محفوظ نحناح : التجربة والمسار
تمهيد :
رسخ…. يوم هبّت العواصف, وفصُح…. حينَ تلعثم المترددون, وجَسَر وأقدم…. لما هاب الواجفون, وصرخ بالحق…. حينَ تخافَتَ بها الهامسون, وفاصَلَ على بينة من الأمر يوم جنح الغَبشُ بأهله نحوَ الحلول الضبابية.
إنه مؤسس دعوة، وسابق في الخيرات، وصاحب إبداع، وليقل فيه القائل ما يشاء من عمق التجرد، وكثرة البذل، مع التواضع، والسكينة .
هل عرفتم - سادتي - عمن نتحدث في هذه الحصة، وفي هذا الدرس إننا نتحدث عن رجل الفكرة والعقيدة، ورجل المواقف الصعبة، والأزمات الجسام، صاحب العقل الناضج، والفكر النابه، والحجة البالغة، والذاكرة الوهاجة، والبصيرة النفاذة، والرؤية الصادقة، والعزيمة الخارقة، والشخصية الفذة، إذا جلست معه أحسست من أول وهلة أنك أمام قائد واسع المدارك، عالي الأفق، عميق المعرفة بحاله وزمانه ودعوته، وإذا حادثته تبين لك صدق لهجته، وسعة حجته، وعمق نظرته، وحجم فراسته، وعظيم إخلاصه ..إنه الأستاذ الداعية المجاهد محفوظ نحناح ، الذي يعتبر حلقة الوصل بين دعاة الإصلاح والتنوير والتجديد التي أرسى دعائمها، وشاد بنيانها الإمام عبد الحميد بن باديس، وساعده قادة أفذاذ في جمعية العلماء المسلمين في الجزائر، التي حافظت على الهوية العربية والإسلامية للشعب الجزائري، وقاومت الفكر التغريبي، وفضحت أذنابه، وحافظت على اللغة العربية من الذوبان، فكان المجاهد محفوظ نحناح جسراً يربطُ بين ذلك الفكر الباديسي المستنير، وبين الجيل الثاني من أبناء الجزائر الذي جاء بعد الاستقلال، ثم امتدت نشاطاته، وتعددت مواهبه، وكثرت منجزاته، حتى صار ملء السمع والبصر، وماذا يمكن للقلم أن يقول عن الأستاذ، والداعية، والمجاهد، والمثقف، والمفكر، والسياسي الجزائري الذي أسس جمعية الإرشاد والإصلاح مع رفيق دربه الشيخ الشهيد محمد بوسليماني، ثم قاد حركة المجتمع الإسلامي ( حماس ) التي عُدّل اسمها فيما بعد إلى (( حركة مجتمع السلم )) ذات التوجه الإسلامي، ..وهلمّ معي – عزيزي القارئ – لنتابع مسيرة ( الشيخ الرئيس )، وتنتقل في ربيع حياته المباركة من المهد إلى اللحد .....
مولده ونشأته:
ولد الشيخ محفوظ بن محمد نحناح يوم 12/1/1942م، وكان مولده في أثناء الحرب العالمية الثانية، حيث بدأت التحولات السياسية والفكرية في الجزائر تتحدث عن مرحلة ما بعد الاستعمار ببداية اندحار فرنسا المستعمرة أمام دول المحور وانكشاف عورة الاستعمار الفرنسي وبداية العد التنازلي لفكرة الاستعمار الاستيطاني. وكان مولده بمدينة (البليدة) في الجزائر، وسط عائلة محافظة، ونشأ في أحضان القرآن الكريم، واللغة العربية، ودرس في المدرسة الإصلاحية، التي أنشأتها الحركة الوطنية، ...
دراسته ومراحل تعليمه :
ودرس مراحل التعليم الابتدائي والثانوي في الجزائر، ثم التحق بالجامعة في الموسم الجامعي 1966 ـ 1967 بعدما تحصل على شهادة البكالوريا، وسجل بمعهد اللغة والآداب، وقد دفعه إلى هذا الاختيار عشقه للغة العربية التي لا تزال صورة من صور التحدي للتيار التغريبي الفرنكفوني، تخرج عام 1970 بدرجة ليسانس ((إجازة)) في اللغة العربية، وعلم النفس الصناعي .
ثم سجل بجامعة القاهرة قسم الدراسات العلياـ ( تفسير ) .
ساهم مع إخوانه بالجامعة المركزية بالجزائر العاصمة في فتح مسجد الطلبة، وهو أول من أم صلاة الجمعة به، وحضر الصلاة 12 شخصاً منهم الشيخ محمد بو سليماني، وعبد الوهاب بن حمودة، ومالك بن نبي…
شيوخه وأساتذته:
تأثر الشيخ محفوظ نحناح بـ (مدرسة الإرشاد) التي هي مدرسة الحركة الوطنية، وشعارها: «الإسلام ديننا، والعربية لغتنا، والجزائر وطننا» كما تأثر النحناح بـ (جمعية العلماء المسلمين) التي هي جزء من الحركة الوطنية، إلا أنها تتميز بالإسلامية التي جعلتها نموذجاً آخر غير النموذج العادي في الحركة الوطنية، ومن زعماء هذه المدرسة الشيخ عبدالحميد بن باديس الزعيم الروحي للجزائر، والمفسر للقرآن العظيم، والمصلح والداعية الذي كان سلفي المنهج، صوفي السلوك، مجاهداً ضد الاستعمار، ومن زعماء هذه المدرسة الشيخ البشير الإبراهيمي العالم الفذ في الأدب واللغة والإصلاح والفكر، وصاحب الصولات والجولات الذي نقل حقيقة الثورة الجزائرية، وهموم الجزائر إلى كل أنحاء العالم الإسلامي، ومن زعماء هذه المدرسة أيضاً الشيخ الفضيل الورتلاني الذي تجاوز حدود الوطن ليصبح مصلحاً عالمياً ، وهو قرين الشيخ الإبراهيمي وأحد السياسيين المحنكين والعلماء الفطاحل والمصلحين المجددين، ترك آثاراً وبصمات في مصر واليمن وسورية وتركيا والجزائر.
وهؤلاء العلماء الثلاثة من جمعية العلماء المسلمين كان لهم التأثير الكبير في شخصية الشيخ محفوظ نحناح، بالإضافة إلى الأستاذ مالك بن نبي، والإمام الشهيد حسن البنا، والشيخ محفوظي الجزائري ، والشيخ محمد متولي الشعراوي، والشيخ محمد الغزالي، فضلاً عن المؤلفات القيمة للإمام ابن تيمية التي نهل منها الأستاذ النحناح ودأب على دراستها.
هذه الشخصيات والمدارس الفكرية كان لها أبرز الأثر في تكوين شخصية الشيخ محفوظ نحناح وتحديد مسارها وانطلاقها في حقل الدعوة الإسلامية المعاصرة.
فالإمام الشهيد حسن البنا مجدد القرن الرابع عشر الهجري، الذي نقل فكر الإسلام من النظرية إلى التطبيق، وعمل على وحدة الأمة الإسلامية وتخليصها من الاستعمار بكل أشكاله، كان له تأثير كبير جداً على الشيخ محفوظ نحناح فقد سلك طريقته ومنهجه وأسلوبه في الدعوة إلى الله، لأن الإمام حسن البنا ليس رجلاً محدود العمل في دولة أو قطر، بل كان يملك نظرة عالمية، تجمع بين المعاصرة والأصالة وهذا ما سار عليه الشيخ محفوظ نحناح وبخاصة بعد ارتباطه العضوي بحركة الإخوان المسلمين العالمية.
وكان يفقه مقولة الإمام الشهيد حسن البنا في توجيه الشباب حق الفقه ويضعها نصب عينيه إذ يقول الإمام البنا:
« ألجموا نزوات العواطف بنظرات العقول، وأنيروا أشعة العقول بلهب العواطف وألزموا الخيال صدق الحقيقة والواقع، واكتشفوا الحقائق في أضواء الخيال الزاهية البراقة، ولا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة ولا تصادموا نواميس الكون، فإنها غلابة، ولكن غالبوها، واستخدموها، وحولوا تيارها، واستعينوا ببعضها على بعض، وترقبوا ساعة النصر وما هي منكم ببعيد ».
أعماله والوظائف التي تقلدها :
شارك الشيخ محفوظ نحناح في ثورة التحرير الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي، وكان أحد فتيتها في البليدة إلى غاية 1962 ، وهو في ريعان الشباب، كان عمره 20 عاماً.
وقد عاش فترة الثورة المسلحة بين المجاهدين، كما شارك في المظاهرات الشعبية الجماهيرية إلى جانب الشهيد محمد بو سليماني ومحمد بلمهدي، وينبغي أن نسجل أن الشيخ لم يتجه إلى المطالبة بالامتيازات والمكافآت التي طالب بها الكثير بعد الاستقلال
نشاطه العملي والدعوي:
بدأ الشيخ نشاطه الدعوي عام 1962 بمساجد العاصمة والبليدة، وفي سنة 1964 وضع الشيخ رفقة الشهيد بوسليماني اللبنة الأولى في الجزائر للجماعة الإسلامية التي تنبع من الفكر الأصيل، وكان هذا بمساهمة بعض أساتذة الأزهر الشريف، وجامعة عين شمس، وبغداد، وفلسطين .
وبقي الأخ نحناح يشتغل في حقل الدعوة الإسلامية لأكثر من ثلاثين عاماً .
جهاده ضد العقائد المنحرفة واعتقاله :
كان الشيخ محفوظ نحناح في مقدمة المسيرات التي تطالب بالمحافظة على الشخصية الإسلامية للأسرة ومواجهة كل دعوة غربية حيث قاوم المد الثوري الاشتراكي والثقافة الاستعمارية الفرنسية. وكان من أشد معارضي التوجه الماركسي والفرنكفوني والعقائد الضالة والأخلاق المنحرفة .
مما أدى إلى اعتقاله سنة 1975م، وحكم عليه بالسجن خمس عشرة سنة؛ بتهمة تدبير انقلاب ضد نظام الحكم آنذاك (( هواري بومدين )) حيث عارض فرض النظام الاشتراكي بالقوة على المجتمع الجزائري؛ باعتباره خياراً لا يتماشى مع هوية ومقومات الشعب الجزائري العربي المسلم، ودعا إلى توسيع الحريات السياسية والاقتصادية.
وكان السجن فرصة ثمينة للاستزادة من العلم من جهة، والمراجعة للأطروحات الفكرية والسياسية من جهة ثانية، وتفرغ في السجن للعبادة، وناقش نزلاء السجن، وكان سبباً في هداية الكثيرين، وقد تحول على يديه خلق كثير من السجناء عن الانحرافات السلوكية، وأصبحوا نماذج حسنة، فعرفوا طريق الحق، واستقاموا على منهج الإسلام .
وجهت للشيخ عدة تهم نسبت مثلها للأنبياء والمصلحين فتنقل بين سجون عديدة وقام بنشاط إسلامي لم تعرف السجون مثله في تلك الفترة .
الإفراج عنه بعد وفاة هواري بومدين :
وبعد وفاة الرئيس «هواري بومدين» يوم 27/12/1979م، وبعد زلزال الأصنام في 10/10/1980م، حيث كان سجيناً هناك أطلق سراحه بعد أن قضى خمس سنوات فقط ليواصل مسيرة الجهاد والبذل والعطاء وسرعان ما انخرط في العمل الإسلامي المنظم حيث صاغ بيان التجمع الإسلامي الكبير عام 1980.
جمعية الإرشاد والإصلاح :
- نظم الأستاذ محفوظ نحناح أول مهرجان إسلامي في الجزائر عام 1988.
ثم أنشأ بعد أكتوبر / تشرين الأول 1988 جمعية الإرشاد والإصلاح بالاشتراك مع الشيخ محمد بوسليماني الذي اغتالته الجماعة الإسلامية المسلحة عام 1994.
وجمعية الإرشاد والإصلاح هي : جمعية اجتماعية ، تربوية، ثقافية .
رفعتْ شعار : الحقّ، العمل، الإحسان .
وما زالت هذه الجمعية تعمل حتى يومنا هذا، وتصدر عنها ( مجلة الإرشاد ) بشكل دوري ، ويرأسها الأستاذ نصر الدين حزام الذي صرّح لمجلة ( الإرشاد ) : إننا نسعى من خلال الخطة الاستراتيجية أن يكون للجمعية تمثيل على المستوى القاري والعالمي .
الرؤية التي تقوم عليها الجمعية:
الريادة على المستوى الوطني والمغاربي في تقديم الخدمات الاجتماعية والنشاطات الخيرية والعمل الإغاثي، ونشر القيم الأخلاقية الفاضلة وتربية الناشئة وتقديم الخدمات التعليمية، ودعم الأسرة مادياً ومعنوياً، وتنمية النشاط الثقافي وأخلقته، والعمل على نشر ثقافة المحافظة على البيئة بما يسهم في البناء الحضاري للمجتمع الجزائري وكذلك المشاركة الدولية في العمل الإغاثي .
تأسيس رابطة الدعوة الإسلامية :
وقد ساهم في تأسيس ( رابطة الدعوة الإسلامية) عام 1989م لتوحد وتجمع كلّ الدعاة من أجل الحفاظ على الهوية الإسلامية ، وشاركه في هذا الجهد المبارك صفوة من علماء الجزائر ودعاتها منهم الشيخ أحمد سحنون رئيس الرابطة، والشيخ عبد الله جاب الله، والشيخ علي بلحاج، والشيخ محمد بوسليماني، والدكتور عباسي مدني، وغيرهم ....
تاسيس حركة المجتمع الإسلامي ( حماس ) في الجزائر :
كما أنشأ الشيخ النحناح ( حركة المجتمع الإسلامي – حماس ) يوم 30 مايو/أيار سنة 1991م، وانتخب أول رئيس لها، بالأغلبية، ثم بالتزكية .
وانتمى إليها كثير من أعضاء جمعية الإرشاد والإصلاح، واتصف خطابها السياسي بالواقعية، وقبول الآخر، وهو ما كان منطلقاً للاشتراك في التشكيلات الحكومية في الجزائر .
ثم تغير اسمها إلى ( حركة مجتمع السلم ) بعد صدور قانون جزائري يحظر استعمال وصف ( إسلامي ) على الأحزاب.
وتمكنت الحركة التي يرأسها نحناح من تحقيق مكاسب سياسية كبيرة؛ حيث شاركت بسبع حقائب وزارية في الحكومة السابقة، وتشارك بثلاث حقائب في الحكومة الحالية.
أخلاقه وسماته :
من صفاته الخلقية التي تلفت الانتباه إليه مظهره الأنيق، فلا تكاد تراه إلا في هندام كامل، جميل متلائم الألوان، ولحية لطيفة أعمل بها المقص تهذيباً وتشذيباً، وشعر مرَّ عليه المشط من قريب، فبدا مرتباً، وقد زانه الشيب وزاده وقاراً . يستقبلك بابتسامته العريضة التي لا تكاد تفارقه حتى في أقسى الظروف الملمة به، وكيف لا وهو الذي قال – و يا نعم ما قال – عالجوا القضايا الساخنة بأعصاب باردة .
أما بالنسبة إلى أخلاق الشيخ المجاهد محفوظ نحناح وسماته، والتوجهات الفكرية التي كان يعتنقها فهو ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين. ومن أهم توجهاته السياسية التي يعلن عنها : التعددية، والتداول السلمي للسلطة، والتعايش مع الآخر، وأهمية حوار الحضارات، واحترام حقوق الإنسان، ومشاركة المرأة في مجالات الحياة المختلفة التي تتناسب مع طبيعتها واحترام حقوق الأقليات، ويؤكد أهمية التداول السلمي للسلطة، كما يدعو إلى الوسطية، والاعتدال، ونبذ العنف والتطرف، والغلو في الدين.
ويمتاز الشيخ محفوظ نحناح بقدرة هائلة على الاتصال والتنقل، فقد زار القارات الخمس داعية وحاملاً رسالة الوسطية والاعتدال، كما طاف كل محافظات الجزائر، وأسس فيها أنشطة دعوية وتربوية وخيرية متنوعة.
وكانت مواقف الشيخ نحناح تتسم بالاعتدال والتوازن، فقد عارض موقف الحكومة من الانتخابات، كما اعترض على دعاة العنف، وحمل السلاح.
وهو الذي صاغ بيان التجمع الإسلامي الكبير سنة 1980م، كما نظم أول مهرجان إسلامي سنة 1988م، ونادى بإنشاء رابطة تجمع كل الدعاة من أجل الحفاظ على الهوية الإسلامية سنة 1989م، كما أنه انضم إلى علماء العالم الإسلامي في توقيع وثيقة ترفض التنازل عن أي شبر من أرض فلسطين، واعتبرها وقفاً إسلامياً لا يجوز التفريط فيه أو التنازل عنه.
ترشحه للانتخابات الرئاسية :
ترشح الأستاذ ( محفوظ نحناح ) في الانتخابات الرئاسية التي جرت في نوفمبر/ تشرين الثاني 1995 مع الرئيس اليامين زروال، وسعيد سعدي، ونور الدين بوكروح، وحصل على المرتبة الثانية بعد زروال بمجموع أصوات تجاوزت ثلاثة ملايين صوت حسب النتائج الرسمية المعلنة. وتعتبر هذه الانتخابات الرئاسية أول انتخابات في العالم العربي والإسلامي يشارك فيها زعيم حركة إسلامية بهذه الصفة.
لكن منع نحناح من الترشح مرة ثانية للانتخابات الرئاسية التي جرت عام 1999 بحجة أنه لم يكن أحد مجاهدي حرب التحرير -حيث إن امتلاك "الشرعية الثورية" شرط قانوني للترشح لانتخابات الرئاسة في الجزائر- لم يمنعه ذلك من مساندة ترشيح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في تلك الانتخابات.
والحق يقال: إن الشيخ محفوظ نحناح فيه من مواصفات الزعامة والقيادة ورباطة الجأش وقوة التحمل والصبر على المكاره ما يرشحه للأمور العظيمة والأحداث الجسام.
فهو كفؤ لذلك، وأهل لتحمل التبعات والتكاليف لأنه من فرسان هذا الميدان وصاحب القدح المعلى في المكرمات.
أفكاره وطروحاته:
من أهم الطروحات التي يدافع عنها الشيخ محفوظ نحناح هي: الشورى، والديمقراطية، والتطور، والتسامح، والتعايش، والاحترام المتبادل، واحترام حقوق الإنسان، ومشاركة المرأة في مجالات الحياة، وحوار الحضارات، واحترام حقوق الأقليات، وتوسيع قاعدة الحكم، والتداول السلمي للسلطة، واحترام الحريات الشخصية والأساسية، والوسطية والاعتدال، وتجسير العلاقة بين الحاكم والمحكوم على ضوء هدي الإسلام وتعاليمه.
وكان يرى ضرورة تغليب المصلحة الوطنية على المصلحة الحزبية والشخصية، ويدعو إلى التمييز بين ضرورة وجود الدولة وتقويتها، وبين منافستها ومعارضتها والمطالبة بخلعها وذهابها عند إساءتها، ويرى أن المشاركة في قاعدة الحكم أولى من الروح الانسحابية أو المعارضة الراديكالية.
وكان موقفه واضحاً من وقف المسار الانتخابي بالجزائر ويعتبره خطأ كبيراً من الحكومة، ولكنه لا يرى معالجة خطأ الحكومة بحمل السلاح وجزّ الرقاب والحقد والتدمير وإهلاك الحرث والنسل.
وفيما يتعلق بالغزو الأمريكي للعراق، كان واضحاً غاية الوضوح، فقد دعا إلى بلورة موقف متقدم لقوى الأمة العربية لضمان حركة المعارضة للاحتلال الأمريكي للعراق ومواجهة استراتيجيات الهيمنة على الأمة العربية والإسلامية.
وفي الجزائر طالبت حركته (مجتمع السلم) بفتح قنوات الحوار أمام الجميع وإيقاف حملات العنف والعنف المضاد، والتكفل بالعائلات المتضررة من جراء المأساة الوطنية ورفع العقوبات التعسفية التي طالت بعض المواطنين من جراء انتماءاتهم السياسية، وتعويض المتضررين منهم، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وسجناء الرأي، بالتوازي مع إقامة محاكمات عادلة للمتورطين في الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان وكرامة المواطنين. والعمل الجاد من أجل العودة بالبلاد إلى الوضع المستقر الآمن الذي يعيش فيه المواطن وهو آمن على نفسه وأهله من تغوّل السلطة أو استهداف المخرِّبين. وضرورة انصراف الحكومة إلى تأمين احتياجات المواطنين الجزائريين ورفع العنت والظلم عنهم وتيسير سبل الحياة الكريمة لهم، ولكل طبقات الشعب دون استئثار أو تفضيل لطبقة على طبقة أخرى، أو الاهتمام بشريحة من المواطنين دون أخرى، فالحكومة مسؤولة عن جميع المواطنين دون استثناء أو تمييز.
مواقفه :
كان للشيخ محفوظ نحناح مواقف كثيرة تدل على أصالته وصدق لهجته وعمق فهمه للأحداث وطرح المفاهيم المستقاة من الإسلام كتاباً وسنة، والمأخوذة من مواقف السلف في معالجة ما يستجد من أحداث وقضايا ومشكلات في حياة الناس والمجتمعات وطرح الحلول الناجعة لعلاجها والتصدي للآراء المنحرفة والأفكار البعيدة عن المنهج الإسلامي الصحيح.
ومن هنا نجد أنه بعد التشاور مع إخوانه وعرض وجهات النظر للقضايا والاستهداء بالكتاب والسنة وما أجمع عليه سلف الأمة، يكون اتخاذ القرار الحاسم في المواقف دون تردد لأنه يرى وإخوانه أن في ذلك مصلحة للأمن والوطن، ومن ذلك دخول الانتخابات التشريعية، بل إنه رشح نفسه لانتخابات الرئاسة سنة 1995م، وحصل على المرتبة الثانية بأكثر من ثلاثة ملايين صوت حسب النتائج الرسمية المعلنة.
كما شارك الأستاذ نحناح في العديد من المؤتمرات والملتقيات الدولية في الدول العربية والإسلامية والآسيوية والإفريقية والأوروبية والأمريكية.
موقفه من العنف :
وكان مسار حركته «حركة مجتمع السلم» نبذ العنف والحفاظ على قيم المجتمع الجزائري، وتبني الإسلام وثوابت الأمة الجزائرية، والسعي لإقامة السلم والوئام الوطني في الجزائر وحماية حقوق الإنسان وكرامة المواطن. والحركة تعتمد الحوار على الحل السياسي وضرورة فتح قنوات الحوار أمام الجميع.
وقد أدان الشيخ محفوظ العنف بكل صوره وأشكاله سواء من الدولة أو من الجماهير، واعتبر أن هذا غريب عن منهج الإسلام والمسلمين، وكرّس جهوده للدفاع عن العقيدة الصحيحة وقيم الوسطية والاعتدال.
وقد دفعت حركته ضريبة غالية من دماء أبنائها، إذ ذهب أكثر من خمس مئة شهيد من إخوانه ومحبيه ومناصريه وعلى رأسهم رفيق دربه الشهيد الشيخ محمد بوسليماني الذي اغتيل عام 1994م على يد مسلحين تكفيريين.
وأذكر أن الشيخ بوسليماني زارني في مكة المكرمة وشرفني في بيتي في نفس العام، وقد وجدت فيه الخلق الإسلامي والتواضع الجم، وإنكار الذات، والفهم العميق لدينه، والوعي الرشيد لمرحلة الدعوة، وأكبرت فيه فقهه لطبيعة المرحلة ومتطلباتها، ولا غرو في ذلك فهو من إخوان النحناح وأعوانه الخلص. ولقد دخلت حركة (مجتمع السلم) الانتخابات النيابية وحصلت على 70 نائباً، كما شاركت في الحكومة بسبعة من الوزراء.
ورغم التدخلات وخلط الأوراق فيما بعد، بقيت الحركة «مجتمع السلم» لها ممثلوها في البرلمان الجزائري وفـي الحكومة، وإن كـانوا بعـدد أقـل من السابق.
رحلاته ومحاضراته:
كانت للأخ محفوظ على مدار العام رحلات طويلة وقصيرة طوف فيها أرجاء العالم العربي والإسلامي والعالم الغربي وإفريقيا وآسيا، فقد زار الولايات المتحدة الأمريكية وألقى عدة محاضرات بواشنطن، كما زار إسبانيا، وفرنسا، والسويد، وألمانيا، وبريطانيا وإيطاليا، وأوربة وآسية وإفريقية ، والتقى أثناء زياراته لهذه الدول بزعماء وكبار مسؤولي هذه الدول ، وشارك في عدة مؤتمرات ، وملتقيات دولية ، وألقى فيها جميعاً محاضرات، تحدث فيها عن قضايا الإسلام والغرب وحقوق الإنسان والديمقراطية، وشارك في عقد الندوات .
كما تعددت، وتكررت زياراته ومحاضراته وندواته في المملكة العربية السعودية والكويت، وقطر، وسورية، والأردن، والسودان، والمغرب، وليبيا،.. وغيرها.
وكان في معظم محاضراته يركز على :
- ضرورة الالتزام بالمنهج الوسط، والتدرج في الخطوات، وعدم الانسياق وراء الدهماء والعوام لأن أهواء العوام وأهواء الحكام لا تهادن كما يقول شيخه وشيخنا الأستاذ محمد الغزالي -غفر الله له- .
ومن أهم الأطروحات التي دافع عنها الشيخ محفوظ نحناح: الشورى، والديمقراطية، والتطور، والتسامح، والتعايش، والاحترام المتبادل، واحترام حقوق الإنسان، ومشاركة المرأة في مجالات الحياة، واحترام حقوق الأقليات، وحوار الحضارات، وتوسيع قاعدة الحكم، والتداول السلمي على السلطة، واحترام الحريات الشخصية والأساسية، الوسطية والاعتدال، وتجسير العلاقة بين الحاكم والمحكوم.
ويرى النحناح أن التطرف والغلو يعطي المسوغات للأنظمة الجائرة وأزلامها من العلمانيين فرصة الانقضاض على الحصون الإسلامية.
وكرس مشواره الدعوي منذ أكثر من 3 عقود في الدفاع عن العقيدة الصحيحة وقيم الوسطية والاعتدال، ورأى أن الخطأ الكبير الذي ارتكبته السلطة لا يعالَج بخطأ حمل السلاح، وجز الرقاب، وثقافة التدمير والحقد.
دفعت حركته ضريبة غالية، وهي اغتيال أكثر من 500 من إطاراتها وأنصارها، من بينهم الشيخ الشهيد (( محمد بوسليماني ))، كما أن له مواقف واضحة من الاشتراكية، والعلمانية، والجهوية، والصهيونية، وقضية فلسطين، وأفغانستان .
- شارك مع وفد العلماء الذي توجه إلى بغداد.
ومن محاضراته التي ألقاها أثناء رحلاته محاضرة «الصحوة الإسلامية.. واقع وآفاق» ألقاها في المغرب سنة 1990م وكانت تتصف بالاتزان، وتبشر بخيار المصالحة بين الأنظمة والحركات الإسلامية المعتدلة، فضلاً عن موقفه المؤيد لتسوية إيجابية لقضية الصحراء. وكان طيلة فترة توتر العلاقات المغربية الجزائرية صوتاً للحكمة والتعقل داخل الجزائر، داعياً إلى تسويتها بمنطق الحوار والتفاهم المتبادل للمصالح المشتركة. وكان حريصاً على التواصل مع القوى السياسية والوطنية بالمغرب.
وفي محاضرة له في عمَّان بالأردن كان فيها واضحاً غاية الوضوح، وصريحاً غاية الصراحة، لم يهادن أحداً، وهو يعرض الحقائق على الأرض بتفاصيلها، ويشخص الوضع الجزائري بكل أبعاده، ويصف الحرب المستعرة بين الحكومة وحملة السلاح في الجبال، وكيف أن الأفعال وردود الأفعال هي المسيطرة على دوام الاقتتال وذهاب الأرواح وتخريب البلاد. وهذا الأسلوب يأباه الإسلام، وترفضه تشريعاته وأحكامه، فإن الدم المسلم غال ومحترم، والنفس البشرية مصونة ومعصومة. وتلك ولا شك فتنة وبلاء، ومحنة ومصيبة، أحرقت الحرث والنسل، وولّدت الشحناء والبغضاء، والخاسر فيها هو الشعب الجزائري والدولة الجزائرية على حد سواء، وحين سؤاله عقب المحاضرة عن الذي يجري في الجزائر أجاب: هناك تيار يريد ربط الجزائر بباريس وتيار آخر يريد ربط الجزائر بابن باديس.
فأدرك السامعون القصد، وفهموا سر الصراع بين الإسلاميين والفرانكفونيين بالجزائر.
في سجل الخالدين :
لقد حفظ التاريخ اسمه ، وخلّد أفعاله ، وأشاد الأعلام بأخلاقه وصفاته الحميدة هذا، وقد أُلفت عنه الكثير من الكتب من أهمها:
1-(رجل الحوار محفوظ النحناح) .
2- و(خطوة نحو الرئاسة).
3- وداعاً محفوظ نحناح – جمع فيه جميع كلمات التأبين والبرقيات والرسائل التي قيلت بعد رحيله عن هذه الدنيا الفانية .
مؤلفاته :
كما أن له الكثير من المحاضرات المطبوعة وأهم كتبه هو:
1-الجزائر المنشودة ( المعادلة المفقودة : الإسلام.. الوطنية.. الديمقراطية ).
وله أكثر من ألف شريط مسجل يضم الكثير من المحاضرات والدروس وخطب الجمعة والندوات والمؤتمرات والأحاديث الصحفية... وغيرها.
غابَ الشهابُ، وأطفئَ المصباحُ :
جاء نعيه على لسان الناطق الرسمي باسم الحركة الأستاذ سليمان شنين الذي قال: «ننعى إلى العالمين الإسلامي والعربي وفاة الشيخ محفوظ نحناح رجل الوسطية والاعتدال والتسامح الذي سيترك رحيله فراغاً كبيراً على المستويين الوطني والدولي».
والشـيخ محـفوظ رئيس حركـة (مجتمع السلم) يتولى منصب المراقب العام للإخوان المسلمين في الجزائر منذ سنة 1981م لحين وفاته.
وكان رحمه الله قد قاسى المرض الخطير أكثر من سنة، حيث استقر في دمه وعظامه، ولكنه كان صابراً لا يشكو، وقد ذهب إلى فرنسا للعلاج، وبعد ثلاثة أشهر عاد إلى وطنه لتقرير الأطباء استحالة العلاج، فكانت وفاته بين أهله وإخوانه الذين يحبهم، ويحبونه يوم 19/6/2003م، عن عمر ناهز الحادية والستين .
ونقل إلى مثواه الأخير بمقبرة العاليا، حيث ووري جثمانه الطاهر في المربع المقابل لمربع الشهداء وذلك يوم الجمعة 20 جوان 2003م ، وشيعه أكثر من مئة ألف جزائري .
أقيمت له التشريفات الرئاسية بصفة استثنائية في حضور كبار المسؤولين، ووصفت الجنازة أنها ثاني أهم جنازة في البلاد ،بعد الراحل هواري بومدين، وقرأ رسالة التأبين نائبه وثالث رئيس لجمعية الإرشاد والإصلاح الحاج حمو مغارية.
وبعد وفاته خلفه الأخ الداعية (( أبو جرة سلطاني)) ، ثم قاد مسيرة الدعوة من بعده المجاهد عبد الرزاق مقري منذ المؤتمر الخامس سنة 2013– وما يزال – تحفه رعاية الله.
رحم الله الداعية المجاهد محفوظ نحناح رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته مع النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً. والحمد لله رب العالمين.
قالوا عن المجاهد محفوظ النحناح :
1-وصفه المستشار عبد الله العقيل فقال : (( أول من حدثني عنه، وذكر لي صفاته وأخلاقه، هو الأخ مصطفى الطحان الذي التقاه بالرياض سنة 1972م، ثم التقيت به في الكويت والمملكة العربية السعودية، والجزائر، وألمانيا، وفرنسا، وبريطانيا، وتركيا، مرات عدة، وعلى سنوات متتابعة، حيث اللقاءات مع قادة الحركات الإسلامية في العالم كل عام تقريباً.
من أجمل تلك اللقاءات لقاء كان في ألمانيا وآخر في فرنسا، حيث اجتماعات مجلس الشورى العالمي للإخوان المسلمين. وكنا في فترات الراحة نتجاذب أطراف الحديث، ونتبادل المداعبات والطرف التي كان يتحفنا بها أستاذنا الحاج عباس السيسي الذي يعطر المجالس بطرفه ولطائفه، ويدخل السرور على إخوانه، ويشاركه الأخ الدكتور الحبر نور الدايم من السودان، والأخ محفوظ نحناح.
ولقد تكررت اللقاءات في مكة المكرمة في مواسم الحج والعمرة في رمضان، كان يزورني في البيت والرابطة وفي بيوت الإخوان ومساكن الطلبة الجزائريين.
وكذا الحال أثناء زياراته للكويت بجمعية الإصلاح الاجتماعي، والهيئة الخيرية الإسلامية العالمية، ومنزل الأخ عبد الله المطوع، وبقية إخواننا الكويتيين.
وكنت معجباً غاية الإعجاب بعصاميته وقوة شخصيته وفقهه الدعوي والسياسي وفصاحة منطقه وبلاغة عباراته ونبرات صوته وصدق تحليلاته وجرأته وشجاعته وصبره ومصابرته وقدرته على الحوار، وإقناع الآخر بوجهة نظره، وعمق إيمانه بدينه.
2-ويقول عنه رفيق دربه الأخ المهندس مصطفى محمد الطحان الأمين العام للاتحاد العالمي للمنظمات الطلابية:
«التقيته أول مرة سنة 1972م في إطار لقاء الندوة العالمية للشباب الإسلامي في الرياض.. وفي عام 1973م كنت في زيارة للمغرب، ثم الجزائر.. وعندما أنهيت معاملة الوصول وخرجت، وجدت الأخ محفوظ نحناح يستقبلني فاتحاً ذراعيه ولا أنسى حرارة ذلك اللقاء وأهميته وفائدته، ذهبنا في سيارته الصغيرة «الفولكس واجن» إلى بلدته (البليدة) وأقمت عنده في بيت العائلة الواسع الكبير.. وفي أحد مساجد العاصمة جلست أستمع لدرس الشيخ محفوظ الذي كان كالنهر المتدفق.. كلمات واعية.. وإيماءات واضحة.. وتوجيه سليم.. وإخوة شباب يلتفون حوله يسألون الشيخ عن درسه.. وعما بعد الدرس..
واستغربت أن يكون مثل هذا الطرح الجريء.. والأيام الحاكم فيها «هواري بومدين» والتوجه للدولة اشتراكي علماني.. ويظهر أن شيخنا قرر أن يقول كلمة الحق واضحة ويعتصم بالصبر مهما تكن النتائج.
وذهبنا إلى مسجد الطلبة بالجامعة المركزية الذي ساهم في فتحه الأخ محفوظ وخطب فيه خطبة الجمعة، وكانت الأوضاع وقتها في الجامعة بعيدة كل البعد عن المظهر الإسلامي. وحين سألته: الأوضاع صعبة يا شيخنا.. أجابني: «ولتعلمن نبأه بعد حين». وبعد هذا كنت أزور الجزائر مرة في السنة. وفي مرة زرنا معاً القاهرة، وكنا على موعد مع رجالات الدعوة الذين خرجوا لتوهم من غياهب سجون عبدالناصر التي قضوا فيها ما يزيد على العشرين عاماً. وكان لقاءً موفقاً سعد به الجميع أعقبه عهد وموثق. وفي سنة 1975م تم اعتقال الشيخ محفوظ نحناح والحكم عليه خمسة عشر عاماً بعد نشره بياناً بعنوان (إلى أين يا بومدين)؟
وفي عام 1990م لقيت الشيخ محفوظ في طرابلس الغرب في الاجتماع المخصص لمناقشة قضية الاحتلال العراقي لدولة الكويت كان البعض يؤيد العراق والآخر مع حق الكويت وحرية أبنائه.. ورأيت الشيخ محفوظ نحناح يزأر كالأسد، ويقول: كلكم مهتم بحفظ ماء وجه صدام حسين.. ولا أرى أحداً يهتم بدماء أهل الكويت..
وكان آخر لقاء في إسطنبول بشهر يوليو تموز سنة 2002م، عندما جاء مع أسرته لقضاء فترة نقاهة بعد آلام مبرحة ومعالجات طالت لم أعرف يومها ذلك، فقد كانت صلابة المجاهد تغلب عليه، خاصة عندما يتعلق الأمر بشخصه». انتهى.
- الشيخ أبو جرة سلطاني : ودعنا تاركاً في أعناقنا أمانة ثقيلة .
- السيدة حرم الشيخ محفوظ نحناح : ينهض باكراً ويأمر أهله بالصلاة، كما كان يحب في بعض الأوقات أن يختم القرآن الكريم بين أهله لم ينس أبداً عروس الأمة الإسلامية فلسطين الحبيبة .
- الدكتور يوسف القرضاوي : عرفته داعيا إلى الله على بصيرة مجندا لخدمة الإسلام .
- الشيخ محمد أحمد الراشد : رسخ يوم هبت العواصف . وفصح يوم تلعثم المترددون وجسر . وأقدم يوم هاب الواجفون . وصرح بالحق حين تخافت به الهامسون .
الرئيس عبد العزيز بوتفليقة يعزي الحركة في وفاة محفوظ نحناح
أسرة الفقيد العزيز والأخ المناضل رفيق الدرب الشيخ محفوظ نحناح حفظه الله ورعاه والإخوة أعضاء القيادة وإلى مناضلي حركة مجتمع السلم.
اليوم نفض الشيخ محفوظ نحناح يديه من دنيانا وأغمض عينيه عن سمائنا وتر ما للتراب للتراب وأسلم الروح لبارئها.
اليوم وقف به الأجل دون الأمل وهو في أوج الرجولة وقمة النشاط والأداء وذروة الإفادة والعطاء وحال بينه وبين غاية لا تدركها إلا نفسه الكبيرة بما له من نشاط لا يحده جهد ولا ينال منه تعب وبما له من صبر على المحن واقتدار على مواجهة الخطوب والتغلب على الشدائد.
مات الشيخ محفوظ نحناح وماتت معه البسمة التي لم تكن تفارق شفتيه، والبداهة التي سنت طرف لسانه الذرب، وذاكرة تنبؤ على الزمان وقدرة على ابتكار تعابير سهلة ممتنعة اعتصرت أحداث الزمن واستخلصت منها الحكمة والعبرة.
مات من كان عدة رجال في رجل ولكن ذكره لم يمت لأنه جزء من تاريخ هذا الوطن فما من مناسبة وطنية إلا وكان له فيها حضور وما من مشكل ألم بالجزائر إلا كان في حله مساهماً ومن قضية إلا ان له فيها رأي أو اتخذ منها موقفاً نابعاً من حبه لوطنه ومراعياً فيه مقومات مجتمعه وطموحات أبنائه النزاعين إلى العيش الكريم في مستقبل مأمون.
مات الشيخ محفوظ نحناح فمن يعزى في فقدانه؟ أيعزى أبناؤه وأسرته وأسرته هي أبناء الجزائر كلهم أم تعزى الجزائر؟
وطنيته لم تقف عندها بل حلق بجناحيه في آفاق العالم العربي والإسلامي والذي طاف به كخير سفير لبلاده وأحسن معبر ومحافظ عن مثله وقيمه وتسامحه أم يعزى العالم العربي والإسلامي؟
وبما يعزى فيه؟ وكيف؟ والعزاء في كبار الوطنيين العصاميين ليس في عبارات المواساة وتهوين المصاب ولكن في التأسي بسيرتهم والاقتداء بهم في عملهم والاحتفاظ بهم في الذهن نبراساً للسائرين في دروب الوطنية والعاملين على تنمية بلادهم وتطويرها الساعين إلى إسماع كلمة شعبهم وإعلانها.
سيقف المشيعون على رأسه وهو مسجى في قبره مطرقين برؤوسهم خاشعين بعضهم يمسح الدمع وبعضهم يمسك الغصة في حلقه وبعضهم يكتم آهة في صدره وكلهم في حسرة وأسى يستمعون إلى المؤبن وهو يتلو شيئاً من سيرته ونضاله وأعماله من لدن أن ولد في البليدة سنة 1942 إلى أن وافاه الأجل المحتوم ثم يهال على جثمانه التراب ويعودون من حيث أتوا ولكن هل حقاً تركوه وراءهم ولم بعد معهم؟
غن الشيخ محفوظ نحناح لم يعش لحياته ساعات وأيام وشهوراً وأعواماً حتى ينتهي بانتهاء الـ 62 من السنين ولكنه عاشها وطناً في وجدانه وضميراً حياً لمجتمعه وتفاعلاً مع آمال وطموحات شعبه ووعياً صادقاً لقضايا عصره
ومثل هذه الحياة لا تحتوي بلفظ ولا تقاس بزمن ولا تمتد في حياة بنيه كما تمتد في حياة الناس العاديين في أنسالهم اسما ودماً فحسب، بل تمتد في القلب عاطفة وفي العقل رأياً وفي السياسة موقفاً وفي المجتمع سلوكاً ومثالاً خاصة لدى المقربين منه المؤمنين بفكره السائرين على نهجه المتابعين لنضاله.
وإن أنسى لفقيد الجزائر محفوظ نحناح من شيء فلن أنسى البشاشة التي تنطق بها قسمات وجهه والأنس واللطف اللذين تتحدث بهما عيناه وحلاوة اللفظ وطلاوته مع محاوريه حتى في أشد القضايا خلافاً، وعفة اللسان في أحاديثه وخطبه وذلك التسامح السمح في معاملاته لأصدقائه كما خصومه،
ومواقفه الموفقة بين معتقده ومقتضيات عصره ونبذه المتطرف أياً كان مصدره، وفوق هذا كله وطنيته الصادقة العالية التي كانت تظهر أكثر ما تظهر حين تشتد بوطنه أزمة فيحمل الجزائر ويطير بها في الآفاق شارحاً بالقول الحق أسباب الأزمة ومدى وقعها وتأثيراً مبدداً من حولها الإشاعات والأغراض السيئة مبدياً الصورة الحقيقية لشعبه في عزيمته وكفاحه وطموحه وفي سمو مثله وقيمه وقدرته على الموجهة والصمود والتغلب على التحديات
فكان بحق ممثل الجزائر الذي لا يجارى ولا يبارى في بيانه وكان رجلها الأمين، يعز على في هذا الوقت الذي تفتقر فيه الجزائر لجهد ينفعها مهما كان ضئيلاً من أبنائها أن يغيب عنها ابنها البار عن محافلها ومنتدياتها وأن يترجل عن فرس الحياة الذي كان به سباقاً إلى خيرها ورخائها وأن لا يكون كما كان دائماً في الجموع العاملة على تنميتها وتطويرها.
ولكنها إرادة الله وإنا لإرادتك اللهم لخاضعون وللطفك مفتقرون ولرحمتك سائلون ومنتظرون فأمطر اللهم شآبيبها على فقيدنا الغالي عبدك الشيخ محفوظ نحناح بما أطاعك وجاهد في سبيلك وسبيل وطنه وبما أدى من جلائل الأعمال لم يخرج بهما عن الإيمان بك وبوطنه،
وحب الوطن من الإيمان، وأنزله اللهم في جنات النعيم منزلاً مباركاً بين الصديقين المقربين من عبادك وأكرمه اللهم بحبك في الباقية كما أكرمته في الفانية بحب معاصريه، ونسألك اللهم أن تهب الصبر والسلوان لأبنائه وأسرته وكل مواطنيه وأن تعوضهم فيه خيراً وتعظم لهم أجراً إنك أنت السميع المجيب.
جماعة الإخوان المسلمين تنعي فضيلة الشيخ محفوظ نحناح
وجاء في رسالة التعزية التي بعث بها المستشار محمد المأمون الهضيبي المرشد العام للإخوان المسلمين ما يلي : (( بسم الله الرحمن الرحيم
جماعة الإخوان المسلمين تنعي فضيلة الشيخ محفوظ نحناح :
الحمد لله تعالى المحمود دائماً وعلى كل حال، القائل في كتابه الكريم (( كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زُحزح عن النار وأُدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور )) والصلاة والسلام على رسوله الصادق الأمين الذي خاطبه ربه فقال )) إنك ميت وإنهم ميتون * ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون )) .
وبعــد :
فإن جماعة الإخوان المسلمين ليؤسفها أن تنعي لجميع أبناء حركتها الإسلامية وجميع مسلمي العالم رجلاً ممن تحسبهم – ولا تزكي على الله أحداً – من أصدق رجال الدعوة إلى الله تعالى بالحسنى والموعظة الحسنة، ومن الذين تميزوا بالشجاعة والإقدام وبالجهاد بالنفس والمال في سبيل إعلاء كلمة الله، وإقامة شريعته على هدى وبصيرة، هو العالم الجليل فضيلة الشيخ "محفوظ نحناح" رئيس حزب حركة مجتمع السلم بالجزائر.
وافاه الأجل المحتوم بعد أحقاب وأحقاب من الكفاح تخللتها أحداث جسام وخطوب عظام تقبلها بصبر وثبات، وتعامل معها بحنكة وبصيرة، فكان نعم الأخ والقائد في السراء والضراء.
نسأل الله تعالى أن يسبغ عليه واسع رحمته وعظيم غفرانه وأن ينزله منازل الأبرار الأطهار مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.
وإن جماعة الإخوان المسلمين إذ تنعي قائداً من قادتها الأبرار فإنها تتقدم للجزائر شعباً وقيادة وحكومة وإلى حزب حركة مجتمع السلم بالجزائر، وإلى آل الفقيد بخالص عزائها، وتدعو أن يخلفها ربها في مصيبتها بخير.
وسبحان الحي الذي لا يموت، وإنا لله وإنه إليه راجعون، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المستشار محمد المأمون الهضيبي المرشد العام للإخوان المسلمين.
[[القاهرة]] في: 19 من جمادى الآخر 1424 هـ 19 من يونيو 2003 م
مناقب محفوظ وكتلته الجمالية - بقلم / الشيخ محمد أحمد الراشد :
(( مضى واثقاً، بعد أن ضرب مثلاً للقيادة الناجحة التي تستوعب جيداً موازين الفقه الدعوي التي تحكم المواقف المشتبهة.
هذا هو موجز وصف شخصية أخي في الله، الفقيد الغالي، الهُمام الثابت على الدرب المستقيم، الأستاذ محفوظ نحناح رحمه الله.
رسخ .... يوم هبّت العواصف.
وفـصُح .... حين تلعثم المترددون.
وجَسَر وأقدم .... لما هاب الواجفون.
وصرخ بالحق .... حين تخافَتَ به الهامسون.
وفاصَلَ على بينة من الأمر يوم جنح الغَبشُ بأهله نحو الحلول الضبابية.
وقد راقبت صدورَ الدعوة على مدى نصف قرن، وصعدت عواطفي ونزلت سِيَر أجيال من القادة والزعماء ورجال الفكر الإسلامي، فأقنعتني مراقبتي الدقيقة أن وتيرة من الفقه الشرعي الموزون الممتزج بدروس تجريبية مقتَـبسة :
كانت تحرك النحناح حتى استوى في النهاية منتصباً شامخاً ضِمن الرموز الكبرى التي نُباهي بها ونفخر ونجعلها عناوين للدعوة الإسلامية الحديثة والمعاصرة، التي بها نقتدي، وإلى أفعالها نحتكم، وبحبها نرجو أن نلقى الله.
إنه مؤسس دعوة، وسابق، وصاحب إبداع، وليقل فيه القائل ما يشاء من عمق التجرد، وكثرة البذل، مع التواضع، والسكينة، إلاّ أن جميع ذلك يجعله مجرد شريك في هذه المناقب، وفي غيره من أهل الجزائر بركة، وقد نالوا من هذه الخيرات مثل ما نال، ولكن ميزة محفوظ الكبرى تكمن في إيمانه الشديد الذي أبداه بوجوب الحفاظ على الشروط الدعوية المتكاملة وعلى الطبيعة التدريجية التربوية للعمل الإسلامي حين أهدرها عن عمد أو نسيان من استحوذ على إعجابهم الصعود المفاجئ للصوت الإسلامي في الشارع الجزائري خلال مرسم واحد، لمَـا حدث الفراغ السياسي فملأته الخدمات الإسلامية.
كان المفترض في الدعاة أن يلوذوا بحقائق فقه الدعوة، وأن يميزوا أن كل توسع يتجاوز إتمام عملية تربية وتطوير الجيل الدعوي التأسيسي الأول: سيكون توسعاً خطراً يحمل في ثناياه احتمالات الاستعجال، بل والانحراف والإرهاق وإعنات الناس لو أرادوا الريث، وإحراج الحكومة إذا نوت توبة،
وقد كان هذا المعنى واضحاً لدى محفوظ، فاستمسك به، وأفتى إخوانه باللبث مع مفاد الوعي وأنْ لا تستفزهم المكاسب الأولية السريعة، فإنها ربما تأتي سهلة، ولكن يكون من بعدها دفع ضريبة كبيرة، ولات حين استئناف تربية واستدراك على قفص المراحل، وقد أبديتُ له تأييداً في ذلك، وصوّبت منحاه، وثنّيتُ على اختياره، وعضدتُه، في قلائل آخرين، ولكن الكثير من الدعاة غرّتهم الصورة الظاهرة، فذهلوا عن " الشروط المتكاملة " الضامنة لاعتدال السياسة الدعوية، فطفقوا مع الحلم الوردي باختصار الزمن، ولم يدركوا المجازفة الكامنة في دخول مرحلة العمل المتقدمة من دون تربية كافية وبناء تنظيم مكافئ لهان وحاولوا تحريك قدم محفوظ عن موضعها الثابت، فكان كالطود الثقيل، وأبدى عناداً واعياً، واستمسك بالذي انتهت إليه الموازنات العقلية والمذاهب التجريبية، غير آبه بهتاف العواطف، ثم انتظر حتى صدّقته الأيام والحوادث، وأخذت قصته مكانها المميز في التاريخ الإسلامي، وشهد له الفقه، وأذعن له الناشز، ويوم زرته في المستشفى بالعاصمة الفرنسية قبل موته بأسبوعين، بعد غيبة عنه طالت سنوات : قال لمن حوله مِن أعوانه وأركان جماعته : هذا الأخ الراشد أول من فهم موقفنا، وأيدنا، وشدَّ أزرنا، ولمح الخفي الذي غاب عن غيره .
وما كانت غير سنة واحدة بعد ذلك الموقف واللبث مع الثوابت الدعوية: حتى أظهرت الأقدار الميزة الكبرى الثانية لمحفوظ، يوم حصل الاختلاط، وصاحت صيحات الثأر والهدم والدم، وأصاب الناسَ الرعبُ، فأبى محفوظ التورط، ولاذ بالعفاف والبراءة من الدم، والتمس أسباب السكينة والطمأنينة ليشيعها بين جماعته وعموم الناس، وآمن بالحوار، والسلام، وثبت عند الرؤية الحضارية، ونَبَذ العنف، وأدرك أن تراكم مفردات العمل الحضاري المنطلق من المعايير الإيمانية هو الكفيل بإنقاذ الجزائر من وهدتها، في خطة طويلة الأم، لكنها مأمونة العواقب، وجازفت عناصر الغوغاء بذبح بو سليماني رحمه الله، مستفزة له محاصرة له في الزاوية الضيقة، لينفجر ويكون شريكاً في الخطأ، فكان رحيماً بالدعوة وبالجزائر وبمنافسيه الذين أبقوا الخنجر محمولاً في كفوفهم يقطر منه الدم، وأنزل الله تعالى السكينة على قلبه، وتحالم، وكبت، ولعن الشيطان، واعتصم بالرحمن، وعارض بكفه العاصفة، فتكسرت ريحها العاتية، وبقيت تتناقص حدتها، وحافظ على جماعته أن يبددها جهل وردود فعل انتقامية، وكَتَب التاريخ الإسلامي قصة ثانية من قصص محفوظ يلقى به ربه واثقاً معتداً.
ثم يأتي متبطر ظالم لنفسه وللناس ليقول: أخطأ محفوظ في خطبته يوم كذا، وصرح بما لا نرضاه في الصحيفة الفلانية، وصدق المعترض، وأنا على ذلك من الشاهدين، ورصدتُ لمحفوظ زلات لسان، وتعابير مفضولة، وكلمات مرجوحة، ولكن أين هذه الصغائر من تلك " الكبائر الخيرية الإيمانية الواعية " التي وُفق لها ، وألهمه الله إياها إلهاماً ؟.
لقد كان محفوظاً بحفظ الرحمن، وبشريته التي وقف عندها الناقدون تجاوزتها ملائكيته التي حلّق بها في الأسماء.
هذا، مع روح بدوية أصيلة فطرية يلتذ بها المتعامل معه حين يقترب منه فينفتح، وكرم وعزة نفس وشمم، وفهم عربي أصيل رصين لمعاني الشرع المبين، مكّنه منه تخصصه في اللغة العربية، أضاف جمالاً إلى مناقبه الحسنى، رحمه الله رحمة واسعة، والأمل أن يلحظ أعوانه وخلفاؤه تلك الكتلة الجمالية لرجلٍ من المؤمنين سُـمي في الناس بمحفوظ النحناح، فيراعوها، ولا يخدشوها، بأن يلتزموا وحدة الكلمة من بعده، وتقديم حق الجماعة على حقوقهم الفردية، فإن الجمال قد ندر.
تعزية الشيخ أحمد كفتارو مفتي الجمهورية العربية السورية
((لقد فقد الشعب الجزائري أحد كبار أعلام التجديد والترشيد الديني والإصلاح السياسي والاجتماعي، وعزاؤنا أنه ترك خلفه منهجاً فكرياً وثقافياً وبرنامجاً سياسياً وإرثاً نضالياً يحمله من بعده نخبة واعية متنورة قادرة على متابعة مسيرة العمل لتحقيق أماني وأهداف الأمة والمجتمع الجزائري في مستقبل آمن وزاهر مشرق رغيد.
ونحن ننتظر من الحركة أن تتابع دورها المهم في مسيرة البناء والتنمية للشعب الجزائري الشيق، وأن تكون كما هو مأمول منها دائماً في موقع الريادة والتضحية والبذل حتى تتحقق أماني أمتنا الإسلامية بالتقدم والازدهار والعزة والكرامة.
رحم الله فقيدنا وأسكن روحه أعلى درجات جناته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً. وألهم الأمة والمجتمع الجزائري وأهله وذويه الصبر والسلوان وعوض الأمة الخلف الصالح. وإنا لله وإنا إليه راجعون
ودمتم في رعاية الله وتأييده .
دمشق 20/4/1424 هـ /الموافق لـ 20/6/ 2003 م
تعزية الشيخ صلاح الدين أحمد كفتارو رئيس مجمع أبي النور :
(( السادة أعضاء حركة مجتمع السلم وآل الفقيد الغالي بالجزائر.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
ببالغ الحزن والرضا والتسليم بقضاء الله وقدره أبعث إليكم باسمي واسم العلماء والهيئة الإدارية والتدريسية والطلبة في مجمع الشيخ أحمد كفتارو بخالص عزائي ومواساتي بوفاة المجاهد الكبير فضيلة الشيخ محفوظ نحناح الذي بات بحق أحد أكبر أعلام رواد الحركة الإصلاحية والتجديدية والنهضوية.
وإني لأسأل الله تبارك وتعالى أن يتغمده بواسع رحماته وأن يسكن روحه فسيح جنانه مع النبيين والصديقين والشهداء وأن يلهم الأمة والمجتمع الجزائري الشقيق الصبر والسلوان وأن يعوض الأمة الخلف الصالح. وإنا لله وإنا إليه راجعون
ودمتم في رعاية الله وحفظه
دمشق في 20/04/1424 هـ / الموافق لـ 20/6/2003 م
صلاح الدين أحمد كفتارو .
محفوظ نحناح الرجل .. والرجال قليل : بقلم : د. توفيق الواعي :
رحل عنا الأستاذ محفوظ نحناح، رجل الفكر والعقيدة ورجل المواقف الصعبة والأزمات الجسام، صاحب العقل الناضج والفكر النابه، والحجة البالغة والذاكرة الوهاجة، والبصيرة النفاذة، والرؤية الصادقة،
والعزيمة الخارقة، والشخصية الفذة، إذا جلست معه أحسست من أول وهلة أنك أمام قائد واسع المدارك عالي الأفق عميق المعرفة بحاله وزمانه ودعوته، وإذا حادثته تبين لك صدق لهجته وسعة حجته وعم نظرته وحجم فراسته وعظم إخلاصه، وزخم حماسته، يكلمك عن حال الأمة، فتشعر باللوعة في صدره والمرارة في حلقه، ولكنك تلمح الأمل في تحليله ونبره، ويحدثك عن المشكلات التي يشيب من هولها الولدان في بلده ..
ولكنه يستبعد اليأس في خطته والوهن في كفاحه وعزيمته، ويعرض عليك الواقع المؤلم في حكومته والداء العضال في مجتمعه .. ولكنك تلحظ قارورة الدواء في جعبته وأضواء الهداية في دعوته.
وإذا حاورته أحسست أنك أمام رجل صلب العريكة، قوي الشكيمة، رابط الجأش، ثابت الجنان، غير هياب أمام الباطل ، ولا جازع في مواجهة النكبات، عارض قانون الثورة الزراعية الفاسد عام 1971م في الجزائر واعتبره قتلاً لروح الإبداع والمبادرة الحرة، وعارض ميثاق ودستور عام 1976م
لأنه جاء دون استشارة الشعب، فضلاً عن أنه جاء ليكرس الحرب على قيم المجتمع وأصالته وتراثه الثقافي والفكري، فاتهمه النظام الدكتاتوري الشمولي بمحاولة تحريض الشعب على العصيان، ومحاولة قلب نظام الحكم، فأُلقي القبض عليه، وحُكم عليه بالسجن خمسة عشر عاماً وأُطلق سراحه عام 1980م
كان حريصاً على دينه، ناصراً لإسلامه داعياً إلى ربه، لا يكل ولا يمل، فكان من بين المساهمين في تنظيم التجمع الإسلامي الكبير بالجامعة المركزية عام 1982م وصاغ بيان التجمع المذكور، ودعا عام 1989م إلى تأسيس رابطة الدعوة الإسلامية وكان أحد أعضائها، وبعد الانفتاح السياسي ترأس جمعية الإرشاد والإصلاح الوطني التي تأسست في عام 1989،
وبعد أقل من سنتين أسس حركة سياسي هي حركة المجتمع الإسلامي "حماس" التي تغير اسمها فيما بعد إلى حركة مجتمع السلم، كان الرجل واسع المدارك كبير العقل ينتفع بالتجارب ويعتبر بالتاريخ ويفهم الأساليب والمتغيرات، ويدرك قواعد العمل في الدعوات، وكان يعي دائماً ويتمثل قول الفيلسوف مالك بن نبي: "لا يكفي أن تملك فكرة، ولو كانت أصيلة وصحيحة، بل عليك أن تملكها وتملك وسائل تنفيذها وكذا الحفاظ عليها".
فكان الرجل يضبط حركته بالوعي، ودعوته بالموضوعية، وأساليبه بالواقعية، فلا استعجال حتى تنبت البذرة وتعظم الشجرة تنضج الثمرة، ولا تقاعس عن العمل والإخلاص للحركة، وهو بهذا كان تلميذاً نجيباً لدعوة الإخوان المسلمين وللشيخ البنا رحمه الله إذ يقول: "لقد خابت المتحمسين منكم أن يتريثوا وينتظروا دورة الزمان، وإني لأخاطب المتقاعدين أن ينهضوا ويعملوا، فليس مع الجهاد راحة، والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سُـبُلَنا وإن الله لمع المحسنين (العنكبوت:69).
ولهذا يقول الشيخ نحناح رحمه الله: "الحركة الواعية تنظر إلى الواقع بموضوعية، وتستعمل أدوات التغيير بوعي، وتدرك أنها أمام ألوان من النفسيات والأمزجة والمخلفات الجاهلية والتطلعات المستقبلية والتحولات التاريخية والتشكيلات السياسية، فلا تتبرم ببطء سقيم الفكر، ولا تنزعج من مستعجل عديم الفقه كثير الشبهات، لأنه:
إمـا مستعجل يريد اللحاق بموكب التاريخ المشع قبل الأوان.
أو مستعجل يريد قطف الثمار قبل اكتمال النضج.
أو مستعجل يريد مزاحمة الأواهين والحزانى.
أو مستعجل يريد تحقيق مآرب شخصية آنية.
أو مستعجل يريد دفع الموكب نحو الهاوية.
أو مستعجل يريد انطلاقاً مجنحاً بدعوى الخروج من الفتور واليأس.
أو مستعجل لأمانته التي استؤمن عليها ويعمل على إفساد ذات البين ويريد السير فو أنقاض وجماجم من قبله.
وبعض المستعجلين يضعون صيغاً تبريرية لاستعجالهم بدافع الخوف على الحركة من التميع والتصدع ولكنك إذا أسندت إليهم أمراً كانوا أعجز من حمله، وإذا ولوا مسؤولية كانوا لها أضيع، وإذا ما استؤمنوا كانوا لها أخون، ولا ينفي هذا أن ثمة مستعجلين يريدون الخير، كما لا ينفي أن يكون هناك من يخشى أن تفوت الفرصة، وهذا لا يغير من الضرر شيئاً.
ثم يبين الشيخ رحمه الله معالم الحركة الدعوية الواعية فيقول:
"الحركة الواعية هي التي تكون مفتحة العيون والآذان والعقول لكل ما حصل من أحداث أو ما يكن أن يحدث، وتربط النتائج بالأسباب، غير مغفلة موازين القدر الإلهي، تقع عينها على الحياة من غير تجسس، وتتابع أذنها من غير تحسس، وتعمل عقلها من غير رجم بالغيب أو سوء ظن لأن بعض الظن إثم، وكم أدى ذلك إلى مزال شرعية، أو مهالك حركية، أو سقطات حضارية، إلخ".
كل ذلك جعل عقلية الرجل عقلية عملاق في الدعوة والإصلاح، كتب في كل ما يعالج أمراض أمته، فكتب في الكثير من الموضوعات الشائكة من أمثال: "المنهج الدعوي والمنهج الدموي" "الحركة الواعية بين الفجر الصادق والفجر الكاذب" "الحركة الواعية وإرادة التغيير" كل ذك جعل الرجل الفارس المعلم في حل الأزمة في بلاده على المستويين الداخلي والخارجي فكانت مناقشاته على المستوى الشعبي، ولما ترشح لرئاسة الجزائر،
نال ثلثي الأصوات فيما نال الرئيس اليمين زروال ثلث الأصوات، وتغيرت النتيجة ونجح زروال، فتبسم الرجل، وعرف من وراء ذلك في الداخل والخارج ورضي بكفاحه في سبيل أمته ودعوته، ورحل الرجل وودعته الأمة بالدموع، وودعه إخوانه في الدعوة بالصبر والدعاء والاحتساب بقلوب حزينة وعيون دامعة يقولون فيه ما يرضي الرب: إنا لله وإنا إليه راجعون، وإنا على فراقك يا محفوظ لمحزونون، وسلام عليك في الأولين والآخرين.
والحمد لله رب العالمين
كلمة عزاء من الشيخ فيصل مولوي الأمين العام للجماعة الإسلامية بلبنان :
(( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً.
فُجعت الحركة الإسلامية في الجزائر فبوفاة أحد كبار رموزها الشيخ محفوظ نحناح، رئيس حركة مجتمع السلم والذي كان من أبرز القيادات الشعبية بعد قيام التعددية السياسية.
بدأ الفقيد الكبير عمله الإسلامي عام 1970، في ظلّ نظام الحزب الواحد في عهد الرئيس بومدين، الذي كان يحاول (فرض النظام الاشتراكي) فانضمّ إلى الحركة الإسلامية، وراح يوزع مع إخوانه "المنشورات التحريضية الداعية للجهاد" حتى تم اعتقاله عام 1967، وحكم عليه بالسجن خمسة عشر عاماً، لكن أُطلق سراحه عام 1980 بعد وفاة بومدين.
ومع انفتاح أجواء الحريات في عهد الشاذلي من جديد، راح الأستاذ محفوظ نحناح يراجع نفسه، وبدأت صلاته مع جماعة الإخوان المسلمين، وتبلورت أفكاره الإصلاحية، فكان يجوب الجزائر يخطب في المساجد ويحاضر في المنتديات داعية إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة، رافعاً لواء الخير، محرضاً الشباب على أن يكونوا كالشجرة (يرميها الناس بالحجارة، وترميهم بالثمر)
وفي أواخر الثمانينات أسس (جمعية الإرشاد والإصلاح) مع رفيق دربه الشيح محمد أبو سليماني رحمه الله. وفي عام 1989 ساهم في تأسيس رابطة الدعوة الإسلامية التي يرأسها الشيخ محمد سحنون لتكون مرجعية للعمل الإسلامي في الجزائر، وفي عام 1991 أعلن تأسيس (حركة المجتمع الإسلامي).
ثم اضطر إلى تغيير هذا الاسم إلى (حركة مجتمع السلم) بسبب صدور قانون الأحزاب عام 1997 الذي منع تسمية أي حزب سياسي باسم إسلامي.
وفي هذه الفترة المليئة بالنشاط والحيوية والعمل، أصبح الأستاذ النحناح رجل (الوسطية والاعتدال والتسامح). وشهدت الجزائر أسوأ مراحل تاريخها المعاصر، عندما ألغى الجيش النتائج الأولية للانتخابات النيابية عام 1991،
والتي أشارت إلى فوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ وحل هذه الجبهة، واعتقل قياداتها في السجون، وهرب الكثير من الشباب إلى الجبال وأعلنوا الثورة المسلحة، فبدأت حرب أهلية لم تنته فصولها حتى الآن، رغم انحسار العمل المسلح، خاصة بعد أن رفعت الجبهة عنه الغطاء، وأعلنت إيقاف أعمالها القتالية في ضوء الجرائم البشعة التي طالت النساء والأطفال الأبرياء، وبعد الاقتناع بخطورة هذه الممارسات على الجزائر، واستحالة تحقيق أهدافها، وقد تركزت القضايا المثارة في هذه المرحلة على مسألتين كان للأستاذ النحناح موقف واضح في كل منها:
الأولى: ضرورة التواصل بين مختلف شرائح الشعب الجزائري، واعتماد الحوار والانفتاح والتعاون، ورفض فكرة الاستئصال لأي جماعة مهما كان فكرها. وكان الأستاذ النحناح رائداً في هذا المجال، وهو كان يعتبر الإسلام جامعاً أساسياً للشعب الجزائري،
ثم كان ممن طرحوا اعتبار (الإسلام – العروبة – الأمازيغية – ثوابت وطنية). وأضاف إلى ذلك التواصل والحوار حتى مع غير الإسلاميين (من اليساريين أو المتفرنسين) في مسعى واضح لإشاعة أجواء السلم الأهلي، وإعادة بناء الجزائر وطناً لجميع أبنائها.
الثانية: ضرورة بناء الدولة، ورفض الخروج عليها. والدعوة إلى إصلاح المجتمع لا إلى تخريبه وتمزيقه. ومن أجل ذلك فقد خاض الأستاذ النحناح حرباً شعواء ضد الفكر المتطرف الذي يرفع الإسلام شعاراً له، ويستبيح القتل والتدمير. وتعرض على الاتهام بأنه يعمل مع (النظام الجاهلي) ضد (الحركة الإسلامية).
بل وأقدمت (الجماعة المسلحة) على قتل عدد كبير من أنصاره على رأسهم الشيخ محمد بوسليماني رحمه الله، لأنه رفض أن يفتي لهم بصحة ما ارتكبوه من أعمال. ولم يغير ذلك من قناعته، لأنه كان ينطلق من الإسلام، دين الهداية والرحمة، ويجيد قراءة الواقع المحلي والإقليمي الدولي، ويؤمن بالعمل الإيجابي البناء وبالتدرج الطبيعي في الإصلاح والتغيير.
أيها لفقيد الحبيب. يا فارساً ترجل وهو في ذروة العطاء. يا قائداً أخلى الساحة اليوم لكنه ترك وراءه نخباً من القيادات، قادرة على ملء الفراغ ومتابعة المسيرة. يا رجلاً صدق ما عاهد الله عليه، وظل يجاهد بأعز ما عنده حتى توفاه الله. لقد خالفناك في بعض اجتهاداتك السياسية، لكننا نشهد اليوم أمام الله وأمام الناس، أنك كنت مثالاً في الصدق والالتزام والعمل، تضع الإسلام في ميزانك قبل الحركة،
وتعتبر مصالح الأمة قبل مصلحة الجماعة، بل وترفض التعارض في هذا المجال، وتصرّ على التكامل وتجعل نفسك وجماعتك في خدمة الأمة وقضاياها.
طبت حياً وميتاً، تغمدك الله بواسع رحمتك، ولأهلك ومحبيك أحر العزاء، وإنا لله وإنا إليه راجعون )) .
الشيخ فيصل مولوي
الأمين العام للجماعة الإسلامية في لبنان
كلمة في تأبين الشيخ محفوظ نحناح - رحمه الله - للشيخ راشد الغنوشي - رئيس حركة النهضة الـتونسية :
بسم الله الرحمن الرحيم
إخوان الراحل الحبيب وأبناءه في حركة مجتمع السلم وأصدقاءه وعامة أهلنا في الجزائر الشقيقة السلام عليكم وعظّم الله أجركم في أخينا الحبيب الشيخ محفوظ نحناح أبرز قيادات ومؤسسي مسيرة الدعوة الإسلامية داعية السلم والرفق والتدرج والوحدة الوطنية والديمقراطية والحوار والمشاركة والرفق والذود الدائم عن الفئات المستضعفة وعن الشباب والنساء.
بكل ذلك ضمن اعتصامه وتذكيره الدائمين بثوابت الوطنية الجزائرية من عروبة وإسلام وتضامن وحفظ لكيان الدولة في كل الأحوال، والتصدي لكل محاولة للنيل من هذه الثوابت. ومن ذلك رفعه بلا هوادة الغطاء الديني عن كل تسويغ تحت أي ظرف لتصديع تلك الثوابت.
فقد ساح داعية السلم شرقاً وغرباً عبر ارتياد المؤتمرات يحاور أرباب السياسة والفكر ذاباً عن دعوته ووطنه مشفقاً على شباب الأمة أن تزج به حماقات الطيبين ومكايد الحاقدين في مراحل مبرمجة وتصرفه عن قضايا أمته الحقيقية في الحرية والعدل والوحدة والتضامن والتحرير
ولا سيما القضية الكبرى قضية فلسطين التي كانت هم الراحل الأعظم، حتى كانت مسك ختام مجاهداته، إذ أبى وهو يغالب الموت في آخر جولاته معه إلا أن كون مس ختام مجاهداته تنظيم وقيادة مسيرة لنصرة فلسطين والعراق.
لقد كان الحبيب الراحل جمعاً من فطاحل الرجال متعددي الاهتمامات قد جمعتها قدرة الخلاق في رجل بل وطناً وأمة اختزلتنا في شخص.
وفي مثل هذه المناخات من الحزن والأسى التي تصاحب مصيبة الموت وليس أي موت وإنما موت العلماء والدعاة وهم ملح الأرض وزكاؤها كثيراً ما يرد على ألسنة المتحدثين ذكر آثار نبوية تعظّم من فاجعة فقدان الأمة لعلمائها حتى لكأن ذلك علامة على اتجاه الحياة إلى الذبول وشمسها إلى المغيب وبساط هنائها إلى انقباض من مثل قوله عليه السلام فيما رواه البخاري "إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا" أو كما ذهب بعض المفسرين إلى أن المقصود من إنقاص الأرض من أطرافها في الآية الكريمة (( أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون )) (الأنبياء 44) - هو موت العلماء.
وفي هذا الصدد يمكن تفهم بعض المقالات التي رددت بصدد هول الصدمة بفقدان الأخ الحبيب الراحل والفراغ الذي سيتركه على كل الساحات التي صال فيها وجال المحلية والدولية يطفئ الحرائق ويوقد شموع الأمل ويذكي روح المحبة والحوار والتضامن والتعاون وسعة الصدر، ولا سيما على صعيد الحركة التي أسسها وصاغها على صورته، فقيل إن حركة مجتمع السلم هي محفوظ ومحفوظ هو حركة مجتمع السلم وهي كلمة حق نرجو أن يكون أريد بها الحق ولي التلويح بأمارات الساعة كلما حلت بالأمة مصيبة. مع أن المصائب في حياة الأمم والجماعات وحتى الأشخاص عندما تكون قوى الحياة راسخة متمكنة فيها تغدو باعث حيوية وتجدد، وليس نذير شؤم وانهيار.
تقديرنا أن البناء الذي شاده الشيخ الراحل هو من التمكن والرسوخ بحيث لن ينال - بحول الله - غيابه الجسدي من استمرار نهجه في الفهم الوسطي المعتدل والحوار والمشاركة والقبول بأي هامس للحرية مع العمل الدؤوب على توسيعه والحرص على الوحدة الوطنية ورهانه على الخيار الديمقراطي والسير به نحو التحرر من كل وصاية –كما شهدت بذلك نصوصه – كاهتمامه بقضايا المرأة والشباب والعنوسة والعزوبية وقضايا الأمة ولا سيما في فلسطين والحرص على وحدة صف الإسلاميين، ما أحسب أن الأيام ستأخذ من أطراف جماعة تأسست على مثل هذه الوسطية والمنهج الديناميكي المتفاعل بالإسلام والوطنية مع متغيرات الساحة الوطنية والدولية.
ولو أن نهج الوسطية الذي شقه الرسول الأعظم لهذه الأمة وعمل رواد الإصلاح في العصر أمثال الشيخين عبده والأفغاني والشيخين ابن باديس والإبراهيمي والمجددين الكبيرين البنا والمودودي، وما الشيخ الراحل غير امتداد لهذه السلسلة المباركة، قلت لو أن مسيرة الجماعة يمكن أن تتوقف أو تنتقص بموت أحد لتوقفت أو انتقصت بموت النبي عليه السلام وهو ما أفزع الخطاب وهز كيانه هزاً، حتى تداركه الصديق بكلمة رشد إذ قال أيها الناس من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت وقرأ: (( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفأيْن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم )) .
فاستعاد ابن الخطاب توازنه، وشّمر عن ساعد الجد ؛ ليرتفع بمستوى مسئوليته في حمل أمانة ميراث النبوة، واستنفر الصحب الكرام طاقات البذل والفداء والتصدي صفاً واحداً لدعوات الإرجاف والنكوص والتشقق فذهبت أدراج الرياح كل محاولات المرتدين في الإنقاص من أطراف الإسلام حتى قال الصديق : (( والله لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدونه لرسول الله لقاتلتهم عليه )) .
أيها الأحباب إن مصابكم ومصاب الجزائر مصابنا جميعاً في الراحل الكبير وبقدر عظم المصاب بقدر عظم التبعة لا فقط في الاحتفاظ بإرثه العظيم أن ينتقص من أطرافه وإنما أيضاً بالزيادة عليه فيكون لكل جيل من أجيال الدعوة كسبه المضاعف حفظاً لإرث من سلف وزيادة تليق باستعداداته.
رجائي في الله عظيم وثقتي فيكم ممتدة أن حركة مجتمع السلم هي الشيخ محفوظ نعم، وزيادة. فتثبوا جيداً في عناصر القوة في هذه الحركة المباركة لتحفظوها ومنها وحدة صفكم واجتماعكم ولو على أدناكم ارتضيتموه قائداً لمسيرتكم على نهج الشورى والوفاق، وانظروا فيما بعد إلى مساركم الاجتهادي هل من إضافة تحسينية تزكيه أو من خلل معيق يتخلص منه أو استيعاب مجدد لبعض من ندّ عن الصف في ظروف خاصة حافظ على استقامته، وما زال متوفراً على حظ من العطاء والجهد، ممن يمكن كسبهم إلى الصف مجدداً ..
والله يحفظكم ويرعاكم من قبيل (( وكان أبوهما صالحاً )) .
أيها الإخوة الأحباب أيها الأبناء الأشاوس لقد ترككم الراحل العزيز في قلب البوتقة الفاعلة في الجزائر فاستوعبوا الكسب وسيروا به نحو مجد جديد حتى ينام الراحل الحبيب قرير العين مطمئن النفس أنه قد أودع عصارة جهده وجهاده في أيد أمينة.
واسمحوا لي أيها الأحباب أن نتوجه إلى الرحمن الرحيم أن يلقّي أخانا البشرى ويهبه الزلفى وينزله الدرجات العلى جوار النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً "فاللهم أخلف أخانا الحبيب في أهله وإخوانه وأبنائه رجالاً ونساءً ووطنه الحبيب ومكانه في الأمة والإنسانية خيراً. اللهم ولا تفتنا بعده ولا تحرمنا أجره وأفض عليه من شآبيب فضلك ما يليق بمقام أوليائك عندك. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة الـتونسية
قال الإمام الشافعي – رضي الله عنه:-
الحر من راعى وداد لحظـة
وانتمى لمن أفاده لفظه
وقال الإمام أو محمد التميمي – رحمه الله -: "يقبح بم أن تستفيدوا منا ثم لا تترحموا علينا". ولست من دعاة الشخصانية ولم أكن في يوم من الأيام، ولا أحب تقديس الأشخاص والزعماء تحقيقاً للمنهج القرآني الذي يعلمنا الجمع بين الفكرة والزعيم، وذلك من خلال قولـه تعالى: (( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفأيْن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ... )).
وإنما هي شهادة للإنصاف، ولرد الأمور إلى نصابها في حق الشيخ المظلوم أو الذي أسيء فهمه من كثير من الناس، والله تعالى يقول: (( ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه ءاثم قلبه والله بما تعملون عليم )) (سورة البقرة الآية 283) وأحب أن أذكر المسلمين بقوله تعالى: (( ومن يكسب خظيئة أو إثماً ثم يرم به بريئاً فقد احتمل بهتاناً وإثماً مبيناً )) (النساء 112).
إنا لله وإنا إليه راجعون، وإنا لفراقك يا شيخنا لمحزونون، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا "رحمك الله، وجزاك الله عنا وعن الإسلام، وعن الجزائر خير الجزاء، وألحقك الله مع الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين" آمين.
وبعد :
فببالغ من التأثر والحزن والألم تلقينا نبأ وفاة أستاذنا وشيخنا الرئيس محفوظ نحناح – رحمه الله – الذي عرفته وتتلمذت عليه، فوجدته داعية فريداً صادقاً وقد بدأ التحرك لخدمة الدعوة الإسلامية واللغة العربية مبكراً.
وتجلى في محاضراته ودروسه وندواته وخطبه الفهم النقي للإسلام والنظر البعيد الذكي والجمع بين الصدق والفصاحة والتوازن بين السلفية والمعاصرة. فاستطاع - رحمه الله – أن يفتح كثيراً من القلوب الغلف، والآذان الصم والأعين العمي ووفق لذلك أيما توفيق.
عرفته محافظاً على تلاوة القرآن والأذكار اليومية. حتى عندما بلغ الصراع السياسي قمته، كان لا يفتح باب مكتبه للاستقبال حتى يكمل ورده وتلاوته.
أشهد بأنه ضحى بكل أوقاته للإسلام وللجزائر حتى إن الزوار والطلبة كانوا يقصدونه وهو يستقبلهم إلى ما يتجاوز منتصف الليل منذ الصباح.
عرفته متنقلاً كثير التنقل محلياً وعالمياً لنشر الدعوة ولخدمة الجزائر، وقد نذر حياته لهما، وقلما يجلس مع أولاده وأسرته - رحمه الله – حتى ليشعر المتأمل في حياته أنه من النوع الغريب الفريد الذي لا تجود الأمهات بهم إلا نادراً.
عرفته الجامعات والمساجد والمؤسسات ووسائل الإعلام ناصحاً محافظاً على الاجتماع والوحدة ومعادياً لكل دواعي الفرقة والفتنة.
وأشهد أنه كان كثير البكاء وسريع الدمعة خاصة في موضعين: عند قراءة القرآن وعندما تُعرض عليه قضايا المسلمين، في فلسطين والبوسنة والهرسك وما تفعله الحركات التنصيرية في بلاد المسلمين.
وقد حدثته مرات عن النشاط التنصيري عندنا في إفريقيا فأجهش بالبكاء كالأم التي يذبح ولدها أمامها وهي لا تستطيع أن تفعل شيئاً إلا الدعاء.
رحمك الله كم كان بكاؤك مؤلماً ودعاؤك مؤثراً وخطبك نافعة للدفاع عن قضايا الأمة الإسلامية وعلى رأسها فلسطين.
إذ كان يحب أن يردد كلمة الشيخ العلامة البشير الإبراهيمي – رحمه الله -: "إيه فلسطين، أمانة عمر في أعناقنا".
إن للشيخ محفوظ نحناح فضل كبير علينا في التعرف على مناطق الأمة الإسلامية لم نكن نسمع بقضاياها مثل:
البورما وكشمير والفلبين وسيريلانكا، خاصة وهو الداعية الذي كانت له علاقات واسعة المجال مع إخوانه من الدعاة والمصلحين والسياسيين والقادة والزعماء والرؤساء.
أشهد أنه كان يسعى لجمع كلمة المسلمين عملاً كما كان يدعو إليها على المنابر والمنصات، فهو الرائد في تأسيس رابطة الدعوة الإسلامية، والدعوة إلى التضامن الإسلامي، وتجمع العلماء والدعاة بالجزائر، إذ كنت مدعواً للمشاركة.
لم أسمعه يغتاب أحداً حتى من مخالفيه، إذ كان شديد الانضباط بالشرع، لم أسمعه يرفع صوته إلا في الدعوة، وكان حيياً بشوشاً باراً رحيماً بالناس قبل أولاده.
وعندما بدأ العمل التعددي كان التزامه بالشرع وضوابطه أشد إذ لم يستعمل الإشاعات عن مخالفيه، ولم يطعن، ولم يلعن، ولم يكن بالفاحش ولا البذيء.
إنه بكلمة أخرى رجل أوذي كثيراً ولكنه اتخذ الصبر والعفو مذهباً حتى آخر لحظة من حياته – رحمه الله – وأجزل له الثواب. وكان شعار الغاية تبرر الوسيلة أبغض شيء لديه.
وكان أول من دعا إلى الحوار وآثر المصلحة العليا للجزائر ولم ينتقم لنفسه حتى حين امتدت إليه أسنة وأيدي شقية بالأذى والبهتان، رحمة الله عليه.
ورفض أن يرد أحد من أتباعه عليهم وفضل مذهب الصبر والعفو متمثلاً قول الله تعالى: (( و يا قوم ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار ))، واعتمد في نصحه منهج: (( فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى )).
وبذلك يمكن القول إنصافاً للرجل بأنه أقام الحجة، وأبرأ ذمته أمام الله تعالى وأمام التاريخ إذ بلّغ كلمة الإسلام إلى مواقع ما كانت الدعوة تحلم بها، ولو لم يكن للرجل من الفضل والعطاء إلا ذاك لكفاه.
أتمثله أمامي في خطاب شامل أمام الملأ يتعرض لأزمة الجزائر وأسبابها والحلول المقترحة لإيقافها فيتأثر الحاضرون إذ منهم الكثير من يصغي لأول مرة لهذا النوع من الخطاب العلمي المقنع، والطرح الشامل الدال على اطلاع صاحبه، ومعرفته بآلام المسلمين وآمالهم.
و أتمثله وقد سأله أحد الصحفيين عن الرقص فأجابه، وكان متصفاً بحضور البديهة: "إذا كان الرقص على جماجم اليهود في فلسطين فنعم الرقص، أما الذي يستورد حليبه وغذاءه فأنى له أن يرقص".
وكان من مواقفه مواجهة الفتنة من داخل البلاد لا من خارجها فتعرض المخاطر وأذى واستمر متحدياً بالآراء والتصريحات الجريئة مما يدل على شجاعة الرجل وثباته، كل ذلك من أجل إيقاف النزيف، وحقن دماء المسلمين.
رحمك الله وأنت تتجرع الآلام وتمسح الدموع
رحمك الله وأنت تلتزم الصمت والعفو عن الأذى
رحمك الله وأنت تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر في ظروف أصبح فيها المعروف منكراً والمنكر معروفاً.
رحمك الله وأنت تتابع الأحداث والأخبار فتذرف الحارة على أمة محمد صلى الله عليه وسلم المجروحة.
رحمك الله وأنت تقدم المساعدات خفية لكثير من الأرامل والمغيبات وتشفع للذين آذوك واغتابوك واتخذوا المنابر للطعن فيك.
وأنت من كل ذلك بريء ويداك نظيفتان ولسانك طاهر حتى مع مخالفيك وجاحدي فضلك.
إن الشيخ محفوظ نحناح يعتبر بحق رمزاً من رموز الأمة الإسلامية القلائل الذين لم تجرفهم التيارات، ولم يميلوا مع الرياح حيث تميل. كرس حياته من أجل قضيتين: السلام والجزائر.
عاش لهما، وقام لهما، ونصح لهما، فكان له الفضل الكبير – بعد الله تعالى – مع جملة من المخلصين:
أولاً في تجنيب الجزائر حرباً أهلية تدمر كل شيء وترد المشروع الحضاري الإسلامي إلى الخلف أكثر من خمسين سنة.
ذلك لأنه أدرك بثاقب نظره أبعاد المؤامرة على الجزائر لتمزيقها ففضل مرة ومرات تغليب المصلحة العليا لوطنه وأمته وعلى رأسها وحدة الجزائر واستمرارها واستقرارها.
وثانياً: تجنيب المشروع الإسلامي كارثة تكون نتيجتها الردة الجماعية. فجزاه الله عنا وعن الإسلام كل خير. أقول فضل ذلك عن الانتقام لنفسه، وآثر التقرب إلى الله بالعفو عن الظالمين والمعتدين.
دعوته يوماً ليستريح وعلامات التعب والمعاناة بادية عليه فقال لي بكل صراحة، يا محمد يوم يستريح أعداء الإسلام والجزائر يستريح النحناح. هكذا يقف كالجبل الشامخ ثابتاً لا تزعزعه العواصف.
إن شخصية الشيخ محفوظ نحناح وتجربته ومدرسته جديرة بأن يستفيد منها حاملو المشروع الحضاري الإسلامي إذ البناء الإسلامي تراكمي يبني اللاحق على عمل السابق حتى لا نبدأ من الصفر كل مرة.
إن مدرسة الشيخ نحناح أضافت لبنة للبناء الإسلامي العظيم يجدر بنا أن نقف عندها مراجعة وتثميناً للمحاسن والإيجابيات.
إن الشيخ محفوظ نحناح له تجربة جديدة في العمل السياسي من الحكمة ألا نتجاهلها حيث وصل بالدعوة إلى منابر كان من الصعب إتاحة الفرصة للمسلمين الوصول إليها.
وأخيراً أشير إلى أن أمنية الشيخ كانت أن يستشهد في المسجد الأقصى، نرجو الله أن يبلغه منازل الشهداء. آمين هذه شهادتي وقد تركت الكثير خشية الإطالة ومثله من الممكن أن تقام له دراسات وأبحاث لعل المستقبل يظهر الكثير من الحقائق المجهولة عن الشيخ الذي ظُلم كثيراً.
ولقد صحبته عشرين سنة أو أكثر فما رأيت منه إلا خيراً وإصلاحاً. هذه كلمتي عنه لعلها تفي بشيء من حقه عليّ.
شيخي الكريم الحبيب
ومعذرة اليراعة والقوافي جلال الرزء عن وصف يدق
إن الأمة الإسلامية قد ودعت زعيماً من طراز خاص، لن ندرك الفراغ الذي تركه إلا بعد زمن، وداعية واقعياً لم يعد الجماهير بالخيال ومن الأبراج العاجية وكان أمله أن تستقر الجزائر على شاطئ النجاة وأن يعود المسجد الأقصى إلى المسلمين فتعم الفرحة الأمة وتشرق الحضارة الإسلامية من جديد ولكن شاءت حكمة الله أن يلتحق بالآخرة وترجو أن تكون الآخرة خير له من الأولى.
فما أشبه الشيخ بالرواد كالإمام عبد الحميد بن باديس، والإمام حسن البنا، والعلامة البشير الإبراهيمي - ألحقنا الله بهم في الفردوس الأعلى في مقعد صدق عند بليغ مقتدر - .
ذلك أن الشيخ لم يعمل ليمكن لنفسه، وإنما عاش للآخرين، فبقي أثره عميقاً في النفوس وثمرة جهاده تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها.
ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم فالشيخ قبل أن يموت بلحظات – كما بلغني بإسناد موثوق – كان يذكر أسماء الصحابة - رضي الله عنهم - واسم رسول الله، فأنعم بها من وفاة – ليلة الجمعة – رحمه الله، وألحقه بالصالحين، آمين.
الشيخ محفوظ نحناح .. فارس آخر يترجل : وكتب الأستاذ راشد الغنوشي
في جريدة (( الشرق الأوسط )) مقالاً يقول فيه :
(( بوفاة الشيخ محفوظ نحناح رحمه الله فقدت الساحة الإسلامية عامة والمغاربية خاصة رجلاً من خيرة رجالاتها لم تكد الساحة الإسلامية في العالم ولا الساحة السياسية في الجزائر تعرف خلال العشر سنوات الماضية في الحد الأدنى مثل الأخ والصديق الفقيد محفوظ نحناح شخصية اصطرع حول تقويم سياساتها ومواقفها كل المتابعين للشأن الجزائري الذي هو بدوره ظل على نحو أو آخر في صدارة العشرية المنصرمة، غير أنه مهما اختلف المرء مع فقيدنا فيما اجتهد واتخذ من مواقف كثيراً ما صادمت الرأي العام الإسلامي والسياسي فلن يملك إلا أن:
1- يعترف لهذا الرجل بسابقته في خدمة دعوة الإسلام على كل الجبهات منذ كان طالباً في الآداب فأستاذاً جامعياً لمادة التفسير، ودأبه على نشر مبادئ وقيم التجديد الإسلامي في الجزائر التي كانت يوم بدأ عمله قد استقلت حديثاً ، وكان من شباب ثورتها الكبرى، وكانت الآمال وقتها معلقة على استقلالها أن يحقق لها نقلة عظيمة إلى حياة إسلامية واعية باعتبار ثوراتها المتلاحقة منذ الأمير عبد القادر الجزائري إلى ثورتها التحريرية الأخيرة كان الإسلام مادة وقودها ولا سيما بعد العمل التأسيسي لجمعية العلماء المسلمين، غير أن صعود موجة العلمنة والاشتراكية والشيوعية في العالم خلال الستينات والسبعينات وما حظيت به ثورة الجزائر في مرحلتها الأخيرة من تأييد المعسكر الاشتراكي مقابل انحياز الحلف الأطلسي للمستعمر جعل من الاستقلال نوعاً من النصر الاشتراكي والعلماني ومنطلقاً لتطبيقات اشتراكية في المستوى الاقتصادي والسياسي وفرصة للنشاط اليساري الشيوعي، وذلك رغم انطلاقة موجة التعريب التي سيكون المد الإسلامي واحداً من ثمارها، ويشكل أكبر تحدٍ لتوجهها العلماني الذي عاد في النهاية يصب في حوض التغريب تواصلاً مع إرث الإدارة الفرنسية المنهزمة ولكن في حالة كمون.
وكان الشيخ محفوظ نحناح، والشيخ عباسي مدني ، والشيخ عبد الله جاب الله والشيخ محمد بوجلخة ، والشيخ محمد السعيد، ثم علي بالحاج ، ومصطفى براهمي .. في مرحلة تالية، من أبرز رموز الشباب المغاربي الذين قاموا منذ نهاية الستينات وفي أعقاب حل أول جمعية إسلامية بعد الاستقلال "جمعية القيم" نهضوا تحت رعاية عدد ممن تبقى من شيوخ جمعية العلماء مثل الشيخ عبد اللطيف سلطاني، والشيخ أحمد سحنون، والأستاذ مالك بن نبي .. يتصدون لانحراف الثورة عن إرثها الإسلامي وإيغالها في نهج العلمنة والاشتراكية والحكم الفردي، وما تطورت إليه من تغرب ولائكية لا سيما في عهد الشاذلي بن جديد ، لقد مثل الشيخ محفوظ جسراً مهماً جداً لنقل الأفكار الإصلاحية المشرقية والمناهج التربوية التي مثلها فكر الإخوان المسلمين عامة إلى الجزائر والمغرب العربي على نحو ما سواء عبر التدريس وسط طلاب الجامعة أم كان في عمق البلاد عبر شبكة الماجد ولا سيما في منطقة الوسط التي ينتسب الشيخ إلى واحدة من أهم مناطق البليدة التي عرف أهلها بالنجاح في مجال الأعمال، فكان من أهم أركان بسط فكر الدعوة الإسلامية في هذا القطر الإسلامي المهم.
2- ليس الشيخ محفوظ مجرد داعية نشط وواعظ حديث أمكن لخطابه المتميز بالعمق الديني والهدوء والواقعية والمستوي الأدبي الرفيع وروح الدعابة وإنما كان إلى ذلك مربياً ومنظماً مؤسساً لجماعة إسلامية "حركة المجتمع الإسلامي" "حماس" التي تحولت لاحقاً إلي حركة مجتمع السلم انسجاماً مع قانون الأحزاب، انغرزت هذه الحركة بقوة في المجتمع الجزائري .
ولا سيما في الفئات الوسطي من الإداريين والإطار التعليمي والتجار والنساء والشباب ومرت بمرحلة السرية والتتلمذ علي الفكر الإصلاحي المشرقي الذي يكون النقل الحرفي له في المرحلة الأولي قاد إلي تصادم الحركة في طور نشوئها في النصف الثاني من السبعينات مع حكم بومدين فاعتقل الشيخ وثلة من إخوانه، وتعرض لصنوف من التعذيب، وأمضى بضع سنوات في غياهب السجون، حيث أمكن لي التخفي مع أسرته لزيارته بالمستشفى خلال تلك الفترة بمدينة "الأصنام" التي تعرضت خلال وجوده بسجنها إلى زلزال شديد ترك الشيخ فجأة في العراء
وقد تساقط كل ما حول وفرَّ من بقي على قيد الحياة بينما ظل هو ساكناً هادئاً في انتظار عودة السجن والسجانين، لقد مرت حركته من مرحلة النسخ عن المشرق إلى مرحلة التفاعل الجريء مع البيئة الجزائرية، لا سيما وقد تعرضت الجزائر لزلزال سياسي ربما لا يزال يحكم مسيرتها حتى اليوم هو حدث 5 أكتوبر 1988 الذي دكت فيه انتفاضة شعبية عارمة الدولة دكاً فعمت البلاد فوضى عارمة،
ومن هناك انطلقت مسيرتان كبيرتان، مسيرة الشيخين: عباس مدني، وعلى بالحاج اللذين امتطيا الموج العارم ومضيا به يكسوانه شعارات الدولة الإسلامية وتطبيق الشريعة، المسيرة التي حاول الشاذلي مجاراتها بإجراءات ديمقراطية على أمل احتوائها نهاية، وحتى بعد فوز الجبهة الإسلامية في الانتخابات البلدية، ثم وشوك فوزها في الانتخابات التشريعية ظل الشاذلي يواكب المسيرة ثقة في قدرته على احتوائها،
بينما الجيش رفض إسلام مصيره ومصالحه إلى الشاذلي وعباس مدني، فتحركت الدبابات أولاً لسحق جمهور عباس المتحرك في الشوارع، ثم تحركت لسحق صناديق الاقتراع وإلغاء الانتخابات، وطرد الشاذلي، والرهان على الجيش بدل حيل الشاذلي الديمقراطية لسحق الجبهة بأفق العودة بالجزائر إلى ما قبل زلزال 5 أكتوبر بالقوة،
أما الشيخ محفوظ - رحمه الله - فكان متوجساً من الإبحار مع الموج الهادر ربما بحكم مزاجه الهادئ وعقله المنظم وتجربته في الصدام، فمال إلى التهدئة، وحتى لما اضطر الشاذلي لفتح أبواب التعددية على مصراعيها، وانطلقت الجبهة كالصاروخ لتنزع من جبهة التحرير حزب السلطة قيادة أهم البلديات فقد ظل الشيخ محفوظ ملازماً موقف الحذر على تمام اليقين أن هذا الانفتاح مجرد خدعة لاحتواء الموقف وكشف حقيقة قوة ومواقع نفوذ الإسلاميين لتصفيتهم، غير أنه لم يملك - وقد أخذ المسار يفرض نفسه - نفسه من مسايرة الموجة ولكن بحذر، إذ عمل على القيام بنوع من التأمين على الدعوة فاستحدث لها كياناً مستقلاً عن التنظيم السياسي هو جمعية الإصلاح والإرشاد كما مد خيوط تواصله مع أصحاب السلطة الحقيقيين قادة الجيش لطمأنتهم على أن حركة مجتمع السلم تراهن على الإقناع بجل الإخضاع وطرائق السلم وليس المغالبة وأنه شددي الحرص على بقاء الدولة في وجه التهديد المسلح من الجماعات الذي تتعرض له وأن الجيش هو أهم ضمان لاستمرار الدولة والاجتماع الجزائري، ولم يتزحزح الشيخ عن هذه القناعات خلال أشد عنفوان الجماعات المسلحة وتغلغلها في الدمن والأرياف وحتى في العاصمة فضلاً عن الجبال، كان خطابه داخل الجزائر وخارجها يقارع تلك الجماعات وما تقوم عليه من تصورات فكرية وسياسية مبيناً تباينها مع ما يؤمن به من إسلام ومصلحة دعوته والوطن الجزائري، لم يرهبه ما تعرض له من حملات نقدية شديدة لنهجه ومن تهديدات لحياته لا سيما وقد أمكن لهم أن يجهزوا على أقرب أعضاده وخليفته المنتظر الشيخ "بو سليماني" رحمه الله، ولا أزال أذكر صلاتي يوم الجمعة في المسد المركزي بلندن خلال عام 1995 مع الشيخ وما راعني ـ وقد تخلفت قليلاً عن الشيخ لأسلم على بعض الأصدقاء ـ ونحن ندلف وسط جموع غفيرة من صحن المسجد إلى خارجه، إلا وجمع من الشباب يلتف حول الشيخ صارخاً في وجهه ثم ما لبث أن وجه إليه أحدهم لكمة كادت تفضي إلى كارثة – لولا تدخل بعض العقلاء للحد من غلواء أولئك المتطرفين، ولقد عجبت لمدى تماسك الشيخ وهدوئه وسط الخطر الذي أحاط به، ولعله بعد ذلك فرض على نفسه وضع ترتيبات لتنقله.
3- الثابت أن الجماعة التي أسسها الشيخ على عينه وصورته قد ثبتت بعد ثلث قرن من التقلب مع الموج الجزائري العاتي رقماً مهماً ومعطى ثقافياً وسياسياً واجتماعياً يمكن لك أن تتفق معه أو تختلف لكن لا مناص من أن تقر له حساباً، فقد وسع قاعدته في مستوى الشباب الطلابي وفي مستوى العمل النسائي ووسط فئات وساعة من الفئة الوسطى ومختلف قطاعات الدولة بما قدم من تصور هادئ متسامح يعطي مكاناً واسعاً في الإسلام لكل ما هو إنساني وجميل وحديث من ديمقراطية وحقوق إنسان وذوق جميل ومال وتجارة وترفيه حلال وروح دعابة إلى حس عميق تجاه المساكين والأرامل والعوانس ـ
وأحسب أن أكثر زعيم إسلامي تكلم عن ظاهرة العنوسة وأحس بمعاناة أعداد هائلة من هؤلاء الفتيات هو الشيخ محفوظ ـ كما حفل خطابه بخصوصية نادرة في تحركات التغيير عن الدفاع عن الدولة وضرورة المحافظة عليها من والخشية من الانفلات والفوضى، والحقيقة أن هذا الخط مثل خطاباً تليداً في تراث علماء أهل السنة زهدت فيه الحركة الإسلامية المعاصرة التي سادها خطاب التثوير والتغيير بسبب ما نالها من بأس الدولة الحديثة حتى كرهتها لدرجة تمني زوالها ولربما هذا الخطاب الوسطي الجامع لئن أغضب من الشيخ فئات واسعة من الإسلاميين ولا سيما في وسط الشباب والسياسيين الجزائريين فقد أمده بقاعدة مستقرة مضمونة ربما حتى في وسط الجيش وقياداته بما أفسح أمام الشيخ فرص الترشح إلى قمة الهرم السياسي إذ ترشح في انتخابات 1995 لمنافسة الرئيس زروال، ورغم أنه لم يفز إلا أن كل المتابعين لحملته الانتخابية يشهدون بتفوق مستوى خطابه وشعبيته بما جعل النتائج المعلنة موضع استفهام، وحاول مرة أخرى الترشح في مواجهة بوتفليقة إلا أنه أقصي بطرق ملتوية، تشهد مرة أخرى على أن اللعبة ممسوكة من فوق مسكاً محكماً، وأن هناك خطاً أحمر لا ينبغي للإسلاميين تجاوزه، ومع ذلك صبر الشيخ وواصل الصمود في مواجهة التيار الاستئصالي المتصاعد لا سيما بعد فشل الرهانات العنيفة وترجيح كفة نهج المصابرة والتعقل الذي انتهجه الشيخ ـ مع ما يمكن أن يؤاخذ به من شطط في هذا الصدد ـ وأمكن لصموده أن يفسح المجال أمام ما هو متاح دون الرئاسة من مواقع في المجلس التشريعي ظلت محجوزة لحركة مجتمع السلم، مواقع مهمة في المستوى النيابي والتنفيذي دربت كوادر مهمة لهذه الحركة نقلتها من مستوى الشعارات والعموميات إلى قلب العملية السياسية بما هي تفاعل بين المبادئ والواقع ، وهي أقوم الطرق لتطوير فكرنا الإسلامي في مجالات الاقتصاد والثقافة والتنمية والعلاقات الدولية وهو ما يعاني فيه فكرنا الإسلامي فقراً شديداً نتيجة نأيه منذ زمان عن ميادين التطبيق.
وإذا كان الموت قدر كل كائن حي فإنما تقاس حياة الرجال بما قدموه لأمتهم وللإنسانية وبما قدموا إلى ربهم ورغم أني طالما اختلفت خلال العشرية المنصرمة مع الشيخ -رحمه الله- فقد كان إعجابي كبيراً بثباته على ما يعتقد أنه حق ومصلحة وبشجاعته في الصدع برأيه مهما بلغ تباينه مع الجمهور، وقد خبرته عن قرب خلال إقامتي بالجزائر مدة سنتين، ولمست عن قرب مدى امتدادات وتشعب علاقاته التي لم يضن بها عنا، ولكن ومهما اختلف عنك ومهما أربدت الأجواء من حوله فقد كانت الابتسامة العريضة لا تكاد تغادر محياه الجميل ودعابته الحاضرة واستحضاره الدائم للعواقب وموازين القوة ومعية الرحمن الرحيم تماماً بنفس الحرص على أناقة المظهر من مثل تهذيب ذقنه وإحكام رباط عنقه وبذلته الحديثة العهد بالمكواة.
كل ذلك جعل من الشيخ طرازاً متميزاً في التنظيم الإسلامي تتفق معه أو تختلف لكن لا يمكن لك إلا أن تقدر فيه الشجاعة والثبات والسماحة والاعتدال والمرونة السياسية لدرجة البراغماتية والحس العميق بهموم الناس ومكانة الدولة في الجماعة لا سيما الدولة الحديثة والتعويل على الحوار والتفاوض والقبول نهاية بالممكن والمشاركة والامتناع مطلقاً عن ترك فرصة للخصوم للانفراد بالأمر العام. مثل هذه الشخصية ما أحسب أن ما أثارته في حياتها من جدل سينتهي بموت الجسد ولكن سيتواصل ما تواصلت المشكلات التي طرحتها والحلول التي اقترحتها.
رحم الله الأخ الصديق الحبيب الشيخ محفوظ بقدر ما جدد، وأشاع من قيم الإسلام العملية والتربوية والسياسية وحسن المعاملة، مما تحتاجه أمة وشعب ممزقان بالأحقاد ونزوعات التنافي ورحمه بما حرك من سواكن العقول، وفجر من قضايا عملية للتفكير والتأمل، رحمه الله في الأولين .
وعوض الله شعب الجزائر، وإخوانه مجتمع السلم، وأمة الإسلام خيراً، وأفرغ على ذويه وأحبابه جميل الصبر وجمعنا الله به في عليين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً.
برقية عزاء ورثاء بوفاة الشيخ محفوظ نحناح – فتحي يكن :
عائلة الفقيد الراحل الشيخ محفوظ نحناح، حفظكم الله جميعاً، وأعظم أجوركم. كنت أود أن أكون مهنئاً للفقيد بالانتصار، وبلوغ موقع القرار، وليس معزياً به ومودعاً الوداع الأبدي، في وقت الجزائر وأمته أحوج ما تكون إليه .. ولكنها مشيئة الله النافذة، وأقداره الجارية، ونداؤه العلوي الذي لا يرد.
أخي الكريم الأستاذ محمد مغارية وجميع قادة وأفراد "حركة مجتمع السلم" الجزائريـة.
عائلة الفقيد الراحل الشيخ محفوظ نحناح، حفظكم الله جميعاً وأعظم أجوركم. كنت أود أن أكون مهنئاً للفقيد بالانتصار، وبلوغ موقع القرار، وليس معزياً به ومودعاً الوداع الأبدي، في وقت الجزائر وأمته أحوج ما تكون إليه .. ولكنها مشيئة الله النافذة، وأقداره الجارية، ونداؤه العلوي الذي لا يرد:
يا أيتها النفس المطمئنة * ارجعي إلى ربك راضية مرضية * فادخلي في عبادي * وادخلي جنتي )).
وليس لنا حيال المصاب إلا أن نقول ـ مع العين الدامعة والنفس الحزينة الخاشعة ـ ما علمنا ربنا تبارك وتعالى: (( الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون ))- البقرة: 156
نودعك .. والعالم الإسلامي يواجه أعتى التحديات وأشرس المؤامرات من قوى الشر والطغيان، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل !
نودعك .. وبلدك الجزائر تعتصره مسيرة أحزان وآلام، ويتعرض لفتن عمياء ومآس صماء بكماء، تجعل الحليم حيراناً .. حيث المذابح وشلالات الدماء لا تتوقف .. وشر ما فيها أنها محسوبة على الإسلام!
يراد للجزائر أن تلغى من الخارطة، وتجتث من رحم العروبة والإسلام، وتعود القهقرى على زمن التخلف القبلي والعصبيات الجاهلية، بعد أن أشرق عليها نور الإسلام ردحاً طويلاً من الزمن، وأكرمها الله بثورة المليون شهيد، وختم لها بالنصر على الاحتلال الفرنسي الغاشم!
نودعك، وأملنا كبير في الأجيال التي ربيت، أن تتابع المسير، وتحقق الكثير الكثير مما تمنيت أن تحققه بنفسك لبلدك ولأمتك ..
وثم لا يفوتنا أن نقول لمن تسلم الراية من بعدك:
جعلكم الله خير خلف لخير سلف، وجمعنا وإياكم مع الراحل الحبيب، ومن سبقه بإحسان تحت لواء المصطفى العدنان - عليه أفضل الصلاة والسلام- ..
لكم ولعائلة الفقيد أحر التعازي، وخالص التحيات، مع صادق الدعاء، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
طرابلس ـ لبنان:
في 23 ربيع الثاني 1424 هـ / الموافق 24 حزيران 2003م.
أخوكم
فتحي يكن
رحيل الأستاذ محفوظ نحناح - بقلم مصطفى الطحان :
(( منذ سنة تقريباً .. والأستاذ الفاضل محفوظ نحناح يصارع المرض الخطير الذي استقر في دمه وفي عظامه .. المرض الذي وصفه الشاعر المتنبي بقوله:
وزائرتـي كأن بـــها حـــــــــــــــــــــياء فليس تـزور إلا في الظـلام
فرشت لها المطارف والحشايا فعافتهـا وباتت في عظامي
كان يصارع المرض بالنشاط والحركة .. وفي بعض الأحيان تتغلب عليه آلامه فتهدأ حركته ولا يشكو .. وكيف يشكوا من أصبح مسئولاً عن حركة؟!
كنت معه في أنقرة .. وكان معنا ثلة من رجالات الفكر والسياسة، كان يخرج من الندوة .. ويغيب أحياناً ثم يعود .. كنت أستغرب الأمر .. وبعد أكثر من سنة أخبرني بأن الآلام كانت تضطره إلى مثل هذا الخروج .. حتى لا يلاحظ ذلك أحد.
وأخيراً جاءناً نعيه على لسان الناطق الرسمي باسم الحركة الأستاذ سليمان شنين، فقد نعى إلى العالم الإسلامي والعربي وفاة الشيخ محفوظ نحناح رجل الوسطية والاعتدال والتسامح ..
مشيراً إلى أن رحيل رئيس حركة مجتمع السلم سيترك فراغاً كبيراً على المستويين الوطني والدولي، فهو يتولى منذ العالم 1981 منصب مسئول تنظيم الإخوان المسلمين في الجزائر.
وكان عاد إلى الجزائر الأسبوع الماضي بعد ثلاث شهور من العلاج في فرنسا فقد تأكد الأطباء استحالة شفائه من مرض سرطان الدم الذي تمكن منه .. فأراد هو وأراد إخوانه أن يموت في بلده .. بين أهله وأسرته .. وبين إخوانه الذين أحبهم وأحبوه.
وأجدني – وأنا أقف أمام هذا الحدث الجلـل – أقلب أوراق الذكريات الغالية مع الأخ محفوظ نحناح. التقيته أول مرة عام 1972 في إطار لقاء الندوة العالمية للشباب الإسلامي في الرياض .. شاباً في الثلاثين .. كل ما فيه ينطق: لسانه ورأسه ويداه .. ومنذ كنت وحتى اليوم عندما أحضر لقاءً مثل هذا، أتفرس في وجوه القوم، وأختار واحداً أو أكثر ممن تظهر عليهم علامات الوعي والحركية والتفاؤل .. فأصل أسبابي بأسبابه ..
في عام 1973 كنت في زيارة إلى الشمال الإفريقي بدأتها بالمغرب .. ثم الجزائر .. وعندما أنهيت معاملة الوصول وخرجت. وجدت الأخ محفوظ يستقبلني فاتحـاً ذراعيه .. لا أنسى حرارة ذلك اللقاء وأهميته وفائدته .. ذهبنا في سيارته الصغيرة الفولك فاجن إلى بلدته (البليدة) وهي على مسافة 50 كيلو متراً إلى الجنوب من العاصمة الجزائر، وأقمت عنده في بيت العائلة الواسع الكبير .. كل من يصادفك في هذا البيت يؤكد في ذهنك التدين والتواضع والخلق الحسن.
في طريقنا إلى أحد مساجد العاصمة الكبيرة، لنستمع إلى أحد الدروس التي يلقيها الأستاذ محفوظ في العديد من مساجد العاصمة ومساجد البليدة .. هناك جلست أمام النهر المتدفق .. كلمات واعية .. وإيماءات واضحة .. وتوجيه سليم .. وأخوة شباب يلتفون حولنا يسألون الشيخ عن درسه .. وعما بعد الدرس ..
واستغربت أن يكون مثل هذا الطرح الجريء .. والأيام أيام ( أبو مدين ) .. والتوجه اشتراكي علماني.. ويظهر أن شيخنا قرر أن يقول كلمة الحق واضحة، ويعتصم بالصبر مهما تكون النتائج .
وذهبنا معـاً إلى مسجد الطلبة في الجامعة المركزية .. وكانت بداية التحول في البلد كله .. فهي النواة التي تفرعت عنها جميع الاتحادات الطلابية .. وانتقلت من العاصمة إلى المدن الأخرى .. ومن سكن الطلاب إلى التجمعات المعنية، فأصبح الطلاب أطباء ومهندسين ومحامين .. شغلوا معظم فراغ المجتمع المدني ..
الأخ محفوظ (رحمه الله) هو من ساهم في فتح مسجد الجامعة، وهو أول من أدى صلاة الجمعة فيه.. في المسجد التقيت بالأخ الدكتور مصطفى براهمي.. ربطتني الرسائل معه منذ سنوات.. حتى كان لقائي به في مسجد الجامعة.. زرنـا سكن الجامعة.. وتحدث الأخ محفوظ، وتحدثت بعده.. اللغة نفسها والروح والتوجه كذلك.. في زيارتنا للجامعة.. كانت الأوضاع والمظاهر بعيدة كل البعد عن الشكل الإسلامي.. لباس الطالبات.. حركاتهن مع زملائهن، وهن رائحات غاديات أو جالسات على المقاعد أو مستلقيات في الحدائق..
سألته : الأوضاع صعبة يا شيخنا..
أجابني : ولتعلمن نبأه بعد حين.
اصطحبني الأخ محفوظ إلى لقاء حميم.. جميع قادة العمل الإسلامي من مختلف الاتجاهات: الإخوانية، والسلفية، والإنقاذية، والجزأرة، والصوفية .. وغيـرها كانوا في هذا اللقاء..
لقاء هؤلاء أمرٌ طبيعي.. وخلافاتهم مفتعلة.. كلفـت الدعوة والدعاة كثيراً من العناء والإرهاق والخسائر التي لا تقدر بثمن.
لو اقتصر أعداء الإسلام على إيغار صدور الإسلاميين بعضهم على بعض لكفاهم.. فهو الأمر الذي ينهك العمل الإسلامي، ويدمر الدعوة والدعاة..
لا أنسى أبداً الزفرات الحرّى التي كان يطلقها أخونا محفوظ حزنـاً على رفيق دربه رئيس جمعية الإرشاد والإصلاح الشيخ محمد بوسليماني، عندما سقط برصاصات على يد بعض الإسلاميين عام 1994. واستغربت الأمر.. فلم يكن يدور في فكري أن الأخ يمكن أن يقتل أخاه.. وسألت الأخ محفوظ : وهل أنت متأكد أنهم هم الذين قتلوه ؟
وقال والألم يعتصره : نعم نعرفهم بأسمائهم.. وليس الأمر أمر شهيد واحد بل عشرات.. ونحن نصبر، ونحتسب فلا نريد أن نشمت بنا الأعداء.
في هذه السنوات كنت أزور الجزائر مرة في السنة على الأقل وأستمتع بصحبة وأفكار وأنشطة أخينا محفوظ.. وفي مرة زرنا معاً القاهرة، وكنا على موعد مع رجالات الدعوة الذين خرجوا لتوهم من غياهب السجون التي قضوا فيها ما يزيد على عشرين سنة على يد طاغية آخر من طغاة بلادنا.. كانت سعادة الجميع بادية على وجوههم..
الشيوخ سعداء بأن الدعوة التي رعوها، ودفعوا أثماناً باهظة من حياة إخوانهم.. ومن سنوات نفسهم إلى الصحاري في معتقلات الأنظمة.. قد أثمرت، وأينعت في العديد من البلدان.. والشباب كانوا أسعد فما أعظم أن يلتقي شاب مثلنا مع قيادات شامخة كنا ندرس فكرهم، ونتتلمذ على كتبهم.. ونتأسى بصبرهم وثباتهم..
ما أجمل أن تضام السواقي مع النهر المتدفق لتشكل جميعاً تياراً عريضاً.. يزداد اتساعاً وعمقاً مع الأيام.
عام 1975 وبعد مناقشة الميثاق الوطني.. تم اعتقال الشيخ محفوظ نحناح، والحكم عليه 15 سنة بعد نشره بياناً بعنوان : إلى أين يا بومدين ؟
ليس محفوظ نحناح وحده الذي حوكم ، وحكم ظلماً وعدواناً.. بل الأمة كلها باستثناء الطغاة (أو السوبر باشوات) كما سماهم الكاتب حسين مؤنس.. دخلوا السجن الصغير.. أو السجن الكبير.. وليس أضر بالشعوب من إخافة الناس، وتهديد أمنهم، وإهانتهم، وإهدار كرامتهم، وخاصة إذا جاء ذلك كله على يد أولياء الأمر، لأن الشعب يتربى بالقدوة، ويتعلم بالمثل الصالح، فإذا كانت القدوة سيئة.. كانت البلية بلا حدود. كان لابد من زيارة الحبيب في سجنه.. وسافرت إلى الجزائر.. ولظروف خاصة لم استطع الوصول إلى أخينا.. المهم أني قمت بما أستطيع.. ولا يكلف الله نفسـاً إلا وسعها.
ما أظلم هذه الأنظمة عندما تمنع الغرباء أن يتبادلوا التحية والمحبة!
ومات بومدين. وقام استفتاء شعبي على الدستور الجديد في شباط (فبراير) 1989.. وبإقرار الدستور أُلغيت حقبة كاملة من تاريخ الجزائر بكل مكوناتها الاشتراكية، والعلمانية، والديكتاتورية..
وكان هذا التاريخ يمثل ميلاد الجمهورية الثانية ونهاية احتكار حزب جبهة التحرير الوطني للسلطة لمدة 27 سنة.
في هذه الأجواء.. استعاد المسجد دوره.. وظهرت الحركات الإسلامية قوية تهيمن على الشارع.. وأفرج عن الشيخ محفوظ بعد قضائه 5 سنوات في السجن..
في مارس 1989 أنشأ عباس مدني الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وظهرت جمعية الإرشاد والإصلاح بقيادة الشيخ محمد بوسليماني، وحركة المجتمع الإسلامي (حماس) بقيادة الأستاذ محفوظ النحناح.. وهي الفرع الجزائري للإخوان المسلمين.
واختلطت الأمور.. جبهة الإنقاذ تفوز في الانتخابات البلدية.. وفي المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية.. وكثرت التصريحات التي تعتبر الديمقراطية كفراً.. والتي تهاجم رئيس الدولة الذي فتح صفحة الحريات.. فاغتنمها الجيش فرصة، فبطش بالجبهة وزعمائها..
قالوا : إن المحنة تكون في الضراء، وهي أسهل.. وتكون في السراء، وهي أصعب، وكذلك كانت محنة الإسلاميين في الجزائر..
واستطاع الأستاذ محفوظ نحناح أن يتخذ له طريقاً وسطاً.. كان كمن يمشي على سلك مشدود.. الجيش يخشاه والإسلاميون يتهمونه.. ومع ذلك فقد سار في الطريق الصعب.. لينقذ إخوانه، وينقذ الحركة التي كانت الرقم الأهم في كل الظروف .
لقيته في طرابلس الغرب عـام 1990م.. وكان الاجتماع الذي حضرته وفود من أنحاء العالم العربي لمناقشة الاحتلال العراقي لدولة الكويت.. كانت معظم الأصوات تؤيد العراق.. وقليل منها مع حق الكويت وحرية أبنائه. ورأيته يزأر كالأسد ويقول: كلكم مهتم بحفظ ماء وجه صدام.. ولا أرى أحداً يهتم بدماء أهل الكويت!
هكذا كانت مواقفه عفة نظيفة شريفة.. مثل أخلاقه العالية الرفيعة.
وترشح الأخ محفوظ نحناح للانتخابات الرئاسية التي أجريت بالجزائر في نوفمبر 1995 م، وفاز بالمركز الثاني بعد حصوله على 3 ملايين صوت حسب النتائج الرسمية المعلنة.
كتبت للأخ محفوظ يوم حصل على المركز الثاني، وقلت له: إن هذا الذي حصل يدل على أن الإسلاميين على اختلافهم بدؤوا يتجمعون.. وكان هذا بفضل سياسة النفس الطويل والصبر الجميل الذي قمتم به.. وهذه الـ25% من الأصوات التي حصلت عليها تساوي النصر، فـ25% من الأصوات المعارضة أقوى وأهم من 90% مما يحصل عليه قادة بلادنا زوراً وبهتاناً.
وتمكن الحركة التي يرأسها الأخ محفوظ نحناح من تحقيق مكاسب سياسية كبيرة، حيث شاركت بسبع حقائب وزارية في الحكومة السياسية.
وكان للأخ محفوظ نحناح دور كبير في نبذ العنف والإرهاب وإدانته، وكرّس مشواره الدعوي منذ أكثر من ثلاث عقود في الدفاع عن العقيدة الصحيحة، وقيم الوسطية والاعتدال.
كان اللقاء الأخير في اسطنبول في تموز (يوليو) 2002م، كان جاء إلى استانبول مع أسرته لقضاء فترة نقاهة بعد آلام مبرحة ومعالجات طالت.. لم أعرف يومها ذلك.. فقد كانت صلابة المجاهد تغلب عليه.. خاصة عندما يتعلق الأمر بشخصه..
وإني يا شيخنا محفوظ محزون لفراقك.. ولا نقول إلا ما يرضي الله..
وأنتم يا إخوان محفوظ في الجزائر وخارجها.. اذكروا أخاكم بدعوة صالحة وليس عندي ما أضيف الآن غير قولة المتنبي:
طوى الجزيرة حتى جاءني خبر فزعت فيه بآمالي إلى الكذب
والحمد لله رب العالمين
محفوظ نحناح" إلى رحاب الله :ذكريات مع الفقيد وتأملات في رحلته الدعوية - بقلم: د. عصام العريان
(( سمعتُ مؤخراً خبراً بوفاة الأخ المجاهد الأستاذ "محفوظ نحناح" زعيم حركة مجتمع السلم في الجزائر الحبيبة عن عمر يناهز 62 عاماً.
رحم الله الأخ الكريم، وأجزل مثوبته، وعوّض عنـه خيراً، وخالص العزاء إلى أسرته الصغيرة كما إلى حركة "مجتمع السلم"، بل إلى الحركة الإسلامية الجزائرية، التي عرفَتْهُ مجاهداً منذ شبابه وحتى اللحظات الأخيرة في حياته، كما إلى الجزائر جميعها التي كانت عروبتها وإسلاميتها هي همة الرئيس وشغله الشاغل.
عرفت الفقيد الراحل منذ منتصف السبعينيات في القاهرة، أثناء زيارتـه لها مع الشيخ "راشد الغنوشي"، حيث جاءا للتعرف وتوثيق الصلات بقيادة الإخوان، وكان واسطة التعرف الأخ الكريم "أبـو أيمـن مصطفى الطحان" – أمين عام الاتحاد الإسلامي العالمي للمنظمات الطلابية-، وكنت وقتها في نهاية دراستي الجامعية بكلية طب قصر العيني بالقاهرة، وحسمنا أمرنا في اختيار منهج العمل الإخواني، ومن وقتها التقت الأرواح، وتآلفت، وتقاربت الأفكار، وامتزجت، وإن حدث خلاف في وجهات النظر فهو في إطار الحب والود والتقدير والاحترام.
لقيته مراراً خارج الجزائر في ندوات ومؤتمرات ولقاءات، إلا أنني لم أسعد بلقائه في زيارتي الوحيدة واليتيمة للجزائر؛ نظراً لضيق الوقت ولوجوده خارج البلاد.
آخر لقاء بيننا في القاهرة العام الماضي في زيارته الثانية لها، بعد انقطاع لمدة تزيد على 25 عاماً، وكان هذا اللقاء في سيارته بالطريق لدقائق سريعة أثناء توجهه إلى لقاء في حزب التجمع اليساري للقاء قياداته، وكان لقاءً حميماً؛ لأنه أول لقاء بيننـا بعد أن غيبتني الأسوار والمنع من الأسفار لمدة تزيد على 8 سنوات.
تعرض "محفوظ نحناح" خلال العقد الأخير أو الـ15 سنة الماضية إلى حملة شديدة لتشويه موقفه، من إسلاميين اختلف معهم في المواقف السياسية؛ بسب أحداث الجزائر الدامية.
اجتهد خلال مسيرته فنجح أحياناً، وأخفق أحياناً، ولم يكن –رحمه الله- يدَّعي العصمة لاجتهاداته، واختلفتُ معه، وناقشته بودٍّ في بعض المواقف، أقرَّ بصواب ما ذهبتُ إليه مع كثيرين قليلاً، وتمسَّك باختياراته – رغم الخطر الشديد على حياته- كثيراً.
كان قرار تأخر المشاركة السياسية من القرارات التي تسببت في كثير من المشكلات التي عانى منها الإخوان في الجزائر، وما زالوا، واعترف بخطأ هذا الاجتهاد بعد فوات الأوان.
تمسك باختياراته التي ثبت بعد ذلك صوابها كثيراً في أهمية الحوار مع المنفذين والممسكين بالقرار وعدم الدخول في مواجهات دامية، وأدان العنف مبكراً، وكان بصيراً بأن هذا النهج سيؤدي إلى دمار وهلاك، وتمسك بموقفه الحاسم رغم لوم الكثيرين وهجوم الأصدقاء وتردُّد البعض من الأحباء.
سعى إلى وحدة الحركة الإسلامية في الجزائر، وكان ذلك من همومه، وتحمل الكثير في سبيل تحقيق هذا الأمل، لكنه فشل في تحقيق الحلم، وكانت الظروف والملابسات والخلافات أكبر من أن تُحتَوى.
ترشح لمنصب رئاسة الجمهورية رغم اعتراض الكثيرين، وحصل على قرابة الربع من الأصوات، فرسخ صورته كرجل دولة في الساحة العربية والدولية.
سعى للحوار دائماً، ووُصف بأنه رجل الحوار، وكان محبباً في حديثه وخطابه، لبقاً في حواراته، لا يصل إلى صدام أو قطيعة، بل يحافظ على "شعرة معاوية" حتى مع ألد الخصوم.
تعرض للعنف المادي والمعنوي من خصومه الإسلاميين في الجزائر خلال مسيرته قبل النزوع إلى العنف وبعده، أثناء الحملات الانتخابية الأولى لانتخابات 1991م الشهيرة، ثم بعد الصدام الدامي، بل تعرض لمحاولات اغتيالٍ هو ورفاق دربه أودت بحياة البعض، من أشهرهم نائبه الشهيد "محمد بوسليماني"، لكن ذلك لم يمنعه من مواصلة الدرب والإصرار على الموقف الذي اختاره ضد العنف الأعمى عن يقين ومعرفة.
كانت مشاركة" حركة مجتمع السلم" في الحكومات الجزائرية التي شكلها العسكر من أكبر نقاط الضعف في المسيرة السياسية التي قادها "نحناح" –لم يشارك بنفسه في الوزارات-، ودفع بالشباب من أبناء الحركة لتولي المناصب الوزارية، وتحتاج التجربة الآن إلى وقفة لمراجعة شاملة لجرد حساب المكاسب والخسائر، خاصةً أن السلطة تصيب كل من يحتك بها برذاذها المتطاير.
كان الحلم الأكبر هو التوحيد والتنسيق بين جناحي الحركة الإسلامية التي تنهج نهج الإخوان بقيادة نحناح –رحمه الله- والشيخ "عبد الله جاب الله"، ومازال الحلم قابلاً للتحقيق إذا خلصت النوايـا وصدق العزم؛ ذلك لأن الجزائر في أمسِّ الحاجة إلى وحدة الصف الإسلامي، وإزالة ما علق بالإسلاميين من اتهامات تسبب فيها بعض الغلاة الذين تشددوا، وأفرطوا على أنفسهم، وكفَّروا المسلمين، واستباحوا الدم الحرام بغير علم ولا بينة ولا برهان، في الوقت الذي يغيب فيه "نحناح" عن الساحة بعد مرض عضال لم يستمر طويلاً، يخرج منذ قليل الشيخان "مدني" و"بلحاج" إلى ساحة العمل من جديد، فلعل جرح الجزائر الدامي يجد من يداويه من أطباء الحركة الإسلامية، سواء الذين سيخلفون "نحناح" في مسيرة حركة مجتمع السلم، أو الشيوخ الذين استفادوا خبرة بعد مسيرة هائلة بالدروس، ولم يفرطوا في تمسكهم بحقهم في الدعوة السلمية إلى الإسلام، وتسبب البعض في تشويه صورة حركتهم، ولعلهم بعد خروجهم إلى الحرية يسارعون إلى تصحيح الصورة، والنأي بحركتهم عن نزعات التكفير والعنف الأعمى، وإذا كانوا –بسبب السجن- ترفَّعوا عن إدانة صريحة لهذه النزعات التكفيرية، فهم اليوم أمام استحقاقات ضخمة لعلهم أهل "لا"؛ حتى تعود الجزائر إلى السلم والأمن والهدوء، ويهتف جميع الشعب الجزائري من جديد مع ابن باديس الأب الروحي للحركة الإسلامية.
شعب الجزائر مسلم وإلى العروبة ينتسب
كانت جنازة "نحناح" مهيبة بحق حضرها أكثر من 80 ألفـاً، يتقدمهم كبار رجال الدولة، وبمراسم رئاسية استثنائية، وشهـد له الجميع – المنافسون والخصوم قبل رفاق دربه – بالحنكة والخبرة والاعتدال والتسامح، وكما قيل قديماً "بيننا وبينكم الجنائز"، ففي بلد لا يزيد تعداده عن 25 مليوناً، ويشهد أوضاعاً أمنية استثنائية، وعقب كارثة ضخمة كالزلزال مازالت تخيم على النفوس، يخرج عشرات الآلاف لتشييع رجل تجرد لدعوته، وجاهد في سبيل رفعة الجزائر المسلمة وهُويتها الإسلامية ضد محاولات الفرنسة والتغريب، وضد العنف الأعمى الذي شوه صورة الإسلام، فاحتفظ بـ "البوصلة" في أدق وأحلك الظروف، هذه شهادة له من هذه الجموع، وشفاعة له عند الله تعالى.
لن تعدم "حركة مجتمع السلم" رجـالات يقودون المسيرة، ويرفعون اللواء، ويواصلون العمل، فخالص العزاء لهم مرة أخـرى، وخالص الأسف أن حيل بيننا وبين المشاركة في الجنازة والعـزاء.
"رحم الله محفوظ نحناح رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته وعوضنا عنه خيراً".
-وقال الأستاذ حسين أحمد أمين، سفير مصر في الجزائر سابقاً في حوار صحفي مع قناة أمريكية: ( الشيخ محفوظ عام، وسياسي إسلامي من الطراز الأول، ولا أحد يشك في صدق إسلامه، وصدق توجهاته الدينية، ومفكر إسلامي مستنير، ولا أظن أن الكثيرين من العلمانيين يشكون في استنارته، ومراعاته لظروف العصر، وقدرته على مجابهة تحديات المستقبل مجابهة دينية ودنيوية ممكنة).
-شهادة الدكتور موسى أبو مرزوق - نائب رئيس حركة المقاومة الإسلامية (حماس) / فلسطين :
في الفترة المعاصرة من تاريخنا الحديث تقدم التيار الإسلامي في العديد من الأماكن الجغرافية القريبة والبعيدة عن الجزائر؛ مثل أفغانستان وفلسطين والمغرب ...
وكان هناك كلام كثير عن الحركة الإسلامية المتعاظمة بصحوتها في الجزائر، هذه الصحوة التي غذتها وعبأتها وارتفعت بها الانتصارات التي تحققت للإسلاميين في إيران والسودان وأفغانستان ... من هنا، كـان البعث لهذا التيار في المغرب العربي، ولذلك، عندما تحرك هذا التيار الإسلامي في الجزائر كان الإسلاميون في كل مكان ـ في كل أنحاء العالمين العربي والإسلامي وفي دول الغرب ـ يتطلعون إلى هذه الصحوة الإسلامية المتوثبة في الجزائر، ويتوقعون لها أن تكون هي الموقع الـرابع ـ بعد إيران والسودان وأفغانستان ـ الذي سوف يتحقق فيـه مشروع الدولة الإسلامية.. ولعـل هذا التوجه العـام والحماس المفرط عند الإسلاميين في الخـارج كـان يقابله رجـل واحد ، وهذا الرجل هو من أبناء الصحوة الإسلامية بل هو من روادها وصانعيها الأوائل في الجزائر، وكـان يبذل الجهد الكبير والواضح عكس هذا التيار الذي كان يعمل في هذه الصحوة التي كانت متبلورة حول الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وكـان الإعلام والمفكرون والعلماء والجميع ينظر إلى الجبهة الإسلامية للإنقاذ على أنها "مشروع الصحوة" في شمال إفريقيا، وفي الجزائر تحديداً ....
كان الشيخ محفوظ نحناح ـ رحمه الله ـ يتصدى لهذا الموقف، لـكونه أعلم بطبيعة هذا التيار وطبيعة أهل الجزائر وأدرى بظروف نشأة جبهة الإنقاذ (الفيس) ... إن موقفه ـ بلا شك ـ كان شجاعاً؛ رجل واحد يقف وحده يتحدى مشكلاً داخليـاً (هذا التيار) في الجزائر، ومشكـلاً خارجياً (النظرة والتعاطف الإسلامي الهائل لهـذا التيار)..!!
لقد كنا نعجب من قدرة الشيخ ـ رحمه الله ـ عـلى مواجهة كـل هذا التحدي ... ولكن المتصفح لتاريخ الشيخ محفوظ نحناح ـ رحمه الله ـ يجد أنه وقف بطريقة مشابهة إبان الثورة الزراعية والاشتراكية التي فرضت على الجزائر من قبل الرئيس هواري بومدين ....
فبالرغم من صعوبة الوقوف ـ آنذاك ـ ضد سياسات كونها بومدين كونها تتماس مع مشاعر الجماهير؛ الجماهير التي تعيش حالة من الفرح والنشوة كونهم قد تحرروا من براثن استعمار طويل؛ مظلم وبغيض، عاملهم كمواطنين من الدرجة الثانية، وعانـوا في عهوده من الدونيّـة والقهر، فكانت سياسـات وشعارات بومدين في المساواة والعدالـة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والشراكة في الملكيـة هـي حاجـة الـشعب ومطلبه، ولهذا التف الناس حـول بومدين ـ رحمه الله ـ الـذي سحرهم وملـك عليهم شغاف قلوبهم ..
لقد استطاع الشيخ محفوظ نحناح ـ رحمه اللـه ـ النفاذ مـن هذا السحر وتلك الكاريزما، وأعلن رفضه للثورة الزراعية..!! بعد سنوات من حكم بومدين استيقظ الشعب الجزائري ليكشف أن اقتصاده وأسسـه الاجتماعية ومسيرة عطـائه قد تقهقرت كثيراً ... لقد دفـع الشيخ نحناح سنوات من عمره داخل السجن بسبب وقفتـه وتحديه لتلك السياسات ...
وأدرك الناس بعد حين أنـه كان على حق أما هم فقد غابت عنهم الحقائق ... لذلك فليس بمستغرب عـلى من وقف هذا الموقف من بومدين أن يعلـن موقفـه المضـاد للتيـار المساند للجبهـة الإسلامية للإنقاذ في الداخل والخـارج، فهـو أعلم بالشـأن الداخلي للجزائر، وبالتداعيـات التي يمكن أن تؤول لها الأمور في حـال تعرض الدولة للانهيار ... ولذا أصر على أن يقول: لا .. بشكل واضح وصريح ولـو كلفه ذلك حياته، وأن يحمل جماعته على نفس الكلمة (لا لتطرف هذا التيار)
لقـد دفع الشيخ رحمه الله ثمناً باهظاً لموقفه واجتهاده، حيث اغتيل أكـثر مـن 500 من أحبـائه ونشطاء حـركته، بالإضافة إلى تدهور شعبيته وتقـدم أحـزاب إسلامية أخرى عليه ... لقد استرد الشيخ نحناح جماهيرية بعد ذلك بعدما أدركت الغالبيـة داخل الجزائر وخارجها بأن الشيخ كان محقاً في اجتهاداتـه، ولـو أخذ الناس برأيه وارتضوا حـكمته لما سفكت دماء عشرات الآلاف من الأطفال والنساء والشيوخ والشباب، وهجرت عشرات أخـرى من قراهـا ومداشرها في عملية منظمة لإهلاك الحرث والنسل.
في الحقيقة. كان الشيخ محفوظ نحناح ـ رحمه الله ـ يتمتع بشجاعة وبعد نظر في الفكر والسياسة، كمـا أنه يمتلك فراسـة وحسـاً راقياً لاستشراف المستقبل والتحوط لمخاطره.
إن للـشيخ محفوظ نحناح دَين خـاص في عنقي، فحينما سجنت في الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1995 كوني كنت المسئول السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) كان الشيخ - رحمه الله - هو أول من طرق أبواب وزارة الخارجية الأمريكية ليتحدث في قضيتي، مستنكراً عليهم أمـر اعتقالي كوني رجل سياسة، من حقي أن أدافع عن قضية بلادي بالطرق السلمية..!!
لقد دافع الشيخ رحمه الله عن القضية الفلسطينية بقـوة أمام الإدارة الأمريكية ... صحيح أن هناك الكثيرين الذين تكلموا في شأن اعتقالي، ولكنـه كان أول من فتح هذا الباب، وأول من طرق باب الخارجية الأمريكية ليتكلم في قضية اعتقالي.
إن الشيخ نحناح ـ رحمه الله ـ كـان أيضاً من الـدعاة والسياسيين المميزين الذين يتحدثون عن قضية فلسطين كأهلها، ويعتبرها قـضية الجزائر .. لقد عاش حياته وهو يتحدث في المؤتمرات والمحافل الدولية عن فلسطين، ومات وهو يوصي بفلسطين .. إن هناك ديناً لهذا الشيخ الجليل في أعنـاق الفلسطينيين، وسنظل نذكره وندعو له ...
إن الحركة الإسلامية عمومـاً والجزائر على وجه الخصوص قد فقدت بوفاته المبكرة واحـداً من بين أعظم أبنائه ... فالشيخ محفوظ نحناح ـ رحمه الله ـ كان بمقاييس زمانه أمة في رجل.
لقد أتاحت لي زياراتي المتكررة للجزائر لكي أسمع عنه الكثير، وقد اطلعت ـ عن كثب ـ على تحركاته وجهوده إبان العشرية السوداء، فالشيخ كـان سياسياً حكيماً في تصرفاته تجاه الدولة، وكـان يعرف ـ بفراسته ـ كيف يقدم، وكيف يؤخر ..
خاص الانتخابات الرئاسية عام 1995، وبالرغم من علمـه ـ علم اليقين ـ بأنه كان المتقدم، وكان هو الفائز، إلا أن خوفه من أن يتعطـل المسار الديمقراطي في الجزائر، وأن يحدث ـ له ولحركته ـ ما حدث للجبهة الإسلامية للإنقاذ من قبل؛ فلتان أمني وهيجان شعبي جعلته يقبل بالتراجع لحساب الرئيس زروال، ويفضل أن يسود السلم الاجتماعي والاستقرار السياسي بـدل مناطحة الدولة والتعارك معها ... وهذا موقف قلما نجده عند رجـال السياسة.
-شهـادة الدكتور أحمد الراوي - رئيس اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبـا (بريطانيا) :
(( أستطيع أن أقول أني كنت من الأوائل الذين وقفوا مـع الشيخ محفوظ نحناح ـ رحمه الله ـ والذين آزروه في موقفه قنـاعة، لأن موقفه كـان الأصوب في تلك المرحلة، وهو الأسلم للجزائر شعباً وللإسلام كحركة، وكنت بحمد الله غالباً ما أنفح عنه لدى المخالفين، لأنني كنت أعتقد بأنه ظلم من قبل أحبابه وإخوانه وأسيء فهم مواقفه عند الكثير من العاملين في الحقل الإسلامي ... لـكن الرجل كان صبوراً، وكان يشعر بالألم الشديد من موقف إخوانه وكـان يستغفر لهم، ويدعو الله لهم، ويرجو ـ يوماً من الأيام ـ أن يكتشفوا أن موقفه كـان هو الأصوب والأسلم للإسلام كدين وللحركة الإسلامية وللجزائر، وكـان يـرى أن العمل المسلح واستهداف المدنيين، واستهداف مؤسسات الدولة سيؤدي في النهاية إلى تفتيت الدولة التي بناها الأجداد بدمائهم وأشلائهم، وضحوا من أجل قيامها بالغالي والنفيٍ.
إنني أعتقد بأن الشاذلي بن جديد كان من أحد الزعماء الحقيقيين الذين فتحوا المجال للحركات الإسلامية، وكـان يتوجب التعاون معه لاستقرار الأمور والسلم الاجتماعي وتأدية رسالة حقيقية على الساحة. كنت دائماً أقول لإخواني في أوروبا، أنه ما دام العمل في الجزائر عمـل مؤسساتي، وأن المؤسسات القيادية لحركة مجتمع السلم هي التي تتخذ الـقرار ـ رغم تأثير الشيخ رحمه الله ـ فإن علينا احترام إرادتهم واحتـرام قيـادتهم، فهـم أعرف بظروفهم منا.
شهادة الدكتور عبد المجيد النجار : كاتب ومفكر إسلامي تونسي معـروف مقيم في ( فرنسا ) :
(( أرى أن كثيراً من الحركات الإسلامية في ذلك الظرف ـ الظرف الذي نجحت فيه جبهة الإنقاذ نجاحاً كاسحاً، ثم افتك منها هذا النجاح، ومساندة الشيخ محفوظ نحناح للسلطة والمشاركة السياسية ـ كانت قد وضعت المسألة في موضع المد النظري ولم تدرس الواقع في أسبابه وخلفياته،
ولكـن تبين بعد حين من الزمن أنه وإن كانـت جبهة الإنقاذ قد ظلمـت وافتك منها النصر افتكاكاً ظالماً، إلا أن الشيخ محفوظ نحناح وحركته استطاعت أن تقرأ الواقع قراءة هي الأقرب إلى الصحة، وأن تتفاعل مع هذا الواقع في حقيقته وليس فيما تنظر إليه على ضوء مبادئ النظرية العامـة، واستطاع الشيخ محفوظ نحناح بذلك أن يحمي حركته من كثير من المخاطر وأن يقتحم بها المشاركة السياسية، واكتسبت مكاسب من خلال هذه المشاركة.
شهادة الدكتور سعد الدين العثماني : الأمين العام لحزب العدالة والتنمية (المغرب) :
(( إن محاولة فهم مواقف واجتهادات الشيخ نحناح ـ رحمه الله ـ تتطلب الإشارة إلى بعض المقدمات، وهي:
أولاً: في الأزمنة والمجتمعات التي تتعرض للفتن تختلط فيها المصالح بالمفاسد والحسنات بالسيئات، ويصبح الاختيار ـ أي اختيار ـ إذا كـان يجلب مصالح فهو في نفس الوقت يقع في مفاسد، وإذا كان يقع في كثير من الأحيان تحـار العقول في الموقف الذي تتخذه حتى وإن اتخذت موقفاً فقد تجد نفسك تتراجع عنه بعد فترة قصيرة أو طويلة ...
لذلك، فإن المواقف في هذه الأزمنة يصبح من الصعـب اتهامها أو انتقادها بالكلية، وغنما هو اجتهاد بشري في مرحلة يصعب فيها التمييز ويصعب فيها الاجتهاد.
ثانياً: الصراع أو النقاش الحاد بين اتجاهات مختلفة داخل الصف الإسلامي منـذ عقود من الزمان في كثير من المجتمعات، حول خط المشاركة وخـط المعارضة معروف، وهو نقاش طبيعي لأن زمن الفتنة لا يرتبط بظرف مجتمع فقط ولكن بالظرف العالمي الذي يجعل المسلمين الذين يشعرون بأنهم يعيشون للأمة كلها كأمة، وأحياناً بنفسية المضطهد فهم في وضع استثنائي وليس عاديـاً، مرجعه الهجمة العامة على الأمة والضعف والتخلف الذي تعانيه ...
ولهذا كـان هناك ـ أيضاً ـ كثير من ضبابية الرؤية عند كثير من الذين استقبلوا العمـل الإسلامي ولدى رواده في كثير من الأحيان، وضبابية الرؤية تؤدي إلى أن الإنسان لا يـرى ما أمامه، فأحياناً يسلك طريقاً غير سالك ويكون أمامه جدار فيراه وكأنه بـاب مفتوح فيصطدم به ويتكسر رأسه، إذن هناك نوع من الحيرة الناتجة عن الحالة العامة للأمة وهي مؤثرة كثيراً في بروز توجهات تتبنى العنف وأخرى تتبنى المعارضة الشاملة، والمقاطعة المطلقة، وتوجهات أخـرى تتبنى طروحـات معاكسة تماماً في الاتجاه الآخر، وهذا متفهم في مثل هذه الظروف.
انطلاقاً من ذلك، فإن الجزائر فعلاً عاشت مرحلة صعبة يكون فيها الحليم حيراناً ولا شك أن الشيخ محفوظ نحناح ـ رحمه الله ـ كانت له جرأة كي يصرح بأفكاره ويدافع عنها ... فقد كافح بقوة كـان الكثيرون يخافون من التصريح بأفكارهم، خوفاً من الاضطهاد أو القتل في كثير من الأحيان، وقد تمّ قتل وذبح الكثير ممن سلكوا سبيل الشيخ وكانوا معه، مثل الشيخ الشهيد محمد بوسليماني ـ رحمة الله عليه ـ وآخرون .....
فالشيخ سـدٌّ كبير في كون أنه جريء، ومهما قيم الإنسان اجتهاداته أهي صواب أم خطأ .. فقد كان جريئاً في الدفاع عن رأيه وعن موقفه والمضي فيه بعيداً محاوراً ومنافحاً، محاولاً أن يضع وأن يقدم الحجة وهذا مهم جداً في شخصية الشيخ، وفي زمن مثـل هذه الفتن تحتاج الأمة فعلاً إلى قيادة جريئة تستطيع ـ إن اقتضى الحال ـ أن تواجه التيار السائد فتواجهه، وإن اقتضى الحال أن تخالف الأغلبية فلتخالفها، ولكن المهم أن تجهر برأيها، وهذه من الإيجابيات الكبرى للشيخ رحمه الله.
وهناك نقطة ثابتة وهـو أن الأيام والتطورات التي وقعت فيما بعد أبرزت صواب الاتجاه العام الفكري للشيخ نحناح ـ رحمه الله ـ وهذا لا يمنع من أنه قد تكون بعض المواقف مرجوحة، أو تكون هناك ملاحظات على بعض الآراء، أما في الخط العام فقد كان هو الصواب، أولاً لأنه ابتعد عن تيار العنف وهذا شيء مهم جداً، وحاول أن يخفف من الفتنة ما أمكن، والفتنة كما يقول ابن تيمية: "الفتنة إذا أقبلت متزينة لا يعرف ما ورائها من شرّ أحد، تكون مغرية فيغرى الناس بالدخول فيها، حتى إذا أدبرت تبين الشر الذي فيها " ... لذلك لا يتبين ما للفتن من شرور في بدايتها إلى العقول المتبصرة النافذة ولا شك أنه كان للشيخ نحناح حظ من ذلك.
إن موقفه في الأزمة الجزائرية ـ خاصة من الجبهة الإسلامية للإنقاذ ـ كان رافضاً قاطعاً لخيار المغالبة بذلك الشكل، وقد كان موقفاً جيداً وفي وقته، وموقفاً حاسماً، وكما يقـال: "إن الفتنة إذا جـاءت يعلمها العلماء وإذا أدبرت تعرفها العامة.."
كان موقفه في الوقت المناسب، فالرجل يعرف تركيبة الجبهة الإسلامية للإنقاذ لأن الجبهة كانت مزيجاً مختلطاً فالتجانس فيها كان أمراً مستحيلاً، وإرهاصات الآفاق معلومة، فأظن أن موقف الشيخ كان في وقته قبل أن تقع الكارثة.
نتيجة الموقف الذي كان في ذلك الوقت، يظهر للناس بأنه وقف ضد الطبيعة التي يريدها الشعب الجزائري، وبالتالي نستطيع أن نقول بأن الشارع (الدهماء ـ الغاشي) قد ظلم الشيخ محفوظ نحناح ـ رحمه الله ـ بدون شك، ولكن بعدما أحس الناس وشاهدوا ما وقع بالجزائر من مجازر وقتل ودم ودمار، وإهلاك للحرث والغرس وانتهاك للحرمات، وتطرق وتشويه للإسلام بدأت الناس ترجع إلى رشدها.
في الفترة الأولى، وبسبب جهل الناس خارج الساحة الجزائرية بطبيعة الوضع الجزائري، والسياسة الجزائرية والتركيبة التاريخية للمجتمع الجزائري، تفهموا وتعاطفوا مع خطب الجبهة الإسلامية للإنقاذ ... لـذلك، كانت مواقف الشيخ واجتهاداته أشبه بحـالة الخروج عن النص المجمع عليه في الشارع الإسلامي؛ وهو قضية الانتصار للمظلوم، والجبهة كانت هي الوجه الإسلامي الذي يعبر عن مظلوميته، فلما خرج الشيخ بمواقفه الناقدة للجبهة، ظهر وكأنـه يصطف في خندق النظام.
إن الذي أريد قوله: أن مشروعية توجيه النقد ـ في السنوات الأولى ـ للشيخ وفي ذلك الوقت كانت مبررة ويمكن تفهمها، وذلك لغياب الرؤية الواضحة عن وضعية الحالة الإسلامية وطبيعة النظام الجزائري .... ولكن بعد 1994 لم تعد مبررة أي مواقف ناقدة للشيخ.
الأمر فيه مسألة حساسة، هناك الموقف من الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وهناك أيضاً الموقف من توقيف المسار الانتخابي، هنا صعب على الناس التفريق بين الأمرين ففي اعتقادي من الأجدر أن يكون الموقف من الجبهة الإسلامية للإنقاذ موقفـاً صريحـاً وواضحـاً ..
إن هؤلاء الناس لا يمثلون المشروع الذين يحملونه بحق، ولا يستطيعون تمثيله في المستقبل ... والمسألة الثانية، هو الموقف من توقيف المسار الانتخابي، فالناس الذين قالوا بتوقيف المسار الانتخابي لديهم تبرير لذلك.
شهادة الأخ خالد مشعل : رئيس حركة المقاومة الإسلامية (حماس) / فلسطين :
(( في قضية شائكة كالأزمة السياسية الداخلية التي حصلت منذ سنوات في الجزائر العزيزة، وبالنظر إلى سياستنا في حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بعدم التدخل في شؤون الآخرين، فإن الحديث في موضوع الأزمة والجدل الذي دار حول اجتهادات البعض يكون بالغ الصعوبة والدقـة ..
لكن تظل قلوبنا ومشاعرنا على الدوام مع الجزائر، جزائر الوئـام والوحدة الوطنية وحقن الدماء، جزائر البناء والعمل المشترك من كل أبنائه لصالح الشعب والوطن.
وقد كنا نقرأ في اجتهاد الشيخ محفوظ نحناح ـ رحمه الله ـ أنه ينطلق من الحرص على وحدة الوطن ومصلحته ومصلحة أبنائه، والعمل على إنقاذه من مسلسل القتل والقتل المضاد، أياً كانت الدوافع والذرائع .. ولا شك أن هذا المنهج في التعامل مع الخلافات أو الصراعات الداخلية ـ بصرف النظر عن جذورها وخلفياتها ومبرراتها ـ هو المنهج الأصوب والأسلم، رغم أنه صعب، وقد لا يحظى بتأييد كل الأطراف، خاصة في ضوء اختلاف الرؤى والقراءة للأحداث وجذورها.
ونحن على الدوام، وفي ضوء تجربتنا الخاصة في فلسطين والتجربة الإنسانية بصورة عامة، نرى حل الخلافات وحتى الصراعات داخل الوطن الواحد والأمة الواحدة لابد أن يكون عبر الحوار لا السلاح، ومن خلال الاحتكام للوسائل السلمية وليس لأدوات القوة، فالقوة والسلاح فقط يوجهان نحو العدو الخارجي الذي هو العدو الحقيقي حين يحتل الأرض، وينتهك الأعراض والحقوق والمقدسات.
قد يختلف بعض الناس أو بعض الأطراف مع الشيخ نحناح ـ رحمه الله ـ وموقفه الذي اختاره في تلك الأزمة، ومن الطبيعي أن يختلف الناس وتتعدد اجتهاداتهم، خاصة إزاء القضايا الصعبة والحساسة، لكن اجتهاد الشيخ رحمه الله لم ينطلق ـ فيما نعلمه من خلال معرفتنا به والتعامل معه عن كثب ـ إلا من أجل مصلحة الجزائر وشعبه، وهو البلد العريق الأصيل، بلد المليون ونصف المليون شهيد، ويظل اجتهاده ذاك هو الأقـرب إلى منهج التعامل والتنازل لقضايا الوطن الداخلية، ونهج المعالجة للخلافـات والصراعـات بين الوطن الواحد وقواه وأحزابه المختلفة.
لقد عرفت الشيخ نحناح ـ رحمه الله ـ في أواخر الثمانينات، ومنذ أن عرفته لا تكاد فلسطين تفارق قلبه ولسانه، يتجلى ذلك في خطبه وأحاديثه وحواراته، وفي مواقفه وتصريحاته ... ومن ثم كنا نرى تعلقه وتأثره بالأحداث التي تجري في فلسطين، وتفاعله مع الانتفاضة والمقاومة ضد الاحتلال الصهيوني، ودعمه الواضح والصريح لحركة حماس الفلسطينية ولكل المجاهدين على أرض فلسطين.
لم يكن ذلك مجرد حديث أو خطاب، بل تحول إلى فعل وممارسة انعكست على جهود الشيخ رحمه الله، وجهود إخوانه جميعاً في حركة مجتمع السلم، ودعمهم المتواصل ـ ضمن ما هو متاح وممكن ـ لصالح الشعب الفلسطيني ومجاهديه.
وحين سعينا في حركة حماس لعقد مؤتمر إسلامي كبير لصالح قضية فلسطين والقدس في أواسط التسعينات، حتى نجسد بذلك دور الأمة تجاه هذه القضية المركزية، كان الشيخ نحناح ـ رحمه الله ـ في مقدمة المبادرين والمتجاوبين.
وكم كان فرحاً رحمه الله حين أبلغني ذات يوم أنه أطلق اسم (حماس) على حركته الجزائرية، تيمناً بحماس الفلسطينية، وتيمناً ببركة فلسطين والجهاد المبارك على أرضها.
حين رحل الشيخ نحناح عنا، خسرته فلسطين كما خسرته الجزائر، وافتقدته قضية الأمة جميعاً.
رحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جنانه، وجزاه عنا وعن أمتنا خير الجزاء، وعوضنا عنه خير العوض.
حركة التوحيد والإصلاح تعزي في وفاة الشيخ محفوظ نحناح رئيس حركة مجتمع السلم :
على إثر وفاة الشيخ محفوظ نحناح، رئيس حركة مجتمع السلم الجزائرية، أرسل رئيس حركة التوحيد والإصلاح الأستاذ محمد الحمداوي برقية التعزية التالية إلى قيادة مجتمع السلم جاء فيها:
إلى الإخوة في قيادة حركة مجتمع السلم الجزائرية السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته بقلوب مؤمنة بقدر الله وقضائه تلقينا نبأ وفاة أخينا الشيخ محفوظ نحناح، وهي الوفاة التي اعتبرناها خسارة لنـا جميعاً ولتيار الاعتدال داخل الحركة الإسلامية المغاربية خاصة، ونحن نستحضر الدور الذي اضطلع به الراحل في دعم السلم في الجزائر والسعي الحثيث إلى تجاوز المحنة التي حلت بالقطر الشقيق في العقد الأخير.
وبهذه المناسبة الأليمة أطلب منكم أصالـة عن نفسي ونيابة عن كافة أعضاء حركة التوحيد والإصلاح إبلاغ تعازينا إلى أسرة الفقيد وذويه وإخوانه في حركة مجتمع السلم الجزائرية، سائلين المولى تعالى أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته ومغرفته.
وإنا لله وإنا إليه راجعون.
عن المكتب التنفيذي
رئيس حركة التوحيد والإصلاح
الأستاذ محمد الحمداوي
جماعة العدل والإحسان تعزي في وفـاة الشيخ محفوظ نحناح أمين عام حركة مجتمع السلم :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
تلقينا وإخوتكم وأخواتـكم في المغرب بحزن عميق نبأ وفـاة الأخ المجاهد الكبير الشيخ محفوظ نحناح رحمه الله، الذي نسأل الله تعالى أن يرفع مقامه إليه مع الصديقين والشهداء والصالحين.
وبهذه المناسبة الأليمة نتقدم إليكم بتعازينا الحارة، لكم جميعاً في الحركة المباركة ولأسرة الشيخ الكريم رحمه الله، ومن خلالكم وإلى عموم شعب الجزائر المسلم، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
نسأل الله تعالى أن يلهمكم جميعـاً الصبر والسلوان، وأن يـوفقكم إلى الاضطلاع بمهام الأمانة العظمى التي تركها الشيخ محفوظ رحمه الله في أعناقكم جميعاً، أمانة الدعوة إلى الله عز وجل بكل حكمة وتؤدة وإخلاص وبعد نظر وهمة وفعالية، وأمانة المساهمة إلى جانب إخوانكم في الحركة الإسلامية الراشدة مع أبناء الجزائر البررة من أجل إخراج الجزائر من الفتن التي ألمت بها. حفظكم الله جميعاً وسدد خطاكم وجعلكم مفاتيح فرج ورحمة على الجزائر وعلى الأمة جمعاء.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
فتح الله أرسلان
الناطق الرسمي باسم جماعة العدل والإحسان
الإخوان المسلمون فـي العراق ينعون الشيخ النحناح
تلقّينا ببالغ الحزن وعظيم الأسى نبـأ وفاة الأخ العزيز والقائد الفذّ المجاهد الأستاذ محفوظ نحناح، ولم نجد ما نواسي به أنفسنا وإخواننا إلا قـول المولى جلّ وعلا
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه واه، والصلاة والسلام على محمد النبي الأمّـي ومن والاه.
﴿ يا أيها الذين ءامنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين ﴾ البقرة: 153
الإخوة الأفاضل قادة حركة مجتمع السلم حفظهم الله ورعاهم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تلقّينا ببالغ الحزن وعظيم الأسى نبـأ وفاة الأخ العزيز والقائد الفذّ المجاهد الأستاذ محفوظ نحناح، ولم نجد ما نواسي به أنفسنا وإخواننا إلا قـول المولى جلّ وعلا: "من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً"، وإنا لنحسب أخانا من أولئك ولا نزكي على الله أحدا.
لقد غادر دنيانا قاد فذّ وجل أحوج ما نكون إليه ولكن الله يجتبي ويختار وليس في وسعنا إلا التسليم لقضاء الله والرضـا بقدره ولا حول ولا قوة إلا بالله.
عزاؤنا لكم بفقيد الحركة الإسلامية وعزاؤنا لشعـب الجزائر الصابر المحتسب بفقد هذا الرجل الذي بذل نفسه من أجل نصرة الحق وإعلاء رايـة الإسلام ولكي يكون شعب الجزائر رائد النهصة وقائد المسيرة وسط هذا البحر الهائج في ظلمات فوقها فو بعض، ويحمل مشعل الهداية ومعه نور الحق الساطع المبين.
عزاؤنا لقادة الحركات الإسلامية بفقد قائد متميز كمحفوظ النحناح رحمه الله.
وأجدر بالعزار أهل الفقيد وذويـه، سائلين المولى القدير أن يلهمهم الصبر وأن يعوضهم بفقد عزيزهم عـزّاً ومنعة وأمناً.
نسأل الله تعالى أن يتقبّـل محفوظ في الصالحين، وأن ينزله أعلى المنازل مع النبيين والصدّيقين والشهداء والصالحين.
اللهم اغفر لمحفوظ، وارفع درجته، وأحسن وفادته، وألحقنا به في الصالحين. اللهم آمين .
وصلّى الله وسلم على محمّد وعلى آله وصحبه وسلّـم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخوكم / د. أسامة التكريتي
المراقب العام للإخوان المسلمين في العراق
19 يونيو 2003م / 19 ربيع الثاني 1424 هـ
الأستاذ كمال الهلباوي : عاد الجميع إلى ما كان ينادي به
"الأستاذ نحناح رجل أمين وعاقل نادى بالحوار منذ بداية الأزمة لكن الجميع رفض هذا الطرح، ثم عاد الجميع إلى ما كان ينادي به الأستاذ محفوظ نحناح"
عبد العزيز بلخادم الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني
كان ذا خصـال عاليـة :
يشرفني أن أقول بملء وجداني أن الشيخ نحناح كان ذا خصال عالية، وكان فياض بالإخلاص للشعب والوطن والغيرة على قيم الأمة ديناً ولغةً ورقعةً وإرثاً وتاريخاً وحضارةً، حمل هموم الآخرين وكان يسعى لإسعادهم، عرفته طيب المعشر والمؤانسة، معدناً للمحبة والوفاء غير باخس للناس حقهم، كان فهمه للإسلام والوطن والعروبة ليس كارثاً منحطاً بل مجددا ومستوفياً لعنصر القيادة والتوجيه".
رئيس مجلس الأمة
سيظل اسمه وذكره قدوة ونموذجاً في البذل والتضحية الجزائر فقدت في الراحل نحناح واحداً من أبرز الأبناء الذي سيظل اسمه وذكره قدوة ونموذجاً في البذل والتضحية من أجل جزائر آمنة ومستقرة متوثبة إلى مستقبل في كنف أصالة متجذرة وتطلع إلى الحداثة الواعية في تجاربها مع العصر الجديد"
الدكتور عبد الحميد القضاة : عظمة فكر، ورحابة نفس :
إن الرجال بأعمالهم العظيمة، تسير وراءهم الأجيال، وهذه الجموع دليل على عظمة فكره، ورحابة نفسه، وسمو روحه، وإنه منذ وفاته رحمه الله لم نفقد ذكره لأن العظماء الموت لا يطمس ذكراهم بل يكشف عظمتهم لكبر الأفكار والأهداف التي عاشوا لها، فقد كان الشيخ محفوظ تهزه مصاعب الأمة، وتحركه قضاياها"
الأستاذ سيف الإسلام البنا نجل الإمام الشهيد حسن البنا : فقدناه ونحن في أمس الحاجة إليه :
"كان الشيخ نحناح رحمه الله مجدداً للفكر الإسلامي وللحركة .. مزج العقيدة بالوطنية وقد ترك حركة يقدرها أعداؤها لقد فقدناه ونحن في أمس الحاجة إليه لكنني واثق أنه ترك رجالاً .. الله سيرعاهم من فوق سبع سموات والرسـول سيكون قائدهم...."
معن بشور : اسم كبير في حياة الجزائر والأمة :
محفوظ نحناح اسم كبير في حياة الجزائر والأمة، بل هو مدرسة نتعلم منها فن المواءمة بين العقيدة والسياسة، بين المثالية والواقعية، بين الطموحات غير المحدودة والخطوات المتدرجة لتحقيقها، بين الوحدة المجتمعية والتباينات الفكرية، بين بناء مجتمع السلم وبين مواجهة مشاريع الاستبداد والإقصاء والفوضى.
إبراهيم نافع رئيس تحرير جريدة الأهرام
الشخصية المتميزة
"لا أغالي إن قلت أن الشيخ محفوظ نحناح بصفته الحزبية يمثل حالة خاصة بين أطراف الساحة السياسية التي تفوز بالحركة والغليان في الجزائر، فالرجل قطب مهم من أقطاب الحركة الإسلامية في الجزائر لكنه بحكم أفكاره وتاريخه وتحليله لواقع بلاده وأزمتها يدعو إلى الحوار ويمارسه مع جميع القوى السياسية المعارضة أيا كانت اتجاهاتها حتى تلك التي ترفض أيديولوجية الحوار مع القوى الإسلامية، وهو بذلك شخصية متميزة يرفض منهج الإقصاء والاستبداد ويدينه بكل وضوح". وقال فيـه أيـضاً: "الأول أتحدث إلى سياسي جزائري وأرى منه هذا العمق والقدرة على الاستشراف"
رمز الإسلام المعتدل في الجزائر
عن دار التوزيع والنشر الإسلامية في القاهرة، صدر كتاب :
-"وداعـا محفوظ نحناح، رمز الإسلام المعتدل في الجزائر" للكاتب المصري: وصفي أبو عاشور زيد.
والكتاب عبارة عن جمع لما كتب عن الشيخ "محفوظ نحناح" بعد وفاته، حيث شملت الكتابات كتاباً ومفكرين من مختلف أقطار العالم الإسلامي، واحتوت هذه الكتابات على مواقف ووقائع في الفكر الإسلامي وفقه الدعوة مما لا يوجد في كتب الشيخ نحناح وبين من كتب عنه من كتاب ومفكرين مما يزيد من أهمية جمعها كشيء وثائقي عن الفقيد الراحل.
وكان على رأس الكتاب والمفكرين :
-الشيخ "يوسف القرضاوي"
-والأستاذ "محمد أحمد الراشد"
-والأستاذ "راشد الغنوشي"
-والدكتور "توفيق الواعي"
-والدكتور "عبد الحميد الغزالي"
-والمستشار "علي جريشة"
-والأستاذ "عبد الحميد البلالي"
-و "الفضيل بن سعد" ....وغيرهم...
وجاء في بدء الكتاب بعد التقديم، كلمة وافية، ألقت الضوء على شخصية الشيخ "محفوظ نحناح"، ونشأته، وتعليمه، وتكوينه، ونشاطاته، وآرائه، وأفكاره وطروحاته، كما احتوى على إضاءات على الحركة الإسلامية.
شخصية الشيخ محفوظ نحناح في الشعر الإسلامي المعاصر :
يقول الله تعالى : من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلاً .
1- كتب محمد محمود صيام خطيب المسجد الأقصى قصيدة بعنون : ((لله " الفارس النحناح" ألقاها في الملتقى الدولي الثاني الذي أعـدّ إحيـاءً لذكرى وفاة الشيخ محفوظ نحناح الأولى – رحمه الله - حيث توفي في غرة جُمادى الأول 1425 هـ / الموافق 19 يونيو 2003م.. يقول فيها :
شعر الدكتور محمد الشيخ محمود صيام
فُتِحَـت – بِـذِكْرِكَ – في الفُــؤَادِ جِـراح ومــع الأسَى يُغْــدَى بِــه ويُــرَاحُ
كالفُلْـكِ تَمْخُــرُ في العُبَـابِ ومَـا بِــها طَــوْقُ النَّجَـاةِ ومَــا لَهَــا مَــلاَّح
طَــوْقُ النَّجَــاةِ تَنَـاثَــرَتْ أشْــلاَؤُه وبِفَقْــــدِكُمْ يَتَنـــاقَـصُ المُــلاَّحُ
وأصَــابَنا السـَّهْم الــذِي أدْمـى الحَـشا وكأنـَّـه الخَطْـــبُ الــذِي يَجْتَــاحُ
سَــهْمٌ ولا كُــلُّ الــــسِّهَامِ مُــسدَّدٌ عَــجِــزَ المُعَـالِـجُ عَنْـهُ والجَـرَّاحُ
وانْتَــابَ أُمَّتَنــا ذُهــولٌ عــــارمٌ مُــذْ قِــيلَ غَــابَ الفَـارِسُ النَّحْنَـاحُ
حَــطَّ الِّرحَــالَ فَتــىً جَـرِئٌ صَـابِرٌ رَجُــلُ الجِهَــادِ مُثَــابِرٌ مِلْحَـــاحُ
ولَــهُ صَــوَابٌ في الأُمُـور مُوَفَّـــقٌ فَطِــنٌ ذَكِيٌ مَاجِــــدٌ لَمَّـــــاحُ
كُنَّــا مَعــاً ونَعُــبُّ مِـنْ يُنْبُوعِـــه والمَــاءُ مَوْفــورُ الــصَّفاءِ قَــرَاحُ
وتَرَكْتَنـــا تَتَلَعَّـــبُ الــدُّنيا بِنـــا والأمْــرُ جِــدٌ لــيسَ فيـهِ مِــزَاحُ
وتَـــردَّدَتْ في العَـــالَمِينَ مَقُولَـــةٌ يَـــشْدُو بِهــا الغَــادُونَ والــرُّوَّاحُ
فَقَــدَ ( الحماســيُّونَ ) بَــدْراً سَـاطِعَاً مُــذْ لاَحَ في أُفُــقِ الحَيَـــاةِ ولاَحُـوا
وبَكَــتْ ( بُلَيْــدَةُ ) والجزائر كُلُّهَـــا وشُــعُوبُ أُمَّتِنــا بَكَــوْهُ ونَـــاحُوا
كانُوا يُكِنُّونَ المَوَدَّةَ ثُـمَّ حِينَ هَوَى الحَبِيبُ فبالمَوَدَّة بَاحُوا
وعـلَى الخُـدُودِ جَــرَتْ دُمُـوع حِيــنَما غــابَ الــشِّهَابُ وأُطْفِــئَ المِـصْبَاحُ
غُــصّصٌ تَجَرَّعْنــا مَــرَارَةَ وَقْعِهــا ويَحِـــلُّ فــيهِنَّ البَكَــا ويَبَــــاحُ
لَكِنَّهَــا غُــصَصٌ أصَــابَتْنَا فَهَــــل يُجْدِي العَوِيــلُ وهَــلْ يُفِيـدُ نُــوَاحُ ؟!
يـــا رائِــداً للـسِّلْمِ أَلْــفُ تَحِيَّـــةٍ فالـــسِّلْمُ في هَــذِي الــدِّيَارِ فَــلاَحُ
فبِــهِ الــبِلادُ تُقــالُ مِــنْ عَثَرَاتِهــا وبِــهِ النُّفـــوسُ لِوَقْعِــه تَرْتـَــاحُ
وجَزَائِــرٌ مِــنْ غَــيْرِ سِــلْمٍ كاسِــدٌ لاَ عَائِــــدٌ مِنْـــهُ ولاَ أرْبَــــاحُ
وعــلَى الطَّرِيــقِ تَـسِيرُ كُـلُّ جُمُوعِنـا يَهْــدِي الجَمِيــعَ مَحَبَّــةٌ وسَـــمَاحُ
ويَقُــولُ فيــهِ اليــوْمَ مِــنْ أقْوَامِنــا خُطَبـــاءُ أهْــلٌ لِلكَــلاَمِ فِـــصَاح
للــهِ أنْــتَ فهَــلْ يُحَقَّــقُ حُلْمُكُــمْ ولِقَوْمِنــا طَــوْقُ النَّجَـــاةِ يُتَــاحُ؟!
فهُنــا الــسَّلاَمُ وكُنْــتَ تَطْمَـعُ أنْ تَرَى في أرْضِنَــا فُــرَصَ الــسَّلاَمِ تُتَــاحُ
وهُنَــاكَ في المَـيْدَانِ حَيْـثُ الغَاشِمُــونَ لأرْضِــنَا الوَطَـنَ الــسَّلِيـبَ اجْتَاحُـوا
كُنْــتَ الـذِي اتَّخّــذَ الكِفَـاحَ سَــبِيلَهُ وسَـــبِيلُ كُــلِّ الـمُؤْمِنيـنَ كِفَـــاحُ
فـــالحَقُّ في الأرْضِ الـسَّلِيبَةِ حَقُّنَـــا ولنَيْلِـــهِ بَــذْلُ الـــدِّمَا مِفْتَـــاحُ
والقُــدْسُ والــدُّخَلاَءُ كُنْـتَ تُـصِرُّ أنْ يَتَرَحَّلُــــوا عَنْهَــا وأن يَنْزَاحُــــوا
وقّضِيَّــةُ الأَقْــصَى طَفِقْـتَ تُثِيرُهــا فــــالحَقُّ فِيهــــا أبْلَــجٌ وصـُرَاحُ
وبِلاَدُنــا هِـيَ كالجُــسُومِ حَقِيقَـــةً والقُـــدْسُ والأقْـــصَى لهــا الأَرْوَاحُ
وقَــضِيَّةُ الــوَطَنِ الـسَّلِيبِ وأهْلِــهِ والظُّلْـــمُ فيــهِ مُكَــرَّسٌ ومُبَـــاحُ
صَــيَّرْتَهَا هَــمَّ الجزائر كُلَّـــمَا أهْــلُ الجزائر قَـدْ غَــدَوْا أو رَاحُـوا
وهُــمُ الأُوْلَى عَرَفـوا مِـنَ المُحْتَـلِّ مَا إبْلِـــيسُ مِــنْ جَرَّائِـــهِ يَرْتَـــاحُ
وعَــشِقْتَ إِصْــلاَحَ الحَيَــاةِ لأَمَّـةٍ كــادَتْ يُغَيَّــبُ بَيْنَهَـــا الإصْــلاَحُ
فَــبَرَزْتَ في كُــلِّ المَوَاقِــعِ فارِسـاً والــدِّيْنُ والــرَّأْيُ الــسَّدِيدُ سِـــلاَحُ
في الــبَرِّ رَائِــدُ نَهْــضَةٍ عَمَلِيَّــةٍ وهُنــاكَ في لُجَــجِ الهُــدَى سَـــبَّاحُ
عَلَــمٌ يَغُــذُّ إلى تَقَــدُّمِنا الخُطَــى والأكْــــثَرُونَ بِقَوْمِنَـــا أشْــــبَاحُ
بُخَــلاَءُ في الأمْــوَالِ إنْ نُـدِبُوا لَهَـا والكُــلُّ في بَــذْلِ الــدِّمَاءِ شِـــحَاحُ
للــهِ أنْــتَ وكَـمْ سَـعَيْتَ لِيَــسْعَدُوا وتَـــسُودَ فــيهِمْ نَهْــضَةٌ وصَــلاَحُ
ويَهُبَّ – مِثْلَ المُقْعَدِينَ – مِــــــــــــــــــــنَ الشُّعُوبِ اليَعْرُبِيَّةِ فِتْيَةٌ وصِحَاحُ
فالــشَّيْخُ ( ياسِيـنُ ) القَعِيــدُ لِمِــثْلِهِمِ بِجِـهَــادِهِ بــينَ الــوَرَى فَـــضَّاحُ
فهُــوَ القَعيــدُ وعَزْمُـهُ هَـزَّ الـوَرَى والكُــلُّ مِـــنْهُمْ نـــائِمٌ مُرْتَـــاحُ
كُنْــتَ القَــرِينَ لَــهُ تُؤَيِّـدُ دَرْبَــهُ وتَــوَدُّ لَــوْ دَرْبُ الجِهَــادِ مُتَـــاحُ
وتَقَــرُّ عَيْنـــاً كُلَّــما أوْطَانُنـــا يَبْـــدُو لَهُــنَّ تَقَـــدُّمٌ ونَجَـــاحُ
وعَمِلْــتَ للتَّوْحِيــدِ بــيْنَ شُــعُوبِنا مــا كَــانَ فيــهِمْ غُـــدْوَةٌ ورَوَاحُ
لاَ أنْ تَظَـــلَّ بِلاَدُنـــا مَـــشْطُورَةً فهُنـــا طَوَائِــفُ بَيْــنَهُنَّ نِطَـــاحُ
وهُنـــاكَ أرْضُ قَبَائِــلٍ مُقْـــسُومَةٌ فقُــرىً مُوَزَّعَــةُ الهَــوَى وبِطَــاحُ
فــإذا دَعَــوْتَ لِجَمْعِهِـمْ جَمَحُـوا كَـمَا يَبْــدُو مِــنَ الفَـرَسِ الـشَّمُوصِ جِمَاحُ
ووَدِدْتَ لَــوْ سُـبُلُ الكِفــاحِ تَفَتَّحَــتْ وجَـــرَى لَهُــنَّ الــدَّعْمُ والإِنْجَـاحُ
ولِـكُـلِّ مَـنْ عَـشِقُوا الكِفَـاحَ تُقَـامُ في أوْطانِنـــا الأعْــراسُ والأَفْـــرَاحُ
لَكِــنَّما خَيْــلُ الكِفَـــاحَ تَعَثَّــرَت وعَــلاَ عـلَى خَيْــل الكِفَـاحِ نُبَــاحُ
والــسَّاحُ عَكَّــرَ جَـوَّهُ مـا انْتَابَــهُ مِـنَ الاضـطرَابِ وضَـجَّ مِنْـهُ الـسَّاحُ
ويَهُـــودُ أرْضُ بِلاَدِنــا لِكِلاَبِهِـــمْ وثَــرَى الجُــدُودِ مَلاَعِــبٌ ومَـرَاحُ
والـشَّعْبُ في الـوَطَنِ الـسَّلِيبِ مِنَ الأذى غَلَبَــتْ عــلَى أيَّامِـــهِ الأتْــرَاحُ
والمَــسْجِدُ الأقــصَى نَوَايـا هَدْمِــه شُرِبَــتْ لَهـا الأنْخــابُ والأقْــدَاحُ
وكَتَائِـــبُ المُتَــدافِعِينَ إلى الــوَغَى عَــصَفتْ بِهِـنَّ عَوَاصــفٌ ورِيَـاحُ
وتَــسَاقَطَ الـشُّهَدَاءُ – بَعْـدَكَ – مِنْهُمُـو وتَـصَوَّبَتْ نَحْــوَ القَلُــوبِ رِمَــاحُ
فَلَكَ التَّحِيَّةُ كُلَّمَا أمْسَى المَسَاءُ علَى الجزائر أوْ أَهَلَّ صَبَاحُ
وعَلَيْــكَ في جَنَّــاتِ عَــدْنٍ كُلَّــمَا فِــيهِنَّ رَفَّ عــلَى الغُـصُونْ جَنَـاحُ
رَحَمَاتُ رَبِّ العَالَمِينَ ولَفَّ جِسْمَكَ مِنْ رِضَا البارِي العَزِيزِ وِشَاحُ
وعَزَاؤُنـا أنْ قَـدْ مُنِحْتَ مِـنَ الرِّضَــا مـا قَــدْ يَــشَاءُ الوَاهِــبُ المَنَّـاحُ
ولكُــمْ بــإذْنِ اللــهِ في جَنَّاتِـــهِ حُــورٌ صَـبِيحَاتُ الوُجُــوهِ مِــلاَحُ
وشُــعُوبُ أُمَّتِنــا عـلَى مِنْهَــاجِكُمْ سَيُوَاصِــلُونَ الــسَّيْرَ لَـنْ يَرْتَـاحُوا
إلاَّ إذا طُــرِدَ الغُـزَاةُ عَــنِ الحِمَـى والمُجْــرِمُ المُحْتَــلُّ مِنْــهُ يُــزَاحُ
كما جادت قريحة الشاعر الإسلامي الجزائري ( محمد براح ) الملقب بشاعر الحرية، وشاعر الحركة بعدة قصائد قالها في رثاء المجاهد محفوظ نحناح، منها هذه الأبيات الشعرية الرائعة، التي ألقاها في التجمع الشعبي الحاشد الذي نظمته الحركة يوم الخميس 17 جوان 200م بملعب 20 أوت ، وذلك بمناسبة الذكرى السادسة لوفاة مؤسس حركة مجتمع السلم ، والتي مطلعها:
غنى الجمالُ فما أحلاكِ يا دارُ وزيّنتْ صورَ الأيام أقمارُ
غنّى الهزارُ فتاهت ألفُ قافية ٍ والذكرياتُ هنا شعّت وآثارُ
حدّث عن الزمن الأبهى بلا كلل ٍ رقَّ المديحُ فلم تبخسكَ أوتارُ
اليومَ نحيا على ذكراه في وله ٍ وازدها بالشيخ أنوارُ
اليومُ أقرأ وردي من تذكره من كان يعذبُ في لُقياهُ مشوارُ
وكمْ أرقتُ فلم يهدأ لنا جفنٌ تساورُ الروحَ بالتحنان ِ أفكارُ
دوماً أجدد في الأحلام صورته عطرٌ محيّاهُ بسّامٌ ومجسارُ
كأنني بعيون الشيخ قائلةٌ صبراً على الدربِ لا تتعبكَ أسفارُ
حانَ الوصولُ فلم تغرقْ مراكبنا هذا الطريقُ فلا يثنيكَ إبحارُ
هـذب الدنيـا ومـات:
صـبرت الــصبرين بــصبر جميــل وشــددت الجميـل بحبــل إيمـان
وصـغت إيمــاني مـن خطـاب وحـي هـو مـا أســماه اللـه بالفرقــان
وغـــذيت إيمـــــاني بمقومــات يظهرهـا خطـو العلــم والعرفـان
فلــم أكـن لأكفــر جــذر جـــذع ولم أنكـر جـذعاً ظــاهراً للعيـان
تريــدون اجتثــاثي فلــست قريبــا فجـذري ضـارب في شـعب الزمـان
تريــدون إطفــائي فلــست وقــودا فمـصباحي قـوي، من طاقـة القـرآن
تريــدون تظلــيلي فلــست وحــيدا فيــدي في يــد حبيـب الرحمـان
تريــدون تخـضيعي فلــست جـسمـا فكــلام اللــه لروحــي بــان
تريــدون قـــتلي ، فأنــا شـــهيد أبقــى هنــا ، وفي بيتــي الثـان
أنــا الأعــلى، بـــشهادة المتعــال فأنـا بعيـــد عـن كـل أحــزان
أنــا الأعــلى "بـــدبلوم" إيمــاني فــلا يعــرفني طريــق الهـوان
أنــا وصـــية ربي كلهــا عنــدي فأنــا الحــامي لبــني الإنــسان
أنــــــا الخليفـــة في أرض ربي أسوســها بــشرط وعهـد وأمـان
أنــا لا أرى فروقــا بــين أجنــاس ولا يـصدني وطـني عـن الأوطـان
أنـــا لا أقــيم وزنــا للهجـــات واخــتلاف الوجــوه والألـــوان
فكــــل ذاك مـــن آيـــات ربي لا لإشـــعال فتائــل النـــيران
ألا مــن يريــد أن يكــون مــثلي فليـــصعد إلى مرتبتــي ومكـان
فلــيس المقــــام لــولي عهـــد بــل لكــل المــؤمنين إخــوان
تعــالى اطلـع عـلى لبنـات صرحـي تعــالى تــرى مـصداق لــسان
مـــسلمة يقــف عليهــا فـــؤادي هــي ؛ أن أصــل منهجـي ربـان
محفـوظ مـن كـل تحريـف وتخريــف فهــو الـذي صـاغ عقـلي وربـان
قـال لعقــلي انظــر ولقلبـي اعتــبر فــاهتز الفــؤاد بخرقــة الأكفـان
هـــذا منهـــاج ثابـــت بـــاق لا تجــري عليــه قــدم الزمـان
فكــل مــن رآه بـــال هزيــــل فقــد رمى اللــه بجهـل ونقـصان
فـرش الجنــاح فظلـل كـل أرضــه ومـا رمــاه أبـدا منـصف بنـسيان
ومـا طغـت حقيقـة فيـه عـلى أختهـا فالكــل مقـدر مــوزون بميـزان
فلـم تلــده عقـــول متفلــسفـــة ولم تنــسجه رياضــة الأذهــان
ولم تحبكـــه ثقافــــات أقـــوام بــل هــو هبــة مـن الــديان
هــذه حقيقتــي أرفعهـــا عاليـــا فــلا أداري ولا أدهــن بـــدهان
وكتب شاعر الحرية محمد براح (الجزائر ) قصيدة أخرى يقول فيها :
طفح التذكر للرؤوف الحاني فبكى القريض ولم يطب وجداني
أتذكر الزمن الجميل وشدونا وألملم الثمر الشهي الداني
رممت جرحي بعد طول توجع أفلم تكن ذاك الحليم الباني ؟
مستلهم منك الحروف تروقني في بحر حبك غارق تبياني
فرأيتني ما أنت في متوقع صنت العهود ولم أخن أَيْماني
لا زلت في لفح المعارك واقفا لم أسترح لصلافة الطغيان
وأتى الربيع فها أغازل وردنا حتى يعطر سائر الأوطان
أبتاه كل تنبؤاتك شاهد وأرق من شرحي وحرف بياني
سبع عجاف ثم سبع فاحصدوا فيها لنستر جوعة اللهفان
لازلت تسكنني فذكرك طيب لازلت في خفقات ذا الشريان
عادت طيورك تنتشي بوكورها ومضت تردد أعذب الألحان
قم فالنشيد العذب يملأ بيتنا رق اللقاء بأدمع التحنان
ورأيتنا أبهى وأجمل حلة هذا زمان تعانق الأحضان
أرض الكنانة تستعد لعرسها فبها ستعلو راية الإخوان
أما دمشق فلن يطول عناؤها ستزول عنها ظلمة السجان
لحن "ارحلوا" عزفت جموعك فانتشت باللحن بالصلوات في الميدان
لو كنت حيا لاسترحت بزحفنا ومضيت تمسح حرقة الأجفان
زيتونة طربت فلاح ضياؤها وسلت بطيب شقائق النعمان
ينسي التذكر ما يجول بخاطري ليطول وجد الشاعر الولهان
الشمس تشرق ، ما أجل شروقها والطير غرد في ذرى الأغصان
كم كان موعدنا المعطر رائقا الصبح يحتضن المساء القاني
قلبي وروحك في التذكر واحد لو كان لي ياسيدي قلبان
لسكنتني ، فالبدء أنت لرحلتي ولكنت أول ، لن تكون الثاني
الشاعر المفتون حين عرفته وضممته كأب رؤوف حان
لازال ينظم كي يرى أطيافكم ممزوجة بحرارة الأوزان ؟
وحلاوة للشعر تقطر عذبة وحروف رسمك زينت ديواني
رتبت أبيات القصيدة فانتهت عصماء تربك ريشة الفنان
غض طري ، كل فكرك مفعم فقفزت للممتاز بالإتقان
دفأت عطر جلوسنا بدعابة وأعدتنا لرحابة الإيمان
قل لي فقط ماذا سترسم لوحة ؟ في مشهد متزاحم الألوان
ماذا سيخبرك اليراع من الهوى ؟ ومسيل حبك مورد الضمآن
ولربما نقلت إليك مواجعي حزنا لتنظر ما يهد كياني
حل الربيع ولم تزقزق حولنا منه الطيور فعمقت أحزاني
وصل الربيع إلى ذراه فيابس عودي وما زار الندى أفناني
خمسون عاما كبرهم في غبطة وأنا تلوع أضلعي أشجاني
خمسون عاما يسحقون عظامنا وبلادنا في فوهة البركان
أخشى عليها ، لن أرى فتانتي ؟ ملفوفة بسحائب ودخان
سم لأفعى مسكب بكؤوسنا وأرى الجزائر في فم الثعبان
نبأ عظيم نحن فيه ومحنة وأنا ضحية مستبد جان
أرأيت كم حل الخريف بأرضنا ؟ والجدب طم، ولم تسل ودياني
البوم باق لا يزال نواحه والروض مبتئس من الغربان
والمدعون غرامكم لم ينصفوا وتزاحموا في حضرة السلطان
يبست على وجهي الكآبة لا أرى إلا الوفي لصفرة التيجان
مني إليك خواطر منثورة بثت جواها حرقة الأشجان
عذالنا فيكم أذاعوا سرنا وتناولوا ما كان في الكتمان
فعذرتهم والعذر أعظم منة مني فلست مطاوعا أضغاني
إني نظرت إلى الزمان فخلته لا تحتويه مساحة الفنجان
الكون أوسع حين تشرق شمسه والبدر حل بنوره الهتان
قصيدة شيخ المصالحة الوطنية : وكتب شاعر مغمور هذا النظم ألا وهو كمال دحو الذي يقول :
حـق علينـا والحـق أوفـي الخــصال في ذكـر أولـي العزم مـن الرجـال
إذا بــدت أفــضال قــوم كـــرام تبــث فينــا تــذكار الخــلال
شــيخ المــصالحة لــو تعلمــون وهـل تخفـى النجـوم علـى الجبـال
قــد بكتـه الأمــة حزنــا لوفاتــه مــن فــرط المهابــة والإجـلال
لــست في هـذا المقــام راثيــا لـه أو ناعيـا إنمـا أنزلـه حـق إنــزال
شـهاب سـاطع قـل في الزمـان نــده وحامـل هـم القــدس زيـن النـوال
وفلسطين جـرح مـا زال يـدمي مـن جــسمه مذ نجـستها أقـدام احـتلال
أحبـه الله فارتــسمت محبتـه علــى كـل ثغر وحتـى في القلـوب أطفـال
كيــف لا ولـه في ود هـذي الــبلاد مـآثر هـي للنـاس أحسن الأمثــال
دكــان بينهمــا حكايــة قـــصت فـصارت مع الـزمن ملحمـة أبطـال
كــم كــان حـني القلــب مــشفقا على الأرض الـتي عانت مـر السّمال
وكـم سمـت نفسه عـن كـل نقيــصة مـن بـني قومـه فكـان حلـو المقال
وكــم كابــد في الله كــل مــضرة وتحمـل الأســر وطــول الليـالي
فغــدا للجزائــر رمـزاً ومــشعلا وللأجيـال نبراسـا ثابتــا كـالهلال
ولـه الفـضل والإحــسان بعـد الله في حلـف الإخـاء والجمع بعـد انفصـال
يـا شـيخ طبـت اليـوم حيـا وميتــاً فأنت العزيـز فينـا وذو المقـام العـال
علمتنـا أن الحيـاة جهــاد وطاعــة وثبـات علـى الحـث بـلا كــلال
ورثنــا مـن بعـد إرثــا عظيمــا مـثقلا ومـضيت مطمئنـا في جـلال
وهـذا جمعنـا اليـوم ثمـرة من حـقل دعوتـه إلى الخيـر والـسلم العجـال
ونحـن اليـوم علـى خطـاه صـامدون وبنهجــه وآثـاره علـى اتــصال
فـنم قريـر العـين طيبـا إنـا بـدعوة الإخوان ماضــون إلى الكمــال
مراجع البحث :
1-اعلام الدعوة والحركة الإسلامية المعاصرة – عبد الله العقيل .
2-الموسوعة الحرة .
3-موسوعة الإخوان المسلمين .
4- موقع حركة مجتمع السلم .
5- الشيخ محفوظ نحناح وفلسفته في الإصلاح، إخوان أون لاين، 15 أبريل 2009م .
6- تعريف به علي الجزيرة نت .
-نحناح للجزيرة نت: هذه أسباب خسارتنا .
7- محفوظ نحناح الرقم الصعب في الساحة السياسية الجزائرية لـ الأهرام: من يرفع السلاح يغتال المستقبل.. والتطبيع مع إسرائيل هواية مشبوهة!، جريدة الأهرام المصرية، 4 ديسمبر 1999 .
وسوم: العدد 644