الشهيد محمود عزيز

(من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر، وما بدلوا تبديلاً.)

صدق الله العظيم

دخل على زوجته حين اشتد رجال السلطة الباغية في ملاحقته، يخبرها أنه قد أعد العدة لمغادرة القطر والنجاة بنفسه. تطلعت إليه بصمت...

– إلى أين؟!!

ويضيع الجواب، بل يمتلئ الرجل ثقة وعزيمة وثباتاً، ويرفع يديه إلى السماء، يسأل الله الشهادة.

لك الله يا أسماء !!!

لك الله أيتها الصابرة المحتسبة!

لك الله يا زوج شهيد وأخت شهيد! (زوج محمود وأخت رامز العيسى).

* * *

يغتسل مع إخوانه، ويصلي ركعتي الشهادة يودع بهما الدنيا، ثم يخرج ليخوض أول معركة ضد رجال الظلم والبغي، يدخل المعركة، ويبلي مع رفاقه بلاءً شديداً، وينكل في العدو، ويكتب الله له السلامة، بينما يستشهد أخواه في العقيدة (وليد وعصام)، فيزيده استشهادهما إصراراً وعزماً.

* * *

كان متوارياً في أحد البيوت مع إخوانه المجاهدين حين داهمهم رجال السلطة، فخاضوا معركة حامية، واستطاعوا الانسحاب من النوافذ واللجوء إلى بيت آخر بعد أن قضوا على طليعة القوات المعتدية.

لاحقهم المجرمون، وحصروهم في مأمنهم، فخاضوا معركة أخرى، ونفدت الذخيرة أو كادت. ألقى محمود نفسه من الطابق (الدور) الثاني، ليشغل المجرمين عن إخوانه المجاهدين. نعم ألقى بنفسه، وسحب مسمار الأمان من قنبلته، ولكن الرصاص عاجله، فرفع يديه إلى السماء يشهد: أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.

فما أروعها خاتمة؟!!!

* * *

ذلك هو (محمود عزيز) ليس بطلاً من أبطال (هوميروس) ولا (جلجامش) وإنما هو من أبناء هذه الدعوة المباركة التي سن (خبيب) لأبنائها أن يقولوا:

ولست أبالي حين أقتل مسلماً   على أي جنب كان في الله مصرعي

* * *

محمود عزيز من مواليد قرية (أبين) التابعة لمحافظة (حلب). ولد في عام 1954م، والتحق بمدارس الدولة، فكان من المتفوقين..

فتح عينيه فتى يافعاً يبحث عن طريق الحق ينقذ به أمته من عار الذل والهزيمة التي لحقت بها على أيدي الخونة في عام 1967م.

وبذكائه المتوقد استطاع أن يرى طريق الحق في دعوة (الإخوان المسلمين)، فالتحق بها ولما يزل طالباً في الثانوية....

من سني تنظيمه الأولى كان (أبو حسن) محمود متميزاً في إخوانه بفضل نباهة وذكاء، وحب للحركة والنشاط والتضحية في سبيل الدعوة لله، مما رشحه ليكون عريفاً لأسرته وقائماً على أمرها...

ودخل الجامعة في كلية العلوم، وقسم وقته بين العلم والدعوة حتى إذا كاد يتخرج في الجامعة، ترك العلم، وتفرغ للدعوة وقتاً وجهداً، فكان يؤخر تخرجه ليعمل لدعوته على الرغم مما يوفره له التخرج من مكاسب مادية، ففي الوقت الذي كان فيه أساتذة الرياضيات (المثقفون المتوارون) يجرون وراء الدنيا لجمع المال من الدورات الخاصة.. كان محمود يتخلى عن الساعات الخاصة التي يقوم بتدريسها ليعيش حياة رقيقة مع زوجه وولديه..

وحين تخرج في الجامعة، لم يلتحق بالوظيفة، بل بدأ يماطل في التحاقه بالخدمة العسكرية، وذلك بناء على طلب مسؤوليه، ليتفرغ لخدمة الدعوة... وقام بواجبه الدعوي على خير وجه. ثم سمح له بالالتحاق بالخدمة الإجبارية، ففعل. ثم عاد، فترك العسكرية لصالح دعوته، وعاد أخيراً إلى الخدمة الإجبارية حتى كان يوم ملاحقته، فالتحق بالمجاهدين.

محمود شاب قصير القامة، أسمر البشرة، في شعره جعد يسير، وعلى وجهه طلاقة وبشر. وأخلاقه اليسر واللطف والود، وطبعه الوفاء والإخلاص.

استشهد (أبو حسن)، وما زال أخواه عبد الله وأحمد في المعتقل، وكأنهم في محنتهم آل ياسر.

فصبراً آل عزيز، إن موعدكم الجنة إن شاء الله.

رحم الله محموداً، وأحسن نزله، وتقبله عنده في عليين مع الأنبياء والشهداء والصديقين والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً.

وسوم: العدد 669