وفاة الأستاذ منذر الشمعة، في غربته القسرية
وفي الليلة الظلماء يُفتَقَد البدر
هو ابن مدينة دمشق، ولد عام 1932م في حي مئذنة الشحم الدمشقي، نشأ في أحيائها، ,اختار درب الكفاح السياسي في صفوف الحزب الشيوعي السوري، وكان أحد أهمّ القياديين الذين تجرأوا وجابهوا سياسة الحزب الشيوعي السوفييتي البائسة منذ بداية سبعينيات القرن الماضي، مسقطين ممثل السوفييت في سورية خالد بكداش.
منذ المؤتمر الخامس للحزب الشيوعي السوري عام 1979م شغل الأستاذ منذر الشمعة منصب عضو المكتب السياسي للحزب، جناح المكتب السياسي، وقد لعب دورًا بارزًا بتشكيل التجمع الوطني الديمقراطي بالإشتراك مع الناصريين وبعض القوى القومية لمواجهة سلطة القهر والفساد إبان الإنتفاضة الأولى للسوريين التي انطلقت في عام 1979م
وعلى أثر مشاركته في تنظيم صفوف الثوار، وتشكيل التجمع الوطني الديمقراطي، اعتقلته المخابرات السورية في دمشق برفقة صديقه رياض الترك عام 1980م، وقد نشر وأذاع رفاقه الكثير عن صلابته بالسجن، وعن مواجهته الأسطورية لأجهزة المخابرات المجرمة، ولكنه عندما سئل بعد أكثر من إحدى عشرة سنة اعتقال عن مواجهاته ذائعة الصيت أجاب بكلّ تواضع:
- "قيل الكثير عن اعتقالي وعن صمودي، ولكني لا أذكر إلاّ أني امتنعت عن الكلام، ولم يتعد التحقيق معي سؤالهم عن اسمي، لأني لم أعترف لهم من أنا".
وقد انهوا التحقيق معه بعد أن حملوه حملًا، لعدم قدرته الوقوف والمشي من شدّة التعذيب، إلى مكتب رئيس فرع المخابرات، وبقيّ محضر التحقيق خاليًّا من أي إفادة.
تخرّج من قسم الرياضيات في خمسينيات القرن الماضي، وعيّن مدرّسًا في حلب، واستمرّ في دار معلمات حلب أستاذًا لمادة الرياضيات، ولاشكّ أن الأثر الطيّب الذي تركه في دار المعلمات هو مثار إعجاب من طالباته اللواتي طالما افتخرن به أستاذًا ناجحًا، ومربيًّا عظيمًا.
بعد خروجه من المعتقل في بداية تسعينيات القرن الماضي، حاول السعيّ على درب إصلاح الواقع السياسي المتردّي، لاسيما في الحزب الشيوعي، ولكن حجم الكارثة التي أصابت المجتمع السوري كانت فظيعة بعد مجازر نظام حافظ الأسد بحقّ معارضيه، بالأخصّ اغتياله لمدينة حماه عام 1982م، فالتفت الأستاذ منذر الشمعة إلى تدريس مادة الرياضيات في المعاهد الخاصّة، بعيدًا عن المدارس التي احبّها، والتي منعته السلطات الأمنية من التدريس فيها أيضًا.
أخيرًا، في أواخر تسعينيات القرن الماضي تمكّن بالتعاون مع أبنائه الثلاث سمير وسلام ونبال من شراء شقّة في قدسيا، أقاموا فيها جميعًا.
شارك في ربيع دمشق، وكانت لديه ملاحظات على سلوك بعض الفاعلين بصفوفه، لاسيما الإنفصام بين الأقوال والأفعال، مما جعله منزويًّا عن مركز القرار، ولكنه بقيّ وفيًّا لرفاق النضال في حزبه الذي أضحى اسمه حزب الشعب الديمقراطي.
ومع بدء أحداث ثورة آذار 2011م أعلن وأسرته الانحياز، بل انضمامهم إلى صفوف الثورة بمواجهة سلطة الموت والفساد، وبعد أن اشتدّت المضايقات والملاحقات الأمنية له ولكلّ أفراد أسرته المشاركين بثورة شعب سورية العظيم، خرج أبناؤه ووالدتهم تباعًا، قسرًا إلى الأردن، وأبى هو الخروج، وتوارى عن أنظار المخابرات في أماكن متعددة في ريف دمشق لأكثر من ثلاث سنوات، إلى أن ضاقت الأحوال به، وتعرَض لأمراض جعلته يذعن لطلب أبنائه الملحاح بالخروج من سوريا لضرورة العلاج، خرج مقهورًا وبدأ يذوي في غربته، وبظلّ أحزانه على سورية وشبابها إلى أن وافته المنيّة.
لا شكّ أنّ الشعب السوري يفتقد بغيابك رجلًا وطنيًّا مقدامًا، وأستاذًا مربيًّا، الرحمة للفقيد الكبير الأستاذ منذر الشمعة، والسلام إلى روحه الطهورة، والصبر لأسرته وأبنائه، ولكلّ محبيه.
وفاة الأستاذ منذر الشمعة، في غربته القسرية
وفي الليلة الظلماء يُفتَقَد البدر
هو ابن مدينة دمشق، ولد عام 1932م في حي مئذنة الشحم الدمشقي، نشأ في أحيائها، ,اختار درب الكفاح السياسي في صفوف الحزب الشيوعي السوري، وكان أحد أهمّ القياديين الذين تجرأوا وجابهوا سياسة الحزب الشيوعي السوفييتي البائسة منذ بداية سبعينيات القرن الماضي، مسقطين ممثل السوفييت في سورية خالد بكداش.
منذ المؤتمر الخامس للحزب الشيوعي السوري عام 1979م شغل الأستاذ منذر الشمعة منصب عضو المكتب السياسي للحزب، جناح المكتب السياسي، وقد لعب دورًا بارزًا بتشكيل التجمع الوطني الديمقراطي بالإشتراك مع الناصريين وبعض القوى القومية لمواجهة سلطة القهر والفساد إبان الإنتفاضة الأولى للسوريين التي انطلقت في عام 1979م
وعلى أثر مشاركته في تنظيم صفوف الثوار، وتشكيل التجمع الوطني الديمقراطي، اعتقلته المخابرات السورية في دمشق برفقة صديقه رياض الترك عام 1980م، وقد نشر وأذاع رفاقه الكثير عن صلابته بالسجن، وعن مواجهته الأسطورية لأجهزة المخابرات المجرمة، ولكنه عندما سئل بعد أكثر من إحدى عشرة سنة اعتقال عن مواجهاته ذائعة الصيت أجاب بكلّ تواضع:
- "قيل الكثير عن اعتقالي وعن صمودي، ولكني لا أذكر إلاّ أني امتنعت عن الكلام، ولم يتعد التحقيق معي سؤالهم عن اسمي، لأني لم أعترف لهم من أنا".
وقد انهوا التحقيق معه بعد أن حملوه حملًا، لعدم قدرته الوقوف والمشي من شدّة التعذيب، إلى مكتب رئيس فرع المخابرات، وبقيّ محضر التحقيق خاليًّا من أي إفادة.
تخرّج من قسم الرياضيات في خمسينيات القرن الماضي، وعيّن مدرّسًا في حلب، واستمرّ في دار معلمات حلب أستاذًا لمادة الرياضيات، ولاشكّ أن الأثر الطيّب الذي تركه في دار المعلمات هو مثار إعجاب من طالباته اللواتي طالما افتخرن به أستاذًا ناجحًا، ومربيًّا عظيمًا.
بعد خروجه من المعتقل في بداية تسعينيات القرن الماضي، حاول السعيّ على درب إصلاح الواقع السياسي المتردّي، لاسيما في الحزب الشيوعي، ولكن حجم الكارثة التي أصابت المجتمع السوري كانت فظيعة بعد مجازر نظام حافظ الأسد بحقّ معارضيه، بالأخصّ اغتياله لمدينة حماه عام 1982م، فالتفت الأستاذ منذر الشمعة إلى تدريس مادة الرياضيات في المعاهد الخاصّة، بعيدًا عن المدارس التي احبّها، والتي منعته السلطات الأمنية من التدريس فيها أيضًا.
أخيرًا، في أواخر تسعينيات القرن الماضي تمكّن بالتعاون مع أبنائه الثلاث سمير وسلام ونبال من شراء شقّة في قدسيا، أقاموا فيها جميعًا.
شارك في ربيع دمشق، وكانت لديه ملاحظات على سلوك بعض الفاعلين بصفوفه، لاسيما الإنفصام بين الأقوال والأفعال، مما جعله منزويًّا عن مركز القرار، ولكنه بقيّ وفيًّا لرفاق النضال في حزبه الذي أضحى اسمه حزب الشعب الديمقراطي.
ومع بدء أحداث ثورة آذار 2011م أعلن وأسرته الانحياز، بل انضمامهم إلى صفوف الثورة بمواجهة سلطة الموت والفساد، وبعد أن اشتدّت المضايقات والملاحقات الأمنية له ولكلّ أفراد أسرته المشاركين بثورة شعب سورية العظيم، خرج أبناؤه ووالدتهم تباعًا، قسرًا إلى الأردن، وأبى هو الخروج، وتوارى عن أنظار المخابرات في أماكن متعددة في ريف دمشق لأكثر من ثلاث سنوات، إلى أن ضاقت الأحوال به، وتعرَض لأمراض جعلته يذعن لطلب أبنائه الملحاح بالخروج من سوريا لضرورة العلاج، خرج مقهورًا وبدأ يذوي في غربته، وبظلّ أحزانه على سورية وشبابها إلى أن وافته المنيّة.
لا شكّ أنّ الشعب السوري يفتقد بغيابك رجلًا وطنيًّا مقدامًا، وأستاذًا مربيًّا، الرحمة للفقيد الكبير الأستاذ منذر الشمعة، والسلام إلى روحه الطهورة، والصبر لأسرته وأبنائه، ولكلّ محبيه.
وسوم: العدد 644