التربية عند الإمام البنا الأسلوب والأثر 3
(٣ /٦)
الصدق والإخلاص
وكذلك تبدّى أثر ذلك في حركاته.. أدرك الرجل أن الهدايات الكبرى تحتاج إلى هدايات شخصية ووجود شخصي حقيقي.. ولذلك نَدَب نفسه لهذا الأمر، فترك بعثة أُتيحت له -لأنه كان الأول على دار العلوم- وتخلّى عن وظيفة كان يرتزق منها، ورضي براتب تقاعدي قليل، وانتقص من متعة عيشه، حتى يظفر هؤلاء الذين يريد هداياتهم بجهده كله في هدايتهم غير منقوص ولا مظنون.
وذلك لأنه كان يرى أن وجوده الشخصي من أجل أن يعلمهم ويرشدهم.. ومن أجل أن يتعهدهم ويرعاهم وينظمهم ويراقبهم.. هو أمر ضروري في الهدايات الكبرى.
لذلك كان الإمام معروفاً عنه أنه لا يترك إخوانه.. فكما يقول الأستاذ أحمد عادل كمال في كتابه "النقاط فوق الحروف، النظام الخاص":
* "كنتَ لا تُحِبُّ أن تراه بيننا يوماً إلا رأيته، يصلي بنا الجُمَع، ويخطب لنا العيدين ويقوم بنا التراويح في رمضان، يعقد بين الإخوان عند زواجهم، يستقبل مواليدهم، يُسمّيهم، يدعوا لهم، يتفقد الغائب ويتعهد المنقطع ويعود المريض، يمشي في جنائزنا ويبيت في معسكراتنا ويحضر كتائبنا ولا يتخلف عن اجتماعاتنا إلا لعذرٍ قاهرٍ، يُؤثرنا بحبه ومودته دائما فكنا نبادله الحب من أعماق قلوبنا".
ولذلك فرض الرجل حبه واحترامه على الجميع الكارهين والمحبين على السواء.. حتى أنّ "أحمد مرتضى باشا المراغي" وكان مديراً للأمن العام في الوقت الذي حُلّت فيه الجماعة بقرار من رئاسة الوزراء "النقراشي باشا"، يقول:
* إنه رأي قرار الحل قبل أن يوقعه النقراشي فأخذه منطلقاً ودخل للنقراشي في مكتبه وهو يعاتبه على ذلك، فتعجّب النقراشي قائلاً: "كيف تعاتبني.. وأنت مدير الأمن العام؟". فقال أحمد مرتضى باشا المراغي: "لأنني أعرف الرجل.. حلو الحديث.. فَكِهَ المحضر.. حسن المعشر.. لا يمل الإنسان حديثه.. فضلاً أنه كان صديق أبي". وذلك لأن أبوه كان شيخ الأزهر "مصطفى المراغي" وكان الإمام البنا صديقا لشيخ الأزهر، وكان الرجل يُجلّه ويحبه، وكان إذا ذكره يقول: "إنه مسلم مخلص غيور يفقه أسرار الإسلام.. ويعرف الوسط الذي يعيش فيه ... وقد شغل نفسه بنواحي الإصلاح على النحو الذي كان عليه السلف الصالح". حتى إن أحد كبار تلامذته وهو الشيخ محمد الغزالي من تأثره بتلك العاطفة والمودة من الإمام البنا -رحمه الله- ألف عنه كتاباً ضخما أسماه "الجانب العاطفي في الإسلام.
وسوم: العدد 880