وقفة مع كلمة توجيهية وجهها فضيلة العلامة الأستاذ مصطفى بنحمزة
وقفة مع كلمة توجيهية وجهها فضيلة العلامة الأستاذ مصطفى بنحمزة إلى وعاظ وواعظات مدينة وجدة بمناسبة قرب شهر رمضان الأبرك
اجتمع زوال هذا اليوم الجمعة فضيلة العلامة الأستاذ مصطفى بنحمزة بوعاظ وواعظات مدينة وجدة بمقر المجلس العلمي ليزودهم بتوجهات استقبال شهر الصيام كما جرت العادة كل سنة.
وبدأ فضيلته حديثه بضرورة استغلال المشتغلين بالوعظ استعداد المواطنين النفسي لشهر الصيام وحرصهم على التقرب فيه إلى الله عز وجل بصالح الأعمال ، لهذا حثهم على ألا يكون وعظهم مخيبا لآمال هؤلاء ،وأن يكون في مستوى تطلعاتهم واهتماماتهم.
ونبههم بعد ذلك إلى دقة الظرف الذي تمر به الأمة التي أصبحت مستهدفة في دينها من طرف تيارات مختلفة تريد إقصاءه من حياة هذه الأمة وإحلال محله بدائل عنه ، وهي تيارات أفرادها في ازدياد مستمر مستغلة ذريعة الديمقراطية وحرية التعبير وحرية الفكر .وذكر كأمثلة بعض محاولات التنصير أوترويج مذاهب ليس عليها إجماع الأمة ،الشيء الذي يفرض على المشتغلين بالوعظ الشعور بالمسؤولية تجاه حماية هذا الدين مما يستهدفه، ولكن دون الخوض في الصراعات والمناكفات والجدل الذي لا فائدة ترجى منه بل بالتعريف الصحيح بتعاليمه وبقيمه السامية عن علم ودراية كفيلين بالرد المفحم على كل تلفيق يستهدفه .
ونصح فضيلته المشتغلين بالوعظ أن يخلصوا في خدمة هذا الدين ابتغاء مرضاة الله عز وجل ، وأن يسجلوا حضورهم فيما يطرأ على الأمة من قضايا تشغل بال الناس من قبيل النقاش الدائر حول قضية اللغة العربية ودورها في تلقين العلوم ، وحول قضية المرأة وحقوقها ، وقضية الحديث والمحدثين وقضية الصحابة ،وهؤلاء قد صاروا مستهدفين من طرف تيارات تحاول النيل من الإسلام عن طريق النيل منهم ،الشيء الذي يفرض على الدعاة والداعيات النهوض بمسوؤلية التعريف بهذه القضايا من وجهة نظر إسلامية للكشف عن تهافت آراء تلك التيارات المغرضة .
ونصح فضيلته أيضا المشتغلين بالوعظ بالجدية في وعظهم عن طريق الإعداد والتحضير الجادين لما يقدمونه لرواد المساجد خلال ليالي رمضان مع مراعاة الزمن المخصص للمواعظ تجنبا للإثقال عليهم ، وحرصا على إفادتهم بالتركيز على الأهم والأفيد مع وضعهم نصب أعينهم المستويات الثقافية لهؤلاء الرواد الذين يترقبون أن تكون المواعظ الرمضانية في مستوى تطلعاتهم وانشغالاتهم الآنية. وحذر فضيلته من إعطاء ذرائع لمن يستهدفون هذه المواعظ عن طريق الإطالة المملة .
هذه خلاصة الكلمة التوجيهية لفضيلته أما الوقفة، فهي كالآتي :
نثمن عاليا هذه الكلمة التوجيهية خصوصا الإشارة التي وردت فيها والخاصة بحساسية الظرف ودقته بسبب تنامي التيارات المستهدفة للإسلام من خلال استهداف كل من أو ما يمت إليه بصلة، وهي تيارات لا تدخر جهدا في نشر أفكارها الهدامة على أوسع نطاق في زمن انتشار وسائل التواصل الاجتماعي ومواقع الشبكة العنكبوتية . والملاحظ أن أصوات تلك التيارات صارت مسيطرة ومؤثرة في الرأي العام بشكل أو بآخر في غياب ما يقابلها من أصوات تدافع عن الإسلام وقيمه وتفضح ما يحاك ضده من مؤامرات مكشوفة .
ولا يمكن أن يكون الوعظ في المساجد خلال شهر الصيام كافيا لمواجهة استهداف الإسلام من طرف من يرغبون في تغييبه من حياة الأمة وتهميشه لفسح المجال لقيم وافدة وغريبة عنا خصوصا وأن الحيز الزمني لما يقدم من دروس في المساجد سواء في ليالي رمضان أو في خطب الجمعة لا يكفي لتحقيق المأمول، لهذا لا بد أن تعتمد المجالس العلمية مواقع على الشبكة العنكبوتية تنشر دروس ومحاضرات ومقالات وندوات علمية تجعل الأمة على صلة دائمة بدينها وبقيمه خصوصا وأن الظرف ظرف ثورة تكنولوجية حيث صار كل فرد يحمل معه هاتفه الخلوي الذي تقتحمه عليه كل التيارات الفكرية دون استئذان بما فيها تلك التي تستهدفه في دينه وهويته الإسلامية ، ولهذا لا مندوحة عن اقتحام المجالس العلمية للمجال المعلوماتي لمحاصرة الذين يستغلونه لتسويق أفكارهم وآرائهم التي تستهدف الإسلام وقيمه . ولا بد أن يكون للمشتغلين بالوعظ صوت مسموع خارج أحياز المساجد كأصوات الذين يستهدفون دين الأمة ، وهذا يقتضي تغييرا في ذهنية المسؤولين عن الشأن الديني .
ولا بد من التنبيه إلى تنامي ظاهرة الفتور في الإقبال على دروس الوعظ من جهة بسبب تقصير بعض المشتغلين بها ، ومن جهة أخرى بسبب ما يمكن تسميته بالتكاسل والتراخي في التدين أو رقته ، ويلحظ هذا في التأخر بالتحاق رواد المساجد بها سواء في الجمع أو في ليالي رمضان حيث يكون حضورهم في آخر لحظة عند انطلاق الدروس أوالخطب أو بعد انطلاقها بزمن معتبر . ولا بد من الإشارة إلى أنه ربما تكون هناك أسباب أخرى لا تعود إلى الوعظ والوعاظ لا بد من الكشف عنها عن طريق استطلاع آراء المواطنين الذين يريدون مواكبة المساجد لحياتهم وانشغالاتهم ، وهو ما يجدونه مع شديد الأسف لدى المتحاملين على الدين والمستهدفين له في حين تخط للمشتغلين بالوعظ خطوط حمراء يمنعون من تخطيها مقابل عدم وجود مثل تلك الخطوط بالنسبة لمن يشنون حملاتهم المغرض على دين الأمة . وطالما ظل الوعاظ مقيدة حريتهم فلن تستهوي مواعظهم الناس ما لم تتضمن مشاغلهم واهتماماتهم ولو أبدعوا فيها .
وأخيرا نأمل أن يحدث تغيير لدى رواد المساجد بخصوص وقت ارتيادها والتصالح معها ومع دروس الوعظ التي هي في الحقيقة تذكير بقيم الإسلام وليست مجرد بنات أفكار الوعاظ أو آرائهم ، وإن الإقبال عليها هو في الحقيقة إقبال على هذا الدين وانتصار له ، ولا يمكن أن تهجر مهما كانت الذرائع.
وسوم: العدد 822