الشهيد كمال عبد الحفيظ عدوان
انطلق كمال عدوان من رحم النكبة، ونفض عن كاهله ذل اللجوء، وبحث عمن يمد له يده من أجل الثأر ممن احتلوا أرضه وطردوه منها، فانتمى إلى جماعة الإخوان المسلمين. لم يُطق كمال القيود التي فرضها النظام المصري آنذاك على الإخوان المسلمين؛ فقُيدت حركتهم وشُلت يدهم، فانطلق ساعياً نحو تأسيس حركة وطنية فاعلة، أرادها كمال ناظمة لمختلف التيارات الفكرية، تلتقي فيها جهود الفلسطينيين على تحرير فلسطين ولا شيء آخر. كان كمال – بحق – مؤسس فكرة حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) وواضع لبناتها الأولى، وتنقّلت الفكرة معه أينما حل أو ارتحل؛ من غزة إلى مصر إلى السعودية إلى قطر.
لم يعش كمال طويلاً فقد استُشهد وعمره ثماني وثلاثين سنة فقط، لكنه ساهم بشكل فاعل ومؤثِّر في قيادة حركة المقاومة الشعبية إبّان الاحتلال الصهيوني لغزة عام 1956م، وفي تأسيس حركة فتح، وفي قيادة جهازها الإعلامي، ثم قيادة قطاعها الغربي المسئول عن عملياتها العسكرية في الأراضي المحتلة حتى استشهاده في بيروت في العاشر من إبريل 1973م.
مواقف كمال الوطنية واضحة لا تقبل التأويل؛ فقد كان منظِّراً بارعاً للثورة والتحدي. رفَض الحلول السياسية للقضية الفلسطينية واعتبر أي حل ينتقص من فلسطين أو حقوق شعبها؛ استسلاماً. واعتبر المنظِّرين لحلول سياسية مجرد واهمين يتصيّدون العراقيل التي توضع أمام الثورة ليبرروا ضعفهم وخوفهم من المواجهة، بدعاوى الحكمة، والتعقُّل، ودراسة ظروف المرحلة، والمناورة، وما إلى ذلك.
اعتبر كمال المبادرات التي تسعى بها أطراف خارجية؛ سواء أكانت رسمية أو شعبية، وبأي ثوبٍ تدثّرت، مجرد ألاعيب يبتغون من ورائها حرف الثورة عن أهدافها، وبث الأوهام المثبِّطة في نفوس الثوار، ومن الأمثلة على ذلك بعثة فيشر (الأمريكية) عام 1970م، والتي قال عنها كمال: "فيشر يحاول أن يخرج بالعقل الفلسطيني من إطار الثورة، إلى إطار البدائل ويومها ستتعدد البدائل وسيكون لكل مجموعة فلسطينية طموح وتصور ورأي. ويومها يتفتت الموقف الفلسطيني ويتحقق للذين خلف فيشر طموحهم في الخروج بالإنسان الفلسطيني من إطار الثورة".
أدرك كمال عظيم أهمية الفعل الفلسطيني الثوري، لأنه محور الفعل العربي، ومركز القلق للسياسة الدولية، ولذلك فالثورة الفلسطينية دوماً مستَهدَفة دولياً، فقال: "إن القوى المعادية تعي بوضوح كبير أن القضية الفلسطينية ستظل دائما هي محور القضية العربية وهي القضية الوحيدة المؤهلة لتحريك المنطقة ودفعها. والثورة الفلسطينية باعتبارها أداة الفعل الفلسطيني ستظل الطليعة القادرة على استقطاب كافة طلائع الرفض والتغيير في المنطقة العربية. وهي بحكم موقعها تمثل محور الاستقطاب ومركز الفعل في القرار العربي. وتعرف هذه القوى بوضوح أن أهمية الثورة الفلسطينية لا تنبع من حجم عملياتها ولكن من قدرتها على الفعل في القرار العربي".
أدرك كمال أهمية الإرادة الفلسطينية، لأنها مصدر الثورة ومصدر الفعل، فقال: "وقدرة الثورة على الفعل تنبع من إرادة الفعل عند الثورة. وإرادة الفعل اليوم أساسها إرادة القتال. ويدرك كل الذين يقفون في الصف المعادي أن تصفية الوجود الفلسطيني لن يحسم وجود الثورة أو قدرتها على الفعل ما استمرت إرادة القتال عند الإنسان الفلسطيني... في أية لحظة يفرط الإنسان الفلسطيني بإرادة القتال ينتهي الوجود الفلسطيني بشكل حقيقي".
وحذّر كمال من دخول قيادات الثورة في بحث الخيارات السياسية والبدائل الممكنة، "إن مجرد دخول العقل الفلسطيني إطار البدائل يكون قد دخل عالم المتاهة التي تتعدد فيها المدارس الفكرية الفلسطينية ويضيع الإجماع وينقسم الموقف، وتتلاشى قدرة الفعل، وقد تنتهي إرادة القتال. عندها تصبح البدائل هي أقصى الطموح ويتحول العمل السياسي إلى هدف بدلا من أن يكون العمل السياسي هو استثمار للفعل في إطار التعامل لحساب الهدف".
دعا كمال للثورة الشاملة على العدو، فقال: "بلد يعيش حياة الكفاح.. تحركه إرادة القتال.. لا بد أن يعيد ترتيب الأمور فيه .. بشكل يضمن الانسجام مع إرادة القتال.. نريد أن نبني بلدا مقاتلا، كل ما فيه مقاتـل؛ مقاتـل بشعبه، مقاتل بجيشه، مقاتل باقتصاده، مقاتل بإعلامه.. يلزم أن نتفق بداية وبوضوح: هل نحن فعلا نريد أن نقاتل؟ هل نحن فعلا نريد أن ننتصـر؟ إذا اتفقنا جميعا على هذا، يومها يلزم أن يُعـاد ترتيـب الأمور بهذا الشكل وفي هذا الاتجاه، ويومها لن يكون هناك مشكلة وسنكون جميعا شعبا واحدا فـي صـف واحد".
آمن كمال أن "تصفية الاحتلال لا يمكن أن يكون بالتفاهم معـه"، وأن "الذين ينطلقون من فرضية التسـوية كحقيقـة ممكنـة وجادة ومسلَّمٌ بها.. ويرتبون أوضاعهم على أسـاس هذه الفرضية، لا يعود أمامهم إلا أن يساوموا.. هؤلاء لا يعـود أمامهم إلا أن يركعوا من أجل التفاهم مع الاحـتلال". وأن مَن يؤمنون بالتصدي للاحتلال ومنع التسوية "لـيس لهـم علاقة بموازين القوى الدولية.. علاقتهم الوحيدة مـع قدرة الفعل المحلية التي يمكن أن يصنعوها هم بأنفسهم من خلال تحريـك إرادة القتـال الجماهيريـة... استمرار الثورة يعني لا تسوية. تمرير التسوية يعنـي تصفية الثورة". فهل استمرت الثورة أم مُرِّرت التسوية؟!
وسوم: العدد 715