الشيخ محمد علي مشعل (1924 - 2016)

clip_image002_e04e5.jpg

ولد الشيخ في محافظة حمص - تلدو 1924م. تخرج من مدرسة دار العلوم الشرعية بحمص، عام 1940م. لبس العمامة على يد الدكتور مصطفى السباعي في حفل تتويج العمائم في الجامع الكبير بحمص. أنشأ ثانوية علي بن أبي طالب رضي الله عنه عام 1953، وتعلم فيها أبناء المنطقة على اختلاف فئاتهم المذهبية. انتظم في كلية الشريعة بدمشق عند تأسيسها، وتخرج منها عام 1960م. عضو جمعية العلماء في حمص منذ نهاية الخمسينات. مدرس عام في الجامع الكبير بحمص منذ عام 1975م. يومي الاثنين والخميس. درسه من أشهر الدروس في الجمهورية، والحضور قرابة أربعة آلاف شخص غالبا. عضو الاتحاد القومي في عام 1958م في زمن الوحدة، وكان انضمامه برأي العلماء. نائب عن محافظة حمص في مجلس الشعب في عام 1961م، بعد الانفصال، وكان ترشح برأي العلماء. أستاذ في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في المعهد العالي للدعوة، والمعهد العلمي في المدينة المنورة، منذ عام 1979م. مدرس في المسجد النبوي الشريف في بداية الثمانينات. داعية زائر خلال شهر رمضان في قطر والكويت والإمارات بدعوة من وزارات الأوقاف فيها. مستشار شرعي في جمعية إقرأ الخيرية في جدة منذ عام 1990م.

تاريخ ومكان الولادة:

محافظة حمص -تلدو عام 1924- حولة حمص حيث قبر الصحابي الجليل العرباض بن سارية رضي الله عنه.

الاسم والنشأة:

هو محمد علي بن حاج محمد مشعل، تعود أصوله إلى قبيلة بني خالد التي تقطن الأحساء من مدن الجزيرة العربية، وقد نزح أحد أجداده إلى بلدة تادف شرقي حلب، ثم انتقل جده مصطفى ليقيم في بلدة تلدو شمال حمص.

أسرته:

نشأ في كنف والده أبرز العلماء والدعاة في ريف حمص في عصره الشيخ حاج محمد مشعل، ووالدته سارة وجدته شعاع كل منهما مثال متميز للمرأة الداعية. نشأته العلمية والدعوية: يعود الأثر الكبير في حياته الدعوية لوالده الشيخ حاج محمد مشعل. تلقى على يد عمه الشيخ حسين الأخ الأصغر لوالده، ومن أبرز علماء المنطقة في عصره، القرآن الكريم وأتقن تجويده، ودرس التفسير، والنحو واللغة العربية، والفقه، والحديث، وحفظ متنا في الفقه الشافعي، والأربعين النووية ولم يبلغ سن الحادية عشرة من عمره. انتظم في مدرسة دار العلوم الشرعية بحمص، التي يديرها الشيخ زاهد الأتاسي، ويدرس فيها كبار علماء حمص، ومن أبرز من تتلمذ عليهم من أساتذة هذه المدرسة، الشيخ زاهد الأتاسي، والشيخ أنيس كلاليب، والشيخ محمد علي عيون السود، والشيخ أبو السعود عبد السلام، والشيخ طاهر الرئيس، والشيخ عبد القادر خوجه، والشيخ مصطفى السباعي. في أثناء دراسته في مدرسة دار العلوم الشرعية أقام الشيخ الدكتور مصطفى السباعي حفل تتويج العمائم في الجامع الكبير في حمص، وكان من بين عدد من الطلبة الذين تم تتويجهم في هذا الحفل. تخرج من مدرسة دار العلوم الشرعية في عام 1940م.

منهجه الدعوي:

يقوم منهجه على العلم والفقه، والوعظ والإرشاد تحت لواء الوسطية والاعتدال، بعيدا عن العنف والغلظة والفظاظة. يستهدف الإصلاح وابعاد الناس عن الشحناء والبغضاء والشنآن والحقد. يقوم منهجه في الدعوة على مفهوم الإسلام الشامل، وقد مارس هذا المنهج قولا وفعلا خلال حياته الدعوية، استنادا إلى شخصيته الدعوية الشمولية، فكان عالما فقيها داعيا عالما باللغة العربية، معتزا بتاريخ أمته مدركا لواقعها، حاملا لهموم أمته، مدافعا عن حقوقها. كسب بمنهجه الوسطي ثقة جميع علماء حمص وعند إقامة دروسه العامة في الجامع الكبير في حمص يقوم بعض العلماء بإيقاف حلقاتهم العلمية حتى يهيئوا لتلاميذهم فرصة حضور تلك الدروس. يضع ضمن أولوياته الدعوية توحيد كلمة العلماء، وجمع صفوفهم، وإزالة أي عوائق تقف في طريق وحدتهم، وله جهود مشهودة في هذا السبيل في حمص، وفي الجمهورية العربية السورية بصفة عامة. وعلى شخصه اتفق علماء حمص لتمثيلهم في المجلس النيابي السوري.

نشاطه العلمي والدعوي:

بدأ حياته العلمية والدعوية منذ كان عمره إحدى عشرة سنة، حيث خطب الجمعة في الجامع الكبير في بلدته تلدو، كما مارس دروس الوعظ والإرشاد، في هذه السن المبكرة. تفرغ للعلم الشرعي تفرغاً تاماً في الفترة من 1940-1950م معلماً ومتعلماً للعلم الشرعي. منذ عام 1940م أقام دروساً شرعية عامة وخاصة وحلقات علمية متخصصة ولم ينقطع عن ذلك حتى الآن أمد الله في عمره. وقد درس على يديه كثير ممن يكبرونه سناً خاصة في بداية نشاطه العلمي والدعوي. بعد تخرجه من مدرسة دار العلوم الشرعية عام 1940، أنشأ بالتعاون مع عمه الشيخ حسين مشعل مدرسة شبيهة بالمدارسة الابتدائية في هذا الوقت، وفي هذه المدرسة تخرج العديد من الأئمة والخطباء في المدن والقرى في سوريا ولبنان. في عام 1950م حصل على شهادة الكفاءة الرسمية فعين معلماً وكيلاً في بلدة كفرلاها المجاورة لبلدته تلدو، ثم انتقل معلماً ثم مديراً للمدرسة الابتدائية في تلدو، وقد كان دخوله سلك التعليم الرسمي محطة مهمة في حياته الدعوية حيث فتح الله على يديه فأقام نشاطاً دعوياً واسعاً. في عام 1953م حصل على ترخيص بإنشاء مدرسة أهلية سماها: ثانوية علي بن طالب، وكانت تعتبر أول مدرسة في المنطقة، وفيها تعلمت الغالبية العظمى من أبناء المنطقة على اختلاف فئاتهم المذهبية والعرقية. وقد كان تسمية الثانوية بهذا الاسم أمرا ًمقصوداً للشيخ من الناحية الدعوية مراعاة للتعدد المذهبي في المنطقة. كان الشيخ مديراً لهذه المدرسة ودرس فيها إلى حين خروجه من سوريا إلى المدينة المنورة في عام 1979. وقد كانت هذه المدرسة إحدى أهم التجارب الدعوية الناجحة للشيخ وقد استطاع الشيخ من خلال هذه المدرسة تحقيق أهدافه الدعوية في تلك الحقبة الزمنية وعلى مستوى المنطقة التي كانت تغطيها المدرسة. حاول بعض المغرضين الحيلولة بين الشيخ والحصول على ترخيص المدرسة إلى أن تم الحصول على الترخيص بمساعدة من الشيخ الدكتور مصطفى السباعي ووزير المعارف الدكتور نهاد القاسم ورئيس الجمهورية هاشم بك الأتاسي رئيس الجمهورية آنذاك. إثر تأسيس الشيخ الدكتور مصطفى السباعي لكلية الشريعة في جامعة دمشق انضم إليها الشيخ بغرض الحصول على الليسانس، في الوقت الذي كان يدرس في كلية الحقوق، وقد لقيت دراسته في الجامعة معارضة من المغرضين بحجة عدم جواز الجمع بين الدراسة في الجامعة والترخيص لمدرسة ثانوية، ولهذا ترك الدراسة في كلية الحقوق، وتعرقلت دراسته في كلية الشريعة لبعض الوقت لكنه تخرج من كلية الشريعة في عام 1960م. منذ نهاية الخمسينات يمارس الشيخ نشاطه كعضو في جمعية العلماء في حمص، والتي كانت تضم أساتذته وشيوخه وزملاءه من علماء حمص. ومنذ ذلك الحين اهتم الشيخ كثيراً بدعم أعمال جمعية إصلاح ذات البين والمساهمة في أنشطتها وترأس لجان الإصلاح التي تعقدها للنظر في المشاكل الاجتماعية المرفوعة إلى الجمعية. وبالقدر نفسه من الاهتمام دعم الشيخ أعمال جمعية البر والخدمات الاجتماعية بحمص التي تعد من التجارب الفريدة في العالم الإسلامي. في عام 1975م عين الشيخ مدرساً عاماً، وأصبح له درسين في الجامع الكبير بحمص يومي الاثنين والخميس، وقد كان هذان الدرسان من الدروس المشهورة على مستوى الجمهورية، وكان الناس يتكبدون مشاق السفر لحضور هذين الدرسين من كافة المحافظات السورية. وقد قدرت أعداد الحاضرين بما لا يقل عن أربعة آلاف شخص غالبا.

نشاطه السياسي الدعوي:

في عام 1958م في زمن الوحدة بين مصر وسوريا انضم الشيخ تحت رأي العلماء ومشورتهم وتوجيههم إلى الاتحاد القومي بغرض خدمة الإسلام. شارك في وفد العلماء برئاسة الشيخ السيد مكي الكتاني من كافة محافظات سورية إلى مصر في بداية الوحدة مع مصر، بغرض صياغة الدستور الإسلامي للجمهورية العربية المتحدة الذي لم يتم. في عام 1961م بعد الانفصال عن مصر، ترشح الشيخ لانتخابات المجلس النيابي السوري باسم العلماء وتوجيههم، وقد أصبح الشيخ نائباً عن حمص في المجلس النيابي مع ثلاثة عشر عالماً آخرين يمثلون محافظات أخرى. وقد كان للشيخ مواقف مشهودة في عدة قضاياً عامة طرحت على المجلس النيابي. ترأس الشيخ عدداً من وفود العلماء لمناقشة قضايا إسلامية عامة مع القيادة السياسية لسوريا آنذاك. سجن الشيخ في الفترة من 1973-1975م ضمن أحداث عامة عرفت بأحداث الدستور مرت بها الجمهورية العربية السورية في تلك الفترة، ثم خرج معززاً مكرماً بعد أن اعتذر له المسؤولون في الأمن القومي آنذاك. وعين رسمياً مدرساً عاماً في الجامع الكبير بحمص.

حياته الدعوية في المدينة والحجاز:

في عام 1979 خرج الشيخ إلى المدينة المنورة أستاذاً في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في المعهد العالي للدعوة، والمعهد العلمي، وقد استمر في الجامعة ثلاثة عشر عاماً منذ ذلك التاريخ. ثم تعين الشيخ مستشاراً في جمعية إقرأ الخيرية في جدة.

تولى الشيخ خلال تلك الفترة تدريس العديد من المواد الدعوية والعلمية لطلبة الدراسات العليا في المعهد العالي للدعوة، منها: مناهج الدعوة وأساليبها، فقه الدعوة، علوم القرآن، السيرة النبوية، نصوص من الكتاب والسنة، الدعوة في الكتاب والسنة.

كلف الشيخ من قبل إدارة المعهد العلمي بالمدينة المنورة بالكلمة التوجيهية للطلاب لمدة لا تزيد عن ربع ساعة يوميا بين الأذان والإقامة لصلاة الظهر، طيلة مدة بقائه في المعهد، وقد أطلق الشيخ على هذه الكلمات التوجيهية : سلسلة توجيه الطلاب إلى الصواب.

لم يلبث طلبة العلم في المدينة المنورة من الوافدين والمقيمين فيها أن تعرفوا على وجود الشيخ في المدينة المنورة فقصدوه لطلب العلم فأقام حلقات علمية شتى في الفقه والأصول والحديث والأخلاق والنحو، وقد حضر هذه الحلقات ثلة من العلماء البارزين في بلدانهم.

لاحظ الشيخ أهمية تأسيس الشباب من الناحية العلمية قبل تفرقهم في بلدان شتى للدراسة في علوم شتى، فعكف على إعداد مختصرات في النحو والسيرة والعقيدة والفرائض والتاريخ وتدريسها في حلقات علمية موجهة للشباب والكبار في كل من المدينة وجدة ومكة، وقد من الله على الشيخ بتخريج عدد كبير من الطلاب الذين درسوا على يديه تلك المختصرات.

خلال الفترة الأولى من إقامة الشيخ في المدينة المنورة كان يقيم دروساً في المسجد النبوي الشريف في موسم الحج، كما شارك في عدد الحلقات والندوات العلمية والتوجيهية في الإذاعة والتلفزيون السعودي وبخاصة في شهر رمضان. كما قام في تلك الفترة برحلات دعوية سنوية متكررة خلال شهر رمضان إلى دولة قطر والكويت والإمارات بدعوة من وزارات الأوقاف والشؤون الإسلامية فيها.

- - - - - - - - -

الكتاب الثالث من سلسلة علماء حمص الشيخ محمد علي مشعل للأستاذ خالد البيطار بقلم: محمد علي شاهين

الخميس 5 آب 2010 

أصدر الاستاذ خالد البيطار الكتاب الثالث من سلسلة علماء حمص، تناول فيه سيرة أحد أبرز علماء حمص المعاصرين الشيخ محمد علي مشعل، فتحدّث عن أسرته، وولادته ونشأته، ونشاطه المبكّر، ودراسته وتلمذته على العلماء، وعن عضويّته في البرلمان السوري، وكتب عن نشاطه العلمي والدعوي، وعن علاقة الشيخ بجماعة الإخوان المسلمين، ومحنة الشيخ وسجنه وتعذيبه، وهجرته إلى البلاد السعوديّة، ولم يغفل الحديث عن صفات الشيخ وأخلاقه وسجاياه، كما تناول المؤلّف إنتاجه العلمي ومحاضراته بالدراسة والتقييم.

وكان الدافع لكتابة هذه السلسلة إيمان الكاتب بأهميّة تراجم العلماء لأنّهم ورثة الأنبياء، والنجوم التي يستضاء بها في ظلمات الجهل والخلاف والخصومة، وهم الذين يدّخرون لحل المعضلات، وهم الذين يقيسون ويستنبطون ويعلنون اجتهادهم للناس بعد البحث والتدقيق، وهم الناهضون لمحاربة الطغيان، الناصحون، المدافعون عن الأوطان.

وهنا يبدو المؤلّف شديد الاعتزاز بعلماء مدينته، لا يفتأ عن سرد ذكرياته معهم، وتذكّر الدروس المسجديّة، وخدمتهم لكتاب الله، وصلاحهم وتقواهم، ومواقفهم الجريئة.

يخصّ الكاتب الشيخ محمد علي مشعل الذي أكرمه الله بحمل رسالة العلم الديني بكتاب خاص كما خصّ من قبل الأخوين جنيد بكتابين مستقلّين.

ولد الشيخ محمد علي مشعل بلدة تلدو سنة 1924، نشأ في رعاية أسرة علم ودين وكرم، درس في الكتّاب مبادئ الدين والعربيّة، وحفظ بعض المتون على عادة أبناء القرى في الريف السوري، وأنهى المرحلة الابتدائيّة، ثم التحق بمدرسة دار العلوم الشرعيّة بحمص، وتتلمذ على الشيخ أحمد صافي، والشيخ أنيس الكلاليب، والشيخ محمد علي عيون السود، وغيرهم، وبعد خمس سنوات من الدراسة تخرّج بتفوّق في عام 1940، ونال شهادة الدراسة المتوسّطة في عام 1948، واشتغل بالتعليم في قرية مجاورة، ثم نال الشهادة الثانويّة في عام 1952، وأخذ مهام والده الدينيّة، ومشيخة الطريقة، والفتوى، ثمّ انضمّ إلى كليّة الشريعة بجامعة دمشق بعد افتتاحها عام 1954، وبعد تخرّجه انتسب إلى كليّة التربية ونال الدبلوم العامّة في التربية عام 1961.

وكان قد انضمّ إلى جماعة الإخوان المسلمين في أواخر الأربعينات، وفهم الإسلام شاملاً كاملاً، صالحاً لكل زمان ومكان، وأنّه دين ودولة ووطن وجنسيّة، وشارك في هيئات الجماعة، وشغل مناصب قياديّة، واختير رئيساً لمجلس شورى الجماعة، وعضواً في محكمة الجماعة.

وقام بافتتاح أوّل مدرسة خاصّة في منطقته في عام 1953، وفضّ الخصومات، وإصلاح ذات البين، ونشر مبادئ الحب والتسامح بين طوائف الأمّة، لكنّ أصحاب الغايات الخفيّة استمرار التدريس في المدرسة فقرّروا إقفال المدرسة والاستيلاء عليها عام 1964.

انتخبه مواطنوه ممثّلاًَ عنهم في الاتحاد القومي خلال عهد الوحدة، واختارته جمعيّة العلماء ليكون مرشّح حمص في البرلمان السوري عام 1961، فأحرز فوزاً باهراً، وكان من أقطاب الكتلة الإسلاميّة في المجلس، ولا يزال الناس يتحدّثون عن مواقفه وجرأته في الحق.

آمن بأهميّة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان دستوره في هذه القضيّة قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: "لتأمرن بالمعروف وتنهون عن المنكر، ولتأخذنّ على يد الظالم، ولتأطرنّه على الحق أطراً، ولتقصرنّه على الحق قصراً، أو ليضربنّ الله بقلوب بعضكم على بعض، وليلعنكم كما لعن بني إسرائيل".

صدر أمر باعتقاله لاعتراضه في إحدى خطبه على مقال كتبه بعثي أراد وضع الله والأنبياء والأديان في متاحف التاريخ، وبقي في السجن حتى حلّت هزيمة الخامس من حزيران عام 1967، وأعيد اعتقاله لاعتراضه على دستور سوري لم يذكر أنّ دين الدولة هو الإسلام، وأنّ الفقه الإسلامي هو مصدر التشريع، وغيّب في السجن، حيث حقفّق معه بقسوة وجرى تعذيبه ووضعه في زنزانة انفراديّة أحد عشر شهراً ونصف، بسبب نشره المذهب السني في ريف حمص، وخلال سجنه حفظ القرآن كاملاً، وبعد سنتين من السجن أفرج عنه، فتوافد الناس إلى منزله مهنّئين.

تعاقد مع المعهد العلمي التابع لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلاميّة، فغادر البلاد السوريّة إلى السعوديّة في عام 1979، ثم عمل في ميدان التعليم بالمعهد العالي للدعوة، وفي جوار الحبيب المصطفى التفّ إخوانه وعارفوا فضله حوله، وتابع الشيخ نشاطه الدعوي والتعليمي بهمّة عالية لا تعرف العجز والكسل.

قدّم بين يدي كتاب والده الدكتور أسامة محمد علي مشعل إضاءات ومحطات في سيرة والده، ونبذة من أقواله ومواقفه، فهو شديد الاعتزاز بالإسلام، يرى أن سبب هوان المسلمين تركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويروي عن والده قوله: أينما كنت حوّل مجلسك إلى مجلس علم أو ذكر، يابني: لقد ألبسني الله ثوب قضاء الحاجات فلا تحرمني من هذه المهمّة.

وختم الأستاذ البيطار كتابه بالحديث عن صفات الشيخ وأخلاقه فقال: كان يحب الناس ويألفهم ويألفونه، وإذا تكلّم خرج الكلام من قلبه، وأنّه كان مشبوب العاطفة، سخي الدمعة، شديد الحرص على سنّة الرسول صلّى الله عليه وسلّم، والتمسّك بالشرع، يتحاشى الشبهات، ويرضى بما قسم الله له من رزق، واتصف بالتفاؤل والتواضع واللين، وكان شديد الاعتزاز بالإسلام، محارباً للعادات السيّئة والبدع.

وعدّد مؤلّفاته المطبوعة ومنها: (العقيدة الإسلاميّة) الذي عني به ابنه الدكتور عبد الباري، و(السيرة النبويّة والغزوات) و(النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم) و(تفسير سورة الكهف) و(فضل الخلفاء الراشدين والصحابة).

أطال الله عمر شيخنا محمد علي مشعل، ومتّعه بالصحّة والعافية، وأثابه الله عنّا كلّ خير، وشكر الله للأخ خالد البيطار على هذا الجهد المبرور وجعله في صحيفة أعماله.

صدر الكتاب في مئة وثلاثين صفحة من القطع الصغير، عن دار عماد الدين للنشر والتوزيع في عمان، في غلاف جميل تتصدّره صورة جامع خالد بن الوليد بمدينة حمص.

ننصح الشباب بقراءة الكتاب واقتنائه لما فيه من الفائدة وخاصّة قراءة التاريخ من خلال سيرة الرجال.

- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

مجلة بشائر الإسلام - العدد السادس - 8 ديسبمر 2010

العالم الرباني الداعية الفقيه الشافعي الشيخ محمد علي مشعل - حفظه الله 

بقلم فضيلة الشيخ: محمد فاروق بطل

سبحان المعطي الوهاب الذي أعطى الشيخ أبا أسامة مشعل – أمدّ الله في عمره وكتب له الصحة والعافية - أعطاه الله علماً وخلقاً، وسمتاً حسنا، ووجهاً منيراً، ومظهراً أنيقاً، وحركةً دائبةً، ونشاطاً كبيراً، ورغبةً جامحةً في نشر العلم، والتزاماً قوياً بالعمل للإسلام، والدعوة إلى الله سبحانه، لا يمل ولا يفتر، لم يغيّر ولم يبدل، منذ أن كان يافع السن، وحتى بلغ الشيخوخة الوقورة، رغم المحنة القاسية التي ألمّت به، ورغم الغربة الطويلة التي قضاها بعيدا عن بلده حمص، وقريته (تل دو) ومدرسته التي كان يملكها (ثانوية علي بن أبي طالب).. ما نكاد نجده إلا صابراً محتسباً، شاكراً بسّاماً ودوداً.

لقد كان بحق علماً من أعلام الدعوة إلى الله في حمص، وفي سورية في الوطن والمهجر. أول مرة لقيت فيها الشيخ كانت في دمشق وفي مدخل كلية الشريعة، كان يقف أمام لوحة الإعلانات ينقل بعض الدرجات، أو بعض التعميمات، كان مميزاً بعمته البيضاء، ولحيته الشقراء، ووجهه البسّام، وشبابه النضير، وجبّته الأنيقة. لم يسبق لي به لقاء، ولكنني سرعان ما عرفتُه لشهرته، ولكونه عضواً في المجلس النيابي السوري عام 1961م ممثلا لمدينة حمص، وقبلها كان ممثلاً لهم في برلمان الاتحاد القومي أيام الوحدة، بل ممثلاً للعلماء الذي أجمعوا على تأييده ودعمه وترشيحه.

هو أكبر مني سناً وقدراً وعلماً، حيث ولد – حفظه الله تعالى - عام 1924م، بينما الفقير إليه تعالى ولد عام 1936م، وكان عالما فقيهاً قبل أن ينتسب إلى كلية الشريعة التي تخرج منها في الفوج الثالث عام 1960م، بينما تخرجتُ من الكلية نفسها في الفوج الثاني عام 1959م، وسبب تأخره في الدراسة الجامعية هو تأخر افتتاح الكلية من جهة، وانشغاله بالعمل الدعويّ والتعليميّ والمعيشيّ من جهة أخرى، فقد سبق له – حفظه الله تعالى – أن عمل في سلك التعليم الرسميّ معلماً، ثم مديراً للمدرسة الابتدائية في (تلدو) ثم مديراً ومالكاً لثانوية علي بن أبي طالب الأهلية.

الشيخ محمد علي مشعل جمع بين مدرستين: مدرسة العلم والتصوف ومدرسة الدعوة، كما جمعهما من قبل الإمام الشهيد حسن البنا، والدكتور مصطفى السباعي، والشيخ محمد الحامد، والشيخ عبد الفتاح أبو غدة، وكثير من علماء الدعوة رحمهم الله تعالى. ولذلك كنتَ ترى في الشيخ أبي أسامة الشخصية العلمية الوقورة، والشخصية الدعوية، ولا تشعر البتة بأيِّ انفصال أو ازدواجية، فهو واحد من كبار العلماء إلى جانب كونِه واحداً من كبار رجال الدعوة التزاماً وانضباطاً.

ويشاء الله أن يجمع بيننا في أكثر من عمل حتى في سورية، وعلى قلّة لقاءاتنا فيها، ولا أذكر أنني التقيته في سورية أكثر من ثلاث مرات، مرّة في حرم كلية الشريعة، ومرة في حرم الجامع الكبير في حمص، قد أمّ درسه المئات، ومرة في وفاة الشيخ المقرئ عبد العزيز عيون السود رحمه الله تعالى.

تتجسّد في الشيخ محمد علي مشعل الصورة الجميلة التي تقول: إنه كالغيث أنيما حلَّ نفع، وكان ذلك في حمص من خلال عمله في رابطة العلماء، وجمعية إصلاح ذات البين، ودروسه العامة في الجامع الكبير التي كانت تستقطب الشباب وتوجههم الوجهة المثلى، وتعطيهم القدوة من سير الأنبياء عليهم السلام، وسيرة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، ولقد كان بعض علماء حمص، وحرصاً منهم على استفادة الشباب، كانوا يوقفون دروسهم لمكِّنوا طلابهم من حضور درس الشيخ.

لكن ما شهدتُه بنفسي في هذا الشأن كان أمراً عجباً، إذ أقام الشيخ في جدة يعمل مستشار فقهياً لمؤسسة البركة (صالح كامل)، ومستشاراً شرعياً كذلك للدكتور محمد عبده يماني –رحمه الله- وزير الإعلام السابق في المملكة العربية السعودية، إضافة إلى ذلك كان له درس بعد صلاة الظهر في هذه المؤسسة، وبعد صلاة العشاء درس في الفقه الشافعي، أو في اللغة العربية، أو في مواد أخرى. هكذا يومياً في جدة وفي مكة وفي الطائف، وفي المدينة المنورة، حين يسافر إليها.. بارك الله في همّته، فقد كان مدرسة متنقلة، وجامعة مفتوحة.

كان حفظه الله يقيم أربعة أيام في جدة، ينتقل منها عصراً إلى مكة المكرمة والطائف ليعطي دروسه هنا وهناك، ثم يسافر براً إلى المدينة المنورة يؤدي عمله الوظيفي ودروسه العلمية، وصباح السبت يعود إلى جدة ليتابع جهوده السالفة الذكر، هكذا أسبوع بعد أسبوع، نشاط دائم، حركة متصلة، وعطاء مستمر، ولا يمكن أن تراه إلا والبسمة يفتر به ثغره، والكلمات الجميلة ينطق بها لسانه.

وأشهد أن الشيخ كان حليماً صابراً لطيفاً ودوداً مع كل من أساء إليه وأو انتقده، أو عرّض به، لم يسبق أن سمعت منه كلمة سيئة في حق الذين أساءوا إليه أو أخطأوا في حقه, كما أشهد أن الشيخ الجليل أبا أسامة كان شعلة نشاط، وأحد العلماء الذين كانوا يتحرّكون في مصالح المسلمين على مستوى سورية، كان له حضور، حيث كان له قبول من كل العلماء في بلدنا على مختلف شرائحهم ومدارسهم.

وقد أكرمني الله بصحبته في السفر وفي الحضر، ونمت قريباً منه ليالي كثيرة فلم أر أنشط منه في العبادة والتنفل ودوام الذِّكر، كان لسانه دائماً رطباً بذكر الله، وقد كنّا نتأخر في السهر أحياناً في أعمال دعوية، فكنتَ تراه حفظه الله تعالى يوقظ الجميع لصلاة التهجد، ثم صلاة الفجر، ثم أداء الأذكار، ثم درسه في الوعظ والتوجيه، كان هو المنبه دائماً للطاعات، وبأسلوب رقيق لطيف ودود، يلمس إخوانه النائمين بيد حانية وكلمات رقيقة، وبسمة حلوة، لا أزكيه على الله لكنني أشهد بما رأيت.

أسأل الله سبحانه أن يمتعه بالصحة والعافية، وأن يمدّ في عمره، وأن يبارك في عمله.

شهادة بعض الأعلام، في الشيخ محمد علي مشعل

- - - - - - - - - - - -

أولا: شهادة الداعية المفضال الشيخ: عصام العطار حفظه الله تعالى

أخي الحبيب الجليل الأستاذ: محمد فاروق بطل السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد؛ فقد سعدتُ برسالتك الكريمة، وبما حملته من أخبار "رابطة العلماء السوريين" رعاها الله عز وجل، وزادها نماءً وعطاءً، وجزاكم الله أحسن الجزاء على النهوض بهذا الواجب الكبير، والعمل الطيب المثمر إن شاء الله، وأسعدني أيضا أن يصدر عدد من أعداد مجلتكم: "بشائر الإسلام" بترجمة الأخ الحبيب محمد علي مشعل؛ فهذا العالم الجليل، والمعلّم الجليل، والمربي الجليل، والداعية الصادق الغيور.. جدير بكل تكريم، وبأن تكون حياته وسيرته قدوة صالحةً نافعةً لأجيالنا الجديدة ولسائر العاملين، وأسعدني أيضاً ان تتيحوا لي في مجلتكم فرصة مشاركتكم ولو بسطور معدودة في تكريم هذا الأخ الكريم الذي أحببته وأعجبتُ به منذ عرفته، وما زادتني الأيام والسنون إلا محبةً وإعجاباً وتقديراً، لقد لفتني في أبي أسامة أولَ ما عرفته كرم خلقه، وسعة صدره، وأدب معاملته، وتواضعه الجمّ، ثم اكتشفت فيه على توالي الأيام، وزيادة المعرفة واللقاءات.. عالماً لا يشبع من العلم، ولا ينفصلُ العلم عنده عن العمل، قادراً على أن يحوِّل الرغبات والأمنيات إلى مشروعات واقعية عملية قابلة للتنفيذ، وأن يعطيها من قلبه وفكره وجهده ووقته الكثير الكثير حتى تتحوَّل من فكرٍ إلى عمل، ومن أمنيات إلى واقع، وكم كان له في ذلك على الصعيد التعليميّ والاجتماعيّ والخيريّ من أثر محمود.

كان أبو أسامة يحب الناس، ويحسّ بآلام الناس، وآمال الناس، وحاجات الناس، ويحمل همومهم، ويسعى في خدمتهم كأنه موكَّلٌ بخدمتهم، ويكافح لرفع الظلم عنهم، وإقامة العدل بينهم، ولا يهاب أن يقول كلمة الحق، عندما يتوجَّب أن تقال كلمة الحقّ – ولو غلا الثمن. وعندما زاملته في المجلس النيابيّ سنة 1961م أثار إعجابي بمعرفته بأوضاع البلاد السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وبأصولِ العملِ النيابيّ وأساليبه المختلفة، وبرؤيته البصيرة للأمور، واستقامته على ما يراه من الحقِّ والواجب ومصلحة الأمة والبلاد، وترفُّعِه عن المكاسب الشخصية التي تستهوي وتحرِّك كثيراً من الناس.

كان أبو أسامة يحب الناس، ويحس بآلام الناس، وآمال الناس، وحاجات الناس، ويحمل همومهم، ويسعى في خدمتهم كأنه موكّلٌ بخدمتهم، ويكافح لرفع الظلم عنهم، وإقامة العدل بينهم، ولا يهاب أن يقول كلمة الحق، عندما يتوجَّب أن تقال كلمةُ الحق - ولو غلا الثمن، وعندما زاملته في المجلس النيابيّ سنة 1961م أثار إعجابي بمعرفته بأوضاعِ البلاد السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وبأصولِ العمل النيابيّ وأساليبه المختلفة، وبرؤيته البصيرة للأمور، واستقامته على ما يراه من الحقِّ والواجب ومصلحة الأمة والبلاد، وترفُّعه عن المكاسبِ الشخصية التي تستهوي وتحرّك كثيراً من الناس...

ولقد أعطى أبو أسامة: محمد علي مشعل في مختلف مراحِل حياته الكثير الكثير من العطاء الماديّ والمعنويّ، وأودع في نفوسا أجمل الذكريات؛ فتحيةُ القلبِ إلى الأخ الحبيب، والعالم العامل: محمد علي مشعل... مدّ الله في حياته، ومتعه بالصحة والقوة، وزاده فضلاً إلى فضل، وعطاءً إلى عطاء. والسلام عليكم ورحمة الله أخوكم عصام العطّار

- - - - - - - - - - - - - 

ثانيا: كلمة وفاء من فضيلة الأستاذ الداعية: علي صدر الدين البيانوني لفضيلة الشيخ محمد علي مشعل (أبو أسامة)

مع أنني تربطني بالشيخ أبي أسامة علاقة وثيقة قديمة، منذ أن كان على تواصل مع والدي الشيخ أحمد عز الدين البيانوني وجدّي الشيخ عيسى البيانوني رحمهما الله تعالى.. إلاّ أنني لم أتعرّف إليه عن قرب، إلاّ قبل حوالي ثلاثين سنة، عندما جمعتنا مؤسّسات العمل الإسلامي والدعويّ خارج سورية.

ولعلّ أول ما لفت نظري في شيخنا الحبيب أبي أسامة، هو تواضعه الجمّ، ووفاؤه لهذه العلاقة التاريخية مع والدي وجدّي، وشيخهم جميعاً الشيخ أبو النصر خلف (الحمصي). فكان حفظه الله يحدِّثني دائماً عن تلك العلاقة الأخوية التي كانت تربطه بهم، وعن حنينه إليهم، وعن ذكرياته معهم في حلب وفي تادف وفي حمص.. وكنت أشعر بأنني أحظى عنده بمكانة خاصة، وبسبب هذه العلاقة الوثيقة التي قامت على أساسٍ متين من الحبّ في الله والأخوة فيه.

إنَّ من يتعرَّف على الشيخ محمد مشعل حفظه الله، يدرك أنه داعيةٌ إلى الله عز وجل، من طرازٍ فريد، الدعوة همُّه الأول، يتجلّى ذلك في أحاديثه الخاصة والعامة، فلا يكاد يخلو مجلسه من تذكرة أو موعظة أو نصيحة.. كلّ ذلك بأسلوبه الهادئ الرقيق، ولطفه المعهود، وابتسامته التي لا تكاد تفارقه.

قد تختلف معه في الرأي حول قضية فقهية أو دعوية أو سياسية.. وقد تختلف معه في أسلوب معالجة هذه القضية.. إلا أنه يبقى دائماً قريباً إلى القلب، حبيباً إلى النفس، مهما اختلفت معه، أو كانت لك وجهة نظر تختلف عن وجهة نظره.

عندما تخالط الشيخ أبا أسامة، تشعر أن الرجل لا يعيش لشخصه، إنما يعيش لدعوته، ولشعبه، وأمته. همُّه هو همُّ الدعوة، ومعاناة الناس، وهموم الأمة. هذا هو حاله منذ عرفته، وهذا هو حاله عندما زرته في المدينة المنورة قبل شهور، أسأل الله عز وجل أن يبارك له في عمره، ليبقى أنموذجاً وقدوةً في سيرته ودعوته، وسنداً لإخوانه وشعبه وأمته.

24 شعبان 1431هـ ، الموافق 5 من آب 2010م. علي صدر الدين البيانوني

وسوم: العدد 678