الشهيد أسعد الخاني
الزمان: عام 1956م
والمكان: بيت كريم في مدينة أبي الفداء ترعرع أبناؤه على الإسلام ونشر دعوة الحق.
والحدث: ميلاد أسعد.
طفل متوقد العينين إشعاعاً وضياءً، وحركة تنم عن طاقة غير عادية، كل من وقعت عينه عليها لم يملك إزاءها إلا أن يقول: إن كتب الله لهذا الطفل حياة فسيكون له شأن.
وقد كان.. فمن نشأ هذه النشأة الإسلامية عقيدة وفكراً وسلوكاً، فليس غريباً أن يكون له شأن وأي شأن.
كان أسعد كلما دنا من سن الشباب، تفجرت طاقاته، وظهرت خصاله الحميدة التي حظيت بتقدير مجتمعه.
كان قوياً، شديد المراس، جريء القلب، رابط الجأش، لين النفس، رحيم الفؤاد. من رأى شدته وصلابته وثباته قال: إن هذا الفتى لا يعرف اللين. ومن رآه وهو يتألم لمنظر فقير يتلوى من الحاجة يقول: إنه لا يوجد أرحم من هذا الفتى. وهكذا جمع أسعد بين خصائص الرجولة والإنسانية رأفة ورحمة ولين جانب في وقت الرأفة والرحمن واللين.. وشدة وصلابة وثباتاً في وقت الشدة والصلابة والثبات الأمر الذي حمل الناس على احترامه والاعتماد عليه في الملمات.
ولهذه الخصائص النبيلة، كان طبيعياً أن تتوطد أواصر الأخوة بينه وبين الشيخ المجاهد الشهيد مروان حديد رحمه الله، فسار معه على درب الجهاد، معاهداً ربه على بذل الروح في سبيل الله. لقد كان أسعد كغيره من شباب المجاهدين، يحس بالمعاناة التي تضج بها صدور أبناء مجتمعه، ويرى أمامه ممارسات النظام الطائفي المتسلط على رقاب العباد في سورية المنكوبة به. كم كان يتألم لما يلقاه الأحرار من إذلال، وما يلقاه الشعب من هوان على يد الرجيم أسد وزبانيته.
لقد زاد هذا المعنى تأكيداً التحاقه بالخدمة الإلزامية، فكان يرى من الممارسات الطائفية واللاإنسانية مما يندى لها الجبين، ويهتز لها ضميره الحر مما جعله يهم في كل حين أن يصنع شيئاً تجاه هذه الأوضاع الشاذة، غير أنه كان يراجع نفسه، ويرى أن الوقت لم يحن بعد. حتى إذا أتم الخدمة الإلزامية عام 1979م عقد العزم على أن يكون له دور في إحداث التغيير. ويأتي دور التنفيذ، فها هو الامتحان الأول.
- أسعد إن هذا العميل باع دينه وشرفه رخيصاً لأسد وزبانيته، وما زال يكيد لنا، ويُلحق بنا الأذى، ولم يعد له هم إلا تتبع خطوات المجاهدين، والوشاية بهم. ولا مناص من التخلص منه، وإراحة الناس من كيده وشره.
امتحان هو أهل له. لذا كانت النتيجة النجاح الباهر، فقد أراح الناس من كيده، وأفقد السلطة الآثمة أحد أعوانها الأشرار.
وتتابعت التكليفات بمختلف المهمات التي تليق بشجاعة أسعد ورجولته وإقدامه.
وفزعت سلطات أسد، وبدأت تنقب عن ذلك الشاب الذي أقض مضجعها، فقتل من قتل من أعوانها الأشرار، واستولى على السلاح من مخازنها. حتى كانت تلك الليلة الكئيبة من شهر أيلول عام 1979م وإذا بقوات البغي وآلياته تطوق أحد الأحياء في مدينة حماة الباسلة، وليس في فلسطين المحتلة.
هذه الحشود والآليات كلها من أجل اعتقال أسعد، ذلك المجاهد البطل الذي أقلق راحتهم وأقض مضجعهم.
ساقته زبانية أسد وطغمته أمام ناظري والدته العجوز حيث أودع السجن قرابة السنة، أظهر فيها ضروباً من الشجاعة، تذكرنا بالرعيل الأول من الصحابة رضوان الله عليهم.
كان صابراً على البلاء صبراً يعجز عنه كثير من الرجال، فكان يستعلي على جلاديه بعزة الإسلام وشهامة المجاهدين، حتى تضاءلت أمامه تلك الأقزام البشرية. وسيق إلى المسرحية التي أسموها "محكمة" والحكم معد سلفاً.
لقد أراد محامي الدفاع أن يسوغ أعمال المجاهد أسعد لخلل أصابه في نفسيته وتفكيره، فما كان من المجاهد البطل إلا أن صاح في وجهه: لا، إنما فعلت الذي فعلت وأنا أدري هدفي الذي أنشده. والتفت إلى شقيقه الذي كان يتابع جلسات المحكمة فناداه قائلاً:
يا أخي لا تخف فهؤلاء الذين امتلأت أكتافهم بالنجوم كلاب جراثيم. وبلِّغ أخاك أننا سنتابع السير على درب الجهاد مهما كلفنا ذلك من ثمن.
ولشد ما أدهش الأقزام أعضاء المحكمة عندما سألوه عن موقفه فيما لو أفرج عنه فكان جوابه:
سأقتل أول من ألقاه من زبانية السلطة الآثمة لحظة خروجي.
وأعيد إلى السجن المركزي في دمشق، ويئس أزلام أسد وطغمته من أن تلين له قناة، أو تكسر له شوكة، فقرروا تنفيذ حكم الإعدام به وبإخوانه. وليس بمستغرب من أسد وطغمته أن يتخيروا لذلك توقيتاً يثلج صدر العدو الصهيوني، ويؤكد له وفاء أسد لعهد الخيانة والتآمر.
لقد كان التوقيت موافقاً لموعد إعلان تسليم الجولان وهو الخامس من حزيران عام 1980م. وبعد أن علت أصواتهم بالتكبير الذي زلزل أركان السجن وباللعنات على حافظ الخيانة، فاضت أرواحهم الطاهرة إلى عليين، لتلحق بركب الشهداء الأبرار، بعد أن ترك أسعد هذه الوصية:
أوصي أهلي وإخوتي بمتابعة الجهاد في سبيل الله ووفاء ديوني.
وهكذا يضيف أسعد وإخوانه إلى مواكب الجهاد والبطولة موكباً جديداً متألقاً لينير الطريق للأجيال من بعدهم، حتى يتابعوا المسير، ويؤدوا الأمانة.
رحم الله شهيدنا ورحم إخوانه البررة، وجزاه وإياهم عنا وعن المسلمين كل خير لما بذلوه من دماء زكية وأعمال بطولية لنصرة الحق وإعلاء شأنه.
وسوم: العدد 696