الشهيد مخلص الأحدب
في مدينة حماة، وبالتحديد في منطقة جورة حوى وفي ظل أسرة مؤمنة مجاهدة، ولد المجاهد البطل مخلص أحمد الأحدب عام 1959م.
تنقل مخلص ريحانة بين مدارس حماة الابتدائية ثم الثانوية الشرعية حتى تخرج فيها حاصلاً على شهادتها الثانوية وخلال هذه الفترة كان مثالاً لطالب العلم المجد النشيط الذي يعرف واجبه حق المعرفة.
وكانت مواظبته على حضور دروس الشيخ عبد الحميد طهماز في مسجد السلطان حافزاً له على الالتحاق بكلية الشريعة في جامعة دمشق فقد كان يعتبر دروس الشيخ بمثابة الروح للجسد.
ولم تقو الدراسة على الاستئثار بجل وقته فقد أدرك واجباته ونظم وقته جزء لربه وجزء لأهله وجزء لروحه يروح عنها كدر الدنيا وهموم الحياة فينشد راحته في قراءة القرآن وحفظه على يد شيخ قراء حماة وحَفظَتِها الشيخ سعيد العبدالله. لقد كان بحق زهرة يانعة في رياض المجاهدين ورمزاً للحياء والطاعة والالتزام بالخلق الإسلامي الرفيع.
التحق مخلص بركب الدعوة الجهادية في عام 1977م، وكان له شرف حمل السلاح ضد هادر الكرامات وسالب الحريات ورمز الإجرام حافظ أسد عام 1979 حيث بدأ عمله الجهادي تدبيراً وتنظيماً وخدمة لإخوانه الملاحقين.
وفي آب عام 1980 لاحقته مخابرات أسد وانقطع عن دراسته الجامعية وفي هذه الأثناء أقدم المجرمون على قتل والده حيث أخرجوه من منزله وأطلقوا عليه النار نهاراً جهاراً أمام أولاده وزوجته انتقاماً لأنها لم تحفل باعتقال ولدها غسان, كل هذا الإجرام لم يفت في عضد البطل المجاهد مخلص الأحدب بل ازداد إصراراً وإقداماً وتضحية في العمل الجهادي ليثبت للمجرمين أن قتل الأب واعتقال الأخ وتشريد الأحبة وملاحقة الأبرياء لن يوقف طريق الجهاد، فالجهاد، ماض إلى يوم القيامة رغم أنف كل الطغاة الظالمين لأنه طريق الحق، طريق الأنبياء والمرسلين طريق الاستشهاد والخلود لقد راح مخلص يكيل الضربات تلو الضربات لمعاقل الباطل وأهله وينفذ إلى غايته دون أن ينبس ببنت شفة فكأني به يتمثل قول الشاعر.
صامت لو تكلما لفظ النار والدما
قل لمن عاب صمته خُلق الحزم أبكما
وأخو الحزم لن تزل يده تسبق الفما
نعم كان مخلص قليل الكلام عظيم العمل جاداً حازماً في أموره. إيمانه بالله يفوق رسوخ الجبال. يقينه بربه لا يعرف الضعف ولا الخوف كيف لا وهو الذي تربى في أحضان الدعوة الجهادية سنين طوالاً.
لقد شارك البطل المجاهد مخلص الأحدب في مقارعة الطغيان الأسدي والدفاع عن الأبرياء من أبناء شعبنا السوري المثابر في حوادث شباط عام 1982 وأبلى بلاء حسناً في ميدان الجهاد والتضحية.
وبعد أن توقفت المعارك آثر البقاء في المدينة وأبى أن يفارقها وكيف يقوى على فراقها وصراخ الثكالى وبكاء الأطفال ودماء الشهداء لا تزال ماثلة في ذهنه.
وهنا يتهادى إلينا كلام الشهيد عبر رسالته الصوتية التي وجهها لأهله وإخوانه من عرين المجاهدين بعد مأساة شباط في حماة، وهو يحمل كل معاني العزة والإباء والكرامة والوفاء يقول في رسالته:
"أهلي الكرام.. ربما أنساكم وأنتم أهلي، ولكن لا أنسى ولا يذهب عن بالي هتافات إخوتي من تحت الأنقاض: الله أكبر. الله أكبر... معلنين كلمة الحق وحتى الرمق الأخير من حياتهم، وكأنهم أسلموا الراية لمن يليهم من جنود الحق إنهم أرسلوا النداء: (الله أكبر) والكون من بعدهم ينتظر بحرقة من يلبي النداء، ويقول مثلما قالوا: الله أكبر، الله أكبر، ليمضي من بعدهم رافعاً راية الحق حتى يتحقق وعد الله بالنصر، ويتحطم الباطل، وتعود للكون بسمته وضياؤه، يومها يفرح المؤمنون بنصر الله".
لقد كانت رسالة الأخ الشهيد مخلص صرخة معتصم تستصرخ كل ضمير حي ونخوة إسلامية وتُذكِّر السائرين على الدرب بالوفاء للشهداء.
وفي مساء يوم من أيام شهر أيلول، خرج البطل المجاهد مخلص الأحدب في مهمة جهادية ولم يكن يدري أن البيت مراقب من قبل أجهزة القمع والإرهاب الأسدي على إثر وشاية من أجير رخيص.
خرج من البيت بعد أن مَوَّه نفسه وإذا به يصطدم بالمجرمين، وتدور معركة حامية، يبلي فيها بلاء حسناً، ويقتل الكثير من المجرمين ويعجل مخلص إلى ربه ليرضى عنه وتفيض روحه بعد جهاد خمسة أعوام متواصلة من العمل الدؤوب والكر والفر، يحفزه إيمان راسخ وعقيدة لا تتزعزع.
فلم يكن يحمل عبئاً من أعباء الجهاد ويتراجع عنه مهما كانت عظيمة.
وكم كان حريصاً على أن يواصل الإخوة والأهلون الدرب ومهما كانت العقبات، وهذا لسانه ينطق بذلك في رسالته الصوتية: "أرجو منكم أن تعلموا أبناءكم من بعدنا ما فعل أعداء الله من استباحة الحرمات، فإن استغاثات الحرمات ما زالت تقرع آذاننا وتحثنا على أن ننهض، قبل أن يستبدل الله قوماً غيرنا ثم لا يكونوا أمثالنا وأتمنى لإخواني النصر.. قولوا لإخواني وأقربائي وعمي وبنت عمي أن يبادروا ويستغلوا أقرب فرصة للجهاد في سبيل الله لينالوا شرف الجهاد في الصف الأول، والالتحام مع أعداء الله، والله أكبر ولله الحمد والنصر من عند الله، وإلى اللقاء معكم بإذن الله في جنات النعيم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً".
هؤلاء هم شباب الجهاد وفتيانه، رهبان في الليل فرسان في النهار.
رحم الله "مخلص" ورحم إخوانه الشهداء الذين ساروا على هذا الدرب الشائك الصاعد المستقيم، وقضوا نحبهم تحت رايات الجهاد.
وسوم: العدد 696