجودهم . وفي هجره ضياعهم وتمزقهم :
مذ هجرنا قرآننا مزقتنا فتن الحاقدين في الأمصار
وأخذنا من كل فجٍّ ودرب ٍ بسنان الغــــــــــــــــازين والأفكار
وقضينا على الخلافة سفهاً فتهاوى كيـــاننا لانحســـــــــــــــــار ِ
نقد الحضارة الغربية :
إنها حضارة ممقوتة غير محببة إلى النفوس، تقوم على الظلم، وهضم الحقوق، والخداع ، يقول الشاعر :
الحقدُ – بئس الحــــــــــــاقدون – تلحفا بحضـــــــــــــــــــــــــــــــــــــارة ممقوتة ٍ لن تُؤلفا
أركانها : الظــــــــــــــــلم البغيض، وما أتى في الغزو من سلبَ الحقوق وأسرفا
قالوا : التقدم . قلتُ : صيحةُ ماكرٍ ركبَ الخــــــــــــــــــــــــــــديعةَ كاذباً ومُزيفا
ويشنُّ الشاعر حملة على الغرب ويفضح مكائده عبر العصور، ويصوّر أخلاقه التي تقوم على المكر، والخيانة ..
والغرب مـــــــــــا انفكت مكائده التي يأتي بها ثــــــــــــــــــــــــوب الرّقي مُفوَّفاً
تعس الفرنجةُ كذّبتهم خــــــــــــــــــــــــــــــسّةٌ فيهم، تسلُّ الحقدَ عنهم ما انتفى
ولكم اساؤوا ، واعتدوا، وإلى الخنا والمــــــــــــــــــــــوبقاتُ كبيرهم قد أوجفا
المكرُ لعبتهم، فمــــــــــــــــــا حفظوا لنا عهداً ، وأفضلهم أســــــــاءَ تصرّفا
ويوم أقدمت دول الغرب على منع المآذن، لكي لا يسمع الناس كلمة التوحيد، ونحن في بلاد المسلمين نسمع أجراس الكنائس صباح مساء :
حتى المآذن !! ويحكم ما بالكم تتمــــــــــــــــــــــرغون دناءة وتخــــــــــــــلفا
وتعاقرون البغي في غـــــــــــــــــــــــلوائكم وكأنه أمــــــــــــــسى لديكم قرقفا !!
بمقدسات الناس عاثَ صغيركم وكبيركم أحيا الصبابة مــــــــــــــدنفا
تباً لكم تباً لزيف حضـــــــــــــــــــــــــــــارة ٍ هي للدمار وللفناء على شفا
هذي كنائسكم يدنــــــــــــــــدن بيننا ناقوســــــــــــــــــــــــها برنينه ما عُنفا
حضارة قامت على الزور والبهتان والخداع، وشعارات العولمة الفارغة، التي تنضح بالشرور والآثام والموبقات :
وإنه الزورُ في ( كالوس) خدعتهم كلعبة الأمــــــم العظمى يُمنينا
شتّانَ بين زمـــــــــــــــان كان مبتسماً بهدي إسلامنا والناسُ راضونا
وبين عـــــــــــــــــــــــــــولمة ٍ بالشرّ مطبقة ٍ على الخلائق سامتهم أحايينا
ويعيب الشاعر شريف حاج قاسم على أوربا الكيل بمكيالين، فهي تعقد مؤتمر مكافحة العنصرية، وتدعم العنصرية في إسرائيل :
تبـــــــــــاً لأوربا فموقفـــــــــــــــــــــــــــــــها التوى وطوتْ أمــــــــــــــانينا هناك قيودها
مكيالها ما كان يومـــــــــــــــــــــــاً منصفاً والعنصريةُ نارُهــــــــــــــــــــــــــا وجـــــــــــليدها
إذ حاولتْ في (برفنٍ) صنعَ الرؤى برقيق وشي حيثُ عثَّ جديدها
فأتتْ لمؤتمر الجنــــــــــــــــــــــــوب تشينهُ مــــــــــن حيثُ أدأبَه الوعيدُ وعيدُها
تبتْ يداها مـــــــــــع يديْ واشنطن ٍ فالمخلبُ الدامي البغيضُ رصيدها
والأفعوانُ وليس يخفى نــــــــــــــــــــــابُه والسمُّ فــــــــــــــاضَ به الوريدُ وريدها
والحكمُ في غابِ الولايات التي فيها أســــــــــــــــــــاودها جناه يهودُها
والأعداء لم يعرفوا أدب الحضارة، بل هم أعداء الإنسانية والحضارة :
لم يعرفوا أدب الحضارة إنهم أعـــــــــــــــــــــــــــــــداؤها وذئابها وعبيدُها
إذ مازجوها بالسّفاهة والِقلى فكبتْ، وقد حرمَ العبادَ رغيدُها
وهذه الحضارة الغربية بعثتْ قيم الجاهليّة والعنصرية :
الجاهليّة عشعشتْ في عالم ٍ ســــــــاقتْه نحو الموبقات قرودها
والعنصرية للعتاة ِ بضاعةٌ مردودةٌ، وإلى التبار حشودها
فهو يرى أن هذه الحضارة ستؤول إلى الهلاك والدمار، وسوف يكون مصيرها مصير عادٍ وثمود ..ويفضح مكر القوى العظمى وكيدها بالأمة، وتلاعبها بمستقبل الشعوب، فيقول :
فالعدوّ اللدودُ يذبحُ قومي بمُدى كلِّ حاقد ٍ مــــــــــــــــرتاب ِ
والقوى العظمى مكرُها ما توانى بين نارِ التهديد والإرهاب ِ
إنما شأنها مَهينٌ إذا مــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا ركلتها شـــــــــــــــــريعة ُ الوهّاب ِ
فهذه القوى العظمى شأنها حقير وعمرها قصير، وسوف تطؤها أقدامُ الفاتحين المسلمين عما قريب، أما الغزاة عبر العصور فلن يجنوا سوى الخيبة :
ويرتدُّ الغزاةُ بكلِّ قرنٍ بخيبتهم، ويركلهم خبالُ
ويعري الحداثة ويعجب من تهافت أبناء المسلمين عليها :
فهل في هجمة التغريب وجهٌ له إنْ جــــــــــدّتِ البلوى نِزالُ !!
تهافتَ من بني قومي أناسٌ على زيف الحداثةِ حيث مالوا
ويرى الشاعر شريف حاج قاسم في التقدمية داء وبيلاً، وشرّاً مستطيراً ؛ لأنها رداء فضفاض يرتديه الطغاة والمجرمون :
ونرى في التقدميّة شرّاً إن تلوّى بثوبها الكفرانُ
قم ترَ العالمَ الفسيح برعبٍ وبه البؤسُ عجَّ والأضغانُ
جانبَ الفطرةَ الطغاةُ فضاقتْ ببنيها الأيامُ والأوطانُ
وينبه الغافلين إلى أن الخلاص ليس في أمريكا أو اليهود أو الروس وإنما هو عندنا :
وما أمريكا عندها الحلُّ إنهــــــــــــــــــا وأبناءُ أحفاد القرود تكالبوا
وليس لنا في الغرب بارقُ نصرة ٍ ولا عندَ دبّ الملحدين ترقّبُ
تهافت الحضارة الغربية :
ويحاور شريف قاسم صديقه الذي راح ينصحه بعدم التشبث بالقديم، فيقول مبيناً ولعه بالقديم، ويفضح الحضارة الغربية المقيتة التي تشبه العجوز الشمطاء :
أطفئـا لفـــــــــــــح عاصـفِ الأنـوار بين جنبـيّ مـن فجـاج الفخـار
واسقيانـي من غامـر المجـــــد إني لَشَـغـوفٌ بـأصْـدَقِ الأخْـبـــــــــــارِ
قيـل : ما زلت بالقديـم ولوعـاً وبحــــــــــــــــــدو الـوجنـاء والـتـذكـار
وتـرد الحضـارة اليوم تُقصـي حلّتيهـا : مــــــــــــن زينـة ويـسـار
قلتُ : تاه الملاحُ في بحر كـربٍ بين ما فـي شطـآنـه من وقـار
جـاء بالحمل ، وانتضى سيـف بغـيٍ فـوق صهوات شـرّه المستطـار
وحبـا الناس بالفواجـع بؤسـاً حيـث أصمـاهمـو بتيـهٍ عـارِ
لا تغّرنَّـك الحضـارة ألـقــتْ مـا عليهـا من متعـة و ازدهـار
وتعرّت مـن الفضائـل شمطـاء تـثـنّـت بـمـســرح الأوزار
وبسـوق الأهـواء بـايعهـا الشيطـ ـان فاستسلمـت لأيـدي الدسـارِ
إن حكماً لا يجلب الـخيـر للإنـ ســان قـانونـه لغيـر قـرار
الحضارة الإسلامية :
ولا مجال للمقارنة بين حضارة قامت على القيم المادية، وحوّلت الإنسان إلى آلة، وبين حضارة الإسلام التي قامت على الجمع بين المادة والروح، ويبشر شريف قاسم بعودة الحضارة الإسلامية، وسوف يتولى قيادة العالم الخلافة الراشدة التي تأتمرُ بأمر الله :
إنا لننتظر الحقائق أســــــــــــــــــــــــفرتْ جــــــــــــهراً ليرحلَ بهرجُ الجهلاءِ
وتعودَ للناس الحضارةُ : وجهها حــــــــــــــلوٌ بأيدي منهج الحنفاءِ
وقيادة ٌ نهجُ الخلافة نهجـــــــــــــــــها جاءتْ لأجل فضيلة ٍ وعلاءِ
لبّتْ نداءَ الله في غــــــــــــــــــــــــــــدواتها إذ لا مــــــــــــــــراءَ بدعوة الرحماءِ
تلوي يدَ استعلاء كلّ مخــــــــــاتل أعماهُ كبراً زخرفُ الزعماء ِ!!
قد عاشَ يستجدي مفاهيم العلى مــــــــــــن زيف أوربا بغير حياءِ
ولقد أقام الرسول – صلى الله عليه وسلم – صرح الحضارة بعقيدة التوحيد، فصارت منارة خير وهدى للعالم :
فأقام بالتوحيد صرح َ حضارة ٍ ملأت بلادَ المسلمين فخارا
ومجّد الشاعر أولئك النفر الأطهار من سلف هذه الأمة الذين نشروا لواء الحضارة في الشرق والغرب :
الناشرون على الدنيا حضارتهم فشمسها عن رحاب الأرض لم تغب ِ
الحاملون لواءَ الحقِّ يرمقهم أهلُ المآسي لصبح ٍ مشـــــــــــــــــرق ٍ شنب ِ
وأشاد بالحضارة الإسلامية التي عطّرت الوجود بشذاها وعبق رحيقها النديّ :
تلألأ في صدر الزمانِ حضارة ً سمـــــــــــــــــا عصرُها مجداً نديّاً معطّرا
شهودُ مغانيها ، وإن قلَّ ذكرهم نراهم على عرش المفاخر حُضّرا
الإنسان خليفة الله :
إن الإنسان المسلم مستخلف عن الله في الأرض، وإن الأمة المسلمة موكولة بمهمة الاستخلاف هذه بتأدية أمانة الله في الأرض وتبليغ رسالته وإعلاء كلمته وجهاد أعدائه حتى يكون الدين كله لله . ولعل كل غيور على الإسلام لا ينسى هذه الحقيقة، ويستنهض المسلمين كافة لأداء هذه الأمانة المقدسة بكل سبيل، هذا شريف قاسم يوجه إلى شباب المسلمين قصيدة يستنهض عزائمهم لريادة البشرية من جديد بشريعة الرحمن وهدى القرآن :
فأين عزيمة ُ الإيمان يمضي على صهواتها الجيلُ الرشيد ُ ؟
وأين شريعة الرحمن يحــــــــــــــــــــــيا بنور صباحها الركب ُ العتيد ُ ؟
وأبصر ُ أمة الإسلام تسعى فتخضرُّ المرابع والنـــــــــــــــــــــــجود ُ
فيا أمل النهوض ..أيا شباباً بكم تزهو وتزدهــــــــــــــرُ العهود ُ
فقودوا أنفساً لهدى المثاني يزيّن بالعـــــــــــــــلا الهفاف جيدُ – الإنسان في الأدب الإسلامي : ص 42 .
ويجد شريف قاسم في ازدلاف المسلمين حول البيت الحرام، منطلق الرسالة والنبوة والوحي، ما يبعث على الثقة بمستقبل الإنسان المسلم والأمة المسلمة وأصالتهما فيقول :
- بمكة لم يطفأ سراجُ هداية ٍ وذي أمم ٌ بالبيت تسعى وترمق ُ
- وإيماءةُ الوحي الأمين تلفُّتٌ على المسلم اللهفان يحنو ويغدقُ
- وفي الدرب آثارُ النبوة نفحةٌ تهلُّ على المغنى الوريف وتنشق ُ – مجلة الدعوة ( السعودية ) : ع 744 ، عام 1400 هـ ، ص 38 .
ويدعم الشاعر ثقته بنظرة مستقبلية يرى من خلالها بعثاً لإنساننا المسلم من جديد ، تتملاه العين، ويحياه الفؤاد :
- لا تقل غـــــــــــــــــــاب فجرنا الرباني في دياجي الخطوب والأشجان ِ
- وانطفت شعلة ُ الجهاد وغامتْ في سمــــــــــــــــــــــــــــــانا عـــــــــــــــزائم الإيمان ِ
- أو كبا الفارس العنيد مــــــــــــــــــــــــــدمّى وتخلّى عن حـــــــــــــــــــــــــــومة الميدان ِ
- من فجاج الصحراء أصغي لصوت ٍ أزليٍّ يمــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوج في وجداني
- عربدات الهوان ذوبي فهــــــــــــــــــــــــــذي صــــــــــــــــرخات انبعاثنا الرباني
- دفقة البيد موجةٌ مــــــــــــــــــــن غيوب ٍ حملـــــــــــــــــــــــــــــتها كتائب الرحمن
- وهي اليوم في ضمــــــــــــــــــائرنا الحرّ ى نشيدٌ يثير روح المعاني
- هو وهج الأقدار في الأضلع الظّمأ ى وروح الفداء والعنفوان ِ
- ونداءُ الخلود من جنة الخلـــــــــد وصــــــــــــــــــــــــــوت البطـــــــــــــولة الرنّان ِ – المجتمع ( الكويت ) : ع 567 ( عام 1402 هـ / 1982 م ) – قصيدة من فجاج الصحراء ، ص 57 .
-شعائر الإسلام :
وتأتي الشهادتان في مقدمة الشعائر وأركان الإسلام، معلنة التوحيد الخالص والتجرد من كل عبودية إلا لله وحده ..والشهادتان رمز التوحيد الذي يتجاوب في أرجاء المعمورة رمزاً للإسلام والمسلمين يقول شريف قاسم :
- الله أكــــــــــــــبر قضّنا وقضيضنا وشعار موكبنا ..وطهرُ لبانه
- تفنى الشعارات الدخيلة إنما هذا الشعار ..الخلد من ألوانه – الإنسان في الأدب الإسلامي : ص 356 .
-الروح الإنسانية :
-يقول شريف قاسم مجلياً دور أمة الإسلام في التعامل الإنساني الذي امتلك القلوب :
- يا أمتي ..سدتِ البريّة بالتقى لما نشأتِ على الرّضا وعطاه
- وملكتِ بالإسلام أفئدة الورى والكون مــــــــــــلك يمينه وقـــــــــــواه
- والظلم هدّمه الهدى وأباده والبغي ذاب على رفيف سناهُ
- ومشتْ على الدنيا سعادةُ ديننا فلها قطــــــــــــــوف نعيمه وجناه – الإنسان في الأدب الإسلامي : ص 405 .
-ابتعاث دور المسلم في العالم :
-وتثير حميّا الابتعاث شريف قاسم، فإذا بالبطولات الإسلامية رجع النداء، وملء السمع والبصر في رؤيا شاعر :
- فأين البطولات التي قد تسعّرت فما وهنتْ عزماً ولا أخّرت رجلا ؟
- وأين صدى التكبير يجتاح ما عتا ويملي على الأرض الكرامة والفضلا ؟
- وأين الحماةُ الصيد من أمة الهدى يعيدون للدنيا الصباح الذي ولّى ؟
- أراهم بروحي قــــــــــــــــــــــادمين كأنهـم تدفق سيلٍ في المدى يدفع السيلا
- أنت من بطون الغيب لاهبة َ الظُّبا كتائب للرحمـــــــــــــــــــــن تقتحم الهولا
- تردَّ جماح المعتـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــدين أبيّة ً وتلوي يد الطغيان والغدر والختلا
- وتسمع أذن َ الدهر تكبير أمّة ٍ وتروي بأحداث الوجود لها فصلا – حضارة الإسلام : س 20 ، ع 2 ( ربيع الآخر 1399 هـ / آذار 1979 ) – ص 75 .
-انتشار الإسلام في أقطار المعمورة :
ويصور لنا شريف قاسم رسالة الإنسان المسلم الحضارية ترفُّ بها راياته في العالم فتظلُّ بقاعه بالعلم والهدى :
- ورفّت على الأمصار راياتُ فتحنا ففي الصين مرماها وفي الهند تخفق ُ
- وأندلس الخضراء تدنو قطوفــــــــــــــــها فعاش عليها العرب ، والغرب مملق ُ
- محقنا دياجير الشعـــــــــــــــــــوب فديننا نهارٌ على ليل الممـــــــــــــــــــالك مشرق ُ
- به قد ملكنا الأرض شرقاً ومغرباً وجــــــــــــــــــــــــــذوته رغم الدجى تتألق ُ
- أروني مدى الأيام عهداً معطّراً بغير شذى الإسلام يهمي ويعبق ُ – الدعوة ( السعودية ) : ع 744 ( جمادى الأولى 1400 هـ ) – ص 38 .
-ويحدثنا شريف قاسم بلسان حال الداعية المسلم، يدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، حتى إذا صدّ عن دعوته، وأوذي في دينه كان أسداً ..
- نسجنا طريق الحقّ بالحبّ والوفا وبين أيادينا الوثيق مــــن العلم ِ
- نعيش زنحيي بالهــــــــــدى كلَّ ميِّت ولم نكترث بالقيد يلهب والذمِّ
- فمن يسمع الذّكرى يقمْ لجلالها ويترك حياة الزيف للصمّ والبكم ِ
- وما خلق الديّانُ مثل قــــــــــــــــــــــلوبنا تحبُّ المنايا ليس تصغي إلى لوم ِ
- ففي الله ما نلقى ، ولله إن رمتْ عزيمتنا الكفر المعــــــــــــــــربد بالسهم ِ- مجلة اقرأ ( السعودية ) : ع 234 ( رمضان 1399 هـ / آب 1979 م ) ، قصيدة قدر .
موقف الإسلام من الطغيان والعدوان :
وعلى هذا الطريق من امتطاء الفداء طريقاً إلى السلام يقول شريف قاسم :
- قم يا أخي وانزع ثيا ب الوهن في دنيا الخراب ِ
- وارجعْ بصورتك الأصيلـــــــــة في الجبال وفي الهضاب
- قدراً بميدان الصّرو ف يصول كالأسد الغضاب
- فالسلم يصنعه الفدا والتضحيات من الشباب ِ – مجلة اقرأ : ع 196 ( ذو القعدة 1398 هـ / تشرين الثاني 1978 م ) .
وتلوح صورة التناقض بين قدسية فلسطين، الأرض الطهور، وعبث اليهود بها واستبدادهم بأرضها بين تهاون المتهاونين وخذلان المتخاذلين، لذا ينطلق صوت الشاعر شريف قاسم مهيباً في رباعياته إلى إذابة هذا التناقض بإيجابيات الجهاد، ويطرح الحل الإسلامي لتحرير فلسطين، يقول في إحداها :
- نحن لم نلق سيفنا – لا وربي - أو تنام الجراح عبر الصدور ِ
- نحن للثأر في فلســــــــــــطين جئنا بل خلقنا مع الجهاد المرير
- وسيوف الإسلام تنتزع الفجر انتزاعاً من أضلع الديجور – مجلة اقرأ : ع 408 ( 27 / 4 / 1403 هـ ) .
وقد عرض الشاعر شريف قاسم هذا الأفق في عدد من قصائده التي يتراءى له فيها عون الله ورعايته في كل محنة، كما يجد في الابتلاء اصطفاء وتمييزاً لأفق المؤمن وطريقاً إلى الجنة :
- والرزة عنوان اصـــــــــــــطفاء طيبٌ للمســــــــلم المشدود بالإيمان
- وأشدّ أهل الأرض بلوى صفوة ٌ مختارة مـــــــــــــن عالم الإنسان
- من أنبياء ومصطفين وكلّ من سلك الطريق الطاهر الرباني
- فاصبر فما من شوكة يؤذى بها جسد نما بطهارة الوجدان ِ
- إلا أثيب بها منـــــــــــــــــــــــــــــازلَ جنة هفـــــــــهافة بالروح والريحان ِ – الإنسان في الأدب الإسلامي : ص 458 .
يقول شريف قاسم يجلو هذه القيمة التي تعطف قلوب الناس بالخير والحب :
- كن جناحاً طاهرَ اللمح على قمم الخير وأدواح العطاءْ
- تحمل الرحمة للناس كما تحمل السحبُ إلى الأفق ماء ْ – اقرأ : ع 315 ( 1401هـ / 1981 م ) ، قصيدة من وحي الأيام ، ص 42 .
وقد بسط شريف قاسم ميزان القيم الإسلامية في حجب الأذى موضحاً عاقبة من يخل بميزاتها حيث يقول :
- فساد المرء قــــــــــــــــــاتله فلا يحزنك عاجله
- ومن طالت جنايته فإن الله ســــــــــــــــــــــائله
- فلا بالفضل تبصره ولا بالجـــــــود تأمله
- وغير الخزي لا يلقى مدى الأيام فاعله
- فخار المرء عزته بربّ عزَّ سائله
- وتقوى الله ثروته من الدنيا وحاصله
- إذا ما عشت ذا فضل وخلق أنت حامله
- فدمْ بالخير سبّاقاً فخير البرّ عاجله
- وعند الله لا تخزى ولن ينساك نائله
- حديثك وليكن صدقاً فوجه القول قائله – اقرأ ( السعودية ) : ع 304 ( 1401 هـ / 1981 م ) ، ص 33 .
-موقف الإنسان الجمالي :
إن ألوان هذا اللقاء الجمالي متسعة اتساع مشاهد الوجود وقيمه، والنفوس المؤمنة الذواقة، يصور لنا شريف قاسم لوناً من هذا اللقاء في رؤيته التالية التي تسير فيها أماني الشاعر الكبرى على خط يوازي ترعرع العود وسط الطبيعة القاسية، وقد استكنّ فيه سر النمو والجمال :
- يتثنى بعـــــــــــــــــــــــــــــــوده المخضرّ فوق كفّ اللظى بوهدة حرّ
- وترانيم ثغره سبحـــــــــــــــــــــــــــــــات ٌ يتسامى معــــــــــــــراجها بالطهر
- دحرجته الرياح خلف وهادٍ رصّعتها يد السنين بجـــــــــــــــــــمر
- يا له من مــــــــــــــطرّز باللآلي في بســـــــــــــــــــــاتين ربعه والدرِّ
- جلّنار الربيع طيف أماقيـــــــه وتغـــــــــــــــــــــريد روحه كالطير
- فوق أدواح عالم بات يطوي في صحاريه كلّ عطر ٍ وزهر
- يرشف القطر من سحاب أمانــــــيـــه ويحثو على مـــــــــــــــــداه بخير
- ونما رغم جدب دنيا ترامت وهو في الأرض بين كرّ وفرّ
- عاش يحسو الأمان مـــــــــن أفق الغيــــــب ويروي فؤاده من صبر
- حيث ترنو عيونه من بعيد لانبلاج الهنا القريب بفجر ِ – الإنسان في الأدب الإسلامي : ص 525 .
-رؤيا المؤمن :
إنها رابطة تضم المسلم إلى أخيه كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً على ريادة البشرية في طريق العقيدة، يقول شريف قاسم يجلو أبعاد هذه الرابطة :
- الله أكبر لم يـــــــــــــــــــــــــزل بأذاني ســــــــــــر الخــــــــــــــــــــــــــلود لأمة القرآن
- كم مزّقت أمم ٌ وماد بركبها صرف الزمان وعاصف الحدثان
- والمسلمون يلمّ شمل شتاتهم رغـــــــــــــم الحوادث هاتف الإيمان
- ما صدّع الهولُ المزمجر وحدة ً للمسلمين وطيــــــــــــــــــــدة الأركان
- تلتف أفئدة على توحيـــــــــــــدها مـــــــــا غاب عنها سرّها الرباني
- ومضت على اسم الله زان مضاءها عزم التقاة ووثبة الشجعان
- شدّت أواصر ها العقيدة في الدّنا ومشت تباركها يد ُ الرحمن
- مذ أشرقت يوماً بمكة شمسها هدياً يفيض برحمة الديان
- والنور نــــــــــــــــــــــــــور البيّنات وراية ٌ خفاقة بالنور في الأكوان
- جابا رحاب الأرض في برديهما دف ء الربيع الطلق للإنسان
- والخير باق ٍ لا يباب ولا خوى غرس النبيّ بهذه الأزمان
- عبق يفوح حرارة قدسيــــــــــــــــــــــــــــة في كلّ قلب للهدى حرّان
- والشوق يمرح في الصدور لجنّة موعودة ونميس بالألحان ِ – الإنسان في الأدب الإسلامي : 550 .
- يتبع -
وسوم: 639