د. محسن عبد الحميد، الأمين العام للحزب الإسلامي في العراق، الداعية، المفكر، الكاتب
المولد والنشأة
ولد د. محسن عبدالحميد عام1357ه/ 1937م في محلة (أغالق) في قلعة مدينة كركوك, ونشأ في ظل أسرة مسلمة ملتزمة ، تتكون من أب عالم بالعلوم الإسلامية، وأم من ناحية (آغجلر) التي كانت تابعة لقضاء (جم جمال) في كركوك .
وشقيقه الأكبر الأستاذ نظام الدين عبد الحميد مؤلف وكاتب ومفكر إسلامي صاحب كتاب : العبادة وآثارها النفسية والاجتماعية .
وكتاب : جناية القتل العمد في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي . .
وهو ينتمي إلى عشيرة شيخ ((بزيني)) التب كانت تسكن منطقة شوان بين محافظة كركوك وأربيل. وتوفي والده وعمره أربع سنوات, وكان أصغر أولاده حيث ترك 3 أولاد ذكور وبنتين .
التحق أخوه الأكبر نظام الدين عبد الحميد بكلية دار العلوم في بغداد، وتخرج فيها عام 1946م وقبل ذلك بحوالي شهرين توفيت والدته بمرض التيفوئيد وعندما عين أخوه مأموراً للإحصاء في السليمانية, انتقلت الأسرة معه إليها .
دراسته :
وفي السليمانية أنهى دراسته الابتدائية والمتوسطة, وفيها بدأت عينه وعقله وقلبه تتفتح على الحياة وكسب معارفها الأولية, وكان لمجلس أخيه نظام الدين تأثير كبير عليه, إذ كان يزوره بعض العلماء وكان هو يزور آخرين منهم في مساجدهم, وكان يستمع إلى أحاديثهم عن الحياة والإسلام والعلم, وبهذا تلقى الدروس الأولى عن الإسلام وآفاقه, فأنقذته هذه المعلومات من الانجراف وراء الأفكار القومية والشيوعية التي كانت منتشرة يومئذ في السليمانية, أسوة بباقي أنحاء العراق ولا حول ولا قوة إلا بالله, وفي تلك السنوات بدأ يثقف نفسه ثقافة سياسية لا بأس بها, إذ كان يومياً يذهب إلى مكتبة بيع الجرائد المعروفة حينذاك (النداء, الرائد, الدفاع, الزمان, اليقظة ..وغيرها, وكان بجانب ذلك يطالع بعض المجلات المصرية كالمصور, وآخر ساعة زيادة على بعض الفقرات والمقالات في مجلة الرسالة، والثقافة،.. وغيرها والأزهر التي كان أخوه نظام حريصاً على قراءتها .
العودة إلى كركوك :
وفي عام 1952م نقل أخاه نظام الدين إلى كركوك فرجعت العائلة معه إليها, وفي تلك الفترة تعرف إلى مجموعة من أبناء الحركة الإسلامية منهم الاستاذ سليمان أمين القابلي رحمه الله تعالى, فأهداه مجموعة من رسائل الأستاذ حسن البنا رحمه الله, فقرأها، وانفعل بها كثيراً فتقلته إلى قلب الصراع الفكري بين الإسلام والمناهج المنحرفة الأخرى, فبدأ يتردد على مكتبة الأخوة الإسلامية في شارع أطلس, وكان يقضي ساعات فيها ولاسيما في العطل الصيفية وفيها قرأ كتب: الشهيد سيد قطب, ومحمد الغزالي، ومحمد قطب, والبهي الخولي، وعبدالقادر عودة... وغيرهم من الكتاب الإسلاميين, وقرأ للقدماء من العلماء أمثال أحمد بن تيمية وإحياء علوم الدين للغزالي، وحفظ في هذه الفترة آيات من القرآن الكريم وجزء عم وشرح الأربعين النووية للنووي .
وفي المرحلة الثانوية من دراسته كان يستمع كثيراً في الإذاعة المصرية إلى القراء المعروفين آنذاك كالشيخ عبد الفتاح الشعشاعي، وأبي العينين، ومنصور شامل الدمنهوري, وكان يتابع الاستماع المنظم إلى أحاديث الشيخ محمود شلتوت والأستاذ العقاد، وطه حسين.. وغيرهم من فطاحل العلماء والأدباء, ولاشك أن هذا كله شكل رافداً مهماً من روافد ثقافته الإسلامية والعامة, وبجانب ذلك كان يتابع مجلة لواء الإسلام .
وبعد الثانوية التحق بقسم اللغة العربية بدار المعلمين العالية وفيها قضى أربع سنوات خصبة من الناحية العلمية والاجتماعية, أما العلمية فقد استفاد من أساتذته من أمثال الدكاترة (مصطفى جواد, ومحمد مهدي البصير، وكمال إبراهيم وأحمد عبد الستار الجواري، والعالم المغربي محمد تقي الدين الهلالي, ومن عدد من الاساتذة الآخرين)، وكذلك كان حريصاً على حضور محاضرة الاثنين التي كان يلقيها أساتذة وعلماء مختارون من العراق وخارجه, وكانوا يتحدثون في شتى مجالات العلم والمعرفة والأدب, وكان الغرض من تلك المحاضرات تثقيف الطلبة تثقيفاً عالياً خلال الأربع سنوات, إلى جانب مطلعاته الخارجية المتنوعة في كتب الأدب والفلسفة والفكر المتنوعة بالعربية أو المترجمة إليها من اللغات الأجنبية الأخرى لكبار الكتاب والمفكرين الغربيين أمثال: جارلز ديكنز، وتولستوي، ولامارتين، وفيكتور هيجو، واسكندر دوماس، وشيخوف، وديستومسكي.. وغيرهم, وكان لكل تلك القراءات المتنوعة بالغ الأثر في وضع الركائز المتينة لثقافته العامة والتي أفاد منها في حياته الدعوية والعلمية والأكاديمية.
وفي تلك الفترة درس على العلامة الشيخ محمد القزلجي فصولاً من كتاب الإيضاح في البلاغة للقزويني, ومتن (الإيساغوجي) في المنطق ..
وفي هذه المرحلة انتخبه زملاءة الطلبة رئيساً لجمعية الإرشاد الديني التي كانت تقيم الحفلات الدينية, حيث كان يدعو الاساتذة المعروفين آنذاك ليلقوا محاضرات إسلامية: كالدكتور صبحي الصالح، والشيخ بدر المتولي عبد الباسط، والدكتور محمد نجيب البهبيتي، وعبدالرحمن البزاز، وأحمد عبد الستار الجوادي، وصفاء خلوصي ..وغيرهم .
ومن الناحية الاجتماعية فقد اطلع خلال تلك السنوات التي قضاها في دار المعلمين العالية ـــ كلية التربية حالياً ـــ على واقع وتفكير الإنسان العراقي بمذاهبه وقومياته وطوائفه ومشكلاته الاجتماعية المختلفة عبر اختلاطه اليومي صباحاً ومساءاً بالطلاب والطالبات الذين جاءوا من أنحاء العراق, وكان الجو الفكري وقتذاك قائماً على صراع فكري هادئ, بين الشيوعيين والقوميين والإسلاميين.
مرحلة ما قبل الدراسات العليا :
تخرج في جامعة بغداد من كلية التربية عام 1380هـ / 1959 م .
أ- بعد التخرج عام 1959م عين مدرساً في إعدادية كركوك للبنين, وعقب المجزرة التي ارتكبها الشيوعيون في الموصل وكركوك حاول أن يحصن طلبته من الأفكار الشيوعية والأفكار المنحرفة الأخرى في دروسه الصباحية والمسائية.
وفي تلك الفترة أسندت إليه خطبة الجمعة في جامع إبراهيم التكريتي, وكانت خطبه ارتجالية معاصرة, يتحدث فيها عن حقائق الإسلام ومشكلات المجتمع الإسلامي, وبعد أشهر منعته دائرة الأمن من الخطبة بعد أن هاجم عبد الكريم قاسم عندما غير قانون الأحوال الشخصية وأعطى للمرأة الميراث مثل نصيب الرجل, وهو أمر مخالف لصريح النص القرآني كما هو معلوم.
نجح بحمد الله في مهنة التدريس في المرحلة الثانوية, فقد توثقت العلاقة بينه وبين طلبته, كما شهد له جميع المفتشين الذين زاره في أثناء تلك المدة, وحصل على الكثير من كتب الشكر والثناء .
وتعرف عن قرب على بعض الدعاة المنحرفين من البهائية، وناقشهم، وأقام عليهم الحجة .
شهدت مرحلة ماقبل الدراسات العليا منذ أوائل الستينيات إصدار أول مؤلفاته (حقيقة البابية والبهائية), كما بدأ في تلك الفترة المبكرة بنشر مقالاته الإسلامية الفكرية منها والدعوية في جرائد ومجلات بغداد الإسلامية كجريدة الفيحاء والحياد ومجلة الثقافة الإسلامية والتربية الإسلامية .
زواجه وأسرته :
تزوج في تلك الفترة من عام 1962م من إحدى كريمات الحاج إبراهيم الأعظمي الكتبي صاحب المكتبة المشهورة في سوق السراي ببغداد، ورزق منها بأربعة أولاد ذكور وبنت واحدة .
الدراسات العليا والنتاجات العلمية والجامعية :.
في عام1387ه/ 1965م شد رحاله إلى جامعة القاهرة للحصول على الماجستير في تفسير القرآن برسالته (الآلوسي مفسراً) ، فحصل عليها بمرتبة جيد جداً، وعند رجوعه عام 1967م, عين معيداً في كلية الشريعة ببغداد لتدريس مادة التفسير وعلوم القرآن.
ثم حصل على الدكتوراه في تفسير القرآن الكريم من كلية الآداب ــ جامعة القاهرة بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف الأولى على رسالته (الرازي مفسرا ) عام 1392ه / 1972 م ، وكان الأستاذ المشرف على الرسالة د. يوسف خليف .
رقي إلى مرتبة أستاذ مساعد عام 1975م وإلى مرتبة الأستاذية عام 1983م.
أوفد إلى المغرب للتدريس في جامعاتها وإلقاء محاضرات فكرية إسلامية فيها بين سنتي 1982-1985.
ذهب إلى المملكة العربية السعودية استاذاً زائراً في كلية الشريعة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية لأربع سنوات متتالية (1981م ــ 1985م), وألقى فيها محاضرات خاصة بقسم الدراسات العليا وعامة في الكلية.
درس العلوم الإسلامية على علماء أجلاء وحصل على الإجازة العلمية من العلامة الشيخ مصطفى بن أبي بكر النقشبندي عام 1978م.
اشرف على أكثر من خمسين رسالة علمية في كلية الدراسات الإسلامية وغيرها من جامعات العراق المختلفة، وناقش حوالي 200 رسالة علمية فيها وفي غيرها من الجامعات العربية ..
شارك في تطوير مناهج التربية الإسلامية في وزارة التربية, ووزارة التعليم العالي ووزارة الأوقاف في العراق ..
ألقى مئات المحاضرات الإسلامية في المساجد والجامعات والمؤسسات الثقافية ما بين 1975م ـــ 2003م في العراق وخارج العراق ..
اشترك في العديد من المؤتمرات الإسلامية والندوات العلمية في أنحاء مختلفة من العالم.
مؤلفاته :
له أكثر من 30 مؤلفاً في أصول التفسير ، والعقائد، ومنهج التغيير الاجتماعي في الإسلام ، والاقتصاد الإسلامي إلى جانب أبحاث ومقالات فكرية متنوعة في الثقافة الإسلامية والتيارات الفكرية المعاصرة .
ومن هذه المؤلفات ، والأبحاث ، والرسائل :
1-دراسات في أصول تفسير القرآن .
2 - منهج التغيير الاجتماعي في الإسلام – مؤسسة الرسالة – بيروت – 1983م
3 - المذهبية الإسلامية والتغيير الحضاري .
4 - أزمة المثقفين تجاه الإسلام في العصر الحديث – ط الدار البيضاء .
5 - تجديد الفكر الإسلامي – ط1 – دار الصحوة – القاهرة – 1986 م .
6 - الإسلام والتنمية الاجتماعية – العهد العالمي للفكر الإسلامي – ط2 – 2000م .
7 - الآلوسي مفسراً : رسالة ماجستير – المعارف – بغداد 1969 م .
8 - الرازي مفسراً : رسالة دكتوراه – دار الحرية للطباعة – بغداد – 1974 م .
9 – حقيقة البابية والبهائية – المكتب الإسلامي – بيروت 1969 م .
10 – الواحدي ومنهجه في التفسير – بحث منشور في مجلة الرسالة الإسلامية –بغداد – عدد 26 – 1970 م .
11 – موقف صاحب المنار من المفسرين – بحث منشور في مجلة كلية الآداب ، العدد الثالث عشر – بغداد – 1970 م .
12 – حجية التفسير العقلي وضوابطه – بحث منشور في مجلة كلية الآداب ، العدد الرابع عشر – بغداد - 1971 م .
13 – الترجيح والتوفيق بين نصوص القرآن – بحث منشور في مجلة كلية الآداب ، العدد السادس عشر – 1973 م .
14 – تفسير القرآن بالمصطلحات – بحث منشور في مجلة كلية الدراسات الإسلامية – العدد الرابع – 1972 م .
15 – تفسير القرآن بالسنة – بحث منشور في مجلة كلية الدراسات الإسلامية .
16 – الاتجاه الباطني في تفسير القرآن – بحث منشور في مجلة كلية الدراسات الإسلامية – العدد الخامس – 1973 م .
17 – تحقيق علاقة الأفغاني بالماسونية – بحث منشور في مجلة الرسالة الإسلامية – بغداد – العددان 62 ، 63 – عام 1973 م .
18 – أين نجد الفلسفة الإسلامية – بحث منشور في مجلة الرسالة الإسلامية – بغداد – العددان 65 ، 66 – عام 1973 م .
19 – مجموعة مقالات في الصراع الفكري – منشورة في أعداد مجلة الرسالة الإسلامية بين سنتي 1393 – 1394 هـ .
20 – اللغة العربية بين شعوبيتين .
الاعتقال :
اعتقل عام 1996م في الأمن العامة في بغداد أبان حكم البعث مع قيادة الحزب الإسلامي العراقي وأفرج عنهم في نفس العام.
الجوائز التي حصل عليها :
حصل على جائزة بيت الحكمة في بغداد عام 2001م في الدراسات الإسلامية .
مرحلة ما بعد الاحتلال الأمريكي للعراق :.
بعد سقوط نظام البعث واحتلال العراق عام 2003م, من قبل القوات الأمريكية والبريطانية تم الإعلان عن الحزب الإسلامي العراقي وانتخب د. محسن عبد الحميد أميناً عاماً له, ثم رئيساً للحزب عام 2004م ثم رئيساً لمجلس الشورى المركزي وإلى الآن .
تم اختياره عضواً في مجلس الحكم الانتقالي عن الحزب الإسلامي العراقي، وتولى رئاسته في شباط عام 2004م
انتخب عضواً في المجلس الوطني العراقي المؤقت عام 2004 -2005م
أسس مع عدد من زملائه وتلامذته في بغداد هيئة علماء الشريعة في الشهر الأول بعد الاحتلال, والتي صار اسمها فيما بعد هئية علماء المسلمين, وأصبح أول أمين عام لها قبل أن يتركها بعد أن أصبح أميناً عاماً للحزب الإسلامي العراق .
صفاته :
والأستاذ الدكتور محسن عبد الحميد واحد من المفكرين المسلمين المعاصرين الذين اثروا المكتبة الإسلامية بمجموعة من الدراسات الرصينة التي تناولت مختلف قضايا الفكر الإسلامي وهمومه وهو كاتب جاد وباحث ملتزم تشكل دراساته وأبحاثه إضافات فكرية مهمة للشباب المسلم في عصرنا هذا .
ظل محسن عبد الحميد له مكانته لدى قطاع واسع في الأوساط العراقية حتى من خارج الوسط السني العربي, فالأكراد لا ينسون أنه كردي يقود أكبر حزب سني عربي والشيعة يطمئنون لخطابه المعتدل. والسنة العرب لا ينسون أنه أول رئيس لهيئة علماء المسلمين. وفوق ذلك يسجل للرجل أنه غير محسوب على النظام السابق إذ اعتقل غير مرة.
مواقف :
يمثل الحزب الإسلامي العراقي بزعامة د. محسن عبد الحميد عضو المجلس الانتقالي أبرز الأحزاب الإسلامية السنية في العراق، ويعتبر هذا الحزب امتداداً لجماعة الإخوان المسلمين.
ورغم الآراء القائلة بأن مقاومة الاحتلال تتركز في المسلمين السنة وتحديداً في المثلث السني، فإن عبد الحميد يشدد على أن حزبه "يعلن المقاومة السلمية".
وينتقد عبد الحميد عمليات اعتقال العراقيين التي تقوم بها قوات الاحتلال، ويقول "إن معاملة المعتقلين العراقيين سيئة وإن القوات الأميركية بدأت ترتكب أخطاء جسيمة كرد فعل على العمليات التي تنالها".
وحول المطالبات الداعية إلى إجراء انتخابات مبكرة قبل نقل السلطة للعراقيين، يعتقد عبد الحميد بأن "الانتخابات مستحيلة" وأن الإعداد لها بحاجة إلى سنة على الأقل شريطة توفر الأمن وإحصاء السكان، وأنه مع تأجيلها " لتكون عادلة ونزيهة" مؤكدا صعوبة إجراء الانتخابات في ظل الاحتلال.
ويدعو عبد الحميد الذي تسلم الرئاسة الدورية لمجلس الحكم الانتقالي في فبراير/ شباط الماضي إلى المصالحة الوطنية بين أبناء الشعب العراقي، مؤكدا ضرورة استيعاب البعثيين ممن لم تلطخ أيديهم بدماء العراقيين.
ويوافق عبد الحميد على قانون إدارة الدولة المؤقت، ويصفه بأنه دستور لكل العراقيين وليس للسنة أو الشيعة أو غيرهم فقط، وأن إقرار هذا القانون جاء بالإجماع رغم التحفظات.
وفي إشارة إلى مطالبة الأكراد بنظام فدرالي كردي، يؤكد عبد الحميد احترامه لفكرة الفدرالية كنظام حكم للعراق، ويقول "نريد الفدرالية التي تجمع ولا تفرق والفدرالية التي لا تؤدي للتجزئة" مشددا على أن العراق يجب أن يكون موحدا.
ويستبعد عبد الحميد اندلاع حرب أهلية في العراق، ويرى أن الخوف على البلاد يكمن في من يثيرون النعرات العنصرية والطائفية بهدف تمزيق البلاد، ويؤكد أن الأكثرية في العراق هم السنة وليس الشيعة كما يروج إعلاميا.
القوات الأمريكية تعتقل محسن عبد الحميد عام 2005م:
وبينما يتقلب المطلوب الأول في نعم الله الوافرة كان رئيس الحزب الإسلامي الدكتور محسن عبدالحميد يداس ببساطير الجنود الأميركان ويقيد بالأغلال مع أنجاله وحراسه. وعلى ما يبدو فإن الأميركيين عندما عجزوا عن اعتقال أكثر أهل السنة تشددا اعتقلوا أكثرهم اعتدالاً. فالدكتور الذي يقود أكبر التنظيمات السنية (الحزب الإسلامي الواجهة السياسية للإخوان المسلمين في العراق) أخذ عليه الاعتدال إلى درجة التفريط, فقد قبل بالدخول في العملية السياسية بشروطها المجحفة, وغدا رئيساً لمجلس الحكم ، وقبل بالدخول في الانتخابات، ولم يقاطع إلا بعد أن استبيحت الفلوجة، وغدت المشاركة في الانتخابات تواطؤا مع الاحتلال وجرائمه.
وبنظر الزرقاوي فإن أعضاء مجلس الحكم, ولم يستثن منهم محسن عبد الحميد, مرتدون يتحاكمون إلى الطاغوت, ولو وقع أعضاء المجلس بين يديه لعاملهم بقسوة تفوق ما تعرض له عبد الحميد على يد الأميركيين. وهو لم يتوان عن الافتخار باغتيال رئيس المجلس عزالدين سليم بسيارة مفخخة. وقد قدم الأميركيون إلى الزرقاوي هدية لا تقدر بثمن عندما أهانوا وأذلوا أبرز وجوههم. سيقول الزرقاوي: ألم نقل لكم إن الأميركان يريدون تمكين الشيعة وإذلال أهل السنة؟ هل يوجد حل غير الاحتكام للمفخخات؟.
انتخابات 2010م :
من أسباب تراجع شعبية الحزب الاسلامي العراقي في انتخابات السابع من أذار عام 2010م هو عدم اهتمامنا كقيادة للحزب في الانتخابات .
ولم تكن جهودنا بالمستوى المطلوب .
وأضاف عبد الحميد في اتصال هاتفي مع ( واع ) "أن قيادة الحزب الاسلامي تعمل الآن على تشكيل لجان لمعالجة هذه المشكلة التي ارجعت من شعبية الحزب الاسلامي العراقي من اجل متابعة الموضوع بشكل دقيق وموسع لمعالجة المشكلات ولتصحيح الاخطاء، ووضع منهج متكامل في مجال التربية والدعوة والرجوع مرة ثانية الى قلب الجمهور ،
مضيفاً كما أن" من احد الاسباب الاخرى ان دول الجوار لم يكونوا على تعاون معنا بل وقفوا ضدنا بحجة أننا ننتمي إلى الإخوان المسلمون، إضافة الى خروج السيد طارق الهاشمي الذي اخذ معه شعبية الحزب .
يذكر أن الحزب الاسلامي العراقي برئاسة السيد إياد السامرائي رئيس البرلمان السابق قد حصل على ستة مقاعد فقط في الانتخابات التشريعية التي جرت في السابع من آذار العام 2010م .
موقفه من العلمانية :
تحدث محسن عبد الحميد لمجلة ( الرائد ) عن ( تعريف العلمانية).. وأنواعها ، فقال : العلمانية هي اللادينية أو الدنيوية، أي المنهج الذي لا علاقة له بالدين والغيبيات، وإنما يتعامل مع شؤون الحياة بالفلسفة العقلية أو الإنسية، وهذا انتهى إلى إبعاد الله عن شؤون الحياة ووضع الإنسان بدلاً عنه، وكانت النتيجة فصل الدين عن المجتمع رسمياً أو فصل الدولة عن شؤون الدين، والأصل في مبدأ العلمانية أن الدولة تقف على الحياد ولا تتدخل في شؤون الدين والأخلاق والناس أحرار فيهما.. غير إن هذه العلمانية طُبقت في العالم الإسلامي على نحو يُخالف هذا الأصل، وأخذت أحياناً مسلكاً آخر، وهو محاربة الدين من قبل الدولة، وكان هذا النهج مخططاً من قبل أولئك الذين سيطروا على العالم الإسلامي وفرضوا على مجتمعاته حكاماً لتنفيذ مآربهم ومنهجهم.
فلما رأوا رد الفعل في العالم الإسلامي بمعارضة هذا التوجه لكون الإسلام عقيدة وشريعة وحضارة وسلوكاً وديناً ودولة لجؤوا إلى أساليب الاضطهاد والقمع والتصفيات الجسدية، إذاً هناك علمانية حيادية لا دين لها، وعلمانية منحازة إلى حرية الكفر والفسق والوقوف أمام صياغة الأمة الإسلامية صياغة إيمانية جديدة، وعلى الرغم من أن دول الاستكبار في العالم الغربي أخذت العلمانية الحيادية، لكنها ارتضت في العالم الإسلامي تشجيع العلمانية المحاربة للإسلام ودعاته.
وعندما سألته مجلة ( الرائد) : هل يمكن أن نسمي علمانية تركيا بعلمانية دينية؟
أجاب د. محسن عبد الحميد بقوله : ليست هنالك علمانية دينية، ولكن توجد أحياناً علمانية تحترم الحرية الدينية، وبالنسبة لتركيا فدستورها دستور علماني، وحزب العدالة والتنمية يحكم في ظل هذا الدستور ولا يستطيع معارضته كلياً أو جزئياً، ولا يستطيع أن يعلن إسلاميته وإنما قادته يقولون نحن حزب محافظ، ونطبق الدستور على الرغم من كوننا ناساً متدينين، ونسعى إلى تغيير بعض بنود الدستور التي تحجز حرية التدين الشخصي في بعض الأحيان، وهذا الاتجاه لا يشكل أي تأثير على علمانية تركيا، علماً أن هذه العلمانية حصل فيها تطور وتغيير عن بدايتها لاسيما بعد نجاح الحزب الديمقراطي برئاسة عدنان مندريس في الوصول إلى السلطة، فسمح بالأذان باللغة العربية وكانت هناك مؤسسة لرئاسة الشؤون الدينية التي تهتم بتعيين أئمة المساجد والمفتين وإدارة المعاهد والكليات الإسلامية، وإلا قبل ذلك كانت الدولة التركية وحكوماتها المتعاقبة شديدة العداوة للإسلام، فأستطيع أن أقول أنه بعد تلك السنة تحولت الدولة التركية من علمانية لا دينية محاربة لكل ما هو إسلامي إلى علمانية قريبة من العلمانية الحيادية.
موقفه من الوطنية :
وسألته (الرائد) : هل الأحزاب الإسلامية بعيدة عن الوطنية ؟
أجاب د. محسن: هذه في الحقيقة مغالطة ونوع من أنواع خلط الأوراق لتحقيق أغراض محددة؛ ومفهوم الوطنية عند العلماني وعند الإسلامي يختلف اختلافا كبيراً، فالوطنية عند العلماني قد تعني إبعاد الوطن عن الإسلام شريعة ونظاماً، وجعل الوطنية مبدأ و(منتهى)نظاماً للحياة، بينما الوطن عند الإسلامي بكل ما فيه نوع من أنواع الروابط المشروعة، وهو جزء من الرابطة الإنسانية العامة التي يحرص الإسلام في شريعته أن يخدمها ويحقق سعادة أبنائها بعدم التمييز بينهم في الحقوق والواجبات، والإسلامي الحقيقي أحرص على حب وطنه وخدمة أبنائه جميعاً بلا تمييز، أما تشهير العلمانيين في العراق اليوم على الإسلاميين بالطائفية ووضعها بدل دين الإسلام الحق، فهذا أمر مفضوح لا يمكن أن(ينطلي)على العقلاء وأهل الحكمة، والعلة في هذا أنهم أصلاً لا يؤمنون بالإسلام نظاماً للحياة.
موقفه من الديمقراطية :
تحدث د. محسن عبد الحميد عن موقف الحزب الإسلامي العراقي من الديمقراطية، فقال :كما هو مثبت في دستور الحزب الإسلامي إنه حزب عام جامع شامل لمبادئ الإسلام عقيدة وشريعة وأخلاقاً، ولا يؤمن بالتعصب للمذهب أو الطائفة، وهو حزب شورى، يسعى ليصل إلى أهدافه الإسلامية عن طريق نظام الشورى الملزم، وليس عن طريق العنف والقوة المسلحة، ومن هنا فإن إيمانه بالانتخابات والتداول السلمي للسلطة يسلب منه تلك الصفة.
ثم إن للديمقراطية جانبين، جانب العلمانية اللادينية، وجانب آليات تطبيقها، فالآليات هذه يمكن أن تُفصل عن المبادئ، فالحزب الإسلامي والإسلاميون عموماً يؤمنون بالآليات الديمقراطية لتداول السلطة، ويسعون من خلالها لتطبيق الشريعة الإسلامية، وهذا يختلف عن مبدأ حكم الشعب للشعب في النظام الديمقراطي العلماني، ففي النظام الإسلامي الحكم للشريعة(نصوصاً واجتهادات في ضوئها)، ولا يسمح بتطبيق ما يعارضها بالاختيارات الشعبية عن طريق صناديق الانتخابات.
موقفه من شيخ الإسلام ابن تيمية :
الدكتور محسن عبدالحميد - وفقه الله - هو رئيس الحزب الإسلامي ( جماعة الإخوان المسلمين ) في العراق - حاليًا - ، وصاحب الكتاب الشهير " أزمة المثقفين تجاه الإسلام في العصر الحديث " . ألف كتابًا آخر قبل سنوات بعنوان " تجديد الفكر الإسلامي " قال فيه ( ص 66-76) - متحدثًا عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله - : (أعتقد جازماً أن المسلمين في عصر ابن تيمية وما تلاه من عصور لو أدركوا حقيقة ما رمى إليه ابن تيمية من مراجعته التاريخية، لنفضوا حينئذ عن أنفسهم غبار العصور ، ولأدركوا حقائق الإسلام ، ولنهضوا نهضة حضارية علمية اجتماعية كبيرة، ذلك لأن ابن تيمية أراد أن يعيد إلى أذهان المسلمين أن الإسلام فرَّق بين عالم الغيب وعالم الشهادة، وأنه أراحهم في عالم الغيب عندما وضع أمامهم الحقائق الغيبية الكلية جاهزة، ثم دعاهم في عالم الشهادة (المادة) إلى تحريك طاقاتهم وتسخير ما في الوجود من القوى، لأنهم خُلقوا من أجل الصراع في عالم المادة، لا الولوج في جزئيات عالم الغيب بأدوات لا يستطيعون أن يتحركوا فيها برؤية واضحة يقينية، زيادة على أن الانشغال بها ضياع للجهد وتمزق في عقيدة الأمة لا دخل له بالصراع في الأرض لإنشاء الحضارة والحفاظ على كرامة الإنسان ومحاربة قوى الطغيان. إن حركة ابن تيمية إذن أرادت أن تضع المسلمين على خط المنهج الواقعي التجريبـي لصياغة المجتمع المسلم من جديد، ولعدم إدراك علماء زمانه لهذه القضية المصيرية، وتعصبهم ، وانشغالهم بالرد عليه في بعض القضايا الجزئية، فوتوا تلك الفرصة التاريخية الناهضة على المسلمين، وكرَّهوا كتاباته إلى الأجيال المتلاحقة ، حيث ظلت في تأخرها، تفتك بها عوامل الانحطاط والتخلف في مساحات الحياة كلها) قلتُ : صدق الدكتور محسن عبد الحميد ، وأنصف ؛ فقد فرط كثير من الأمة - زمن الشيخ، بسبب أعدائه - فيمن يريد تحريره من الخرافة، والنأي به عن التشقيقات الكلامية المنشغلة بأمور الغيب، وتوفير طاقته فيما ينفعه؛ بعقيدة سلفية ميسرة، وعمل صالح، ونصيب من الدنيا، وجمع كلمة المسلمين على هذا .
ولكن ؛ حيل بين الأمة وانطلاقتها . لهذا : ينبغي للأمة - كي لا تُعيد التجربة المرة وتُكرر الخطأ وُتفرط فيما ينفعها - أن يهب منها علماء وعقلاء وسياسيون يركزون على أمرين : 1- جمعها على عقيدة سلفية؛ مستقاة من الكتاب والسنة، بعيدة عن الكلاميات ، والبدع، والخرافات، والأخذ على يد من يخالفها . مع الاعتبار بالتاريخ . 2- تشجيع الأمور الدنيوية النافعة، وفتح باب الاجتهاد فيها؛ لتنافس الأمة الآخرين، أو على الأقل يتهيأ لها ما يُغنيها عنهم، ويحفظ جنابها من تحرش الأعداء وتسلطهم .. حقيقة البابية والبهائية
هذا الكتاب دراسة علمية جادة حول البابية والبهائية ، تاريخها وعقائدها ، وعلاقاتها بالفرق الباطنية القديمة ، والصهيونية العالمية والماسونية والقاديانية ، ودول الاستعمار في القرن الماضي والحاضر .
اعتمد المؤلف فيها على ما كتبه البهائيون أنفسهم ، وعلى ما كتبه العلماء والباحثون عنهم بعد ظهور هذه الحركة حتى اليوم .
حظي الكتاب في طبعته الأولى باهتمام بالغ من أوساط المثقفين والمهتمين بالدراسات الإسلامية والإنسانية في أنحاء كثيرة من العالم الإسلامي ، وعرفت به عدة مجلات .
بعد صدوره قامت بعض الحكومات بمنع نشاط هذه الحركة .
قامت المحاكم الشرعية في عدد من البلاد باعتبار البهائيين غير مسلمين ولا كتابيين ، بل عاملتهم كوثنيين .
ترجم الكتاب إلى اللغتين التركية والاندونسية .
قراءة في كتاب: تجديد الفكر الإسلامي
كتاب (تجديد الفكر الإسلامي) للدكتور محسن عبد الحميد [1]، المعهد العالمي للفكر الإسلامي.
تكمن أهمية هذا الكتاب ليس فقط في أن مؤلفه من الأساتذة المتخصصين في هذا المجال، بل أيضاً: في أنه من أكبر شخصيات الحركة الإسلامية في العراق[2]، فالكتاب يمكننا من الاطلاع على آراء ونظريات تتبناها تلك الجماعة، وتنشرها بشتى الوسائل، ولا يَنْقُضُ هذا ما يمكن أن يقال: من أن المؤلف يعبر عن وجهة نظره. ذلك لأنه قد صاغ آرائه في هذا البحث انطلاقاً من مبادئ تلك الجماعة، وانتهى في بحثه إلى تقرير تلك المبادئ، فالعلاقة بين مقاصد بحثه، ومنهج جماعته، هي مثل العلاقة بين الشيء وذاته!
فما هي الخلاصة الموجزة لهذا الكتاب؟
هناك ثلاثة مناهج في تحليل وتفسير علاقة الفرق والمذاهب الإسلامية بالاسلام الصحيح الذي اختاره الله لعباده:
الأول: المنهج الماركسي: وهو لا يفصل في نظرته إلى الإسلام بين ما هو وحي إلهيّ من كتابٍ وسنةٍ، وبين ما هو اجتهاد ورأي بشري كأطروحات الفرق الإسلامية، بل يعتبرها كلها شيئاً واحداً، ويفسّرها تفسيراً واحداً، على أساس أنها ظاهرة اجتماعية، خاضعة لحتميات ومتغيرّات التاريخ. فهو تفسير ملحد، يفسِّر الدين على أساس أنه تراث قومي، ونتاج بشري. وقد رفض المؤلف (ص 26 – 31) هذا المنهج رفضاً تاماً، ولا شك أنه أصاب في ذلك.
الثاني: منهج المؤلف – وهو منهج طائفة المفكرين الإسلاميين – وخلاصته: التفريق بين ما هو وحي إلهيّ، وبين ما هو اجتهاد بشري. فيعتبرون جميع الفرق والمذاهب الإسلامية جهوداً بشرية، خاضعة للمؤثرات التاريخية والحضارية، لكنها تستند إجمالاً على مصدر واحد، وهو: قطعيات وكلّيات الوحي الإلهي المحفوظ.
الثالث: منهج أهل السنة والجماعة، من الصحابة والتابعين وتابعيهم ومن بعدهم من أئمة العلم والسنة، وخلاصته: أن الوحي الإلهي المتمثل في القرآن الكريم وصحيح السنة النبوية محفوظ، ولكنه ليس في حالة مثالية مجرّدة عن واقع المسلمين، بل إن له عقائد واضحة، وأصولاً كلية، وأحكاماً تفصيلية، تُمثِّلُ الفرقة الناجية، والطائفة الظاهرة المنصورة الترجمة الحقيقية لها في واقع الحياة، ومسيرة التاريخ [3]. أما الفرق الأخرى: فبقدر ابتعادها عن مفاهيم وأصول هذه الفرقة الناجية تكون أراؤها بشرية، ليمكن تفسيرها على أساس الجدلية التاريخية.
والآن ما هو الفرق بين المنهجين الأخيرين؟
الواقع أن الفرق بينهما هو مثل الفرق بين الهدى والضلال، وبين الحق والباطل، فإن حقيقة منهج المفكرين عزل الكتاب والسنة عن واقع حياة المسلمين، ثم فتح الباب على مصراعيه لكل من هبَّ ودبَّ من أصحاب الآراء والبدع المغلَّظة المنكرة، ما دامت تستند في مجملها إلى الوحي الإلهي، وكلِّيات هذا الدين، ومذهبيته، التي لخصها المؤلف في فقرات مجملة (ص 146)، تكلم فيها عن "مادية الكون، وعن الله، والنبوة، وختم النبوة، واليوم الآخر". وعلى هذا الأساس فإن كلَّ الفرق الإسلامية التي لا تَنْقضُ هذه الأصول الكلية نقضاً مباشراً تعتبر مقبولة ـ إجمالاً ـ. وتُمدح بأنها خدمتِ الإسلام، في مرحلةٍ تاريخيةٍ معينةٍ ـ على الأقل ـ.
ومن هنا فإن المؤلف لا يندّد إلا بالحركات الهدامة التي تعرّضتْ لنقض هذه الأصول كلها ـ أو بعضها ـ، مثل حركة الزَّنج، والخُرَّمية، والقرمطية، والإسماعيلية الباطنية. وتجاهل المؤلفُ أن هذه الفرق لم تكن إسلامية أصلاً، بل كانت معظمها حركاتِ تمردٍ فارسية وشعوبيَّة وباطنية على الدولة العربية الإسلامية.
ومن هنا أيضاً: نجد المؤلف يبالغ في الثناء على أئمة الضلال الكبار، الذين قادوا أكبر الحركات التحريفية في تاريخ الإسلام، منهم: معبد بن خالد الجهني، الذي أحدث القول بالقدر بالبصرة، وتبرأ منه عبد الله بن عمر رضي الله عنه [4]، لكن المؤلف يصفه (ص 54) بـ "التابعي الجليل، والمحدّث الصدوق تلميذ الصحابي المجاهد أبي ذرٍّ الغفاري رضي الله عنه". ويمجِّدُ (ص 55) الجعد بن درهم، والجهم بن صفوان. ثم يذكر (ص 57) المعتزلة فيرفع من قدرهم. ويزعم (ص 60) أن الأشعرية قد ملأت فراغاً كبيراً.
ثم يأتي المؤلف على ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (ص 65)، فيقول: "لا أبالغ إذا ادَّعيتُ أن ابن تيمية رحمه الله تعالى كان أمة وحده، من بين سائر المفكرين الإسلاميين ... ".
ولا شك أن هذا سيثير تعجُّب واستغراب القارئ الكريم، فكيف يمتدح هذا الرجل شيخَ الإسلام ابن تيمية رحمه الله مع أنه قد امتدح في السياق نفسه من تقدَّم ذكرهم من أئمة الضلال الذين قضى شيخ الإسلام رحمه الله حياته في نقد ونقض فكرهم، ومحاربة آثاره الخبيثة في العالم الإسلامي؟
لكن لا داعي للتعجب والاستغراب، فالمؤلف يبني كلامه على الأصل الذي تقدم ذكره، وفي ضوءه: فإن جهم بن صفوان وابن تيمية ـ كلاهما ـ مناضلان إسلاميَّان، لا فرق بينهما البتَّة، إذ الكلُّ يعمل في إطار خدمة الحضارة الإسلامية، نعم: يمكن أن يكون أحدهما أقرب إلى الكتاب والسنة، ولكن كلاهما يستندان إليهما، والسبب الأساس في اختلافهما هو الظرف التاريخي، وتحدّيات عصرهما والمشاكل التي تعرّضوا لها! والحقيقة أن هذا المنهج هو صورة طبق الأصل عن النظرية الماركسية في تفسير التاريخ، ولكن الفرق: أن المفكرين الإسلاميين يؤمنون بالوحي الإلهي، والماركسيون لا يؤمنون به أصلاً.
ويطبق المؤلف المنهج نفسه في نظرته إلى ما يسمى بالفكر الإسلامي في العصر الحديث، فيبدأ أولاً بذكر دعوة الإمام المجدّد، شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهَّاب (1206 هـ) رحمه الله تعالى، ويثني عليها ثناءً كبيراً، لكنه يستخف بها بطريقة مبطَّنة، زاعماً (ص 99) "أن ظروف حياة البداوة في الجزيرة العربية[5]، وعدم احتكاك الشيخ محمد بن عبدالوهَّاب بمراكز الثقافة الإسلامية في العراق، والشام، ومصر، وعاصمة الخلافة (استنبول) يومئذٍ، وانحصار ثقافته بالجانب النقلي وحده من الثقافة الإسلامية[6]، وتأخُّر وصول أخبار التغير الذي كان يهز الحياة هزاً عنيفاً في أوروبا إلى العالم الإسلامي، جعلت من حركته ذات بعدٍ واحدٍ هو البعد العقدي، ..."
هكذا قال، وتجاهل كثيراً من الحقائق التاريخية، لعل أبرزها الأثر العظيم لدعوته المباركة على العالم الإسلامي كله (وقد اضطر أن يعترف بشيء من هذا، ص 127)، وأيضاً: أن دعوته البدوية ـ كما يزعم ـ قد أثمرت قيام أول دولة إسلامية في العصر الحديث، قائمة على العقيدة الصحيحة والتوحيد، والحكم بشرع الله تعالى. مما كان له الأثر العظيم في الإصلاح والدعوة والتغيير على مستوى الأمة بل العالم كله؛ حتى يوم الناس هذا.
ومهما يكن فإن حركة الشيخ رحمه الله عند المؤلف (ص 100) "من الحركات المرحلية التي كانت تستجيب لتحديات معينة تتصل بمجمل العقيدة فحسب". فالأمر كله من افرازات حركة التاريخ فحسب!
ثم يأتي المؤلف لذكر التجديد الشامل في العصر الحديث، فيزعم أن المدعو: جمال الدين الأفغاني، هو (ص 102): "أبرز من ظهر على مسرح الكفاح والنضال عن الأمة، والجهاد في سبيل تجديد أمر الإسلام والمسلمين كله".
والمؤلف شديد الإعجاب بشخصية الأفغاني، حتى أنه أفردها بكتاب سماه: "جمال الدين الأفغاني، المصلح المفترى عليه". تجاهل فيه كل انحرافات الأفغاني، بل وانتماءاته المشبوهة، وقدَّمه على أنه الأب الروحي للدعوة الإسلامية في هذا العصر، وفي كتابه هذا يلّخص ما كتبه هناك، زاعماً أن كل دعوة إصلاحية ظهرتْ في العالم الإسلامي من بعدُ، كانت ثمرة من ثمرات مدرسة الأفغاني، أو على الأقل متأثرة به.
ثم يأتي على ذكر حسن البنا (1949م) ودعوته، فيصفه بأنه (ص 114): انطلق من الدراسة الشاملة للمنهج الأصولي الإسلامي، لا سيما في مدرسة جمال الدين، ومحمد عبده، ومحمد رشيد رضا، لكي يرسم للجيل الجديد بدقة ووضوح المذهبية الإسلامية بتفاصيلها الشاملة التي تستوعب نواحي الحياة كلها ... إلخ كلامه العاطفي الفضفاض. وهو شهادة مهمة جدًّا إلى جانب كثير من الدلائل والشواهد التي تثبت أن حسن البنا لم يأت بجديد، بل هو على خطا محمد صفدر الإيراني الذي لقب نفسه بجمال الدين الأفغاني، وأسس المنهج الفكري المعاصر في تفسير الإسلام تفسيرًا عقليًّا مدنيًّا نفعيًّا، وكل ما عمله البنا هو أن حول دعوة صفدر من الإطار النخبوي إلى حركة شعبية عامة، فصار شرُّ الإيراني المتأفغن عامًّا في الأمة بعد أن كان خاصًّا بفئة قليلة من المثقفين الذين تأثروا به.
ومهما يكن فقد أطلق المؤلف في كتابه هذا أحكاماً عامة، وذكر أمور مجملة، وادعى أموراً مجرّدة عن الحجة والبرهان، مع مغالطات ظاهرة بينة، خاصة في تناوله لمصطلح "السلفية"، وليس بالإمكان هنا التطرق لتفاصيلها، خاصة وأنني في مجال العرض لا النقد المفصَّل، لكن لا شكَّ أن القارئ سيتساءل هنا: ما هو الهدف والغرض من هذا كله؟
الجواب: أن طائفة المفكرين يريدون تحويل صراع هذا الدين مع الملل والنحل والفرق من صراع عقائدي، يراد منه الوصول إلى مراد الله تعالى من العباد، إلى صراع حضاري مادي، إذ أن الانشغال بقضايا التوحيد في الربوبية والألوهية والأسماء والصفات، وغير ذلك من أصول الإسلام، وأحكامه التفصيلية، سيشغل المسلمين عن دورهم في هذا العصر المادي، فالواجب عليهم أن يختزلوا الجانب العقدي في دينهم إلى أضيق حدٍ ممكن، مع الإيمان بقضاياه كلها، ولكن عملياً: لا يبقون إلا على الأصول الضرورية جداً، على شرط أن تكون مجملة أيضاً، وهي "الله، الوحي، النبوة، اليوم الآخر". وهكذا يتفرّغ الجميع، من جهمية وقدرية وجبرية ومعتزلة ورافضة وأشاعرة وماتريدية وصوفية (وسلفية!!)، لإعمار الأرض، ولبناء الحضارة المادية التي بها يمكنهم مواجهة تحدّيات الغرب ومدنيته!؟.
ولعل القارئ الكريم أدرك بذكائه أن نظرية المفكرين هذه، هي نتيجة (عقدة النقص) التي يعانون منها، جرّاء انبهارهم واعجابهم بالغرب وبهرج حضارته الزائفة
نسأل الله تعالى السلامة من الشبهات والشهوات، بمنِّه وكرمه.
وسوم: 641